الأفلام والمسلسلات في رمضان.. بين الهادفة والمستهدفة

نشر بتاريخ: سبت, 23/04/2022 - 10:47م

يعتبر شهر رمضان أعظم المحطات الزمنية التي تضاعف فيها أجور الأعمال الصالحة بحسب ما ورد في النصوص المتكاثرة من القرآن وصحيح السنة النبوية المطهرة، وهذا يلقي بنتائجه على الواقع الذي نعيشه كمسلمين وعلى واقع صراعنا مع أعدائنا اليهود والنصارى الذين حذرنا الله منهم وكشف لنا ما يكنونه ضدنا، قال تعالى: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)([1]).

استهداف رمضان

وأهل الكتاب يعرفون ما يمثله هذا الشهر بالنسبة لنا وآثاره علينا من الناحية النفسية والمعنوية والتي من أهمها زكاء النفوس، ولذا عملوا عبر وسائلهم على ما يضادّ هذه الآثار، ومعروف فاعلية وسائل إفساد النفوس التي يمتلكونها ونحن في عصر الصورة وتقنية المعلومات التي لا تجعل الإنسان يعايش ما يثير غريزته في بلده فحسب إنما في كل البلدان وعند مختلف الثقافات وفي شتى المناحي المتعلقة بحياتنا، حتى أصبح صوم معظم المسلمين هذه الأيام صوماً شكلياً وروتينياً، وعندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر) فهذا كان حيث انعدام الوسائل العصرية لإفساد النفوس؛ إذ أن "ربَّ" في اللغة العربية تفيد التقليل، أما اليوم فمعظم الصائمين ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش وقد غزتنا المسلسلات الهابطة المعروضة على القنوات الفضائية إلى داخل بيوتنا وقدمت لنا ثقافة المجتمع الغربي وفي شهر لا يمت لثقافة هذا المجتمع المادي بصلة.

العلة من تكثيف المسلسلات والأفلام في الشهر الكريم

إن المسلسلات والأفلام التي يتم عرضها على القنوات الفضائية يتم إعدادها بشكل يمزق النسيج الداخلي للمجتمع الإسلامي ويضرب الأسرة المسلمة في مقتل؛ ذلك أن هذه المسلسلات والأفلام يتم إعدادها لذلك منذ كتابة النص وحتى الإخراج مروراً باختيار الشخصيات التي تقوم بأدوار معينة فيها، ولنأخذ مثالاً على ذلك الكمّ الهائل من هذه العروض التلفزيونية في شهر الصوم بالذات؛ حتى لا يوقظ هذا الشهر في وعي الأمة الغيرة الإيمانية التي أماتها اليهود والنصارى، وهم يعرفون أنه كفيل بإيقاظها لما يحمله من ميزات وخصائص أهمها "مضاعفة الأجور"، وهل يمكن أن يضاعف الله أجر هذه الأعمال في شهر الصوم دون أن يكون لها أثر في واقع المسلمين العام وبالأخص منه واقع الصراع مع أعداء الإسلام، وقد أخبر المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله أن النافلة فيه بفريضة والفريضة بسبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ولا يمكن أن يضاعف الله أجر عمل دون أن يكون له أثر في واقع حياتنا؛ إذ لو أمكن هذا لانعدمت الحكمة الإلهية من ذلك والله قد أخبر عن نفسه بأنه (... عَزِيزٌ حَكِيمٌ)([2]) (... عَلِيمٌ حَكِيمٌ)([3])، فكل ما شرعه لنا في هذا الدين فهو لحكمة، والحكمة هي "وضع الشيء في مكانه المناسب"، فإذا أمر عزّ وجل فذلك المناسب وإذا نهى فذلك المناسب لنا في الدنيا والآخرة والمتناسب مع الفطرة الإنسانية السليمة، أضف إلى ذلك ان واقع الدراما العربية بشكل عام وما يأتينا من خارج محيطنا الإسلامي لا يعالج إشكاليات بقدر ما يثير سفاسف ولا يحث على قيمة بقدر ما يحط منها، ويترافق مع ذلك مساعي يهودية من خلال ما يتم ما عرضه على الشاشة الفضية، يتم دراستها من قبلهم وبشكل متأنٍ، وقد وصل تزييفهم للحقائق حتى فيما يقدمونه لنا من أفلام وثائقية عن تاريخ الصراع البشري بشكل عام، وكأن الأقوى هو الذي يحق له أن يملك العالم بعيداً عن الله.

