المساعدات الغربية

نشر بتاريخ: سبت, 12/09/2015 - 7:26م

طفا على السطح الإعلامي مؤخرا الكثير من الضجيج حول المستقبل الاقتصادي لليمن بعد ثورة 21سبتمبر وما تلاها من أحداث كان آخرها إشهار الإعلان الدستوري وإزاحة القوى التقليدية التي اعتمدت بعد ثورة 11فبراير 2011على الدعم الغربي والخليجي ومبادرته في تموضعها على مركز القرار اليمني. هذا الضجيج يتبلور في مجمله على شكل صفارة إنذار تنبئ عن أزمة غذائية ومالية خانقة ستعصف باليمن سببها المفترض هو انقطاع المساعدات الدولية نتيجة لخروج بعض السفارات الغربية من اليمن. وعلى الرغم من أن بعض النفخ في هذه الصفارة يأتي كجزء من حرب إعلامية مضادة للثورة يشنها الإعلام المضاد لها. إلا أن البعض منها (أي هذه التخويفات) عفوية وتصدر من قبل أقلام ومراكز مهتمة بمصلحة الوطن، وتلامس جزءا من الواقع المفترض، بناءاً على المألوف من التصرفات الغربية إزاء أحداث وحالات مشابهة تضيق فيها مساحة التواجد الغربي وتزاح فيها دول الاستكبار العالمي من مراكز الهيمنة على الشعوب كما يحدث حاليا في اليمن. حيث تتجه في مثل هذه الظروف إلى قطع المساعدات وفرض العزلة والحصار على الشعوب المتحررة الرافضة لسيطرتها. ومهما اختلفت دوافع النفخ في هذه الصفارة إلا أنها بمجملها تحمل الكثير من التهويل والمبالغة بسبب تجاهلها للخفايا التي تقف وراء هذه المساعدات الغربية، والحقائق التي توضح انحصار مجالاتها، وضآلة حجمها، ومحدودية تأثيرها في ميزان الإقتصاد اليمني، وشروطها المشبوهة. ونستدل على ذلك ببيان نشرته وزارة الخارجية الأمريكية في 5مارس 2014 وضحت فيه أن إجمالي المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة لليمن منذ بداية العملية الانتقالية في نوفمبر 2011، تجاوزت مبلغ 630 مليون دولار.. أي بما يقارب المائتي مليون دولار سنوياً، ويقول نفس البيان بأن الولايات المتحدة خصصت حوالى 247 مليون دولار في السنة المالية 2012 والسنة المالية 2013 لبناء قدرات قوات الأمن اليمنية في مجال مكافحة الإرهاب، وطبعا هذا الرقم لا يخرج عن الرقم الكلي السابق لهذه المساعدات في العامين 2012و2013 وبما يقارب 63% .. أي أن معظم هذه المساعدات تذهب لبناء القدرات الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب، والقليل منها يخصص في تمويل المشاريع الإنمائية أو الاجتماعية، وما ذلك إلا لذر الرماد على عيون الشعب المناهض للتدخلات الأمريكية تحت غطاء الاتفاقات الأمنية أو محاربة القاعدة. ولو عقدنا مقارنة بين حجم الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لليمن مع حجم الدعم الذي قدمته لإسرائيل في العام 2014، ستتضح الأمور بشكل أفضل، وسنجد أن ما حصلت عليه إسرائيل يصل إلى 31مليار دولار وهو مبلغ يفوق ما حصلت عليه اليمن بـ (155) ضعفا خصصت بأكملها لتغطية الاحتياجات الأمنية للكيان الغاصب. هذه المعلومات التي يفصح عنها الطرف الأمريكي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المساعدات الغربية لا تهدف إلى معالجة الأزمة المالية، أو تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي لليمن، بل تأتي في إطار الاتفاقيات الأمنية والتفاهمات السياسية والإقتصادية الهادفة بمجملها إلى تعزيز التواجد الأمريكي الغربي في اليمن والمنطقة، وضمان أمنه ومصالحه، وهي بذلك تجني أكثر مما تعطي وتحقق الكثير من المكاسب التوسعية سياسيا وعسكريا واقتصاديا. ونظرا لما تحققه هذه المعونات من مكاسب للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فليس من المتوقع أن تنقطع تماما في القريب العاجل وأتوقع بقاءها أو بقاء البعض منها لتضمن لهم خيطا من التواصل والتنسيق، وبالتالي فإن الهدف المرحلي الأول من إغلاق بعض السفارات الغربية هو الضغط على قيادة الثورة للحصول على تنازلات تسمح للإدارة الأمريكية ودول الجوار الخليجية بالبقاء في المشهد اليمني أو إعادة الأطراف الموالية لها .. مالم فإنها في حال عدم نجاحها في ذلك ستتجه نحو المزيد من الخطوات الانتقامية وسيكون من ضمنها إيقاف هذا الفتات الذي ترمي به لليمن. وإذا كانت هذه المساعدات أدوات لتمرير اللعبة الغربية في اليمن فإنه وعلى المستوى العالمي نجد كذلك أن معظم المنح وبرامج المساعدات الغربية للدول النامية والفقيرة بشكل عام، والدول العربية والإسلامية بشكل خاص، هي في أدنى مستوياتها، مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى الإنسجام والتعاون الذي تبديه الأنظمة الحاكمة في هذه الدول مع التوجهات الغربية في العالم وفي المنطقة العربية، و بمدى التزامها بالتفاهمات التي تكفل الحفاظ على مصالحها والانفتاح الذي ترضخ له أسواقها أمام شركاتها واستثماراتها، وبناءاً على مواقع هذه الدول في مدارها المنحاز للكيان الإسرائيلي، وتبعا للمرونة التي تبديها إزاء تمرير الأجندة الصهيونية في المنطقة، ويأتي في مقدمتها ضمان أمن واستقرار العدو

الإسرائيلي المحتل. واستنادا إلى هذه المعطيات فإنه ما من داع لظهور هذه التخوفات ولا مسوغ لاستمرارها، و التباكي على ضياع هذه المساعدات هو نوع من الحماقة إن لم يكن سقوطا في أوحال الإرتهان لأنها هي مصدر الخوف باعتبارها أهم أدوات التبعية والإذلال في العصر الحاضر، ولتذهب كل السفارات الغربية التي تلعب أدواراً مشبوهة في اليمن وأذيالها غير مأسوف عليها فلا حاجة لنا في علاقات مرسومة ظاهرا بألوان الشراكة والصداقة، مبنية واقعا وحقيقة على حبر الارتهان والتبعية والتفريط في مصالح الشعب اليمني وثرواته وسيادته وثقافته وهويته ومقدساته.