أنظمة العمالة والوقوف في خندق التآمر على الأمة وقضاياها ..

نشر بتاريخ: أربعاء, 28/12/2016 - 8:53م

لا يكاد يمر يوم دون أن يقوم عشرات من قطعان المستوطنين الصهاينة باقتحام المسجد الأقصى المبارك –أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين- وتدنيسه على مرأى ومسمع العالم بما في ذلك قادة الأمة العربية والإسلامية الرسميين «ملوك ورؤساء وأمراء» دون أن يكلف أحد نفسه حتى الخروج بموقف كلامي يدين ما يقوم به المستوطنون على الأقل من قبيل إسقاط الواجب ورفع العتب –كما يقال- وعلى مدى السنوات الماضية تواصل سلطات الاحتلال الصهيوني حفر الأنفاق تحت وبجوار المسجد الأقصى المبارك في إطار سعيها الحثيث لهدم وإقامة ما يسمى «الهيكل» على أنقاضه دون أن يحرك أحد ساكناً..

وتواصل سلطات الاحتلال الصهيوني إقامة المشاريع الهادفة إلى تهويد القدس والقضاء التام على هويتها الحقيقية .. كما تواصل إقامة المئات من المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وتحويل مدنها إلى مجرد كانتونات معزولة عن بعضها بالجدار الذي يفصل الضفة عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م المعروف بجدار الفصل العنصري وبالمستوطنات التي أصبحت تحاصر مدن الضفة الغربية من كل جانب..

كما لا يكاد يمر يوم دون أن تقوم سلطات الاحتلال الصهيوني باعتقال وقتل وجرح عدد من أبناء الشعب الفلسطيني من سكان الضفة الغربية..

أما أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة فيعيشون في ظل حصار جائر وخانق حوَّل القطاع إلى سجن كبير يضم ما يقارب من مليوني مواطن فلسطيني.

كل هذا لم يحرك أحداً من القادة الرسميين باتجاه اتخاذ موقف إزاء أي منها حتى ولو موقف كلامي كما كان يحدث عادة خلال السنوات التي سبقت اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلوا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.. وهو ما يعني بوضوح أن تلك الاتفاقيات قد شكلت مدخلاً لكيان الاحتلال الصهيوني لتوسيع الاستيطان وتسريع مشاريع تهويد القدس وحفر الأنفاق التي لم يعد خافياً على أحد أن الهدف الرئيس منها هدم المسجد الأقصى المبارك..

لكن ما يبدو واضحاً من خلال الشواهد الحية والمعطيات على أرض الواقع المعاش أن بعض الأنظمة العربية لم تقف عند حد الوقوف موقف المتفرج مما تتعرض له المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة من تدنيس وانتهاكات وما يتعرض له المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من تهديد وما يعيشه الشعب الفلسطيني من معاناة بل إن هذه الأنظمة أصبحت تقف مع كيان الاحتلال الصهيوني في خندق واحد في التآمر على الأمة العربية والإسلامية وعلى قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي ظلت طوال العقود الماضية قضية العرب والمسلمين الأولى.. وهذا ما يظهر اليوم بوضوح أكثر من أي وقت مضى في الواقع المعاش وما تؤكده المعطيات والشواهد الحية على الأرض ومن أبرزها على سبيل المثال لا الحصر: إقدام مجلس التعاون الخليجي على اتخاذ قرار باعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية بناءً على ضغوط على الدول الأعضاء في المجلس من جانب النظام السعودي كما ذكرت العديد من وسائل الإعلام التي تحدثت عن معارضة سلطنة عمان والكويت بصراحة لهذا القرار قبل اتخاذه .. ولم يكتف نظام مملكة قرن الشيطان السعودي بتمرير هذا القرار في مجلس التعاون الخليجي الذي يهيمن عليه وإنما حاول تمريره أيضاً في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلّا أنه فشل في هذا نتيجة وجود بعض الأصوات التي لا تزال تتمتع باستقلالية قرارها من الدول الأعضاء في هاتين المنظمتين..

ولمعرفة أبعاد ودلالات هذا القرار يكفي أن نشير إلى أن كبار ضباط جيش الاحتلال الصهيوني كانوا ولا زالوا يصفون حزب الله بالعدو رقم واحد لـ«إسرائيل» وأنهم بعد عشر سنوات من عدوان يوليو «تموز» 2006م الصهيوني على لبنان يُقرون بأن حزب الله بات يشكل خطراً استراتيجياً على كيانهم .. ففي شهر أكتوبر الماضي 2016م نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قوله: (خلال حرب غزة التي أعقبت حرب لبنان عام 2006م كان كبار الجنرالات في الجيش الإسرائيلي يترقبون تعاطي حزب الله مع ما يجري في القطاع وكانوا ينتظرون قراءة نصر الله لما يجري) ..

ويضيف الضابط الصيهوني قائلاً: (لو فهمنا بالكامل نظرة العدو رقم واحد الممثل بحزب الله في حرب لبنان لكانت اتضحت لنا أمور كثيرة، فقد نجح نصر الله في التأثير على مشاعر الجمهور الإسرائيلي وإيقاظ هواجسه الأمنية وتعزيز رعبه من الترسانة الصاروخية لحزب الله).

من هنا يمكن معرفة أبعاد ودلالات قرار مجلس التعاون الخليجي باعتبار حزب الله منظمة إرهابية وأسبابه الحقيقية خاصة وأن هذا القرار جاء في ظل عدوان تحالف الشر السعودي  -الصهيو – أمريكي على اليمن الأرض والإنسان الذي لم يعد سراً، إن الكيان الصهيوني يشارك فيه بشكل مباشر وفاعل من خلال طائراته وطياريه وخبرائه ومستشاريه العسكريين..

وإذا ما عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء سنجد أن موقف النظام السعودي من حزب الله لا يختلف عن موقفه من الثورة الإسلامية في إيران باعتباره يسير في نفس الإتجاه وهو خدمة الكيان الصهيوني، فعندما لاح في الأفق انتصار الثورة الإيرانية بقيادة آية الله الخميني في فبراير111111 197911111م كان قادة الكيان الصهيوني يتوجسون خيفة من النتائج التي سيسفر عنها انتصار هذه الثورة على كيان الاحتلال .. وقد بدا ذلك واضحاً في التصريحات التي أدلى بها بعضهم حينذاك .. ومن تلك التصريحات على سبيل المثال التصريح الذي أدلى به شيمون بيريز وكان حينها عضو الكنيست والذي نشرته صحيفة ( دافار ) في الـ 5 من فبراير عام 1979م وجاء فيه :

( أعلن عضو الكنيست شيمون بيريز أن انتصار الخميني في إيران قد يضع الصعوبات أمام إسرائيل ويخلق عقبات خطيرة لم تعرفها منذ زمن بعيد ..)

وفي الـ 13 من فبراير 1979م أي بعد يومين من إعلان انتصار الثورة الإيرانية نشرت الصحيفة نفسها ( دافار ) تصريحاً لإسحاق رابين وكان حينها عضو الكنيست جاء فيه :

( أعلن إسحاق رابين عضو الكنيست أن تغيير نظام الحكم في إيران هو ضربة قاسية جداً للولايات المتحدة والعالم الحر في الشرق الأوسط ... ومن المحتمل أن تهدد الموجة الإسلامية المتطرفة المملكة العربية السعودية .... )

ويبدو واضحاً من خلال ما تضمنه هذا التصريح تحريض رابين للولايات المتحدة وما أسماه ( العالم الحر ) والمملكة العربية السعودية ضد نظام الحكم الجديد في إيران الذي جاء على أنقاض نظام حكم شاه إيران الحليف للكيان الصهيوني .. و كان لافتاً أيضاً استخدام رابين لتعبير الموجة الإسلامية المتطرفة الذي أشار في تصريحه إلى أنها من المحتمل أن تهدد المملكة العربية السعودية و كأن المملكة العربية السعودية ليست دولة إسلامية بينما كان السياق المنطقي لهذا التعبير الذي استخدمه رابين هو أن الثورة المنتصرة في إيران التي وصفها بـ ( الموجة الإسلامية المتطرفة ) من المحتمل أن تهدد الكيان الصهيوني .. لكن العبارات التي تضمنها تصريحه لم تأت اعتباطاً بكل تأكيد وإنما قام باختيارها بعناية وكأنه يرسم من خلالها شكل مواجهة الكيان الصهيوني لنظام حكم الثورة الإيرانية ويحدد أطراف هذه المواجهة وهي الولايات المتحدة الأمريكية و (العالم الحر) والمملكة العربية السعودية إضافة إلى الكيان الصهيوني ) ...

وبمقارنة تصريح إسحاق رابين مع تصريح شيمون بيريز يظهر جلياً كيف أن الأخير ( بيريز ) كان دقيقاً في تشخيص انعكاس انتصار الثورة الإيرانية على كيان الاحتلال عندما قال : ( إن انتصار الخميني في إيران قد يضع صعوبات أمام إسرائيل ويخلق عقبات خطيرة لم تعرفها منذ زمن بعيد ) ... أما رابين فقد عبر ضمنياً عن المخاوف التي تحدث عنها زميله ( بيريز ) وانتقل إلى الحديث عن المواجهة تاركاً التشخيص جانباً باعتبار أنه تحصيل حاصل .. واستخدم رابين في حديثه عن المواجهة لغة يمكن وصفها بلغة ما بعد التشخيص ..

وهي نفس اللغة التي استخدمها مصدر أمني في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في تصريح أدلى به في الـ 14 من فبراير 1979م ونشرته صحيفة ( دافار ) في اليوم التالي ( 15 فبراير 1979م ) وجاء فيه : ( ذكر مصدر أمني في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست ما يلي :

 هناك اعتقاد بأنه إذا استقر نظام الحكم الحالي في إيران فان إيران سترسل وحدات مقاتلة إلى الحدود الشرقية مع إسرائيل .. ومن هنا تكتسب أحداث إيران أهميتها بالنسبة لإسرائيل وهي أحداث لم يسبق وقوع مثلها خلال المائة سنة الماضية ، وقد تتسع أحداث إيران في المنطقة لتنتقل إلى تركيا ، فإذا لم يتدخل الغرب ويهب لمساعدة تركيا فإنها ستسقط أمام الموجة الإسلامية المتطرفة .. ) .. ففي هذا التصريح يتكرر تعبير ( الموجة الإسلامية المتطرفة ) الذي استخدمه رابين في تصريحه ولكن هذه المرة جاء استخدام هذا التعبير موجهاً نحو تركيا بعد أن جاء في تصريح رابين موجهاً نحو المملكة العربية السعودية ...

وفي نفس اليوم ( 15 فبراير 1979م ) نشرت صحيفة ( ها آرتس) ما يلي :

( قام الوفد المفاوض الإسرائيلي بتحذير براون – هارولد براون وزير الدفاع الأمريكي الذي كان يزور الكيان الصهيوني – من أن تؤدي أحداث إيران إلى يقظة الوعي الإسلامي في المنطقة ، ويرى الإسرائيليون أن أحداث إيران ستزيد من حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأنها ستشجع العناصر الإسلامية المتطرفة ).. وفي هذا الخبر تم استخدام تعبير ( العناصر الإسلامية المتطرفة ) وهو نفس التعبير الذي جاء في تصريح رابين وتصريح المصدر الأمني في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست واستبدال كلمة ( الموجة ) بكلمة ( العناصر ) إنما جاء إنسجاماً مع سياق صياغة الخبر نظراً لتعذر استخدام كلمة ( الموجة ) في هذا السياق .. كما تم في هذا الخبر أيضاً استخدام تعبير ( يقظة الوعي الإسلامي في المنطقة ) وهو ما تم تحذير وزير الدفاع الأمريكي منه كواحد من النتائج التي يمكن أن تؤدي اليها أحداث إيران ( الثورة الإيرانية ) ومن خلال قراءة تحليلية سريعة لتكرار استخدام تعبير ( الموجة الإسلامية المتطرفة ) والتحذير من أن تؤدي ( أحداث إيران ) إلى يقظة الوعي الإسلامي في المنطقة ، نستنتج أن الكيان الصهيوني قد بدأ منذ ذلك الحين صياغة استراتيجية ترتكز على ترسيخ مفهوم ( التطرف الإسلامي ) في أذهان السياسيين ومن ثم عامة الناس في الولايات المتحدة والغرب خصوصاً ودول المنطقة والعالم عموما ً وتكرار الحديث عن هذا المفهوم بتعبيرات وصيغ متعددة مثل ( الموجة الإسلامية المتطرفة ) و ( العناصر الإسلامية المتطرفة ) و ( الإسلاميون المتطرفون ) ...الخ  .... ومع ترسيخ هذا المفهوم في الأذهان وبعد تحويله من وهْمٍ لا وجود له على أرض الواقع إلى حقيقة يتم التخويف منه والتحريض ضده عبر مختلف الوسائل الإعلامية ومن خلال الخطابات و الندوات والتصريحات التي تتمحور حول وصم كل من يرى فيه القادة الصهاينة عدواً للكيان الصهيوني وحجر عثرة تقف في طريق تنفيذ المخططات الصهيونية وصمه بأنه جزء من ( الموجة الإسلامية المتطرفة ) التي تهدد العالم ...

ولم يقتصر الأمر على صياغة هذه الاستراتيجية وإنما بدأ تنفيذها منذ ذلك الحين وفق خطط وصيغ متعددة سياسية واقتصادية وعسكرية وإعلامية ...

من هنا يبدو الأمر جلياً وتكشفت الحقائق وظهرت عورات أنظمة العمالة العربية التي لم تقف عند حد الوقوف موقف المتفرج بل أصبحت تقف مع كيان الاحتلال الصهيوني في خندق واحد في التآمر على الأمة العربية والإسلامية وعلى قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.