المؤامرة بين النظرية والتطبيق

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 19/01/2016 - 10:39ص

يجهد كثير من الشعوب العربية من مطلع القرن الماضي إلى تسويق انهيار الأمة العربية والإسلامية في شتى مجالات الحياة إلى نظرية المؤامرة  والتي نشط الاستعمار في تنفيذها بعد سيطرته العسكرية المباشرة على معظم مناطق تلك الشعوب بهدف تشتيتها ونزع مقومات القوة والمنعة من أوساطها كأمة تمتلك حضارة وعقيدة وتاريخ وجغرافيا وسادت في زمن ما في بقاع مترامية الأطراف في قارات العالم تحت عناوين الخلافة الإسلامية وآخرها السلطة العثمانية التي انتهت بما عرف بتفريق ثروة الرجل المريض من قبل دول الاستعمار نفسها التي تحملها الشعوب العربية والإسلامية مسؤولية ونظرية المؤامرة سالفة الذكر،  بل انتقلت تأثيرات نظرية المؤامرة إلى التأثير الأدنى حتى رمى الجميع كل الإخفاقات الأسرية صعوداً إلى المجتمعية السياسية منها والأمنية إلى فعل وتدبير وإدارة الغرب المستعمر في آخر المطاف، كون الأفعال الصادرة من أبناء المجتمع أنفسهم تدخل في دائرة المنفذ المنقاد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإرادة تلك الدول المستعمرة..

العالم العربي والإسلامي بالطبع وهذا لا جدال حوله مر ويمر وسيمر بمؤامرات ومكايد جمة أثرت بشكل قوي على مسيرة نموه وتطوره وأرجعته إلى جاهلية جهلاء، انسلخت الكتلة العظمى من هذه الشعوب عن حضارتها وقيمها وتاريخها وغردت بعيدا تارة نحو الشرق وتارة نحو الغرب بفعل تلك المكايد التي أوجدت قادة سياسيين وعسكريين وثقافيين وفي مختلف مجالات الحياة الإنسانية بما فيها الدينية تقمصوا الدور وأجادوه وكانوا خيرة من يطبق مؤامرة تفتيت عرى العزة العربية والإسلامية التي تكون بها نهضتها وحيوية وجودها وحاكميتها على البشرية بحكم امتلاكها للرسالة الخاتمة العالمية والجغرافيا المتحكمة في شريان الحياة للعالم بأكمله والثروة البشرية والمادية التي تختزنها بواطن أراضي هذه المنطقة، وكلها مجتمعة جعلتها محط أطماع الدول الاستعمارية التي سال لعابها المادي الاقتصادي، واندفعت نحو هذه المنطقة لنهبها ومن ثم امتلاكها المقومات الاقتصادية التي تؤهلها للتحكم في مصير وتوجهات العالم بأكمله لا المنطقة العربية والإسلامية فحسب..

وإذاً فطالما ومن بيده خيوط تحريك سياسات العالم إثر امتلاكه وتملكه لجميع أدوات وقدرات ومقدرات التحريك لتلك الخيوط فمن الطبيعي جدا أن يكون فصل الخطاب الأخير بيده ووفق أهدافه واستراتيجياته، وبعد أن وضع ودعم بالفعل في سبيل ذلك من الأدوات الداخلية المؤثرة..

 ما يجعل المتتبع ينبهر لتلك النتائج التي أحدثتها وتخدمها تلك الأدوات الداخلية التابعة بما لو كان للمحرك فعل مباشر لما وصل إلى ربع تلك النتائج، لكنها أفعال إستراتيجية بعيدة المدى مرت بمراحل متعددة ومتنوعة اشتغل فيها العقل المسيطر والمتآمر الغربي الاستعماري في مجالات متعددة لم يكن الفعل العسكري والأمني الفعل الوحيد الذي به تغلغل في مجتمعاتنا بل أعطى للبعد الديني والاجتماعي والأسري ذات الاهتمام ونفس القوة التي أعطاها للبعد الأمني والسياسي والعسكري والاقتصادي حتى أصبح واقع الأمة العربية والإسلامية مكشوفا وعارياً تماماً من أي ساتر يستره ويعجز المؤثر معه أن يخترقه..

اليوم وبفعل عملية السيطرة المادية التكنولوجية الحديثة منها والهالة الإعلامية المصاحبة للضخ الممنهج إلى وجدان وعقول الغالب الأعم من أبناء المجتمعات العربية والإسلامية والتي خلقت حالة يقين مطبق ومسلم به بأن تقدم الغرب والدول المسيطرة على العالم وخاصة الدول الثمان بالذات هي القوة والإرادة الماضية في توجهات وخطوات العالم بأسره ولا منازع لها في ذلك بالمطلق، وجاءت هذه النفسيات متطابقة ومحاكية للبعد المادي البحت الذي تعيشه العقلية المنهزمة الهشة الجاهلة فينا والتي زادت من حالة السيطرة الغربية على العالمين العربي والإسلامي بل وقدمت نموذجاً متماهياً مع إرادة وهدف تلك الدول المسيطرة وصلت حد رفض مجرد التفكير بجدوى أي حركة تطور أو تحرر أو استقلال قد تحدث هنا أو هناك وهذا ما عقد من إمكانية نجاح تلك المحاولات وأفشلها في مهدها بفعل التبلد الذي وصلت إليه تلك العقول السطحية وهو ما ساعد بصورة غير مباشرة في حدوث انتكاسات وخسائر تجرعتها تلك المحاولات المتتالية للقفز على نظرية المؤامرة..

وعلى ضوء ماتقدم فإن تلك الدلائل المادية التي يسيطر بها الغرب على الأمتين العربية والإسلامية تعطي حالة انخناق ويأس مطلق من جدوى الخروج من عباءة السيطرة الغربية والنهوض بمشروع تحرري حقيقي وناجح يقطع الطريق عليهم وعلى أدواتهم في المنطقة بالمطلق ويمنع من الانطلاق في أي مشروع تحرري قد يظهر هنا وهناك طالما ونظرية المؤامرة  هي التي تتحكم وستتحكم في مآلات ومصير تلك البوادر وإن كانت بالفعل صادقة وتحمل مقومات النجاح مما يساعد في وأدها في مهدها ابتدءاً..

والحقيقة أن ذلك الإيحاء الخطير وللأسف الشديد قد سيطر بالفعل على عقول بعضها نحسبها مستنيرة وثورية وتحمل فكر التحرر والانعتاق من تلك الهيمنة الغربية بل البعض من هذه العقول تحمل القوة المعنوية التي لا يسيطر بها الغرب علينا كسيطرتهم بالقوة المادية، ولكنها تظل حبيسة رغم امتلاكها الفعل الأول الذي يجب أن تنطلق منه هذه الأمة للوصول إلى تحررها، وتجدها في ذلك لا تأبه بالمتغيرات الايجابية التي تحدثها بعض الشخصيات أو الجماعات أو الدول هنا أو هناك حتى ولو لم تكن إسلامية ولكنها تبعث بنقاط ضوء ربما لو تجمعت لأحدثت هالة نورانية واسعة تحد إن لم تكن تقضي على الهيمنة الغربية..

وبالتالي تجدها تعزو كل تلك الأنوار الصغيرة إلى تأثير إن لم يكن مباشراً فهو غير مباشر للقوى الثمان..

 وإن كان البعض من تلك العقول تنطلق من قاعدة شرعية إسلامية تجعل من أي فعل أو تحرك لا يعتمد في الأول والأخير على منهجية الدين الخالص فلا ثمرة فيه بالمطلق وهي محقة تماما بالطبع إذا ما كانت مقاصدها رضوان الله تعالى والفوز بالجنة وهي تحاكي منهجية الإمام علي عليه السلام في رفضه إصلاح دنيا الناس في فساد دينه عليه السلام..

غير أن ما نعنيه هنا ولسنا في محضر تقديم ووضع حكم شرعي بل أعتبره رأياً خاصاً أدلي به بدلوي وله مرجعية شرعية استمدتها من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله في حلف الفضول أنه لو دعي لمثله لأجاب لما حمله ذلك الحلف من قيم ومثل إنسانية عظيمة وضعت حداً للمتآمرين في ذلك الزمان الجاهلي وفيه وكون نظرية المؤامرة  والسيطرة الغربية كانت نتاج أدوات مادية بحته في الغالب فإنها لا تعني في شريعتنا شراً لا مفر منه ويجب التسليم به بدون مقاومة أو تحريك ساكن لأننا سنخالف عقيدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا أولاً..

وثانياً إن نظرية المؤامرة ليست وليدة بدايات القرن الماضي ولن تكون نهاية أي مؤامرات أخرى فقد سبق وأوضح القرآن الكريم حقيقة رفض اليهود والنصارى لملة الإسلام وأنهم لن يرضوا حتى نتبع ملتهم وأنهم لا يزالون يقاتلوننا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا فلا يعني اليوم سيطرتهم بأنها نهاية المطاف أبداً..

وثالثها لم تكن المؤامرة  قادمة فقط من اليهود والنصارى بل إن الدين الخاتم تآمر عليه من أبناء جلدته ومن تلبس بردائه وهم المنافقون من أظهروا الدين وأبطنوا الكفر والتآمر..

وهنا فقط نعرف من النقاط الثلاث أننا أمام مسؤولية شرعية تقتضي التحرك وبذل الجهد للتغيير وقلب حقائق الواقع الراهن غير المبشر في مجمله بالخير عموماً إلى واقع أكثر انسجاماً مع حاكمية الرسالة الخاتمة والمثل والقيم الإنسانية التي يحملها للعالم بأسره كأمة مطالبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي هذه الحالة نكون قد حركنا سكون عظمة هذه الأمة العظيمة واستنهضنا مقدراتها المغيبة بفعل المؤامرات المتوالية الواحدة بعد الأخرى وصولا إلى هدفنا في إحداث النهضة التي يطمح إليها جميع عقول وأحرار الأمة العالمة التي لم تسلم ذاتها لنظرية المؤامرة البتة..

وهنا يجب أن نحاكي أفعال حلف الفضول بالتقاط المتغيرات المحيطة الداخلية والإقليمية والعالمية التي تناهض الهمجية المادية الاستعمارية الغربية الأمريكية الصهيونية وجميع أدواتها في العالم العربي والإسلامي وتجيير تلك المتغيرات لصالح قضية الأمة العادلة التي نحملها جميعا وتحت سياسة إدارة المصالح المشتركة المشروعة بالطبع..

قلت ذلك ومن باب التقريب لواقعنا الذي يتعرض لمؤامرة هي الأخطر على بلادنا بالعدوان الأمريكي السعودي الغاشم والذي يحمل نفس مشروع الدول المهيمنة الغربية وردا على قول القائل بان اليمن ومهما حاولت منع المعتدي بتصديها وصبرها فإنها في الأخير لا تمتلك قرار إيقاف العدوان عليها وإن الذي يمتلكه فقط هو المعتدي الأمريكي و لا جدوى من الاستمرار في التصدي لأن من امتلك قرار الحرب هو من يدير جميع خيوطها بما فيها اللجان الشعبية والجيش للأسف الشديد كجزء من تفكير المسيطر عليه من نظرية المؤامرة، وفي هذه الجزئية نقول صحيح إنهم امتلكوا قرار البدء بالحرب وهم يمتلكون قرار وقفها بالقدرات المادية لكن يجب أن يقول لنا المتشائم هل جميع خيوط اللعبة وإدارة المعركة بيدهم بأكملها؟، بما فيه التقليل من نجاحات الجيش واللجان الشعبية على أرض الميدان رغم الفوارق وما إذا كانت بتوجيه وإرادة مباشرة ممن بيده قرار بدء الحرب إنهائها أم أن المتصدين ووفق النظرية المشؤمة للمؤامرة ما هم إلا جزء من أدوات المتآمرين يحركونهم بالفعل وعلى أرض الواقع..

وبالتأكيد ليس من قائل يقول بذلك من العقلاء والأحرار، إنما الواقع يقول عكس ذلك تماماً، ما يؤكد على وجود متغيرات جوهرية وحقيقية لا يد للمتآمرين فيها رغم محاولاتهم المستميتة في جزئية من جزئياتها المتمثل في مخاوف سيطرتهم على بعض مكونات المجتمع التي أعلنت وقوفها مع الجيش واللجان، ولكن كلمة الفصل بيد المخلصين الذين يديرون المعركة بعيداً عن هيمنة المتآمرين، بل ويديرونها بصورة تدفعنا للقول إننا أمام واقع سيقطع دابر المتآمرين والساعين إلى زمن يركن الجميع للراحة ولا يبادرون إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتصدون ويقومون بدورهم في مواجهة العدوان بل يكتفون بالتفرج وبزرع اليأس والإحباط متعللين بنظرية المؤامرة المؤامرة ونحن بفضل الله وبطولة الجيش واللجان الشعبية ووعي وثبات وصمود شعبنا أمام واقع سيغير المعادلات في المنطقة ويعيد الأمل في نهضتها ..

والله من وراء القصد

الدلالات: