الجنايات ومن له الحق في تكييفها شرعاً وقانوناً

نشر بتاريخ: جمعة, 19/05/2017 - 9:30م

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون...﴾ [المائدة:45] .

الحمد لله رب العالمين، أعدل العادلين، وقيوم السماوات والأرض له الحكم والأمر، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله خاتم النبيين وتمام عدة المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين. وبعد ..

فإن الله تعالى خلق الإنسان أوجده في أرضه واستعمله فيها وكرَّمه وجعله محترم الدم والعرض والعقل والبدن وما يملكه من مال، وشرع الله الأحكام والعقوبات المتكفلة بحفظ هذه الكليات لضمان عدم الاعتداء عليها بأي نوع من الاعتداءات.

ومن ضمن هذه التشريعات تصنيف الجنايات التي يمكن أن تطال بدن الإنسان وتقدير أروشها نسبة من دية العمد أو الخطأ وهذا التصنيف –التكييف- للجنايات وأروشها هو فيما لا ينضبط فيها القصاص.

ومن المعلوم والمفترض أن من له الحق في تصنيف أو تكييف الجنايات وذكر أروشها والحكم بها هو القاضي المولَّى في المحاكم الشرعية والذي ينظر القضية المرفوعة إليه من النيابة العامة.

إلَّا أننا وفي واقعنا الحاضر نرى تجاوزاً لهذا المبدأ من بعض النيابات وبعض القضاة الجزائيين - وليس الكل-  يتنازلون عن هذا الحق بل يتنصلون عن هذا الواجب - تكييف الجنايات وتقدير أروشها- ويجعلونه من مهام الأمين الشرعي في المنطقة فنرى بعض النيابات أنها تكلّف المجني عليه بأخذ التقرير الطبي المدون عليه الجنايات إلى الأمين الشرعي ليقوم بالتكييف الشرعي والقانوني للجنايات وتقدير أروشها، بل نرى بعض القضاة يفعل مثل النيابة أثناء نظر القية بإحالة النضر الطبي إلى الأمين الشرعي ظناً منهم جميعاً –القاضي والنيابة- أنه من تقارير الخبراء، وهذا لعمري خطأ فادح يترتب عليه:

خضوع التقارير الطبية لمزايدات الأمناء في تكييف الجنايات وأروشها، فكل مجنى عليه أو جانٍ سيذهب بتقريره إلى أمين من الأمناء ليقرر له الجنايات والأروش حسب رغبته بالزيادة أو النقص.

مما سيكون ذلك فاتحاً لأبواب النزاع والفتن بين أولياء المجنى عليهم والجناة وذويهم فكل طرف سيتمسك بما جاء في تقرير الأمين الذي من قبله مع أن بعض الأمناء غير مؤهلين لهذه المهمة بسبب تواضع معلوماتهم الشرعية والقانونية وهذه ثغرة قضائية في المحاكم وكذلك ثغرة تواجه القضايا المعروضة على التحكيم العرفي، الأمر الذي يستلزم معه أن المحكمة العلياء تبحث عن حلول لهذه المشكلة سداً للذرائع وإغلاقاً لباب من أبواب الفتن والنزاعات الشديدة التي قد تؤدي إلى ما هو أنكى من الجراحات التي يمكن مداواتها.

وما يصدق على الجنايات وأروشها يصدق على تقارير النفقات للزوجات والأولاد وغير ذلك، فلا يترك للأمناء القيام به سواء في القضاء الرسمي أو العرفي.

الإقتراح للمعالجات:-

  1. التوجيه إلى المحاكم والنيابات بعدم إحالة التقارير الطبية إلى الأمناء وإلزام القضاة الجزائيين بتولي مهمة تكييف الجنايات من الناحية الشرعية والقانونية وتحديد أروشها لأن ذلك من صميم اختصاصهم.
  2. إلزام المحكمين العرفيين بعدم قبول الأروش المقدرة من الأمناء وإحالة ذلك إلى القضاة العاملين وغيرهم في كل منطقة.
  3. التوجيه إلى إدارة الأمناء بإلزام الأمناء ومنعهم من الخوض في تكييف الجنايات وأروشها وكذلك من الخوض في تقارير النفقات للزوجات المطلقات والأولاد؛ لأن ذلك من اختصاص القضاة الذين لهم الولاية في كل محكمة وبهذا يمكن القول أننا قد عالجنا مشكلة من المشاكل التي هي من أسباب إطالة النزاعات وأغلقنا باباً من أبواب الفتن المؤدية إلى ما لا يحمد عقباها.

والله نسأل التوفيق للجميع لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.