أهمية الاحتفال بالمولد النبوي
الحديث عن المولد النبوي الشريف هو حديث عن كل يوم في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وعن كل تشريع من تشريعاته وعن مواقفه وأخلاقه وشمائله وسيرته وليس مقتصراً على يوم خروجه صلى الله عليه وآله وسلم من بطن أمه الكريمة، كما أنه حديث عن الإسلام ومعالمه، بل إن الحديث عن المولد النبوي الشريف هو حديث القرآن الكريم الذي ينبغي أن نعرف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من خلاله.
فالقرآن الكريم يقدم الرسول في قوالب عامة شاملة تدل على عظمته حينما يقول عنه الله سبحانه {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } وعندما يقول سبحانه { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وعندما يقول جل وعلا { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} وعندما يقول سبحانه { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} هذه الآيات وأمثالها تشكل مرجعية لأي رواية أو حديث عن رسول الله ، فإنه لا ينبغي أن نخرج عن هذا الإطار الذي كله تعظيم ويُعتبر خطوطاً عريضة لكل ما يمكن أن يُقال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن الاحتفال بالمولد النبوي معناه أننا نقدر نعمة الله علينا بهدايته لنا برسوله وأننا ممتنون لله على هذه النعمة ونقدرها حق قدرها ..كما أن معناه أننا نحب الرسول ونتخلق بأخلاقه ونتزود بالمعرفة العملية الصحيحة بالإسلام وقيمه ومثله العليا وروحه وجوهره بدلاً من التمسك بقشوره التي لا تسمن ولا تغني من جوع..
فالاحتفال بمولد النبي الأكرم بوعي يُعدُّ محطة انطلاق نحو مولد جديد لأمة قوية منتصرة، مستقلة تكتسي هيبتها وتحتل مكانتها العالية بين الأمم كشاهدة على الناس كما أراد الله لها وكما كان أول مولد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم باكورة ميلاد أمة الإسلام فبإمكاننا أن نجعل من هذه المناسبة في هذا الزمن مولداً لأمة مهابة الجانب ذات سيادة واستقرار وحضارة إنسانية.
كما أن المولد النبوي الشريف يمثل أهمية بالغة للأمة الإسلامية فهو يعتبر خاصية حضارية لها بين الحضارات والأمم الأخرى التي لها أعياد ومناسبات مستقلة وذات خصوصية، ونحن كأمة إسلامية يمثل الاحتفال بهذا المولد الشريف جزءاً مهماً من مميزات حضارتنا الإسلامية العريقة حتى لا تذوب في معركة صراع الحضارات أو تستسلم أو تفقد مميزاتها واستقلاليتها بل إن الاحتفال الكبير بمناسبة كهذه يعكس صحوة إسلامية ويعني بأن الأمةَ في طريقها نحو استعادة عزها وكرامتها وقيادة ركب العالم كما أراد الله لدينها حينَ قال سبحانه { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}
لقد سيطرت الجاهليةُ المعاصرة على الصدارة في العالم وطغت ثقافتها وملامحها بشراسة على كل مناحي الحياة في كل جوانب الضلال والانحراف، مما يجعل البشرية في أمس الحاجة إلى أن يعود محمد إليها لينقذها مما وقعت فيه.
وليس بعيداً بل هو الواقع فالرسول محمد هو رسول الأولين والآخرين والمعاصرين وكل العالم فهو رسول الله إلى أوروبا وأمريكا وباقي القارات الخمس حيث بعث صلى الله عليه وآله وسلم بين جاهليتين وقد قضى على الجاهلية الأولى، ولم يبق غير الجاهلية الأخرى التي هي أشر من الأولى ، وهو من سيبدد جحافل ظلامها وكأن الحديث الشريف يشير إلى هذا الدور الكبير والهام عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم (بعثت بين جاهليتين) فيكون خلاص العالم من جاهليته المعاصرة بالعودة إليه وإلى دينه وأخلاقه وقيمه ومبادئه.
ولكن كيف نعود إلى رسول الله وقد لحق بالرفيق الأعلى؟ نعود إليه من خلال ما تركه فينا من بعده في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيني )
ولعل إحياء المولد النبوي الشريف مدخل للعودة الصادقة ولتحمل المسؤولية في تمثيل الدين أحسن تمثيل ونقطة انطلاق لهذا الدور الكبير الذي قال الله سبحانه عنه (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) وحتى نكون واقعيين فكل هذا الأمل ليس على هذه المناسبة فقط ولكنها خطوة وبداية في الطريق الصحيح وفرصة للفت أنظار العالم إلى دوائه من دائه وعلاجه من أمراضه وفرصة لأن نرص صفوفنا كأمته ونوحد جبهتنا الداخلية حتى نقدم دينه بسلوكنا وواقعنا وصورتنا الموحدة خلف قيادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعلي لا أبالغ إذا قلت بأن كل مذاهب الأمة وطوائفها - ماعدا التكفيريين - على استعداد تام لأن تمد يد السلام والتعاون والوحدة فيما بينها في إطار القواسم المشتركة وما أكثرها من أجل خدمة الدين وتقديمه في صورة حضارية تتناسب مع ما كان عليه المصطفى من مثل للرحمة والخلق العظيم.
وإن كل أبناء الأمة يستشعرون أهمية هذه المناسبة في إحياء مشروع الوحدة الإسلامية بين كل أبناء الأمة، هذه المناسبة التي لن نجد لها مثيلاً في كل مناسباتنا ، بل إنها الأمل الوحيد الذي يعول عليها الغيورون على الأمة في تضييق الهوة والفجوة بين أبناء الأمة والتي يعمل الأعداء على توسيعها وتعميقها..
وإن من الأهمية لهذا المولد المبارك أنه يردنا إلى ما صلح به أول هذه الأمة والتي لن يصلح آخرها إلا به..
وهل أنقذ الله أولها إلا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمنهج الذي أنزل عليه وهو القرآن الكريم قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}
أضف إلى ذلك فالمولد النبوي هو المناسبة التي يمكن أن تمثل رمزاً للوحدة الإسلامية عندما تقام في كل دولة إسلامية فإنها تدل على القاسم المشترك والرابط الموصل بين كافة الشعوب؛ لأن هناك عيداً وطنياً لكل دولة يختلف زماناً ومكاناً ودلالة من دولة إلى أخرى أما مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنه مناسبة الجميع وإنه يذكر أبناء الأمة وشعوبها عندما تحييه بالرابط والعلاقة القوية بينها وأنها جسد واحد مهما فرقتها الحدود الجغرافية كما أنها تهيج الأشجان إلى الوحدة الإسلامية وتذكر بعضنا مآسي بعض شعوبنا في بعض الدول والشعوب أما إذا لم تحيه الأمة فإن دلالة ذلك أن الأمة بعيدة عن أمل الاتحاد ودليل على حجم الهوة بين شعوب الأمة.
من دلالات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:
فالاحتفال بهذه المناسبة دليل على لين القلب ورقة الفؤاد وخشوع الإنسان وعلى الشوق لرسول الله والاتصال بذكراه والتعلق به صلى الله عليه وآله وسلم.. بينما يعكس عدم التفاعل معها الجفاف والخواء الروحي والغلظة والقسوة ومن عرف الفريقين عرف مصداق ما ذكرناه.
ولذلك فأعداء الأمة يتابعون بقلق بالغ فعاليات الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم يعتبرونه مشروعاً إحيائياً للأمة ولا ننسى ما قاله أول رئيس وزراء لإسرائيل بن غوريون (إننا نخشى أن يظهر في العالم العربي محمد جديد) وقد شاهدنا كم أوعزوا وحاولوا وبذلوا من جهود قبل سنوات عندما أقيم في شارع الرسول الأكرم المعروف بشارع المائة للحيلولة دون إقامته وكم مارسوا من ضغوط وتهديدات في السنوات وصلت إلى أن تقوم طائرة أمريكية بدون طيار قبل الفعالية بليلة بقصف سيارة على مقربة من ساحة الاحتفال في مديرية خولان بدعوى أنها تقل إرهابيين حتى يخاف الناس من الحضور إلى المناسبة.
إضافة إلى ذلك فإن ذكرى المولد النبوي تمر مرور الكرام كحدث عابر دون أن يكون لها صدى في كثير من الدول العربية والإسلامية فلا تعتبر الكثير من هذه الدول يوم هذه المناسبة إجازة رسمية فضلاً عن أن تتبنى أو تسمح بإقامة فعالية كبيرة بهذه المناسبة كخطوة في طريق صحوة الأمة على الرغم أنها جعلت يوم السبت إجازة رسمية اسبوعية.
ولو حاولت حركة أو جماعة أو مؤسسة دينية إقامة فعالية لائقة بهذه المناسبة لواجهها الاعتراض والمنع من الجهات الرسمية بإيعاز من الأعداء، بينما يزداد التفاعل مع أعياد مفتعلة كعيد الحب وغيره دون اعتراض أو توجيه أو تحذير من مغبة الانجرار وراء الغرب في غزوهم الثقافي..
ولذلك فالمولد يعتبر تحرراً من الغزو الثقافي والهيمنة الفكرية الغربية وانتصاراً عليها وتحدياً لها، وخطوة هامة في مواجهته..
وكما قلنا سابقاً فالوحدة الإسلامية لا يمكن أن تتم إلا إذا كان التوحد والالتفاف حول الرسول الكريم، فلا يمكن أن نتوحد تحت راية شخص إلا إذا عدنا إلى الرسول عودة جادة وصادقة - ونحن معتقدون مقتنعون أن بإمكان الرسول الأكرم ومن صلاحياته أن يجمعنا على كلمة سواء وأن نجتمع وراءه على القواسم المشتركة الهامة، مع التسامح فيما اختلفنا فيه مما فيه سعة لأننا جميعاً نردد اسمه ونشيد برسالته صباح مساء ومراراً وتكراراً على مستوى اليوم الواحد من أعمارنا.
ولو سألنا واستقرأنا آراء الباحثين والعقلاء من المسلمين أو غيرهم وحتى آراء العامة وخصوصاً من غير المسلمين لو سألنا كل هؤلاء ، بماذا تقيِّمون الاحتفالات الجماهيرية الحاشدة عند المسلمين برسولهم، هل تدل على تعظيم المحتفلين وتمسكهم وحبهم لرسولهم أم العكس تدل على بعدهم وانقطاعهم لكن الجواب هو الجواب الأول.