في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام (معالجات للفكر التكفيري وجرائمه)

نشر بتاريخ: أربعاء, 14/06/2017 - 1:09م

بما أن الفكر التكفيري أضحى خطراً وجودياً يهدد الأمة ويدمرها ويرتكب بحقها أبشع الجرائم الوحشية ويفتك بها من داخلها وأصبح أخطر ورقة بيد أعدائها فإن الواجب ونحن نعيش ذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام الإمام العظيم الذي كان ضحية هذا الفكر أيضاً أن نبحث عن الطريقة المثلى في مواجهته والحد منه والقضاء عليه بمقتضى الفكر والسلوك العلوي تجاهه.

لا أعتقد أنه يمكن التعامل الصحيح مع هذا الفكر دون دراسة حياة الإمام علي عليه السلام وطريقة تعامله مع هذا الفكر ومع الفتن الداخلية التي واجهت الأمة في زمنه واستلهام أحكام قتال البغاة والخوارج وغيرهم منه .

وإذا أردنا بشكل جدي ومسؤول القيام بذلك فأمامنا ثلاث خطوات رئيسية:

الأولى: استخلاص الرؤية التشخيصية السليمة لظاهرة التكفير مع ما استجد فيها في هذا العصر.

الثانية: وضع استراتيجية للتعامل مع الفكر التكفيري في السلم والحرب من حيث أنه فكر ومن حيث أنه سلوك إجرامي وكل هذا بناء على الرؤية التشخيصية.

الثالثة: تحويل الإستراتيجية إلى عمل جاد وحركة حكيمة وبالنفس الطويل مع عدم التهاون في المسائل الطارئة التي لا تقبل التأخير لأن الحل الأمني والمواجهة العسكرية جزء من الحل المؤقت وليست كل الحل . 

الرؤية التشخيصية للفكر التكفيري وجرائمه

الفكر التكفيري هو مجموعة من الاعتقادات الخاطئة التي ينتج عنها سلوك إجرامي يعتقد صاحبه أنه على الحق ويرضي الله تعالى.

والتكفيريون في التاريخ عُرفوا بالخوارج ولكن لا نجد نشاطاً كبيراً لهم عبر صفحات التاريخ وبهذا الحجم إلا في عصرنا هذا!

إذاً التكفيريون ليسو محصورين في المصطلح التاريخي الخوارج لأن التكفير في الحقيقة كما أسلفنا مجموعة تصورات وأفكار جهنمية على رأسها تكفير المجتمع المسلم تنتج سلوكاً إجرامياً باسم الإسلام فيستبيح المجتمع  باستباحة دمه وعرضه وماله بشكل عدواني وكل من كان بهذا الشكل فهو تكفيري بغض النظر عن المصطلحات والمسميات وإن اختلفت بعض الاعتقادات أو تعددت أو اختلفوا سياسياً على الزعامة وإن تقاتلوا فيما بينهم.

والغالب على التكفير أنه فوضى أمنية عارمة وفوضى سياسية وإجتماعية وإقتصادية وفكرية ولا ضوابط لديه ويكون التكفيري في هذه الفوضى عبارة عن مسخ بشري شيطاني

ومن المهم هنا أن نفرق بين التكفيري من غيره لأن التعميم خطأ بحيث أن كل من نواجههم ليسوا كلهم تكفيريين بل منهم مرتزقة وأصحاب مصالح ومنافقون وخونة وعملاء بل بعضهم ليس في وارد الدين بالمرة لا سلباً ولا إيجاباً فتفكيك منظومة العدو والتفريق بين تشكيلاته سيجعل من التكفيري وحيداً ضعيفاً غير قادر على التحرك بمفرده كما يمكننا من التعامل بما يقتضيه الحال.

كما إن إطلاق مصطلح (التكفيري) لا يعني تكفيره بمعنى ليس التكفيري كافر وإلا لكنا ممن يشجع على التكفير ورغم جرائمهم وبشاعتها فإنهم واقعاً وحكماً غير كفار .

فنظرتنا إلى التكفيريين لا بد أن تكون نظرة مسؤولة مستقاة من نظرة الإمام علي (ع) الذي لم يكفرهم بل نسبهم إلى البغي وكان قبل أن يسفك التكفيريون دمه حتى سال إلى لحيته الشريفة  في محراب مسجده في رمضان سالت دموعه مراراً وتكراراً أسفاً وأسى وأساً على الأوضاع التي وصلت إليها الأمة وهذا ما يحدونا أن نتألم مما نمر به كون ما يجري داخل الأمة وفي الغالب على أيدي أبنائها.

ثم إن التكفيريين اليوم ليسوا بمفردهم كما قلنا بل هناك منظومة سياسية من حولهم من حكام وسياسيين وأحزاب تستخدمهم وتوجههم وتقدم لهم الغطاء السياسي وفي كثير من الأحيان الغطاء الرسمي ومنظومة اقتصادية من تجار وجمعيات وتبرعات ودعم مالي إقليمي من دول النفط وعلى رأسها قطر والسعودية ومن شخصيات ثرية ومنظومة إجتماعية من مشائخ قبائل يهيئون لهم الحاضن الشعبي والبيئة الخصبة ومنظومة دينية من علماء ومفتين ومراكز تحفيظ وجامعات ودور باسم القران الكريم وعلومه ومساجد للتحريض والشحن ومنظومة إعلامية تسوق للأفكار التكفيرية والتحريضية وتبث جرائم التكفير لتوهن من عزم الأمة وتوظفها لقطع خط المقاومة والتحرير والممانعة بل وتتشفى بهذه الجرائم في المسلمين ومنظومة أمنية وإدارية من المخابرات الدولية وبالخصوص الأمريكية والإسرائيلية والسعودية .

وعندما نعود إلى البحث عن كيفية نشأة التكفير في عصرنا بهذه القوة والانتشار فسنجد أن المسألة مبيتة بليل ومرتبة مسبقاً ومدروسة ومخططة، فخاماته مما يسمى بالتراث الإسلامي والتاريخ الإسلامي وعلى رأس ذلك فكر إبن تيمية الذي أصبح المرجع للتكفير وشكل وصنع من هذه الخامات العدو الغربي والصهيوني هذه الظاهرة وأوجد الجماعات التكفيرية بعد بحوث ودراسات استراتيجية من قبل المستشرقين وضباط المخابرات العالمية الذين درسوا تراثنا وتاريخنا وعقائدنا وفقهنا ومذاهبنا وطوائفنا وكل ما يتعلق بنا وبديننا حتى أن المستشرق أو ضابط المخابرات أو مركز البحث والدراسة يعرف عنا وعن ديننا أكثر من كثير من علماء الأمة نفسها.

ونحن للأسف لا نكلف أنفسنا عناء دراسة ظاهرة التكفير وسبب انتشارها ودراسة مراجعها وعقائدها وأقوال العلماء المؤيدين للجماعات التكفيرية وطريقة انتشارها ودراسة العوامل المساعدة لها من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والفكرية الثقافية ودراسة العلاقة بينها وبين الأمريكيين والإسرائيليين وكيف نفكك هذه العلاقة أمام المجتمع.

ولا نكلف أنفسنا بحث كيف صنع العدو الصهيوني والأمريكي جيشاً خلفياً له داخل الأمة يقوم بما لا يستطيع العدو نفسه القيام به ويستهدف ما لا يجرؤ على استهدافه ومتى نشأ هذا الجيش التكفيري على الرغم أن بداياته واضحة وتحتاج مع ذلك إلى مزيد من التوضيح كون المسالة في غاية الخطورة.

فمن بداية إنشاء الوهابية ومملكة آل سعود بمرجعية ابن تيمية ومن على شاكلته والذي يُعتبر بداية قرن الشيطان بدأ في الحقيقة إنشاء هذا الجيش داخل الأمة ومروراً بأفغانستان وكيف استطاع هذا الجيش التكفيري إخراج روسيا منها لتدخل أمريكا وبعد دخولها بسلام توزع هذا الجيش باسم القاعدة وأدخل أمريكا بعد أحداث الحادي من سبتمبر إلى كثير من الدول سواء بشكل عسكري أو بشكل سياسي أو بأي شكل من الأشكال وبعد تجربة أفغانستان عمم العدو الأمريكي والصهيوني التجربة نحو البلدان الإسلامية وفي محاولته إسقاط سوريا وحزب الله وتأمين إسرائيل وجه الجيش بنسخته الجديدة داعش وجند المقاتلين فيه من شتى أنحاء العالم وأوصلهم ودربهم ومولهم عبر النفط العربي وأفتاهم عبر علماء السعودية والخليج وتستمر القضية على هذا المنوال.

إذاً نحن بحاجة إلى دراسة التكفير بدون عاطفة أو انتماء طائفي ومذهبي يؤثر على الموضوعية في الدراسة ونتائجها والتي ستُبنى على ضوئها إستراتيجية التعامل والمعالجة.

لا يمكن في هذه الورقة المتواضعة والبسيطة أن نقدم رؤية كاملة كون ذلك يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة والمقام هنا لا يسمح أصلاً ولا يتسع لذلك ويحتاج الموضوع إلى جد ومثابرة واهتمام وتكاتف من الجميع كما أن وضع استراتيجية للمعالجة والحل والمواجهة تحتاج هي الأخرى إلى عمل مرتب وجهد منظم وتشجيع وأخذ الموضوع بجدية من قبل أصحاب القرار كما أن تحويل الإستراتيجية بعد وضعها إلى خطة عمل قابلة للتنفيذ والتطبيق يحتاج أيضاً إلى استشعار الحاجة لذلك والضرورة الملحة له وهنا ندعوا إلى أخذ الموضوع بمسؤولية وإلى البدء الفوري في إنجاز هذا العمل الكبير والمهم والملح كونه أهم جبهة وأفضل طريقة لمواجهة التكفير وجرائمه لأن المواجهة الأمنية والعسكرية وحدها لا تكفي ومكلفة وهي حل مؤقت وطارئ وضروري في نفس الوقت وجزء من الحل وليست كل الحل ونحن بحاجة إلى حل جذري وجوهري .

من الأخطاء الكبيرة أن لا نعير اهتماماً لمثل هذه التوصيات وتجاهلها ومن الخطأ الكبير أن الجبهة الفكرية لا أحد يتحدث عنها رغم أننا نواجه فكراً تكفيرياً وجرائمه وما يجري اليوم هو مواجهة جرائمه فقط وتركنا مواجهة الفكر بالفكر وتوعية المجتمع وإصدار الدراسات والبحوث وكأن ذلك لا يُعتبر جهاداً في سبيل الله فالفكر هو المحرك الأول للجريمة واقتلاعه هو اقتلاع للجريمة ومواجهته هو مواجهة لأعداء الأمة من الأمريكيين والصهاينة وآل سعود ومن كان على شاكلتهم لأنه بالنسبة لهم يشكل الرافعة الأساسية لاعتداءاتهم بحق المسلمين .

إن هذا الموضوع أمانة نضعها في أعناق أصحاب القرار وفي أعناق العلماء بالذات والمفكرين والمثقفين والثقافيين والأكاديميين فكم من أوقات نهدرها فيما لا طائل منه وكم من مواضيع هامشية نهتم بها ونعمل لأجلها وكم أموال تُبدد هنا وهناك بدون فائدة وكم خسارة ندفعها في مواجهة الفكر من شهداء وجرحى وإذا قُتل من التكفيريين واحد فرخوا لنا عن طريق الفكر عشرة بدلاً عنه .

من باب النصيحة نقول: لا تنظروا إلى صاحب أي مقترح أو توصية حتى لا تتجاهلوهما ولكن انظروا إلى المقترح نفسه والتوصية نفسها وأهمية ذلك حتى نقوم جميعاً بواجبنا ونتحمل معاً مسؤوليتنا.