التوجيه والإرشاد بين الواقع والطرح

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 13/06/2017 - 12:24ص

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الهداة ورضي الله عن أصحابه التقاة .. وبعد:

تتعدد مجالات التوجيه والإرشاد فهناك التوجيه والإرشاد  النفسي والصحي  والسياحي وغيرها.

حديثنا هو حول التوجيه الديني والإرشاد الديني، وبما أن الدين أصلاً مشروع حياة كريمة وعزيزة متكامل وشامل سياسياً واجتماعياً وثقافياً فكرياً وتربوياً وأمنياً وعسكرياً ونفسياً وغيرها.

يجلب المصالح للبشر ويدرأ عنهم المفاسد، فهو ضرورة حياتية وحاجة فطرية لاسيما والإنسان لا يتعدى دائرة المعلوم والشهادة، أما الغيب وما وراءه فالعجز والجهل عنوانه الأبرز.

من أجل ذلك أنزل الله الكتب وأرسل الرسل كموجهين مرشدين للأمم إلى سعادتها وخيرها وفلاحها.

فكان من الأمم ما كان من التكذيب والقتل والاستهزاء لهؤلاء المرسلين والمرشدين كما قال تعالى: ﴿ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون﴾ وكما قال تعالى: ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون﴾ وكما قال تعالى: ﴿ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُون﴾.

وكان لهم  من الله ما يستحقون من العقاب ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾.

وفي أثناء الطريق والمسير نصب الكثير من الأشرار  والفاسدين أنفسهم كمصلحين ومرشدين، فهذا فرعون المتأله الذباح للأطفال يدعي – كذباً وزوراً- ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَاد﴾ وهناك مسيلمة المشهور بالكذاب، وهناك سجاح وغيرهم وغيرهم من دعاة الضلالة والنار ﴿أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ وهما صراطان لا ثالث لهما، الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، والصراط الأعوج صراط المغضوب عليهم والضالين.

هذا والأنبياء تترى، والآيات تتلى .. حتى ختم الله رسله بالخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾ وختم كتبه بالقرآن الكريم الذي قال فيه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾.

ولم يلحق الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى إلا وقد ترك العالم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وما أكثر الهالكين والله المستعان، لم يلتحق إلا بعد أن أمره الله أن يتلو عليهم ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ فماذا بعد الكمال والتمام والرضا؟!! وماذا بعد الدين والنعمة والإسلام للطالب من مطلب؟!!

لم ينتظر العالم لرحيل الرسول الخاتم حتى يناصبه العداء بل أعلن الكثير من أبنائه حربهم على الرسول والرسالة وهو حي بين أظهرهم وبذلوا كل وسعهم واجتهدوا في أن يطفئوا نور الله وكانت الحروب مع عملاء اليهود والنصارى من منافقين ومشركين أولاً، ومع اليهود أنفسهم والنصارى أخيراً.

ويحقق الله وعده وينصر عبده  ويظهر دينه على الدين كله، وبعد الهزيمة يعاودون الكرة، ويستمرون المرة بعد المرة، في محاولة جادة للفساد والإفساد في الأرض، ليحققوا لأنفسهم ولأنفسهم فقط –كما يظنون ويتوهمون- المصالح الغير مشروعة ولو على حساب ملايين ملايين البشر في أنانية وحقد لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، وفي تعدٍ وظلم صارخ لم تعش البشرية في تاريخها أسوأ منه، وبمكر وخداع لاستدراج الضحية حتى يسلم ظهره لجالديه ورقبته لذابحيه وهو يظن أنهم من داءٍ ما سيعالجونه، أو من فقر ما سيغنونه، أو من ضلال ما سيهدونه، وهم ذئاب في صورة بشر، مصاصوا دماء، وآكلوا لحوم البشر، ولصوص الأوطان والثروات.

سل عنهم »اليابان« و»هيروشيما«، وسل عنهم »فلسطين« المحتلة، وسل عنهم »الفيتنام« و»الأفغان«، وسوريا، وليبيا، واليمن، والصومال، والخليج العربي، بل سل عنهم الدنيا بأسرها؛ ظهرها وبطنها، وبحرها وجوها تنبئك عنهم.

إنهم أعداء المبادئ والقيم، ومدمروا الفضائل والأخلاق في النفوس، وملوثوا الفضاء والبحار بالسموم، هم أحياناً أساطيل بحرية، وأحياناً قواعد عسكرية، وأحياناً قنوات فضائية ومواقع إلكترونية،  وأحياناً منظمات حقوقية  أو إنسانية، وأحياناً أنظمة، وأحياناً مناهج سياسية أو تربوية، وأحياناً مساعدات إنسانية، وأحياناً هم هم وأنت أنت، وأحياناً هم أنت وأنت هم.

فهم بحق أخطر فيروس في هذا الوجود وبقاؤه يهدد البشر والشجر والحجر، وعلى الجميع العمل على اكتشاف المضاد له والتحصين منه.

ولذلك الخطر الخطير تدخل الرحمن الرحيم وتعهد بحفظ كتابه القرآن الكريم لأنها لم تسلم منهم حتى الكتب الإلهية السابقة، وصلت أيديهم الخبيثة إليها فغيروا وحرفوا وبدلوا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.

وواقع التوجيه والإرشاد الديني اليوم أنه ضعيف؛ ضعيف بكوادره، وضعيف بحضوره، وضعيف بتأثيره، وضعيف بما يعتمد له من موازنات مالية مقارنة بالأمور الأخرى، فما هو مرصود للنظافة ربما أكثر بكثير مما هو مرصود  للتوجيه والإرشاد؛ رغم أن تنظيف القلوب والنفوس والعقول مما علق بها من أوساخ أصعب وأكلف من تنظيف الشوارع والمؤسسات من الأوساخ الظاهرة.

وضعيف بمنهجيته أحياناً، وضعيف بسيطرة السياسي عليه أحياناً أخرى.

وكل هذه الإشكالات والاختلالات تحتاج إلى وقفة وتعاون من الجميع، أين التوجيه والإرشاد وأنت ترى الخيانة والعمالة والارتزاق، أين التوجيه والإرشاد وأنت ترى التكاسل والتقصير والتنصل والهروب عن المسئولية، أين التوجيه والإرشاد وأنت ترى الفساد والانحلال والانحطاط والمنكرات؟!!

أين التوجيه والإرشاد وأنت ترى خراب الأسر والبيوت والمشكلات والتشاجر والخصومات والخصوم يملؤون الأقسام والمحاكم؟!!

أين التوجيه والإرشاد وأنت ترى الفقراء والأيتام والأرامل والمرضى والشباب الغير محصن؟!!

أين التوجيه والإرشاد وأنت ترى الأوطان المحتلة والقتل والقتال بين المسلمين وأهل القبلة واليهود لا يمسهم سوء ولا هم يحزنون؟!!