الحرية المفهوم و الغاية من منظورالحسين و زيد عليهما السلام

نشر بتاريخ: أربعاء, 20/01/2016 - 10:18ص

الحرية هدف وغاية يسعى إلى تحقيقها الأحرار والشعوب على اختلاف ألوانهم واتجاهاتهم وأديانهم وتعدد مشاربهم، وأفكارهم بيد أن المتأمل في تاريخ البشرية يجد أنه وبالرغم من قيام حضارات إنسانية هنا وهناك _ يجد أن مفهوم الحرية قد صنف وفق توجه رواد تلك الحضارات أياً كان انتماؤهم، وهذا في اعتقادي سبب من أسباب انهيار تلك الحضارات ذلك أن مفهوم الحرية كان في كثير من الجهات إلى جانب حصره في الجانب النظري فقد كان مقصورا في جانبه التطبيقي على الوجاهات فحسب ثم أخذت الملاحظات حول الحرية تتوسع وتتطور فقننت لها القوانين و وضعت لها دساتير يقننها ويضعها حقوقيون وقانونيون لهم معرفة بالقوانين الدولية واطلاع على التاريخ الإنساني غير أن الملاحظ أنهم أهملوا الكتب السماوية وفي مقدمتها القرآن الكريم، وجعلوها من ضمن المراجع، شأنها في ذلك شأن أي كتاب قانوني وهذا هو سبب تخبط المجتمعات والدول ولا مانع من أن يكون في مجتمع ما بعض معالم الحرية وفق المفاهيم البشرية ، فيعيش الناس في ذلك المجتمع فترة من الزمن في ظل تلك الحرية يمارس بعضا من نشاطاته دون مضايقة، ولكن سرعان ماتنكشف الأمور، ويظهر للجميع أن تلك الحرية ما هي إلا حرية جوفاء، أقيمت على أساس هش،  وهذا هو عينه ما انكشف لنا نحن - العرب والمسلمين- هذه الأيام وذلك من خلال انفضاح الأمم المتحدة والجامعة العربية بل وكل أدعياء الحرية في العالم ،حيث صمت أولئك أمام العدوان الهمجي الغاشم على اليمن الميمون بلد الإيمان والحكمة، فاتضح لكل ذي عقل سليم وفكر حر بل وللجميع أن الحريات وحقوق الإنسان ما هي إلا زيف وخداع، و ما ذلك إلا لأن قوانينها أسست على شفى جرف هار، فانهارت بقيمهم وأخلاقهم، وما ذلك أيضا إلا أن أولئك الذين قننوا لهذه الحرية الجوفاء تاريخهم أسود، و حضارتهم زائفة، وكتبهم محرفة، وأخلاقهم منحرفة، ولأنهم كذلك ولعلمهم بزيف دعواهم اتخذوا من العنف وسيلة لفرض تلك القوانين وألزموا الدول الضعيفة باتباعها، فنتج عن ذلك تقسيم العالم بين الدول المتجبرة، وصار العالم مقسم إلى دول كبرى وأخرى فقيرة ضعيفة تعرف بالعالم الثالث وهذا العالم الثالث ليس له من أمره شيء مستضعف ومهان ومحتقر، في ظل ركود أبنائه وشعوبه وحكوماته ، بل صارت حكوماته تتلقى أحكام وأوامر الدول الكبرى وتتعامل معها تعامل المسلّمات التي لا مجال للنقاش حولها، بل الواجب تطبيقها دون اعتراض وخاصة الشعوب الإسلامية ، وصار حكام الشعوب الإسلامية والعربية ماهم إلا موظفون بل دُمى بيد حكام الغرب يسيرونهم كيفما شاءوا وما وصل إليه العرب والمسلمون من ذل وهوان هو لعمري نتاج طبيعي وحتمي لتفرقهم ولإهمالهم لكتابهم، و تجاهلهم لسيرة نبيهم وتاريخهم وتاريخ عظمائهم الذين سجلوا أروع الملاحم بتضحياتهم ، في سبيل إرساء مبادئ وقواعد الحرية ولكن بمفهومها القرآني ..

وهذا التجاهل ليس وليد العصر الحديث لا!!.. بل هو وليد الفئة الباغية ويدعمها فمنذ أن تربع معاوية على كرسي الملك بدأ يؤسس للملك والوراث وسعى إلى تحريف المفاهيم القرآنية ، وبذل من أجل مآربه الأموال الطائلة من الخزينة العامة ، فكان من نتائج عمله هذا انقسام الأمة إلى شيعة و سنة ، وما إن هلك معاوية حتى تربع بعده ابنه يزيد متخذاً من السيف وسيلة إلى إسكات كل صوت حر يقف ضد انتزائه على هذه الأمة، و ضد رغباته الصبيانية، وسعى باذلاً الأموال الطائلة لمواصلة ما سعى له والده، حتى صارت المفاهيم لدى جل المجتمع مفاهيم مغلوطة، و أصبح القرآن مجرد آيات وسور تقرأ لمجرد الحفظ والتبرك فحسب وتحولت العبادات إلى طقوس تؤدى مجردة عن الخشوع والغاية منها.

وفي ظل هذه الثقافة المهزوزة صار الحاكم هو ظل الله في الأرض وهو سوطه وسطوته ونقمته أياً كانت أخلاق ذلك الحاكم وصفاته حتى لو لم يصلِّ ولم يصم فهو ظل الله وليس لأحد الاعتراض عليه وإن جلد ظهره وأخذ ماله ، وصار يروج لها على أنها السنة المطهرة ، وأن هذا هو دين الله . وغيبت المفاهيم القرآنية الناصعة وحل محلها المفاهيم الأموية المغلوطة. ولئن سكت الناس آنذاك حيال هذه الثقافات و تلك التصرفات، فإن الإمام الحسين عليه السلام لم يسكت ،بل نهض الحسين عليه السلام ثائراً لكي يعلم الجميع أن الحرية بمفهومها القرآني الناصح هي أن نعبد أنفسنا الله سبحانه ، ونسير وفق أوامره ونقتفي أثر وسنة نبيه محمد صلوات الله عليه وعلى آله الجامعة غير المفرقة، تلك الحرية التي من أجل إرسائها نزل القرآن و قاتل الرسول صلى الله عليه وعلى آله على تنزيله، و كما قاتل الرسول على تنزيله، فقد قاتل علي عليه السلام على تأويله أي على مفاهيمه، تلك المفاهيم التي سعى معاوية إلى تحريفها، ومن أجل ذلك أيضا خرج الحسين عليه السلام، وقاتل كما قاتل جده رسول الله، و والده الإمام علي لقد خرج ليكشف زيف تلك الثقافات ، وليحرر المجتمع من تلك المفاهيم ، وأبى أن يعيش عيشة الأنعام التي لا هم لها إلا إشباع بطنها وغريزتها..

خرج الحسين عليه السلام ليضرب الباطل بالحق فيدمغه ويستنهض التواقين إلى الحرية القرآنية، ليواجهوا معه طوفان الباطل والانحراف. هذا هو ماخرج له الحسين عليه السلام وما خرج له الحسين عليه السلام هو عينه ماخرج لأجله حفيده الإمام زيد عليه السلام وهي حياة الذل التي رفضها الإمام الحسين عليه السلام وصرح قائلا (هيهات منا الذله ) وهي عينها التي لم يرضها الإمام زيد ونادي بأعلى صوته (من أحب الحياة عاش ذليلا) فحياة الذلة في القرآن الكريم هي الحياة التي ارتضاها اليهود في قوله سبحانه{ولتجدنهم أحرص الناس على حياة و من الذين أشركوا} فهذا الحياة حياة ذلة لا يرضاها الله لعباده فخرج الإمام الحسين وبعده حفيده الإمام زيد عليهما السلام ليعيش الناس حياة الكرامة والعزة التي ارتضاها الله في قوله {ولقد كرمنا بني آدم  } فأرسى الحق سبحانه وأسس للحياة الكريمة وبين ذلك للبشر فقال سبحانه {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم }  فجعل التقوى هي المقياس للكرامة وليس الجاه والملك ومقاييس الإنسان، وأرشد سبحانه إلى الحسنى في القول فقال {وقولوا للناس حسنى} وإلى التواضع والتراحم بين المؤمنين فقال {واخفض جناحك للمؤمنين} هذه هي الحياة التي خرج من أجلها الحسين عليه السلام وخرج لتحقيقها الإمام زيد عليه السلام . خرجا لأنهما تمثلا القرآن في أقوالهما وتحركاتهما وصفاتهما، و ﻻ غرو فقد ورثا ذلك عن جدهما رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وعن علي عليه السلام. خرج الإمام الحسين عليه السلام مستشعرا للمسؤولية بعد مراسلة أهل الكوفة وهو عينه ما خرج له حفيده الإمام زيد عليه السلام فرأيا أنه لا عذر لهما مع وجود الناصر، خرج الإمام الحسين للإصلاح في أمة جده ،وخرج الإمام زيد لتوحيد أمة جده ، خرج الإمام الحسين ليعيش المجتمع عزيزاً كريما ورافضاً الذلة ، وخرج الإمام زيد ليرفض الحياة الذليلة (فمن أحب الحياه عاش ذليلا) خرج الحسين لتصحيح مسار الخلاقة الذي حرفه معاوية ويزيد، وخرج زيد لإعادة ذلك المسار إلى منهجيته الصحيحة،. خرج الحسين عليه السلام وقدم من أجل دين الله أغلى ماعنده وهو روحه ورأسه الشريف ، وخرج زيد عليه السلام وقدم من أجل دين الله أغلى ما عنده وهو روحه ورأسه الشريف.

تلك هي الحرية بمفهومها القرآني الناصح قدمها لنا الحسين وزيد عليهما السلام ثنائي الثورة بمفاهيم القرآن. وهذه هي الحرية عينها التي ينشدها اليمنيون وصرخ من أجلها حسين مران وتاق لها الشعب اليمني شماله وجنوبه، وشرقه وغربه، على اختلاف مشاربه ومذاهبه، وخرج إلى ساحات العزة والكرامة . وصرخوا بصرخات الحسين وزيد عليهما السلام (هيهات منا الذلة) (من أحب الحياه عاش ذليلا) ورفعوا شعار الحسين ((الله أكبر الموت لأمريكا الموت لاسرآئيل العنه على اليهود النصر للإسلام) فاستنكف أعداء الله و أخذتهم العزة بالإثم وجمعتهم حمية الجاهلية وجاءوا بقضهم وقضيضهم لإسكات صوت الحق والحرية القرآنية، فقابلهم أهل اليمن برجال يأنسون إلى الهيجاء كما يأنس المنافق إلى مخدعه، ويحبون الشهادة في سبيل الله كحب أولئك للحياة، ولاغرو، فهم رجال الله الذين إن حمي الوطيس ابتسموا وافتحوا غمار المعارك، فهم الأسود الضارية لا يخلطون دينهم برياء ولا كبر ولامعصية، لأنهم تثقفوا بثقافة القرآن وتمثلوه اعتقادا وقولاً وعملا فضربوا أروع الأمثلة في جهادهم وتعاملهم مع أعدائهم فالي جانب ما أبدوه من شجاعة واستبسال في الدفاع عن وطنهم فقد أظهروا من كرم الأخلاق القرآنية مع عدوهم الفار منهم و الأسير ما يخجل منه عدوهم ولا يملك إلا أن يطأطئ رأسه مقابل ما يتعامل به العدو من ذبح للأسرى و إمعان في قتل الأطفال و النساء و العزل بل و حتى الحيوانات، و ما ظهر منهم للعيان من سوء الأخلاق، و شتان ما بين الفريقين،» فريق في الجنة و فريق في السعير».. لقد اتخذ اليمنيون من الحسين و حفيده زيد عليهما السلام قدوة لهم، لما رأوا منهم صدق التضحية النابعة من صدق الإيمان، و عدالة القضية، فاستلهموا منهما مبادئ الحرية بمفاهيمها القرآنية الناصعة، و استلهموا من نهضتهما الثبات و الصدق، و الإخلاص، والفداء و التضحية من أجل الدين، والصبر، و عدم الانصياع للظلم، لقد استفاد اليمنيون الأحرار من ثورتي الإمام الحسين وزيد عليهما السلام في إدراك زيف الباطل ، وكذب الإعلام وتضليله فلم يستغربوا مما يبث عبر قنوات وصحف وإعلام العدوان في تزييف للحقائق وترويج للباطل ، وتجنيد لعلماء السلطة لرفد الظلمة بالفتاوى .لم يستغربوا ذلك كله لأن الإمام علياً عليه السلام قد لعن في المنابر بأمر معاوية واستمر لعنه عقود من الزمن ولعنت زوجه الزهراء عليه السلام بنت رسول الله صلوات الله و على آله، بل حورب علي وقتل في المحراب ، وبعده ابنه الحسين والثائرون من بعده قوتلوا بحجة الدفاع عن الدين، وكل ذلك في فترة زمنيه قريبة من زمن النبوة ولذلك لم يستغرب اليمنيون أن يصدر من شيخ كبار مشائخهم الفتاوى بقتالهم، وأن يصدر من إمام الحرم المقولة (وإن لم تكن طائفية لنجعلها طائفية) وأن يصرح مفتي السعودية يقول (الحوثيون يحملون مشروعا خبيثا) هذا المشروع هو الثقافة القرآنية حتى يتعرف عليه من جهله هذه هي الحرية بمفهومها القرآني التي خرج وجاهد من أجلها ثنائي الثورة الحسين وزيد عليهما السلام ومنهما استلهم اليمنيون معنى الحرية والكرامة، فثأروا، كما استلهم كل الأحرار و التواقون إلى الحرية و العدالة تلك المفاهيم، فانطلقوا ثائرين ضد الفساد. تكلمنا عن الحرية مستوحاة من ثورتي الحسين و زيد عليهما، و هي جزئية بسيطة، مما يستفاد من ثورتهما، فالحسين في نهضته و كذلك زيد في ثورته قد حملوا هم امة جدهم، فخرجا لإعادة معالم و ثوابت الإسلام بعد أن غيبت، والحرية هي من تلك الثوابت و القيم.

الدلالات: