أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا - الحلقة الاولى

نشر بتاريخ: اثنين, 01/01/2018 - 8:50م

يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) هذه الآيات الكريمة فيها دلالات كثيرة منها:

-  الناس المظلومون والمستضعفون هم من يستشعرون ضرورة التحرك خلف قيادة مؤمنة ينقادون لها في جهادهم وتحركهم لنيل الحرية والكرامة واسترجاع الأوطان وطرد المحتلين والغزاة، ولذلك يطلبون من الله تعالى تعيين قائداً لهم لأنه لو كان بإمكانهم اختيار قائد لما طلبوا ذلك، وهو نفس ما كنا كمسلمين وعرب ويمنيين نطلب من الله بقولنا: اللهم لا تولِّ علينا شرارنا وولِّ علينا خيارنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك.

- تأكيد النبي لهم على موضوع الانقياد للقيادة والقتال ضد العدو وتحذيرهم من التملص عن القتال برفض القيادة لأنه من خلال تجارب الأمم الماضية كان الناس يعترضون على القيادة التي كانوا يطلبونها أو أي قيادة يمنُّ الله تعالى عليهم ويُنعم بها عليهم.

-  تأكيد الناس على أنهم سيقاتلون في سبيل الله خلف القيادة المختارة لأنهم يريدون استرجاع أوطانهم وديارهم، ويذكرون الهدف من القتال أنه في سبيل الله واسترجاع الأوطان والديار ويريدون القيادة لتحقيق هذه الأهداف.

- طبيعة الناس رفض القيادة المؤمنة وخصوصاً أصحاب المال والجاه منهم الذي يعتبرون أن القائد يسحب البساط من تحت أقدامهم فيقودون حملة اعتراض واسعة بين أتباعهم متعللين بأمور غير منطقية فرفضوا القتال برفضهم القيادة التي طلبوها، بحجة أنهم أحق بالقيادة من القائد المُختار على الرغم أنهم من طلبوا ذلك ولو كانوا فعلاً أحق بالقيادة لتحملوا المسؤولية وتحركوا للقتال واختاروا قائداً من بينهم ولم يكن هناك أي مسوغ للطلب من الله عبر النبي اختيار القائد.

وهذا هو واقع  الناس عبر التاريخ وهو تذمرهم من أئمة الحق وقيادات الخير كما قال تعالى عن تذمر بني إسرائيل من موسى عليه السلام الذي طالما انتظروه كَمُخَلِّص لهم من فرعون: (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) ويذكر الله تعالى أيضاً مخالفة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حتى بعد أن أنجاهم الله تعالى من فرعون.

ونحن في هذا العصر لا بد أن نناقش موضوع القيادة التي نتبع أو نبحث عن القيادة التي يجب أن نتبعها ونتحرك تحت رايتها في طريق الحق لأن القيادات الضرار كثيرة وأي خطأ في اتباع قيادة غير مؤمنة وملتزمة فإنه خطأ يودي بالشخص إلى جهنم يقول الله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلا) ومن هذا المنطلق فمسألة التحقق من القيادة المؤمنة الفاعلة أمر منوط به المستقبل في الآخرة وأننا سنُدعَى يوم القيامة مع القيادة التي نمشي خلفها في الدنيا وأياً كان اتجاهها سيكون اتجاهنا وعليه فالضرورة تقتضي معرفة بعد من نمشي في هذا العصر ومَنْ نتولى ولِمَنْ ننقاد لأن المسالة يترتب عليها جنة أو نار.

وتَصُّور تلك المشاهد المستقبلية المخيفة في الآخرة التي عرضها  القرآن الكريم التي سيقع فيه الناس كنتيجة لاتباع القيادات في الدنيا يحتم أيضاً على الإنسان العاقل الابتعاد والتبرؤ من القيادات التي يكون اتباعها حسرة وندامة يوم القيامة ويكون الاجتماع معها في الاخرة في العذاب عذاباً إضافياً للأتباع، يقول تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ويقول: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) ويقول: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ)

وما أكثر القيادات الملعونة التي تدعو إلى النار وتتقدم وفد أتباعها إلى النار جرّاء ما  ارتكبته من ظلم وفساد وتضليل، يقول تعالى عن فرعون كنموذج لهذه القيادات: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) ويقول تعالى: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) ولذا فالقيادة التي يتبعها الإنسان تقوده في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار.  

