تجليات الحكمة اليمانية في التحرك الشعبي الجهادي

نشر بتاريخ: اثنين, 26/09/2016 - 9:35م
الكاتب: 

أبرز التجليات للحكمة اليمانية ظهرت في التحرك الشعبي لمواجهة العدوان الصهيوسعودي أمريكي وفي صمود هذا الشعب الأبي الذي أذهل العالم وهزم أعتى القوى الاستكبارية وأفشل كل المخططات وقد تعددت صور هذا التحرك فمن التحرك الشعبي المعنوي الذي تمثل في الوعي والتعبئة العامة والصمود ومواجهة الحرب النفسية  إلى التحرك الشعبي الجماهيري الذي تمثل في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والوقفات القبلية المسلحة مرورا بالتحرك الشعبي الاستراتيجي الذي تمثل في توحيد الجبهة الداخلية وتصعيد جبهة ما وراء الحدود في العمق السعودي وصولا إلى التحرك  الشعبي الجهادي  والذي سنذكر في هذه العجالة صورا منه  والتي فاجئت قوى الطغيان وقدمت الدروس والعبر لكل الشعوب المستضعفة.

  • التحرك الشعبي العسكري

كان من المؤامرات التي مهدت للعدوان هيكلة الجيش والأمن، واستبعاد القادة العسكريين والأمنيين الوطنيين واستبدالهم بالعملاء، بالإضافة إلى اغتيال كثير من الضباط وذبح الجنود كما حصل في لحج قبل العدوان بأيام لكسر هيبة الجيش والأمن، وتأتي هذه المؤامرات جنباً إلى جنب مع استهداف المقرات العسكرية وعلى رأسها وزارة الدفاع (مجمع العرضي)، وإخراج قوات الدفاع الجوي عن الخدمة بتعطيل منظومات صواريخ الدفاع الجوي، واستهداف معظم الكفاءات في القوات الجوية عن طريق الاغتيالات والتفجيرات والأرصدة حتى أصبح الضابط والجندي  بحاجة إلى التمويه حين يمشي خوفًا من استهدافه باغتياله أو ذبحه فضربوا الجيش والأمن في معنوياتهما وضربوا وحدة المؤسستين العسكرية والأمنية في خطة ممنهجة مما أغرى دول العدوان على استهداف اليمن ظنًا منها أن الجيش منهك ومنقسم وفاقد لمعنوياته.

ولكن ما حصل هو أن أبناء الشعب اليمني نفروا إلى الجبهات جنباً إلى جنب مع الشرفاء والأحرار والوطنيين من أبناء القوات المسلحة والأمن، وإذا بالشعب هو الجيش، فنفر الأبطال المجاهدون تحت عنوان "اللجان الشعبية" من أغلب القرى والمدن والقبائل، نفروا من الريف والساحل والصحراء والجبل والسهل والوادي، نفروا بالآلاف وبمعنويات مرتفعة وبثبات لا مثيل له إلا ما قصه الله في القرآن الكريم وبصبر وإقدام وشجاعة وإيمان.

وهبوا للجهاد  دون مقابل سوى رضاء الله تعالى لا يريدون مناصب ولا مكاسب ولا رتبًا ولا وظائف ولا أموالًا ولا غنائم فاتجهوا إلى معسكرات التدريب وإلى جبهات القتال فشكلوا مع الجيش والأمن جيشاً أذهل العالم ببطولاته وقوة بأسه ورباطة جأشه.

فكان ذلك الإنسان البسيط المسالم والوديع يتحول في جبهات القتال إلى البطل والأسد والشجاع إلى الحد الذي لا يُصدق أنه هو ذلك الشخص الهادئ والرزين والمسالم.

نفر كثير بأسلحتهم الشخصية وقاتلوا بذخيرتهم وبذلوا من أموالهم حتى أن بعضهم نفر ويده مقطوعة أو رجله مبتورة وبفضل الله تعالى وبحكمة القيادة استطاعوا فرض استراتيجية عسكرية أعجزت العدو حيث أنهم بعون الله وتثبيته وإنزال السكينة في القلوب استطاعوا كسر الزحوفات وصد الغزاة والتنكيل بالمحتلين وعملاءهم وهم لا يمتلكون تغطية جوية بل قاتل المجاهدون أفراداً وجماعات صغيرة تحت القصف الجوي العنيف من طائراتF16  والأباتشي وتحت نظر الأقمار الاصطناعية وطائرات التجسس الأمريكية، ومناظير ليلية حديثة ومتطورة، وأمام أحدث وأقوى الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية ومختلف أحدث الأسلحة المتطورة وبارجات وفرقاطات بحرية بالإضافة إلى أكبر الخبراء العسكريين من الدول المتقدمة و"العظمى" كأمريكا وبريطانيا، ومع ذلك وقف المعتدون والغزاة ومرتزقتهم عاجزين أمام صلابة وبسالة المقاتل اليمني المؤمن بالله تعالى والمجاهد في سبيله والواثق به وبنصره وتأييده من ورائه وأصابت القوة الصاروخية اليمنية المتبقية العدو بإصابات دقيقة في مقتل وكأن امكانيات العدو هي امكانياتها، إلى درجة أن العدو عجز أمام ثلة من المجاهدين في جبهة ميدي وهي صحراء جوار شاطئ البحر مكشوفة براً وبحراً وجواً، وزحوفات كبيرة للمرتزقة والغزاة تحاول التقدم من البر وطائرات F16 والأباتشي تمشط وتستهدف كل ما يتحرك على الأرض من الجو وبارجات وقطع بحرية معادية تقصف من البحر، ومع ذلك لم يستطع العدو اختراقها بفضل الله تعالى الذي حوّل المسألة لصالح المجاهدين الذين لا يراهم العدو ولا يستطيع رغم ما يمتلك من عدة وعتاد ومرتزقة وغزاة أن يتقدم شبراً.

فكانت حكمة الشعب المستقاة من القرآن الكريم أن يتقدم إلى الجبهات لا أن يبقى في البيوت حتى يأتي العدو ليقتله بين الأطفال والنساء أو تذبحه سكاكين داعش أو تمزقه أشلاء التفجيرات والعبوات الناسفة والاغتيالات، لأنه يعرف أن أي تفريط أو تقصير أو تخاذل سيكون هو الضحية وسيناله غضب الله وخذلانه وتسلط أعدائه.

وكان العدو يتحين الفرصة لينقض على الشعب من هنا أو هناك في إجازة العيد، كما فعل ذلك في العام الماضي في الجنوب واهماً أن المجاهدين سيعودون إلى بيوتهم ليقضوا أيام العيد بين أهليهم وإخوانهم وفي قراهم وحاراتهم، ولكن الذي حصل العكس فذهب من كان في البيوت من الرجال ليقضوا عيدهم  في الجبهات لإسنادها حتى أصبحت مقولة "عيدنا جبهاتنا" حكمة كحكمة "اليمن مقبرة الغزاة".

لقد استطاع الشعب المحاصر في ظل العدوان أن يقدم للعالم نموذجاً للأحرار وذلك حين كشف التصنيع الحربي اليمني عن منظومات صاروخية محلية الصنع ذات قدرة فائقة في التدمير ودقيقة في إصابة الهدف ليؤكد للعالم من جديد أن الحاجة أم الاختراع.

لقد أثبت الشعب اليمني بتحركه الجهادي إيمانه بالله تعالى، وضرب المثل لكل الشعوب التي تتوق إلى الحرية وأقام الحجة على الشعوب الأخرى العربية والإسلامية والمستضعفة على مستوى العالم أن بإمكانها التحرر إذا تحركت في سبيل الله.

وما يمز هذا التحرك الشعبي الجهادي العسكري أنه تحرك ذاتي ومن منطلق الحاجة إلى الله تعالى لا إلى غيره، فلم ينتظر الشعب ولا ينتظر ولن ينتظر دعمًا من دولة عظمى ولا من دولة إقليمية ولا دعم سلاح، فقوته ذاتية داخلية بتحرك شعبه المؤمن وبفضل ثقافته القرآنية ولجوئه إلى الله واعتماده عليه.

  • التحرك الشعبي الأمني

حين يقوم أبناء الشعب بواجبهم الجهادي في الجانب الأمني فلا شك أن العدو والعملاء سيفقدون القدرة على التحرك وسيسود الأمن والأمان والطمأنينة رغم العدوان، وقد أثبت الشعب اليمني أنه قادر على حفظ أمنه بكفاءة عالية وبمستوى أفضل من بعض الدول الأوربية المتقدمة التي يحصل فيها من الأعمال الإجرامية ما لم يحدث في اليمن في ظل العدوان.

فالناس يدخلون ويخرجون يومياً من وإلى العاصمة وكل المناطق بالسلاح، ومع ذلك لم يحصل اختراق أمني، ويسارع الناس إلى المظاهرات المتكررة بمئات الآلاف مدججين بالسلاح ولم يحدث قط حادث أمني أو مشكلة هنا أو هناك، لأن الشعب يتحرك أمنياً ليحافظ على نفسه وإلا فلا توجد قوة تستطيع ضبط مئات الآلاف المدججين بالسلاح إلا تحركهم واعتبار كل واحد منهم أن أمن البلاد مسؤوليته.

لقد حقق الشعب إنجازات كبيرة على المستوى الأمني، فأحبط كثير من المؤامرات والمخططات وكشف الكثير من الخلايا النائمة والمتحركة المعادية والعميلة في الداخل، وكشف وصادر العديد من مخازن الأسلحة التي كانت مخفية.

  • القوافل الغذائية والمالية

لم يغفل العدوان الجانب الاقتصادي فبدأ بالحصار وصناعة الأزمات في الخدمات والتضييق على معائش الناس ظنًا منه أن تقوم ثورة داخلية من أجل الخدمات، لكن وعي الشعب ومعرفته أن ما يحصل هو أحد أشكال العدوان عليه اتجه مستعيناً بالله إلى الإنفاق في سبيل الله ورفد الجبهات بالمال والقوافل الغذائية  التي لم تنقطع منذ بداية العدوان.

 لقد أراد العدو إخضاع الشعب اقتصادياً فإذا بالشعب نفسه ينتصر في هذه الجبهة، وبالقوافل الغذائية أرسل رسالة للعدو أنه شعب حي وحر وكريم وعزيز رغم الحصار  يقدم الغالي والنفيس ويبطل مراهنة العدو على الخضوع له، وإذا كان العدو يراهن على شراء ولاءاته بالمال فذلك رهان خاسر لأن الشعب الذي يقدم المال رغم فقره لا يمكن أن يبيع ذمته وكرامته، كما أن القوافل المالية والغذائية شكلت بعداً تربوياً جهادياً وأفهمت العدو أن الشعب سيتحمل كل معاناة في سبيل الله وفي سبيل كرامته.

لقد أصبحت دول العدوان الأغنى في العالم تئن من الجانب الاقتصادي جرّاء قيامها بالعدوان على الشعب اليمني وهو ثابت كل ما مر يوم كلما كان أكثر استعدادًا للعطاء والبذل والتضحية بالمال والنفس والأبناء.

  • الثقة الشعبية بحكمة القيادة وشجاعتها

دائمًا ما كان يركز العدو بشكل كبير على ضرب الثقة بين الشعب وقيادته المتمثلة في قيادة الثورة الشعبية بالتشكيك تارة، وبالتضليل والدعايات وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية تارة أخرى.

فعلى سبيل المثال لا الحصر موضوع المفاوضات سواء في جنيف أو في الكويت، كانت المفاوضات مرهونة بوقف الغارات والأعمال العسكرية العدائية ضد الشعب، وما إن تبدأ المفاوضات حتى يعاود العدوان إجرامه الوحشي بهدف إفشال المفاوضات ودفع الوفد الوطني للإنسحاب حتى يحملوه المسؤولية أمام المجتمع الدولي، ولكن كان لحكمة القيادة وثقة الشعب بها الدور في إدارة المفاوضات وإحراج الطرف المعتدي، وكان تقديمها للتنازلات المجحفة بحق الشعب بغية وقف العدوان عبارة عن فضح للعدوان أمام الشعب والعالم، وكان البعض يشكك مستنكراً تفاوض الوفد الوطني مع وفد من الرياض يمثل المدعو عبد ربه منصور هادي وهو لا يملك من أمره شيئاً، ولكن ثقة الشعب بحكمة القيادة أنتجت فضح هذا الوفد وكشفت أن عبدربه ومن معه دمى بيد العدوان، وكسب الشعب الاعتراف به وبتضحياته بالمفاوضات واعترف المعتدون بعدم قبولهم لها بهزيمتهم وأوصلت المفاوضات صوت الشعب ومظلوميته إلى العالم.

كما كانت ثقة الشعب بحكمة القيادة تتجلى في موضوع التهدئة في الحدود، ولجان التهدئة وذهاب رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام إلى ظهران الجنوب بالسعودية للمفاوضات المباشرة مع السعوديين حيث أثبتت أن اليمن يريد السلام ولا يريد الحرب، ولكن إذا فرضت عليه فهو أهلها فهو يقيم الحجة أمام الله تعالى وأمام العالم من باب قوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وقوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) وقوله تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)  

  • تحرك المرأة اليمنية

لقد كان لتحرك المرأة اليمنية الجهادي أثراً بالغاً في صد العدوان، فهي الأم التي دفعت بأبنائها إلى الجبهات، وهي الزوجة التي شجعت زوجها  على القتال، وهي الأخت التي ودعت أخيها حال ذهابه إلى المعركة، وهي  البنت التي تدعو لأبيها بالنصر في ساحة الحرب.

هي نموذج المرأة المؤمنة التي تستقبل نبأ استشهاد عزيزها بالزغاريد والافتخار وتؤكد أنها مستعدة لتقديم المزيد فتقدم مجوهراتها وتتحرك ثقافياً وتعبوياً في كثير من المجالات، وتقوم بالأنشطة الداعمة لصمود الشعب والمساندة لرجال الرجال في الجبهات وتخرج في وقفات وهي تحمل السلاح لتبدي استعدادها للدفاع عن العرض والأرض والكرامة.

هي بنت بلقيس الحكيمة التي تعرف عواقب السكوت والقعود كما قال تعالى على لسانها: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) فهي ترى ما يجري بأخواتها في العراق وسوريا من اغتصاب وهتك للأعراض تحت مسمى السبايا وجهاد النكاح وترى كثير من أخواتها من فلسطين والعراق وسوريا لاجئات وحيدات طريدات ينهش لحمهن الأنذال والسفهاء ولذلك هي تعي جيداً مسؤوليتها وتقوم بواجبها لترضي ربها وتحمي نفسها.

لقد تجلت الحكمة اليمانية في التحرك الشعبي الجهادي في أجلى صورها وأوضح معانيها وسيطول بنا المقام لو استعرضنا كل جوانب التحرك الشعبي والحكمة والإيمان والفقه والوعي الذي تميز به اليمانيون ماضيا وحاضرا وكانوا حقا كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان)   

الدلالات: