الدور الريادي للمرأة في ظل ثقافة حليف القرآن

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 19/01/2016 - 9:48م

جاء الإسلام لينقذ الأمم والشعوب من أوحال الرذيلة، ويحررها من عبودية الطواغيت، وتسلط الإنسان، ويوجهها إلى الأهداف السامية التي تكمن فيها سعادة الإنسان ورُقيِّه، والمرأة بوعيها الثقافي تدرك تلك الحقيقة، إلا أن المجتمع لازال يعاني من الصراع المذهبي والطائفي، ولازالت هناك عقول تنقصها المعرفة الواسعة بحقيقة المواقف واستجلاء الأحداث، وما ذلك إلا نتاج التشويه والتزييف للحقائق التاريخية، والذي لحق بالشخصيات الفذَّة من آل بيت النبوة، وتوالي القراءات المغلوطة للتاريخ والفكر الإسلامي . وفي وقتنا الحاضر ومانعايشه من أحداث وتأزمات فكرية ونفسية وثقافية وسياسية يلزمنا أن نتحدث عن دور المرأة، والمرأة اليمنية على وجه الخصوص، عن دورها الفعال في تغيير الواقع والنهوض به، وما يستوجبه عليها أن تؤديه دونما انكفاء على ذاتها، وأن يكون لها حضورها المفعم بالوعي والإرادة والتضحية والإيثار.

وقد اضطلعت المرأة بدور كبير في مختلف المجالات فقد حققت نجاحات تاريخية عظيمة، فكان بوسعها أن تمارس دورا مصيريا في التحولات التاريخية والثورية في ظل الإيمان والوعي الذي برهن على عظمة المرأة، فعندما تدرك المرأة حقيقة دورها ، وتلتزم بواجباتها ، وتحرص على ممارسة دورها الاجتماعي والتنموي والثقافي، تكون عاملا مؤثرا في حركة الحياة في وطنها، وتدفع به إلى مزيد من التقدم والرقي.

وهاهو واقع المرأة اليمنية اليوم يشهد لها بذلك الدور الثقافي والثوري العظيم في ظل مانعيشه من حرب ظالمة ودمار وإبادة واستكبار لا مثيل له، فقد تجلت مواقفها في وعيها بخطورة الموقف وكانت العامل المهم لدفع الرجال إلى جبهات القتال، والداعمة لتلك الجبهات دعما معنويا وماديا، والخروج في المسيرات والمظاهرات بروح عالية ومعنويات مرتفعة لا تعرف الانكسار ولا الهزيمة، فهي أم وأخت وزوجة الشهيد والشهيدين والثلاثة، وهي الأم الصامدة التي كانت مصداقا للآية الكريمة ( وربطنا على قلبها).

وقدعبرت المرأة عن موقفها الرافض إعلاميا وساهمت في التغيير بكل بسالة وثقة بالله؛ لتفشل مخططات أعداء الإسلام وتبطل وسائل إعلامهم، فسجلت بمواقفها المشرفة شرفا وعزا للإسلام والوطن. ومع ماتسعى إليه المرأة من التغيير والإصلاح يتشكل دورها الثقافي في تصحيح المفاهيم المغلوطة والفكرالضلالي الذي استشرى على الأمة الاسلامية، ولها أن تخطو خطو تلك الشخصيات التي أنجبتها الثقافة الاسلامية، تلك الشخصيات التي حولت مجرى الحياة، والتي سعت إلى صنع مجتمعات مثالية يسودها الفضيلة، ومن تلك الشخصيات الفذة شخصية الإمام زيد بن علي « عليهما السلام» عندما أدرك الإمام زيد خطورة المؤامرة التي تحاك للأمة الإسلامية فعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة، وقاد ثورة ثقافية واسعة النطاق، وسعى لإصلاح الإعوجاج الذي ينخر في جسد الأمة. وبوعيه ونظرته السديدة أدرك خطر تأثير علماء السوء على الأمة، فكان أن اتجه إلى إحياء دور العلماء لمعرفته أن صلاح الأمور من صلاح العلماء، فبذل الوقت والجهد في مواجهة علماء السوء، وقد خاطب الإمام زيد عليه السلام علماء السوء بخطاب ينبئ عن خطر تأثير تلك الشخصيات الدينية بقوله : (أمكنتم الظلمة من الظلم، وزينتم لهم الجور، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقاربة، فهذا حالكم. فيا علماء السوء، محوتم كتاب اللّه محواً، وضربتم وجه الدين ضرباً، فَنَدَّ واللـه نَدِيْدَ البعير الشَّارِد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سُفِكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ورُفِعَت رؤوسهم فوق الأسِنَّة، وصُفِّدوا في الحديد، وخَلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب، وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء ويتشاكون الجهد ) . وليس ذلك فحسب بل إن الإمام زيداً سعى إلى تصحيح كثير من المفاهيم الدينية المغلوطة وترسيخ معنى الإيمان الذي فرغ من محتواه، وأكد على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لعلمه بأهمية هذه الفريضة الإيمانية التي ارتبطت بها خيرية هذه الأمة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمعْرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ فالأمر بالعروف والنهي عن المنكر واجب ديني، وقد سعى الإمام زيد إلى ترسيخ هذه الفريضة عندما وجه خطابا للعلماء، يقول فيه: ( قد ميزكم اللّه تعالى حق تمييز، ووسمكم سِمَة لاتخفى على ذي لب، وذلك حين قال لكم: ﴿وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُوْنَ باِلمعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيْمُوْنَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوْنَ الزَّكَاةَ وَيُطِيْعُوْنَ اللَّهَ وَرَسُوْلَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ﴾، فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده ... واعلموا أن فريضة اللّه تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها، هينها وشديدها ). إلا أن هذه الفريضة التي دعا إليها الإمام زيد قد هوجمت هجوما شرسا وأراد أعداء الله والإسلام الإجهاز عليها منذ زمن الإمام زيد بن على « عليهما السلام» إلى يومنا هذا. فمثل هذه الفرائض التي سعى إلى ترسيخها الإمام زيد وهذا الأنموذج من الشخصيات المثالية يستوجب على المرأة استقراء تلك الشخصية البارزة وذلك التاريخ الممتد إلى واقعنا اليوم، وبمقدار الوعي الذي تحمله المرأة باستطاعتها تغيير كثير من المفاهيم المغلوطة والفكرالضلالي المستشري على المجتمع. فهاهم علماء السوء الذين حاربهم الإمام زيد يعيشون في ظهرانيّينا، وهاهي الأحداث والمواقف تتجدد في زماننا، وهاهو الأمس يتكرراليوم، وليس هناك أجدى ولا أنفع من أن تحمل المرأة رسالة الإمام زيد بن علي « عليهما السلام» وأن تقف على المبادئ والقيم التي سار عليها، و العلوم والأفكار التي أنارت ظلام الأمة، والأخلاقيات التي تصلح من شأن الذات وتتجه إلى إصلاح المجتمع، وأن تقرأ التاريخ القراءة الصحيحة الواعية لأجل كرامة الإسلام والوطن، وأن تتصالح مع ذاتها أولاً وتؤمن بأنها قادرة على بناء مجتمعها، وتعمل على تثقيف نفسها لتملك وعيا ثقافيا كافيا يؤهلها لخوض غمار التغيير على أوسع نطاق في المجتمع..

الدلالات: