استشهاد الإمام علي (ع) بين الذكرى والواقع

نشر بتاريخ: سبت, 25/06/2016 - 11:03م

استشهد الإمام علي (ع) بطريقة الغدر واغتيل بتهمة الكفر على يد شخص حافظ للقران ومتعبد ومتدين عبد الرحمن بن ملجم ليتقرب إلى الله بذلك - حسب اعتقاده -  داخل محراب المسجد والإمام علي (ع) في حالة سجود في صلاة في شهر رمضان عند الفجر ففاز (ع) بالشهادة وخسرت الأمة أيما خسارة وما زالت إلى اليوم تخسر

ورغم فوز الإمام علي (ع) بالشهادة على يد أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود والتي ترافقت بمظلوميته الكبيرة إلا أنها بالنسبة لنا مأساة وخسارة فادحة نحن بحاجة ماسة للوقوف عندها طويلاً لنفهم ماذا حدث؟ وكيف؟ وبأي فكر؟ وبأي أسلوب؟ ومتى؟ وأين؟ وما علاقة ذلك بواقعنا المثخن بالجراح؟ حتى نستخلص الرؤية الصحيحة التشخيصية لمشكلتنا اليوم مع الفكر التكفيري ونستوعب مفهوم الشهادة فيما يحدث من أحداث داخل الأمة ونستوحي البصيرة في جهادنا وقتالنا ونخرج باستراتيجية فعالة لمعالجة هذه الفتنة من حيث الفكر ومواجهته من حيث الفعل.

إنها لمفارقة مؤلمة جداً حين نجد الإمام علياً (ع) الذي خاض غمرات الموت في غزوات الرسول (ص) جهاداً في سبيل الله وشهر سيفه في وجه المشركين واليهود وكان له الدور البارز من بين الجميع  وكانت ضربات سيفه تغير مجرى الأحداث وتصنع المتغيرات وتنقل المسلمين نقلات نوعية في صراعهم مع الباطل وقدم نفسه قربانا لله ليلة الهجرة وكان الفدائي والاستشهادي الأول يُظلم بعد رحيل الرسول (ص) وحين تولى الخلافة يشهر كثير من المسلمين سيوفهم في وجهه يريدون قتله وفعلاً كان جزاؤه منهم وجزاء ضرباته الحيدرية أن يضربه محسوب على المسلمين بالسيف ضربة على هامته وهو في محراب الله وبعد استشهاده يُسن سبه على المنابر عشرات السنوات ويُقتل من لم يتبرأ منه كحجر ابن عدي وأبنائه ويُقتل أبناؤه وأحفاده ومحبيه .

إن أبشع ما في الجريمة التي أودت بحياته والتي ضجت منها الملائكة على الرغم من حدوثها في المسجد وفي رمضان وغيرها من التفاصيل الأخرى التي اُنتهكت فيها الكثير من الحرمات هو قتل الإمام علي (ع) لأن حرمته أعظم من حرمة المساجد وشهر مضان وإذا كانت حرمة دم المؤمن أعظم من حرمة الكعبة لو هُدمت حجراً حجراً فكيف بحرمة أمير المؤمنين علي (ع) والتي بانتهاكها انتهكت حرمة كل مؤمن من بعده ولم يتحرج القتلة من قتل غيره من العظماء والقادة كابنيه الحسن والحسين وسلسلة طويلة من العظماء الذين سقطوا شهداء وليس آخرهم السيد حسين بدر الدين الحوثي على أيدي المسلمين أنفسهم.

 

تحليل  الجريمة وارتباطها بواقعنا 

لماذا قاتله أشقى الأولين والآخرين؟

هناك نقطة مهمة يجب التنبه لها وهو أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله هو الذي باشر جريمة قتل الإمام علي (ع) وليس الوحيد الذي قتله ولكنه أشقى الأشقياء بمعنى أن هناك أشقياء كثيرون معه مشاركون له في جريمته وكما قال الله تعالى عن عاقر ناقة ثمود: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ^ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ^ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ^ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ^ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) فانبعث أشقى قوم ثمود الأشقياء وباشر عقر الناقة ومع ذلك عقروها جميعاً لأن قتل الناقة قضيتهم جميعاً وقد دعموا أشقاهم المباشر لعقرها بالدعم الكافي سواء الدعم المباشر أو اللوجيستي من تخطيط وتشجيع وتحريض وترتيب للعملية إلى آخر هذه الأشياء وكان مع شقائه ذلك عبارة عن أداة استخدمها القوم لعقر الناقة وكانت النتيجة بعد عقرها أن شعروا جميعاً بالنصر والرضا ونزل العذاب على الجميع كونهم ارتكبوا الجريمة.

وجريمة قتل الإمام علي (ع) على هذا المنوال ونحن لا نسلط الضوء على أشقى الأشقياء عبد الرحمن بن ملجم فحسب لأن هذا من الخطأ لأن ذلك  يوهم براءة شركاءه الأشقياء معه بل نكشف عنهم في هذه الجريمة وفي نفس الوقت نكتشف أشقياء اليوم وأساليبهم وطرقهم وما يتعلق بجرائهم في الأمة في هذا العصر لأن ضرب الإمام علي (ع) هو ضرب للقران حيث علي مع القرآن والقرآن مع علي وضرب للحق حيث علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار وضرب للرسول (ص) لأنه من علي وعلي منه وضرب للإيمان ونعش للنفاق لأن حبه إيمان وبغضه نفاق وضرب للولاية لأن من كان رسول الله (ص) مولاه فعلي مولاه وضرب للنصر لأن الله ينصر من نصره وضربه خذلان للأمة لأن الله يخذل من خذله هو ضرب للتاريخ والقيم والمبادئ إنه ضرب للإسلام على أم رأسه وهو ضرب للأمة حتى اليوم.

 

الدوافع والأسباب لاغتيال الإمام علي

هنا لا بد لنا أن نؤكد كما أسلفنا أن عبد الرحمن ابن ملجم لم يكن الشقي والمجرم الوحيد بل هو الأشقى بمباشرته الجريمة وهناك من الأشقياء ممن كان لهم صلة مباشرة به كالأشعث بن قيس وقطام والخوارج أو لهم صلة به غير مباشره من ناحية العداوة للإمام علي (ع) والتقاء المصلحة في التخلص منه وقتله كمعاوية ابن أبي سفيان ومن على شاكلته.

ولهذا فدافع الجريمة متعدد بتعدد المجرمين وما دافع ابن ملجم للجريمة إلا واحداً من الدوافع.

كان دافع ابن ملجم هو تكفير الإمام علي (ع) وانتقاماً للخوارج في النهروان الذين كفروه أيضاً وانشقوا عنه بعد أن كانوا من ضمن جيشه في وجه الفئة الباغية بقيادة معاوية بن أبي سفيان.

  ولكن من صنع الخوارج؟ ومن يصنع التكفيريين؟ ومن يستخدمهم؟

وهذا سؤال في غاية الأهمية ويكشف عن المجرمين الآخرين، وبالعودة إلى قضية التحكيم بعد أن رجحت الكفة لصالح الإمام علي (ع) وبدأ معاوية وجيشه بالانهيار وأيقنوا بالهزيمة الساحقة في صفين رفع معاوية بمشورة عمر بن العاص المصاحف على أعلى الرماح ليشق صف جيش الإمام علي (ع) ويزرع الخلاف فيه وفعلاً أحجم عن القتال جزء من الجيش والذين عُرفوا بالخوارج بحجة أن القوم قد حكموا القران ويجب إيقاف القتال فرفض الإمام علي (ع) ذلك ونبههم لخطورة المكيدة لكن دون جدوى فأصروا حتى كاد القتال لينشب داخل الجيش فاضطر الإمام للقبول بالتحكيم فانتدب عبد الله ابن عباس فرفض الخوارج وأصروا على أبي موسى الأشعري على الرغم أنه ليس في صف الإمام علي بل كان من المعارضين له والمخذلين عنه وانتدب معاوية عمر بن العاص صاحب مكيدة رفع المصاحف وخرج التحكيم بخلع أبي موسى الأشعري الإمام علياً (ع) كما يخلع خاتمه وخلع الخاتم أمام الناس، وكان المفترض حسب الاتفاق بين الحكمين عمرو وأبي موسى أن يقوم عمرو بن العاص بخلع معاوية بنفس الطريقة لكن ما حدث أن خلع عمرو خاتمه ثم ثبته في إصبعه وقال وأنا أثبت صاحبي يقصد معاوية كما أثبت خاتمي.

على إثر ذلك كفّر الخوارج أنفسهم وكفروا الإمام علياً (ع) ومن معه بحجة القبول بالتحكيم على الرغم أنهم هم من عمل على ذلك فانشقوا عنه وخرجوا عليه في النهروان وقتلهم الإمام علي (ع) إلا النزر اليسير منهم بعد أن ارتكبوا أبشع الجرائم بحق المسلمين .

وعند التأمل البسيط لما حدث يدرك الإنسان بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان هناك اختراق مخابراتي وعملاء في جيش الإمام علي (ع) يعملون لصالح معاوية وما رفعت المصاحف إلا بتنسيق بين هؤلاء العملاء وبين معاوية وعلى رأسهم الأشعث ابن قيس أضف إلى ذلك أن معاوية استطاع شراء قادة في جيش الإمام واستقطاب آخرين والتاريخ شاهد على ذلك.

ومن خلال ذلك ندرك أن الخوارج والتكفيريين ليسوا منظمين بذاتهم بل هناك من يستغلهم ويستخدمهم ويديرهم عن بعد دون أن يشعروا لينفذوا ما يريده دون أن تلحقه تهمة أو يتحمل مسؤولية أو تسلط الأضواء عليه.

وعبد الرحمن بن ملجم كان هكذا وكان لديه فريق لتنفيذ الجريمة وفريق آخر خفي هو فريق معاوية الذي أشرف بنفسه على عملية الاغتيال كون وجود الإمام يقف حاجزاً أمام طموحه ومصالحه.

قد لا نجد ما يثبت ذلك تاريخياً لكن هناك شعر لأبي الأسود الدؤلي يثبت ذلك والمنطق أيضاً ثم لا يمكن لجريمة حساسة بهذا الحجم وظفر معاوية فيما بعد أن يكشف عن أوراقه أو تظهر خيوط المؤامرة أمام الناس مثلما تفعل القاعدة وداعش والتكفيريون في عصرنا مع علمنا بأن من يسيرهم ويتحكم بهم مخابراتياً ويستخدمهم الأمريكيون والصهاينة.

وبالعودة إلى ابن ملجم ودوافعه فإن التكفير هو الدافع الأبرز مع دافع الانتقام وعشق قطام الذي طرأ حين رءاها في الكوفة التي دخلها لتنفيذ الجريمة.

فالتكفير سلاح فتاك بيد أعداء الأمة ولذلك أعدت له مناهج خاصة وبنيت له المراكز والجامعات وأُنشئت له الجمعيات لتعليم التكفير وتعليم صناعة المفخخات من أحزمة وعبوات وسيارات وطريقة الاغتيالات ويحضى برعاية دولية وإقليمية وترعاه وتموله دول النفط العربي ويثقفه علماء قرن الشيطان ويُصنع التكفيريون صناعة ويوزعوا توزيعاً حسب الحاجة الأمريكية لضرب الأمة حتى إذا ما ضربت وأصبحت سهلة المنال يستخدموهم كمبرر لمكافحة الإرهاب بعد اكتمال مهمتهم وليست أفغانستان منا ببعيدة.

ومما يجدر التأمل له هو تكفير الإمام علي (ع) ولأنه حدث فعلاً فلا غرابة أن يُكفّر من هم دون الإمام ولا عجب أن نجد التكفيريين يكفرون الأمة والمسلمين ويستحلون دماءهم وأعراضهم بحجة السبي وجهاد النكاح ويرتكبون بحقهم أبشع الجرائم وأوحشها وأشدها وأخبثها.

كما لا عجب حين يكون مبرر تكفير المسلمين اليوم هو الارتباط بعلي والتشيع فيه ومصطلحات كالرافضة والشيعة وو ...الخ.

ولا غرابة أن يستهدف التكفيريون رموز الأمة المعاصرين الذائدين عن حياضها المدافعين عن كرامتها لأن هذه هي تهمتهم عند أعدائها كما كانت تهمة الإمام علي (ع) عند معاوية.

فالإمام علي (ع) أول من آمن بالله ورسوله مع خديجة ولم يسجد لصنم ولم يدن منذ أن أطل على الدنيا بغير الإسلام والذي ما عرف قاتله الإسلام والقران إلا بفضل جهاده وما صلى ولا صام إلا بفضله في الأخير ويا لها من مفارقة مؤلمة في الأخير يقتل غيلة وغدراً على اعتبار أنه كافر ويتقرب قاتله بدمه إلى الله كما يفعل التكفيريون بالغدر والاغتيالات وبالأساليب المعاصرة الجهنمية بأحزمتهم الناسفة وعبواتهم وسياراتهم المفخخة ويتقربون إلى الله بدماء المسلمين في المساجد والأسواق فما أشقاهم (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) 

  ومن شقاء التكفيريين أن عدو الأمة الذي يتربص بها يعمل الجرائم بحق الأمة وتُحسب عليهم ويقوم الظلمة من الحكام بالاغتيالات وتُنسب إليهم فيقومون بالتغطية على جرائم غيرهم بالإضافة إلى جرائمهم.

أين ضرب؟ ومتى؟

ضرب (ع) في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان وهو يصلي وقت الفجر داخل المحراب في المسجد وهو نفس ما يفعله أشقياء العصر بالتفجير داخل المساجد وأوقات الصلوات دون الاكتراث لأية حرمة ويستهجن الناس ذلك والبعض لا يستطيع أن يستوعب ذلك على الرغم أن الرسول قد وضح أن التكفيريين  شر البرية وشر الخلق والخليقة وسنحتقر صلاتنا إلى صلاتهم وصيامنا إلى صيامهم وقراءتنا للقران إلى قراءتهم ولا يجاوز القران تراقيهم ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وأنهم أحداث الأسنان بمعنى صغار السن وهذا ملحوظ حيث لم نجد كبيراً في السن فجر نفسه – حسب علمنا – بل كل الانتحاريين تقريباً صغار السن في مقتبل العمر.