إن نسبة ما يقدم لنا من أفلام وثائقية يُنِّمي مارد المادة في نفس الإنسان المسلم ويبعده عن الله خلال شهر رمضان الكريم يفوق بكثير ما يقدم لنا في باقي شهور السنة؛ ذلك أن اليهود والنصارى يعرفون قيمة هذا الشهر أعظم مما نعرفه فهم أهل كتاب، ويعرفون ماذا يعنى أن يكون هذا الشهر ظرفاً زمنياً لنزول القرآن الكريم كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ...)([4])، ولذا يستهدفونه بهذه المسلسلات والأفلام، فمن ينظر إلى امرأة متبرجة تثير غريزته على شاشة تلفزيونية أو تلفونية أو كمبيوترية فهو يرتكب معصية لأنه اقترب مما نهى الله عن الاقتراب منه حين قال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)([5])، والنظر الحرام قُرْبٌ من الزنا والله نهى عن مجرد القرب- كما في الآية السابقة- فضلاً عن الاقتراف والممارسة، ومن ارتكب معصية في رمضان جرح صومه، ومعنى جرح صومه نقص ثوابه أو حرم منه وإن كان صومه في الظاهر صحيحاً كونه لم يتناول أي مفطر من المفطرات.

إن هذه الوسائل العصرية التي مفاتيح التحكم بها بأيدي اليهود والنصارى سهلت ارتكاب آلاف المعاصي في هذا الشهر الكريم بما لا يجعل للأجور فيه أي وجود، وهذا انعكس على واقعنا العملي ذلاً وهزيمةً وانكساراً وانحطاطاً أخلاقياً؛ إذ الأمم بقاؤها وظهورها وتمكنها مرهونٌ بما تحمله من قيم وأخلاق فاضلة، قال الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت   فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

سعير الحرب الناعمة يقضي على النتائج العملية للفرائض الإلهية

إن الظاهر لكل متأمل اليوم أن سعير الحرب الناعمة يزداد في شهر رمضان لأن هذه الحرب هي الكفيلة بإفقاد هذا الشهر مضامينه العملية والإيمانية في واقع الأمة الإسلامية، وكل فريضة فرضها الله تعالى علينا لها مثل هكذا مضامين، ومن أهم هذه الفرائض هذه الفريضة السنوية فريضة الصوم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)([6]).

ردٌّ على إشكالية

ولقائل أن يقول: لماذا يُتهم غيرنا بما يدور في واقعنا ونحن من ننفذ وسائل الحرب الناعمة وعلى أنفسنا؟!، فالمسلسلات والأفلام التي هي إحدى وسائل الحرب الناعمة مِن داخلنا مَن يقومون بأحداثها، ومنا من يديرونها ومنا من يقومون بالجانب الفني منها، أقول جواباً على هذا السؤال: لقد ذكر الشهيد القائد سلام الله عليه أن أي اختلال تربوي فينا هو يقدم خدمة لليهود الذين يستغلون هذا الاختلال لصالحهم، ثم إن ما نقوم به من نماذج سابقة قدوتنا الأولى فيها هي وجهة أعدائنا اليهود، فهم بمثل هكذا أفلام ومسلسلات من دمروا المرأة المسيحية في أوربا قبل أن يدمرونا نحن، ثانياً هم من يمتلكون مثل هكذا وسائل وما نحن إلا مستهلكون لها لا غير، فالتحكم بالأقمار الصناعية هو بأيديهم وإدارة مراكز التواصل الاجتماعي بأيديهم وبها يَفسدون ويُفسدون كما قال الله تعالى عنهم: (... وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ...)([7])، ويستهدفون بهذه الوسائل هذا الشهر الكريم الذي يعتبر محطة للبناء الإيماني والروحي.

معالجات

وكان بالإمكان أن تكون هذه الوسائل "المسلسلات والأفلام" وسائل لنا في مواجهة الحرب الناعمة لا وسائل علينا، وذلك إذا تمت معالجتها بدءاً من كتابة النص الدرامي فيقدم هذا النص باعتباره نصاً يعالج القضايا والمشكلات الاجتماعية وبما يعزز وحدة النسيج الاجتماعي كما هو الحال في الدراما الإيرانية المحكومة بلوائح تمنع عرض مشاهد الإثارة، وإن تضمنت مشاهد عاطفية فيكون تأثيرها السلبي محدوداً وليس كبيراً، ولا تصبح هذه المسلسلات والأفلام قنوات لإيصال الثقافة الغربية إلينا في شهر الصيام الذي تسوده الأجواء الروحانية، فينبغي تقديم كل ما هو مفيد على الشاشة الفضية من مقابلات وحوارات وبرامج وأفلام ومسلسلات، وخصوصاً ونحن نواجه أعداءً يعملون على اختراقنا بضرب هويتنا الإيمانية، وشهر رمضان يعتبر أفضل وقت لترسيخها وتحصينها من الاختراق.

 


([1]) آل عمرن آية (118)

([2]) البقرة آيات (209، 220، 228، 240، 260)، المائدة آية (38)، الأنفال آيات (10، 49، 63، 67)، التوبة آيتا (40، 71)، لقمان آية (27)

([3]) النساء آية (26)، الأنفال آية (71)، التوبة آيات (15، 28، 60، 97، 106، 110)، يوسف آية (6)، الحج آية (52)، النور آيات (18، 58، 59)، الحجرات آية (8)، الممتحنة آية (10)

([4]) البقرة آية (185)

([5]) الإسراء آية (32)

([6]) البقرة آية (183)

([7]) المائدة آية (64)

الدلالات: