إيحاءات القوة في الدعاء

نشر بتاريخ: اثنين, 23/05/2016 - 12:00ص

الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الآخرين من بني جنسه، ولكنه قد يعيش في فترة من فترات حياته معركة الصراع الطبقي وتنازع البقاء، والذي يمثل في مفهومه العريض صراع الحق والباطل.. وهو صراع يتعالى فيه المبطلون والمتجبرون تيهاً وكبراً على غيرهم من المستضعفين، وهنا نجد أن القوى الغاشمة تسعى لبسط نفوذها عن طريق البطش والتنكيل بالضعفاء والمساكين والاستيلاء على مقدرات حياتهم ومصادرة جميع حقوقهم المكفولة عرفاً وشرعاً... بينما المستضعفون لا يقدرون على دفع الضرر عن أنفسهم أو مواجهته بفعل نقاط الضعف الكامنة في نفوسهم أمام نقاط القوة التي يمتلك زمامها المستكبرون.. وعليه فإن المستضعفين يعيشون مرحلة من الاهتزاز النفسي والانهزامية بما يرسخ في وجدانهم حتمية السقوط من أول مواجهة مع المستكبر نتيجة للإيحاءات السلبية التي تغزو أفكارهم ومشاعرهم وعن طريق تلك الايحاءات السلبية المستمرة بحتمية ضعف الذات أمام قدرة الآخر وقوته فإن الإنسان يتجه إلى الانطواء والرضوخ للواقع المر وتفضيل سلامة الاستسلام على مرارة المواجهة والصدام، وهذا ما لا يرضاه الإسلام لأتباعه؛ لأن المؤمن القوي في أدبيات الإسلام خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

إن الإسلام يريد أن يكون الإنسان قوياً بقيمه وأخلاقه قوياً بفكره ومعتقداته، وإذا أحسّ في يوم من الأيام بالضعف والانهزام أمام نكبات الدهر وأحداثه فإن عليه أن يلتجئ إلى من يملك القوة المطلقة إلى الله القوي القادر فيلتمس منه القوة ويستمد منه النصر والتوفيق عن طريق بسط أكف الضراعة  والتوسل.. فالدعاء تكوين فطري مترسخ في بنية الإنسان الفطرية ويعد من أبرز مقومات الشخصية المستقيمة السوية فالإنسان ومهما امتلك من عناصر القوة فإنه دائماً [يشعر بحنين إلى الله يفزع إليه عند الشدائد ويتضرع إليه في كشف السوء عنه فهو ضعيف أمام أحداث الحياة لا يجد سنداً لضعفه غير الدعاء..] ( ).

إن الله تعالى قد تكفل بنصرة دينه ونصر الذين ينصرون كلماته ورسله وينصرون أنفسهم عن طريق الصمود والثبات على ما يؤمنون به من قيم تحمل قي ثناياها الحق والخير وتسعى لتحقيق العدالة والحرية ولهذا نجد [ أن القرآن يعتبر القيم التي يؤمن بها الإنسان لوناً من ألوان القوة الروحية التي يمكن للإنسان أن يستثيرها ويستعين بها عندما تثور أمامه نوازع الضعف] ( ).

إن الإنسان في مواطن الخوف والضعف يعيش صراعاً داخلياً شديداً من خلال تلك المقارنة التي يجريها بين مكونات النصر وعوامل القوة عند الآخر ونقاط الضعف الموجودة عنده والتي تتمثل في ضعف الناصر وقلة العتاد والعدة.

وهذه المقارنة في جانبها المادي تمثل بداية الانهيار النفسي، والفشل في صراع غير متكافئ، ولكن الإنسان المؤمن عندما ينطلق من وحي إيمانه فإنه ينظر إلى هذه المقارنة من زاوية أخرى تحول الهزيمة إلى نصر لأنه يؤمن بأن الله وحده القادر على منح النصر وقلب نتيجة المعادلة لصالح القوى المستضعفة وإن طال عمر الكفاح.

فعلاقة الإنسان الخالصة بالله القادر هي الطريق الوحيدة للانتصار على انهزامية الذات وتراجعها أمام نكبات الدهر وتقلباته.

ومن هنا فعلى المسلم أن يعلم يقيناً أن [القوة لا تنحصر فيما تعارف عليه الناس من القوة المادية المتمثلة بالسلاح والرجال والمال والمراكز وغيرها بل هناك القوة الروحية التي تتمثل بالقيم والتعاليم الكبيرة التي يؤمن بها الإنسان في داخل ذاته فهي التي تحميه من نقاط الضعف في نفسه كما تحميه من وسائل القوة التي يثيرها الآخرون ضده لتجتاح إيمانه ورسالته وموقفه حيث تتحفز تلك القيم لتوحي له بالثبات مع الخط مهما كانت السلبيات والخسائر الصعبة] ( ).

فعندما تشتد الأزمات ويحتدم الصراع ويزداد تسلط القوى الاستكبارية وعندما يفقد الإنسان الأمل في النجاة وترتسم على وجهه علامات الهزيمة والانكسار.. وعندما يتلفت هنا وهناك فلا يجد له ناصراً أو معيناً أو ركناً شديداً يأوي إليه [هنا يأتي دور الدعاء ليرتفع بروح الإنسان إلى الله ليبتعد بذلك عن كل نوازع الضعف في وهدة السقوط فيعيش مع ربه الذي يمده بالإحساس بالقوة ويبتعد به عن تهاويل التهديد الاستكباري في عملية إيحاء نفسي تتلاحق أحاسيسه وأفكاره لتصرخ إن الله معنا].

ولكن هذا لا يعني الاتكال على الدعاء فقط دون الأخذ بالأسباب لأن الدعاء [لا يمثل بديلا ًعن التهيئة والتعبئة والإعداد والاستعداد؛ لأن الله لا يريد للإنسان أن يستسلم للغيب بعيدا ًعن عناصر القوة الذاتية التي لا بد له من أن يطورها وينميها ويحركها في اتجاه حماية نفسه وكل الناس الذين يحيطون به أو يدخلون في نطاق مسؤوليته].

إن الدعاء يمثل في حقيقته التوازن الحقيقي الذي يُفرّغ الذات من كل التهاويل والمخاوف التي تضغط على تفكيره وتؤدي بالتالي إلى إضعاف شخصية الإنسان وإنهاك إرادته.. وبالتالي ربطه بمواقع النصر الحقيقي والعزة الحقيقية النابعة من سلامة الصدر وطهارة القلب وقوة اليقين بأن الله هو الذي يمنح النصر.. وهنا يتحول الدعاء إلى عنصر قوة إضافية لقوة الإنسان ومصدرا ًللتوازن والثبات والانتصار على الذات أولا ًتمهيدا ًلتحقيق الانتصار على الآخر ثانياً.

وبعد هذا التمهيد لنا وقفة مع أحد أبرز أئمة الزيدية في اليمن وقائد مسيرتها الثورية الإمام القائد القاسم بن محمد قائد جيوش التحرير ضد الأتراك في اليمن لنقف معه في مناجاة طويلة نستوحي منها مظاهر القوة من مفاهيم الدعاء.

ولمناسبة النص موضوع الدراسة دوره في إبراز دلالات الموضوع وإيحاءاته حيث ولد النص في قلب الحدث، والإمام القاسم (ع) محاصر في برط من قبل الأتراك وهي مناجاة طويلة تقارب المائة بيت نجد فيها الضراعة والاستكانة لمالك الملك وطلب الغوث والنجدة والعون في صراعه ضد الغزاة المستكبرين. وقد أطلق على مناجاته العظيمة (استفتاح الفرج).

يقول الإمام القاسم - عليه السلام- :

يا ملجأ للخائف المحتارا

                         يا من يغيث مشرّداً قد طـــارا

يا حي يا قيوم يا غوث الذي

                        يشكو إليك من الذي قد جارا

يا من يجير بفضله مستضعفاً

                      مستصرخاً متضرعاً لك جـأرا

يا من يجير ولا يجار عليه في

                        سلطانــــه يـا قـــاصمـــــا ًجبـارا

يا من هو الله الشديد محالُه

                        يا قــــــــادراً يـــا عالمــــــاً قهـــــــــاراً

 

عند دراسة النص نلاحظ أن الأبيات تحتوي على نداء عاطفي مفعم بمشاعر الخوف والرجاء وطلب النجدة والعون.. وقد وظف الشاعر في سبيل تحقيق ذلك مجموعة من المفردات ذات معان تدل على الخوف والإنكسار والضعف من أمثال: (الخائف - المحتار- مشرداً- يشكو- مستضعفاً- مستصرخاً- متضرعاً..) وكلها نظائر دلالية توحي بمعنى الخوف الشديد والحاجة إلى المساعدة والنجدة وتبرز لنا صورة الشاعر وهو في بلاد الغربة محاصراً ومشرداً يشكو جور الظالم الغاشم الذي يطارده وقلة الناصر الذي يسانده في حربه وجهاده.. وإذا تجاوزنا مفردات الضعف والضراعة فإننا نجد في المقابل مجموعة من المفردات ذات إيقاعات خاصة توحي بالقوة والقدرة والعظمة مثل (حي- قيوم- غوث الذي يشكو- يُجير ولا يُجار عليه- قاصماً جباراً- الشديد محاله- قادراً- عالماً- قهَّارا..).

ومن خلال استنطاق المفردات السابقة فإننا نجد أنفسنا أمام الخالق الحي الذي لا يموت القائم بأمور خلقه المغيث لمن يستغيث به المجير لكل من آوى إلى ركنه، القادر على أن يقول للمتجبرين في الأرض (توقفوا) فهو الشديد محاله القادر على كل شيء، العالم بمجريات الأحداث، القهَّار الذي يخضع له كل شيء ولا يغلبه شيء.

وكأن الشاعر ينطلق من مكوناته الشخصية المتمثلة في الخوف والاستكانة والعجز ليستمد القوة من القوي القادر حتى يمنحه القدرة على التغلب على مصادر الضعف في نفسه أولاً والتغلب على منابع الفساد وجبروتها ثانياً.

إن هذا التقابل الضدي بين ضعف المخلوق وقوة الخالق يبرز أمامنا الحقيقة جلية واضحة المعالم وهي أن الإنسان مهما امتلك من عناصر القوة ومقوَّماتها فإنه بدون توفيق الله ومساندته لا شيء.

ولتحقيق النصر والثبات لابد من ضرورة العودة إلى الله تعالى والالتجاء إليه فهو وحده من بيده مقاليد الأمور وهو وحده من يصنع النصر أو يقرر الهزيمة.

وإذا واصلنا مسيرتنا مع مناجاة الإمام القاسم بن محمد ( ع) في الأبيات :

يا من تنزه أن نراه بناظر

                     يا من يحيط ويدرك الأبصارا

يا أولاً يا آخراً يا ظاهراً

                     يـــا بـــاطنــــاً يـا عالمــــــاً أســـــرارا

يا واحداً يا دائماً يا باقياً

                     يـــا مــن أبــــان عجائـــبا وأثــــارا

يا بارئ الصنع العجيب بحكمة

                      حيّـــاً يُحـــسُّ وجامــداً وبحــارا

يا نافخ الأرواح في أشباحها

                       ومقـــــــدراً لبقائهـــــا مقـــــدارا

يا محيي الأموات بعد فنائهم

                          لجزائهم نعم الجنان ونــارا

فإننا نجد الأبيات تتناغم فيما بينها في مناجاة عميقة تستنطق مكامن القوة في أسماء الله تعالى وصفاته الحسنى، وكأنه يهتف في آذان الزمن: (يا رب أنت الواحد المتفرد بصفات الكمال والجلال وأنت المطلِّع على السرائر، ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة، وأنت القادر والمقدِّر، وأنت من تمنح الحياة وتسلبها وتبعث الخلق يوم النشور للبعث والجزاء... اللهم فبحق قدرتك على تغيير مجريات الأحداث حقق لنا النصر بقدرتك على ذلك).

إن الأبيات السابقة تمثل في مجموعها ارتباط حقيقي بالله تعالى وتأكيد لمبدأ العبودية الصادقة لخالق الوجود وتنزيه لاسمائه وصفاته من كل ما يشين.