ومن هنا فلا بد من النظر إلى كل القيادات الموجودة اليوم على الساحة والتي أبرزها القيادة المستكبرة الإدارة الأمريكية ممثلة برئيسها "ترامب" والذي لا يختلف مؤمنان أنه لا يدعو إلى الجنة والحق وإنما يدعو إلى الكفر والضلال والباطل، وكل من يتولى شخصاً أو حزباً أو نظاماً أو مذهباً يؤدي بشكل أو بآخر إلى ولاية وقيادة "ترامب" فهو في الحقيقة يتولى تابعاً من أتباع المستكبرين وولياً من أولياء الشيطان الرجيم ويكون من يتولاه همزة وصل بينه وبين "ترامب" سواء شعر بذلك أم لم يشعر.

وفي عالمنا العربي والإسلامي نجد أبرز قيادة مؤثرة هي النظام السعودي المتصهين ونجد الكثير من الأنظمة في العالم العربي والإسلامي يتبع هذا النظام أو ينافسه في التقرب من الإدارة الأمريكية ونجد في نفس الوقت مذاهب وطوائف وتيارات وتحالفات تحت قيادة النظام السعودي حتى وجدنا من إخواننا اليمنيين من يقاتلون تحت رايته ويبدون استعدادهم لهدم اليمن حجرا حجراً وإبادة أربعة وعشرين مليون يمني من أجل سواد عيون "محمد بن سلمان" وعزة النظام السعودي المتصهين.

وما كل القيادات العميلة التي في الداخل اليمني من المرتزقة والخونة إلا مجرد أتباع ليس لهم مشروع ولا قضية إلا تنفيذ أجندات خارجية ومصالح أجنبية تصب في مصلحة  المشروع الأمريكي والإسرائيلي وتتولى الأمريكي والإسرائيلي ببذل الدماء وقتل الأبرياء وفي كثير من الأحوال بالمجان وبدون مقابل.

إذن كيف نعرف القيادة الشرعية في عصرنا؟

هناك آيات قرآنية تحدد المعالم الرئيسية والملامح الأساسية للقيادة الشرعية بكل وضوح وبدون أدنى لبس، وليست هذ المعالم والملامح داخلة في الخلافات المذهبية والطائفية  في الموضوع السياسي المذهبي الذي فرق الأمة وشتت شعوبها.

المعلم الأول: قيادة من المستضعفين يؤيدها الله بالنصر على المستكبرين

  يقول الله سبحانه وتعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) فالإرادة الإلهية هي المنة على المستضعفين المظلومين الساعين إلى التحرر من هيمنة الطغاة وجعلهم أئمة وقيادات تتمكن بفضل الله في الأرض وترثها من المستكبرين وتكون عقوبة من الله على المستكبرين حين يرون ما يحذرونه واقعاً مُعاشاً يتجرعون مرارة الخزي والعار الذي نالهم في الدنيا على يد المستضعفين الذين لم يكونوا يحسبون لهم حساباً.

إذن فقيادة المستضعفين تخرج من رحم المعاناة والاستضعاف وليس من فئة المترفين والمستكبرين وهذه القيادة مهمتها هي الانتصار على المستكبرين والطغاة مهما كثرت عدتهم وزاد اتباعهم.

وهذه علامة مهمة حيث لا يمكن الاعتراف بقيادة مترفة مستكبرة ظالمة فاسدة.

وإذا تلمسنا هذه الآية في واقعنا كمستضعفين يعتدي علينا المترفون والمستكبرون أمريكا والسعودية والإمارات وإسرائيل ومن دار في فلكهم فسنجد أن هناك قيادة خرجت من رحم الاستضعاف والمعاناة منذ الحرب الأولى في "مرّان" وما تلاها من حروب شنها المستكبرون والظلمة حتى وصلت إلى ستة حروب في صعدة وما تبعها من حروب وصولاً إلى انتصار الثورة الشعبية في 21 سبتمبر 2014م وقضت على المستكبرين المحليين والذين لم يكونون يتوقعون هم ولا غيرهم من الناس والشعب أن يخرجوا من اليمن صاغرين مهزومين أذلاء مقهورين والذين ما استطاعوا بانضمامهم إلى العدوان السعودي الأمريكي المباشر على اليمن القضاء على القيادة المؤمنة ممثلة بالسيد "عبد الملك الحوثي" ولا القضاء على ولاء المؤمنين له ولا اجتثاث وإبادة المشروع القرآني وهزيمة الشعب المستضعف المظلوم والذي تثبت الأيام والأحداث أن المستكبرين يرون يوماً بعد يوم منه ما كانوا يحذرون حتى وصل الحال أن أصبح اليمن كابوساً مرعباً وشبحاً مخيفاً يقض مضاجع المستكبرين أمريكا وإسرائيل والنظام السعودي ومن معهم ويزداد قوة كل ما مرت الأيام وكلما اشتدت المعارك.

يقول السيد القائد في كلام مهم نستفيد منه المعلم الأساسي للقيادة: (ونحن وبكل وضوح نقول، لسنا قوما مدللين، نحن معتادون للصراع، نحن أبناء الصراع، نحن قوم نجاهد ونقاتل ونحارب ومتعودون على مواجهة المشاكل والتحديات مهما كان حجمها، نحن لسنا أبناء القصور ولا أبناء الفلّات ولسنا أبناء الأرصدة في البنوك، ولسنا أصحاب المؤسسات والشركات العملاقة، نحن من أبناء هذا الشعب، من حفاته ومن فقرائه ومن رجاله، من الكادحين فيه ومن المتعودين أن نعيش فيه كل المشاكل، ولدنا في هذا البلد بين الأزمات ونشأنا بين المشاكل، وعشنا كل  الظروف، لسنا من الرياض، ولسنا من أبو ظبي، ولسنا أيضا من الفئة المترفة في هذا البلد، والمتنعمة التي عاشت منذ مراحل، أو منذ عشرات السنين متربعة على الكراسي ومتخمة ومتنعمة في الفلل وذاهبة وآيبة في سفريات إلى أوروبا وإلى أمريكا ومن هنا إلى هنا إلى هنا، لا، عشنا الحروب، عشنا المشاكل عشنا عشرات السنين والأبواق الإعلامية من جهات متعددة وبأشكال متعددة وبأصوات متعددة طائفيا، لنا عشرات السنوات وهناك من يقول عنا رافضة مشركون كافرون، أخطر من اليهود والنصارى، يجب القضاء عليهم، قتالهم أهم وأولى من الصلاة، هذا صوت ليس جديدا على مسامعنا، نسمعه منذ كنا أطفالا وسمعه آباؤنا قبلنا، أيضا النبز والهمز واللمز سياسيا، هذا منذ طفولتي أنا ومن هم في جيلي ونحن نسمع الهمز واللمز تحت مسميات وعناوين سياسية، كل المرحلة الماضية ليلا ونهارا، وما كادت يعني على مدى عشرات السنوات ما كادت تمر بنا ليلة ولا كاد يمر بنا يوم إلا ونسمع الهمز واللمز بمسميات وعناوين سياسية، ثم بقية الأساليب.

كل الشتائم وجهت إلينا، كل الاتهامات وجهت وأطلقت علينا، كل أشكال وأنواع التحريض وجه ضدنا، لسنا مدللين، متعودين، الحمد لله، متعودين جدا، وهذا التعود أفادنا ربما لهذه المرحلة، يعني لو كنا مثلا خلال المرحلة الماضية لا نسمع أي صوت يجرح مشاعرنا ولا نسمع أي كلام يسيء إلينا ولا نسمع بأي تهمة توجه لنا، لكنا مع ما أتى اليوم من قوى العدوان على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي، لكنا مرهقين جدا بكل ما نسمع ولكانت هذه مشكلة علينا، ولو كنا متنعمين ومدللين ومترفين ونعيش حالة البعض التي عاشوها في الخليج أو في بلدنا، كذلك لكانت مشكلة علينا، لكن لا، هذه الأحداث لم تأت لنا بجديد، وعلى العكس نحن اليوم نعيش وضعا أفضل، أفضل من كل المراحل التي مرت، والله نعيش وضعا أفضل في كل الجوانب، يعني لا كان وطء هذه الأحداث وحجمها وأذاها ووجعها بالشكل الذي يصدمنا وأتى ونحن متروضين ولا متعودين، لا، متعودين لكل شيء، متعودين جدا جدا جدا، نعتاد الجبال، نعتاد الوديان، نعتاد أن نعيش في أي ظروف، ما من جديد، ونعتاد على التضحية، نحن أهل التضحية وحاضرون للتضحية، ونحن قوم في عقيدتنا وفي روحيتنا وفي أخلاقنا نحمل أرواحنا على أكفنا، ونؤمن بالمسؤولية وتربينا على المسؤولية، فلسنا مدللين) انتهى. 

وهذا الصبر والمعاناة والاستضعاف رغم شدتها إلا أنها لم تنتج الاستسلام واليأس والهزيمة والإحباط والذلة بل ورثّت الدعوة إلى الحق مهما كلف الأمر وتعتبر مرحلة هامة جداً في بزوغ القيادة في الظروف التي يسكت فيه الجميع ويصمتون فيها ويؤثرون السلامة ويجمدون فتبرز القيادة متحملة للمسؤولية الكاملة في المرحلة الاستثنائية وهي المرحلة التي كان يمكن لأيّ مُدَّعي القيادة أن ينهض بمسؤوليته  ويضحي ولكن مثل هذا الشخص المُدَّعي القيادة كانت قدماه ترتجفان رعباً وقلبه يكاد ينخلع من صدره ويخرج من حنجرته في أوقات الشدة والمرحلة الاستثنائية، والقيادة هي نتاج الصبر واليقين بوعود الله بالنصر والتحرك المسؤول يقول الله تعالى في مثل ذلك: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)

كما أن الدلائل الواقعية والشواهد الميدانية تؤكد أن القيادة التي استطاعت بفضل الله تعالى قيادة الشعب اليمني رغم إمكاناته الشحيحة وظروفه القاسية استطاعت قيادة الصمود الأسطوري والانتصارات الاستراتيجية المتلاحقة وتمريغ أكثر من ثلاثة عشر دولة مدعومة من أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وغيرها  إن هذه القيادة هي القيادة الشرعية والتي يجب الالتفاف حولها، ومن عنده قيادة أخرى فليذكر لنا عشر انجازات قيادة السيد "عبد الملك بدر الدين الحوثي" والتي لو أنجزها شخص آخر خلال عقود من الزمن لقيل عنه أنه قائد عظيم ولحاك حوله اتباعه هالة من القداسة والعظمة.

المعلم الثاني: القيادة الصادقة.

هذه العلامة ذكرها الله تعالى في معرض توجيهه سبحانه للذين آمنوا أن يكونوا مع الصادقين في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وهذه علامة يمكن معرفتها بسهولة وقياسها فالصدق يتجسد في القيادة في تضحيتها وبذلها وتقدمها للصفوف وتقديمها للشهداء من أسرتها وفي صدقها في كلامها ويعلم الجميع أن السيد "عبد الملك" صادق فيما يقول، وقد ذكر أموراً كثيرة وصدق فيها مثل استهداف الرياض وما بعد الرياض وما بعد بعد الرياض وغيرها من الخيارات الاستراتيجية التي أعلنها مما لا يتسع المجال لذكرها، وهنا نقطة مهمة جداً وفارقة وهي أنه لا مجال للمقارنة بينه وبين قيادات أخرى تكذب دائماً وقد جربها الناس عقوداً من الزمن والتي كانت تقدم الوعود في كل انتخابات بالتقدم والازدهار والتنمية والكهرباء بالطاقة النووية وو.. الخ مما لا يتسع المجال أيضاً لذكرها بالإضافة أننا نرى مثل هذه القيادات كانت في الماضي تحكم وتقبل الوصاية السعودية والأمريكية ومن منظومة حكمها الأساسية قيادات كبيرة هي الآن في صف العدوان ومنها في الداخل اليمني تقول أنها ضد العدوان ولم تقطع صلاتها بمن مع العدوان ولم نرها تضحي بأبنائها الذين يمتلكون الثروات الطائلة والشركات والأراضي والفلل ويعيشون في قصور وفي أرغد العيش ويمتلكون عشرات الملايين من الدولارات والشعب يتجرع مرارة المعاناة والحرمان والعدوان وقطع المرتبات ولم يبذلوا دولاراً واحداً أو يخرجوا قافلة لدعم الجيش واللجان الشعبية ويهتمون فقط بالتعيينات في الوزارة الإيرادية فأيهما أحق بالاتباع قيادة مؤمنة صادقة مجربة مضحية متحدية للعدوان؟ أم قيادة نتاج تركتها السياسية ما نعيشه اليوم من خيانة المرتزقة وانتشار الفكر التكفيري؟ وقد لخص الشهيد "أبو حرب الملصي" هذا الموضوع بعبارة كافية حين وضح لمن عاتبه لاتباعه السيد "عبد الملك" أنه رأى كل القيادات السابقة ركعت وخضعت أمام العدوان ولم تسجل أي موقف إلا السيد "عبد الملك" ثاني يوم العدوان تحدى وقال لن نركع إلا الله.

أسباب وأشكال الاعتراض على القيادة المؤمنة

ليس غريباً أن نرى الاعتراض على القيادة المؤمنة لأننا وجدنا في كتاب الله تعالى حديثاً كثيراً عن الاعتراض عن الأنبياء المعصومين المؤيدين بالمعجزات والمُوحى إليهم كلام الله تعالى فكيف بمن دونهم وقرأنا في الآيات القرآنية نماذج عن هذا الاعتراض كقوله تعالى: (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) وقال تعالى: (قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) ودائماً ما يركز المستكبرون في تحركهم ضد القيادة المؤمنة إلى الجاه الذي يمتلكونه والمال وكثرة الأتباع من علية القوم كونهم يعتبرون ذلك مؤهلات يروجونها بين الناس وللأسف تنطلي هذه الحيل على كثير من الناس يقول الله تعالى على لسان فرعون: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) ويقول تعالى عن القرشيين الذين اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحجة أنه ليس في مقام الغنى والاستكبار ولذلك روّجوا بين الناس أن القرآن كان من المفترض أن ينزل على رجل من زعماء قريش أو الطائف الأغنياء: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)

ويتجه الاعتراض نحو المستضعفين الذين يتبعون الأنبياء ويصفهم المستكبرون بأوصاف دونية ويعتبرون أتباع المستضعفين للأنبياء كافٍ لعدم الاعتراف بالنبوة والرسالة يقول تعالى: (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)

وإذا كانت هذه الاعتراضات أمام الأنبياء المعصومين فكيف بمن دونهم من المؤمنين بعدهم وبعد ختم النبوة والرسالة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نسمع دائماً من يصف المؤمنين المجاهدين المستضعفين بـــ"المتبردقين" و"الشعث الغبر" و"أصحاب الكهوف" وأنهم وقيادتهم لا يفهمون في السياسية ولا في إدارة الدولة والمفترض أن يتسلم الدولة والحكم والقيادة أصحاب السياسة الأغنياء والذين لهم علاقات خارجية و... الخ.

ووجه آخر من أوجه الاعتراض على القيادة المؤمنة النابع من الحسد بالإضافة إلى ما سبق وهو الاعتراض على القيادة من حيث بأي حق يقود السيد "عبد الملك" الناس ونحن أحق بالقيادة ونحن أصحاب المال أو العلم.

وللأسف يقع كثير من العلماء وأتباعهم في هذا المطب حيث يعتبر بعض العلماء أنفسهم أحق بالقيادة وأنهم أعلم ويعتبر أتباعهم أن القيادة المؤمنة الحالية ليست شرعية ويجب على الجميع الانصياع لذلك العالمِ الذي يتبعونه وهو متخفي وجامد ومعقد وحاسد للقيادة وكان في الظروف الشديدة والحروب يفت في عضد القيادة لحساب الباطل ولم يكن بينه وبين المبطلين مشكلة ولا صراع بل كان أحد أسباب تخذيل الناس ولسان حال هؤلاء كما قال تعالى: (لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ) ويصدق على أتباعهم قول الله تعالى: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ونذكر هذا الصنف من العلماء وأتباعهم بقول الله تعالى: (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) صدق الله العظيم

اللهم إنا نتولاك ونتولى رسولك ونتولى الإمام علي

ونتولى السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي

عَلَم الهدى في زماننا