افتتاحية مجلة الاعتصام العدد الثاني والعشرون

نشر بتاريخ: جمعة, 04/01/2019 - 12:52ص

يصدر هذا العدد من مجلة الاعتصام متأخرًا عن وقته المحدد لأسباب منها: إعادة النظر في سياسة المجلة، ومحاولة الرقي بها بحيث تسهم في تسليط الضوء على الواقع المعاش وتحقيق أهداف الرابطة في التوعية والتنوير وتقديم الرؤى ومعالجة المشكلات وإيصال صوت العلماء والدعاة وأبناء المجتمع إلى من بيده الحل والعقد.
وفي هذا العدد تلمسون التغيير الحاصل في سياسة المجلة من خلال التركيز على مواضيع وقضايا مهمة جدًا للإصلاح والبناء، فتسليط الضوء عليها يحتل الأهمية القصوى.
وقد احترنا في تخصيص ملف العدد بين الأوقاف والقضاء والتربية والتعليم وغيرها من القضايا واستقر الأمر أخيرًا على تخصيص ملف العدد لموضوع الأوقاف، ما لها وما عليها.
ومعلوم أن الأوقاف ذات الأموال الكبيرة والممتلكات الكثيرة التي قدّر بعضهم ممتلكاتها بـ 30% من الأراضي الزراعية في الجمهورية اليمنية.
الأوقاف للأسف الشديد تعاني من الإهمال الكبير والركود العجيب والعبث اللا متناهي في أموالها وممتلكاتها، ولا نبالغ إن قلنا أن الواقع يحكي ضياع الجزء الأكبر لممتلكات الأوقاف وتآكل أصولها المادية من الأراضي والعقارات والمباني والمؤسسات، وتعاني كذلك من الإشكاليات القانونية والإدارية والمؤسسية والأخلاقية لأسباب كثيرة منها عبثية الحكومات المتعاقبة لعقودٍ من السنين التي جعلت الاعتبارات الشخصية والحزبية وتسييس الوزارة وخضوعها للولاءات الضيقة والمحاصصة في وضعٍ يرثى له من الضياع والفساد، وغياب الرؤى والاستراتيجيات والبناء التنظيمي والخطط والبرامج السليمة والمدروسة لأعمالها وأنشطتها، كذلك غياب القانون واللوائح وعدم اكتمالها وازدواجيتها وتداخل الاختصاصات والكادر المتضخم وضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى القطاع الأكبر من هذا الكادر، الأمر الذي أدى إلى غياب الكادر المتخصص وفرص التدريب والتطوير للعاملين وانفلات وتفلت كادر الأوقاف وأموالها بسبب غياب الحصر وإهمال الوثائق والمستندات والسجلات والدفاتر المحفوظة في ديوان الوزارة ومكاتبها وفروعها
 في المحافظات ووثائقها في الجامع الكبير، وفي غيره، ووجود الكثير من سجلات الحصر والمسودات والوثائق الخاصة بالأوقاف لدى العديد من الأمناء والمتولين وأصحاب المناصب والنظار السابقين، والأشخاص الذين يحتفظون بها في منازلهم وكثيرٌ منهم توفي ولا يزال ورثتهم يحتفظون بتلك الوثائق ويتصرفون بها حتى الآن، حتى بيع الكثير منها بعد تحريرها وبعد تواطئهم مع بعض القضاة بسبب عدم وجود الرقابة، وعدم استكمال مشروع الحصر الشامل لوثائق وأراضي وممتلكات الأوقاف بطرق علمية جديدة ومتخصصة وتوقف مشاريع الحصر، وعدم إدخال المحصور الموجود من محاولات الحصر السابقة في السجلات في نظام آلي متكامل، الأمر الذي شلّ وأضاع وبدّد الجزء الأكبر من أموال الأوقاف، وضيّع الكثير من إيراداتها لما هو موجودٌ ومحصور، وأخلَّ بشروط
 الواقفــين مـن حيــث صرف غلـــــة
 العين الموقوفة في المصارف الموقوف
 لهــــا حيـث لا يتــم مســك سجـلات 
توضح الموقوف والعين المؤجرة وغلتها، والموقوفة عليه والمصرف وفقًا لمقاصد الواقفين.
كل هذا بسبب فساد عقودٍ من الزمن كما ذكرنا، وهو الأمر الذي يوجب أن نوجه من خلال هذا الملف الدعوة الصادقة للقيادة السياسية وقيادة الثورة بضرورة العناية والاهتمام الكبير بهذا القطاع المهم وفق رؤية واضحة، وتطبيق عملي للمبادئ العلمية في الإدارة والتنظيم والتنسيق ومواصلة الرقابة الصارمة، ومواصلة الدور الكبير المشكور الذي بدأه الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي صدر تقريره خلال إعدادنا لهذا الملف، وقد نشرنا في الملف ملخصًا و خبرًا عن هذا التقرير ومحتوياته يكشف بعض ما يحصل من فسادٍ ومخالفات وما حصل في السنوات الماضية، الأمر الذي تقشعر منه الأبدان، وتشيب لهوله الولدان. إننا في هذه العجالة نوجّه التحية والتقدير لجهاز الرقابة والمحاسبة وجهوده التي بدأها في متابعة ورقابة وتحديد الاختلالات في كثير من مؤسسات ووزارات الدولة، وننادي بضرورة دعمه في مواصلة عمله الذي بدا واضحًا خلال العام الجاري 2018م.
كما نؤكد على ضرورة إنشاء هيئة مستقلة للأوقاف وجعل الوزارة خاصة بالتوجيه والإرشاد والحج والعمرة، وإعادة النظر في الهيكل التنظيمي للوزارة وقطاعاتها وتقسيماتها الإدارية، وتعيين الأكفاء ذوي الأمانة والنزاهة والخشية والخوف من الله والقدرة والاختصاص بعيدًا عن الولاءات الحزبية والمحاصصة وقانون حصانة كبار مسئولي الدولة الذي كان ولا زال هو العائق الأكبر أمام مكافحة الفساد.
إن استكمال حصر وتوثيق أراضي وممتلكات الأوقاف وتفريغ بياناتها وتبويبها وحفظ وأرشفة وجمع وحماية وثائق الأوقاف وإلزام الشخصيات التي بيدها هذه الوثائق بتسليمها لجهة واحدة تحفظها وتؤرشفها، وكذلك حصر ومتابعة أعيان وممتلكات الأوقاف المغتصبة وكذلك المنظورة أمام النيابات والتنسيق مع القضاء بسرعة البت في هذه القضايا وسرعة التنفيذ واستخراج أموال الأوقاف وإيجاد نظام مالي ومؤسسي متكامل خاص بالأوقاف لهو الأمر الملح والعاجل، وهي صرخة نوجهها لكل مسئولٍ قادرٍ على التغيير..لا أطيل .. في ملف الأوقاف تجدون الكثير حولها، كما تجدون في مواضيع هذا العدد القليل مما كنا نأمل أن يحتويه من مواضيع الساعة.وفق الله الجميع لما فيه عزة ورفعة وصلاح الأمة، ونسأل الله النصر والتمكين لجيشنا ولجاننا الشعبية وأبناء القبائل الأبية المرابطين في جبهات العزة والشرف، والرحمة لشهدائنا الأبرار والشفاء لجرحانا الأطهار والخلاص لأسرانا إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.