وبعدها يتوجه الشاعر إلى مفردات الكون يستكشف فيها مكامن القوة التي أودعها الله فيها وكأنه يستوحي منها آليات الصبر والثبات والقوة وذلك من خلال الأبيات:

يا من بنى السبع الشداد ومن دحـ

                        ـى الأرض المهاد ونّـور الأنـوارا

يا من أدار بأمره في ملكه

                       فلكـــاً مطيعـــاً مظلمــا ًونهـــارا

يا مرسياً شَم الجبال بأرضه

                       ومُســَيّراً في غـــــورهــا الزخـــارا

يا مرسلاً ذُلُلَ الرياح لواقحاً

                       فتثير من موج السحاب غزارا

يا منشئاً جوف السحاب عجائباً

                       برقــــاً يلــــوح ووابـــــلاً مغـــزارا

يا منزل الغيث الهنيء تفضلاً

                      لعــبــاده يـــــا مجــريـــــا ًأنهـــــارا

يا منبت الأصناف من شجر ومن

                       نجــم ويا مــن أثمــــر الأثمـــارا

فالسماوات المتماسكة بغير عمد والأرض الممهدة بشكل منتظم والفلك الدوَّار المتأرجح بين ثنائية الليل والنهار والجبال الصامدة في مواجهة المتغيَّرات والبحار الزّخارة والرياح الهائجة والسحب المتكاثفة والبرق الذي يصم الأذان بصوته ويغشى الأبصار بقوة بريقه ولمعانه والأشجار الصامدة التي لا تقهرها الأعاصير والتي تمنح الحب والخير والظل لكل عابر بدون مقابل.. كل هذه القوى الموجودة في مفردات الطبيعة يجب أن يستوحي الإنسان منها معاني العزة والقوة والصمود وأن ينتظم مع مفردات الوجود في منظومة متكاملة تمنح الخير للآخرين وتثبت وجودها في زمن العدم.

إن لسان حال الشاعر يقول: (اللهم يا من منح الطبيعة هذه القوة وهذا الصمود امنحني الصبر والقوة في شخصيتي وأعني على مواجهة كل القوى التي تسعى لعرقلة مسيرتي واجتثاث وجودي وأعني على بذل الخير لجميع الموجودات من حولي) وهذا يعني ضرورة انتظام الإنسان مع جميع مفردات الوجود في معادلة الأخذ والعطاء في جانبه الإيجابي المثمر.

وبعد أن تتضح معالم الصورة الوجودية للإنسان ويجد أن جميع مفردات الوجود تستمد قوتها من خالقها... نراه يتوجه بأكف الضراعة انطلاقاً من نقطة الضعف ليستمد القوة والعون من القوي القهار وذلك في الأبيات :

يا من حوائج خلقه من عنده

                      تُقضى ويُغني البائس المعسارا

يا من تعفرت الجباه تواضعاً

                         لجلالـه صـار العظام حقـــارا

يا من إذا وقف الطريد ببابه

                          يشكـــو يفــرج كربه الكُبّــَارا

يا من إذا المضطر أجهده البلاء

                          فدعـاه يكشف فادحاً ضــراراً

يا رب يا حنان يا منان يا

                           رحمـــن يا ديـــــان يـــا جبـــارا

حيث يقوم الشاعر بتوظيف مجموعة من المفردات التي توحي بشدة ضعفه وحاجته إلى عون الله ونصره من أمثال: (اليائس- المعسار- الطريد- يشكو كربه- المضطر- أجهده البلاء...).

لقد اعترف الإمام بحقيقة الضعف البشري وحاجته إلى عناية الله العظيمة لترافقه في مسيرة حياته ودروب جهاده لنفسه أولاً وللقوى الغاشمة ثانياً.

وهذا التوسل والاعتراف بحقيقة الضعف البشري هو البوابة الرئيسية لعرض الإنسان مطالبه وتقديم مسألته والتي تمثلت في النص في مناجاة الإمام القاسم - عليه السلام - وطلبه المعونة والنصر من الله ضد الاستكبار العثماني الذي يواجهه ويشتبك معه في معارك غير متكافئة من حيث العدد والعدة ..

وفي الأبيات:

يشكو عُبَيْدُك بعد أن نزلت به

                          دهمــاً تَسَعّـَر حرُّهـــا إسعـــاراً

يشكو إليك من الذين تجبَّروا

                         يبغون فجعة مؤمن ودمارا

يشكو شكاية محرق مستضعف

                          كثرت جنودُعدوه فتجارى

كبراؤهم متجبرون فاشبهوا

                            فرعــون أو هامانــه الكفَّـــارا

يشكو إليك جميعهم أمراءهم

                             وجنودهم والظالـم الجوَّارا

 

ومحيطهم أهل الغواية إنهم

                             قد زوَّروا من إفكهم أخبارا

يغرونهم بقرابة لمحمد

                            حتى أخافوا صبية وكبارا

لا يرتجون لحل ما نزلت بهم

                            أحدا ًسـواك أتــو إليك فراراً

 ففي هذه الأبيات نجد الإمام القاسم يشكو من ضعفه وقلة ناصره أمام كثرة جنود عدوه، والذين تجبروا وعاثوا في الأرض الفساد حتى أشبهوا بفعالهم فرعون في جبروته وهامان في تعاليه واستوى في ذلك الشبه جميع القادة والأمراء والجنود وكل من يحيط بهم أو يتصل بهم، يدلنا على ذلك مجموعة من النظائر مثل: (جميعهم- أمراءهم- جنودهم- الظالم- محيطهم- أهل الغواية..) ولا يكتفي بذلك بل ويحدد أبرز الأعمال المشينة التي يمارسونها والتي تمثلت في سلب المواطن الأمن العام وتعكير صفو حياته، يدلنا على ذلك قوله: (أخافوا صبية وكبارا).

وهنا يصرخ الناس وتضج الرعية ويهتفون بالإمام ويناشدونه رفع هذا الظلم عنهم فلا يجد سوى الله يفزع إليه فهو وهم:

لا يرتجون لحل ما نزلت بهم

                             أحداً سواك أتوا إليك فراراً

وقبل أن يصل الشاعر إلى نهاية نجده يحدد مطالبه الأساسية انطلاقاً من واقع ضعفه وقلة ناصره ولكنه يتجاوز الأنا الفردية ليحمل هم الجماعة المؤمنة معه كجزء لا يتجزأ من مسؤوليته أمام الله تعالى...

أن تكشف السوء الذي قد حل بي

                        وبصبيتي والمؤمنين وثارا

أرني قريباً وما وعدت عُبَيَدكَ الـ

                    ـمضطـــرَ غوثـــاً مسرعـــاً نظـارا

نحن الذين إليك يارب إلتجوا

                   ممن طغى أو من بغى الإضرارا

اجعل دعائي موصلاً بإجابةٍ

                    وانظر إلينــا واكفنــا الأشــرارا

فرِّق جموع المبطلين وحوِّلن

                     إقبـــالهـــم يـــا سيــــــدي إدبــــــارا

أسرع ولا تقطع رجائي إنني

                    لمـــــــَّا أزل لـــــك راجــــــياً نظّــــــارا

وعلى الملائك كلهم والأنبياء

                    أبــداً صلاتــــك مكثـــراً إكـــثارا

واخصص محمداً الأمين بخير ما

                    آتيـــــت رسلــك طيــــباً مكثـــــــاراً

وعلى كرام الآل آل فُرَّّعوا

                   من خير من ركب المطيَّ وسارا

واغفر لنا والمؤمنين ذنوبنا

                   إنـــــــــا طلبـــــنا راحمـــــا ًغفَّـــــــارا

 فهو يسأل الله تعالى أن يكشف الضر الذي ألمَّ بهم جميعاً ويحقق آمالهم في النصر العاجل على قوى الظلم والطغيان. وذلك بتفريق شمل أعدائهم وتحويل نصرهم إلى هزيمة وإقبالهم إدبار.

وهذا ما تجلوه لنا بعض النظائر الدلالية مثل: (إن تكشف السوء- اجعل دعائي موصلاً بإجابة- أكفنا الأشرارا- فرّق جموع المبطلين- حَوّلَنْ إقبالهم إدباراً- أسرع ولا تقطع رجائي..).

وهذه النظائر تتأزر فيما بينها لتوحي لنا بفكرة الروح الجماعية التي عاش بها ولها الإمام القاسم بن محمد - عليه السلام - في جهاده ضد قوى الاستكبار.

فهو لا يعيش لنفسه بقدر ما يعيش للآخرين حاملاً همهم وواضعاً مصلحتهم فوق مصلحته.

وكما إبتدأ الإمام طلبه وابتهالاته بالتوسل بآيات الكتاب المبين والتشفع بالأنبياء والصالحين نجده يختتم قصيدته بالصلاة والسلام عليهم وكأنه يؤكد العهد الذي قطعه على نفسه في المضي قدماً والسير على منهجهم والتحلي بأخلاقهم في الصبر والصمود والثبات على الحق مهما كانت العقبات والمصاعب، فالنصر حليف المستضعفين ووعد الله آتٍ لا محالة.

الدلالات: