النصر من عند الله حصرياً
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ويقول: (يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) فالنصر من عنده سبحانه وحده، ولا يستطيع أحد مهما بلغت قوته وأمواله وأسلحته وجيوشه، ومهما امتلك من تكنولوجيا وتطور وامكانات وقدرات عسكرية وإعلامية واقتصادية وغيرها، ومهما عقد التحالفات مع أقوى الدول لا يستطيع أن يقف مانعًا أو عائقًا أو حاجزًا أمام تحقق الوعد الإلهي بالنصر، بل لا يستطيع العالم كله ولو اجتمع أن يمنع نصر الله تعالى ولا يستطيع كذلك أن يمنح النصر لأحد، يقول سبحانه: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) والنصر لا يُشترى بكثرة الأموال ولا يُؤخذ بالقوة وبكثرة العتاد والعدة والعدد فيُؤخذ عنوة وإلا لكان العدوان السعودي الأمريكي قد اشتراه أو أخذه نظرًا لما يمتلك من أموال وأسلحة ودعم عربي وإقليمي ودولي.
من يستحق النصر؟
يقول تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) فالمؤمنون هم من يستحقون النصر، وهم الذين وصفهم الله تعالى بقوله: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) ومن خلال الآية الكريمة يتضح أن علامة الإيمان الصادق والواعي والعملي والحقيقي هو بيع النفس والمال من الله بالقتال والجهاد في سبيله مقابل الجنة وبدون المطالبة بأخذ مقابل دنيوي كثمن للجهاد والتضحية كالحصول على منصب أو قطعة سلاح أو وجاهة أو مال أو شيء من حطام الدنيا الزائل، فمشروع المؤمنين متعلق بالآخرة والمرتبط أساساً بالعمل في الحياة الدنيا على نيل العزة وإقامة دولة الحق والعدل يقول تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) فهم إما أن يعيشوا أعزاء أو يسقطوا في ساحات القتال كرماء يقول تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ).
ولهذا فالمؤمنون هم من سيفرحون بنصر الله حين يأتي لأنهم من ضحوا وقدموا وبذلوا الغالي والرخيص يقول الله تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
عوامل النصر
نصر الله تعالى لا شك في مجيئه إذا ما توفرت شروطه وعوامله فمعادلته في القرآن الكريم على هذا النحو، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ويقول: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) فكيف ننصر الله؟ وعلى من ننصره؟ وللإجابة على ذلك يجب أولاً أن نأخذ في الاعتبار أن الله تعالى غني عنا وليس ضعيفاً حتى يستنجد بنا يقول الإمام علي عليه السلام: (فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ، وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ، اسْتَنْصَرَكُمْ وَلَهُ جُنُودُ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحُكِيمُ، وَاسْتَقْرَضَكُمْ وَلَهُ خَزَائِنُ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
وقد وضح سبحانه كيف ننصره لكي ينصرنا بقوله: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) فببسط العدل بين الناس والجهاد بالوسائل المتاحة وبالأخذ بالأسباب والتي أشارت إليها الآية في الحديد والتي نستلهم منها الإعداد والتسليح والتصنيع العسكري، وبالتطوير والتحديث وليس بالاكتفاء بالحاصل والموجود وليس بمجرد الدعاء بدون تحرك.
كذلك يؤكد الله سبحانه على قضية الجهاد في سبيله كعامل من أهم عوامل النصر حيث جعل الجهاد تجارة رابحة من أرباحها النصر والفتح يقول تعالى: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) كما أكد سبحانه وتعالى على القتال والمواجهة العسكرية كطريق لاستجلاب النصر فقال سبحانه: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) ويقول سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
وقد جمع الله سبحانه عوامل النصر الأساسية في آيتين كريمتين في القرآن الكريم وهما قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون * وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين) فعوامل النصر على مقتضى الآيتين هي:
والتوبة والتخلص من الذنوب سواء الذنوب الجماعية على مستوى المجتمع كحرمان النساء من المواريث والتعامل بالربا وعدم إخراج الزكاة أو الفردية على مستوى الفرد كعقوق والدين وإيذاء الجيران وقطع الأرحام وغيرها ، وإذا كان الجهاد هو غفران للذنوب وتكفير عن السيئات لأن الله يريد التخفيف عنا لنكون جديرين بأن يمنحنا نصره فكيف سيكون الحال حين يستمر الناس في الذنوب ومن أعظمها القعود عن الجهاد في سبيله وخذلان القيادة المؤمنة الملتزمة، ولذا يقول الله سبحانه عن وعي الربيين المؤمنين المقاتلين أنهم يتوبون إلى الله وهم في الميدان خوفاً من أن تكون الذنوب عائقاً أمام الحصول على النصر: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
فالتنازع هو سحب جزء كبير من الجهد والوقت والامكانات في مواجهة العدو لخوض صراع داخلي بين المجاهدين أنفسهم أو بين القوى الوطنية المناهضة للعدوان، فتطغى حالة التنافس على المناصب والمكاسب وتبادل الاتهامات وكثرة المناكفات والغمز واللمز على وسائل الإعلام المختلفة، وتحميل تبعات ما يجري على هذا الطرف أو ذاك، والخلاصة أن التنازع هو فتح جبهة مجانية للعدو في العمق وتبرع لخوض الصراع في هذه الجبهة لصالحه من قبل المتنازعين، مما ينتج الفشل أمام العدوان وذهاب التأييد الإلهي والهيبة التي هي الرعب الذي يقذفه الله في قلوب الأعداء، والتي تؤثر في معنوياتهم على بعد مسافات شاسعة.
فالصبر هو قوة الإرادة وكسر لإرادة العدو الذي يراهن على عامل الوقت والزمن، ويراهن على كثرة المجازر والزحوف ويراهن على استسلام الشعب جراء معاناته في الجانب المعيشي بسبب حصاره وتوقيفه للمرتبات وبالصبر الذي يسميه البعض بالصمود يتحقق العامل الأهم الذي يقي الساحة الجهادية من الوهن والضعف والاستكانة يقول الله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
وأهمية الصبر تتمثل في اجتياز مرحلة الابتلاء والعبور إلى النصر والتمكين وذلك في مسالة النصر أن الجهاد هو ابتلاء للناس ويحتاج هذا الابتلاء إلى الصبر، الصبر على المتاعب والجراح والمعاناة والتضحيات والشهداء والأزمات يقول الله تعالى: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) ويقول سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ويقول تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).