لاشك أن أعداء الإسلام المتمثل في الصهيونية العالمية واليهودية الحاقدة مازالت تلقي بشراكها الاحتلالية على الشعوب الإسلامية والعربية لتصطاد حياتها وتكبل دينها وتأسر مبادئها على كافة الأصعدة والاتجاهات .. وما من وسيلة تجاه تحقيق مآربهم الشيطانية إلا وعملوا على تنفيذها بعد إحكام خطتها .. ابتداءً من استعمار الأرض إلى تحوير الفكر وتعطيل الروح إلى التحكم في اقتصاد الأمة .. وقد نبه الله المسلمين إلى ذلك بقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ... } وقوله عز من قائل : {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ..
وإن كانت الأمة الإسلامية قد أدركت خطر أعدائها نتيجة الواقع المر الذي عانته الشعوب الإسلامية من الاحتلال الصارخ لأراضيهم ، وفي مقدمتها : فلسطين حبيسة الجدران الأربعة ، وبالتالي سعت لإنشاء مقاومة مسلحة تواجه به الاحتلال وتخفف به بعضا من معاناتها الجامحة، وبذلك تكون قد حققت النصر في بعض جهاتها ونجحت في طرد المستعمر الاسرائيلي كما حصل في جنوب لبنان على يد حزب الله .. إلا أنها لم تُجِدْ صناعة مقاومة حقيقية تتكفل بمواجهة الأفكار الخبيثة التي تسللت إلى أذهان الأمة الإسلامية بأريحية مطلقة لتصبح يوما ما من معتقداتهم الحقة ومبادئهم الثابتة ..وما ذاك إلا لغفلتهم أو تغافلهم أن الاحتلال الفكري يعد من أخطر الاحتلالات على الإطلاق ، لأن المحتل يستطيع من خلال ذلك ان يدير الأنظمة ويسيرها بالريمونت من مكانه ولا يحتاج أن يدخل بجيوشه بغية الاستعمار ليتكبد عناء الحرب وويلات الهزائم .. بل يكفي أن يصنع عقولاً من نفس البلاد المستهدفة تحمل فكره وتجسد مبدأه، وبالتالي هي من ستتكفل بإدارة البلاد تحت مظلته ومن خلال سيطرته .. كما سبق وأن حكمتنا السعودية لعدة اعوام خلت ، حيث سيطرت على مفاصل البلاد وتحكمت بأنظمتها دون ان ترسل جندياً واحداً من قِبَلِها ، بل اكتفت بصناعة العقول على وفق منهجيتها المطروحة وكفى .. ومن خلاله عانى اليمنيون خلال الأعوام الماضية شتى انواع المعاناة ، كان آخرها هذا العدوان الظالم والحرب الهمجية التي مازالت تدير رحاها ذبحاً للأبرياء من الأطفال والنساء والكهول والشباب ، وتدميرا للمباني والبنى التحتية ، وحصاراً اقتصاديا خانقاً .. مع صمت رهيب يعم العالم تجاه ذلك كله ..
وفي ذات السياق وإلى جانب الاحتلال الفكري للأمة الإسلامية يظهر احتلال آخر يُعَدُّ اكثر تعقيداً من سابقه ، وهو الاحتلال الاقتصادي .. وذلك من خلال تبديل الانظمة الإسلامية المالية بأنظمة أخرى رأسمالية تعتمد على التعامل الربوي لا سواه ..
ويبدو أن الغرب استطاع أن يكبل العالم الإسلامي بقيوده المحكمة ويرميَه في سجونه المظلمة من خلال سيطرته على أهم مفاصله القومية حين فرض عليه نظاماً مالياً قاتلاً " وهو النظام الربوي " .. حتى يظل العالم الإسلامي بلا حراك يضمن نهضته ويساعد على ديمومته .. بل وليبقى عبداً للخارج يستجديهم مساعدة عينية او قرضاً مالياً يزيد من بؤسه وعناءه ..
ومع أن التعامل بالربا من الأمور المجمع على حرمته بين فئات المسلمين لورود الوعيد الشديد بل والمخيف في شأنه ، ومنها قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } إلا أن المسلمين مازالوا في حيرة من أمرهم حول إمكانية الانتقال إلى الصيرفة الإسلامية بعيداً عن النظام الربوي ، بل كادوا من فرط اليأس أن يصبغوا النظام الربوي بصبغة إسلامية ، بدعوى الضرورة تارة ، وبالتحايل على بعض التعاملات الإسلامية تارة أخرى .
لاشك إن التعامل بالربا خطير غاية الخطر على واقع الأمة من كافة نواحيها المعاشة .. وكيف لا ، والله سبحانه وتعالى يقف في وجه الأمة المتعاملة بالربا من جهتين :
الفئة الأولى: المرابون الّذين يقرضون المال ويربحون دائماً.
الفئة الثانية: الأشخاص الأغنياء المقترضون القادرون على تقديم ضمانات تسديد قروضهم.
وهذا يؤدي إلى تداول المال بين المرابين والأغنياء القادرين على تقديم ضمانات مما يجعل المال متداولاً بين هؤلاء لا غير.. بينما منهج الإسلام يقوم على توزيع المال بين الناس، وتداوله وحركته بينهم، ولذلك جعل علّة توزيع الفيء – كأحد مصادر المال في الإسلام – على المستحقّين كيلا يتركز المال في أيدي الأغنياء فقط، بل يتداول بين الناس، كما ورد في قوله تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ..
إلى جانب ذلك أن التاجر يهمه إرجاع رأس المال حتى لا تضاعفه الفائدة دون التركيز على نجاح المشروع بما يرجع بالنفع على مجتمعه ، ما يؤدي به الى التلاعب والخيانة والغش وما شابه ذلك ..
- وكم هناك من أضرار فادحة تصاحب التعامل الربوي .. والتي تجتاح في الأغلب المجتمعات الأدنى من طبقات الأغنياء وهم غالبية البشرية .. ممن لا يجدون مأوى ينقذهم من جشع الأغنياء وطمعهم المتزايد إلا أن يعيشوا على كظة الجوع وألم الفقر ، بعد ان سُدت الطرق امامهم ، فقد استُأثر بالمال ، وأُميتت الوسائل المتاحة للعمل ، وغلت الأسعار ، ويبست الأرض ، وازداد الكرب ، وعم البلاء ... وغيرها مما تجره ويلات الربا ..
فاستحق الأمر أن يقف الله محارباً في وجه المتعاملين بالربا حتى يوقفهم عند حدودهم .. رحمة بالناس ورأفة بحياتهم ..
وها هي الحرب من الله تتجلى للعيان في واقعنا اليوم ، بل هي أكثر وضوحاً وأبين سطوعاً .. فهل آنَ لنا أن نرجع من هذا التعامل الخبيث أم أننا ننتظر واقعاً أشد ، وحياة أنكى .. إذ نلوي الصفحة عن أمره ، ولا نخشى من بطشه وقهره .. وهو تعالى يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .