رسـول العـالم

نشر بتاريخ: أحد, 10/01/2016 - 6:59م

بعث الله سبحانه وتعالى خاتم أنبيائه ورسله قبل ألف وأربعمائة سنة وأنزل عليه القرآن الكريم الذي يمثل مضمون الرسالة الإلهية للبشرية وأودع فيه الهداية وسبل السلام الذي يبحث عنه عالم اليوم قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فعالم اليوم بغربه وشرقه وخصوصاً شرق أوسطه الذي يسمونه بالشرق الأوسط وما يعانيه هذا العالم من حروب وويلات ومآس وتناحر واختلافات وعصبيات وجاهلية معاصرة وحديثة تستخدم العلم والتكنولوجيا في الفساد في الأرض هو بحاجة إلى العودة إلى الهدى الإلهي المتمثل في الأنبياء والرسل والكتب السماوية.

وعند العودة إلى الأنبياء والرسل صلى الله عليهم فسنجدهم رغم أنهم لم يعاصروا خاتمهم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وسبقوه زمنياً إلا أنهم كانوا يؤمنون به وبمجيئه ومستعدون لنصرته إن أدركوا زمانه ويحثون أقوامهم وأممهم بالإيمان به ونصرته حال ظهوره قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} وكانوا يوضحون للناس علامات ظهور النبي الخاتم الموجودة في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل حتى هاجر مجموعة من اليهود إلى يثرب لكي يتشرفوا بنصرة النبي الخاتم حال هجرته إليها والذين كان من ذريتهم بنو قينقاع وبنو النظير وبنو قريظة وغيرهم والذين كفروا به حسداً من عند أنفسهم هذا بالنسبة لليهود أما النصارى فقد صرح لهم عيسى عليه السلام باسمه قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ولكنهم ضلوا وجحدوا بنبوته وأنكروا رسالته ومن هنا فاللافت الذي يغيب عن الكثير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبدأ الإيمان به فقط حين بُعث بل قبل مولده ومنذ آدم عليه السلام وهو في أدبيات اليهود والنصارى وفي التوراة والإنجيل ورغم تحريفها موجود ذكره بشكل أو بآخر وهذه نقطة مهمة يجب أن يستغلها المسلمون العمليون لمناقشة اليهود والنصارى انطلاقاً منها بدل أن يبقوا في جدال وخصام في أشخاص من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليسوا بأنبياء ولا رسل.

إذاً فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت الأجيال قبل مولده من متعلقات إيمانها بالله وبرسلها وأنبياءها الإيمان به وكان الإيمان به أيضاً في زمنه وحياته مطلوباً وكذلك ما زال الإيمان به شرطاً للإيمان بالله بعد وفاته وحتى اليوم وإلى أن تقوم الساعة بمعنى أنه لم تنتهِ رسالته بوفاته بالنسبة لغير المسلمين بل المطلوب دعوة الناس للإيمان به على مستوى العالم لكن بهذا النبي وليس بنبي افتراضي في عقول بعض المتطرفين من المسلمين الذي يذبحون ويقتلون الأبرياء باسمه ويشوهون دينه بجرائمهم أما رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبُعث ليحل هذه الإشكالية بين البشر لا أن يُشرّع لها وبُعث رحمة للعالمين قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} كل العالمين وكل العالم وكل الأجيال المتلاحقة فكيف بالمسلمين الذي يُكَفَّرون ثم يُقتلون بدون وجه حق فهو رحمة حتى لليهود والنصارى - أهل الكتاب - فهم من العالمين أيضاً وجاء ليخفف عنهم  إصرهم وليهديهم وليحسم موضوع خلافاتهم وليعيدهم إلى طهارة الإنسانية قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، وقال سبحانه {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ *  إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}

من المؤسف أن لا يفهم كثير من المسلمين أن رسول الله ليس نبيهم وحدهم وليست رسالته حكراً عليهم بل هو شهيد علينا لنكون بدورنا شهداء على الناس قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} فالمفترض أن نقدم -ونحن نُسمى بالشرق الأوسط من خلال موقعنا الديني والتاريخي والجغرافي- الحل لغرب العالم وشرقه لا أن تلتهب منطقة الشرق الأوسط ويتدخل فيها طرفا العالم من الشرق والغرب.

اليوم العالم مضطرب ويعيش جاهلية حديثة وما عاشته البشرية من الجاهلية الأولى قبيل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعيشه اليوم لكن بأساليب متطورة وحديثة فالقتل مستعر والأخلاق منحطة والأعراض منتهكة بمسميات متنوعة والربا يمتص دماء الشعوب والفقراء من عروقهم و...إلخ. وللأسف يُشارك بعض المسلمين في صناعة هذه الجاهلية بتحريفهم لمفاهيم الدين وبتأولهم لمعاني القرآن الكريم وبكذبهم على رسول الله وبتحالفهم مع من لم يؤمنوا به وجحدوا برسالته. ويبقى الآخرون من المسلمين مسجونين خلف قضبـــــــــــان التعصــــــــب المذهبــــــــي فيلاحــــــظ المرء أنهــــــم لم يتســــــــع بعضهم لبعض داخل الإسلام بسبب ضيق الأفق المذهبي ويكفر بعضهم بعضاً ويضلل بعضهم بعضاً ويمارسون – إلا من رحم الله – النفاق حين يقولون ما لا يفعلون فيما يتعلق بحرمة الدماء وضرورة ووجوبية الوحدة الإسلامية والأخوة وتوحيد الكلمة والصف ولَمّ الشعث وغير ذلك من الكلام الجميل الذي نسمعه ولا نراه واقعاً ولا نلمسه في الميدان وكما يُقال نسمع جعجعة ولا نرى طحناً.

 

رسول الله من خلال القرآن الكريم

المشكلة الأساسية لابتعادنا عملياً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابتعاد كثير من غير المسلمين عن التعرف عليه بشكل صحيح هو أننا كمسلمين قدمناه كما نريد نحن وبما يتوافق مع أهوائنا ومصالحنا الصغيرة وتجاهلنا التعريف القرآني له ولم نتفاعل مع هذا التعريف حتى نعرفه ونشيع معرفته بين البشرية بل جعلناه وحصرنا رسالته ومهمته في جزئية الخلافة من بعده وكأنه ما بُعث ولا أُرسل إلا من أجل هذا الموضوع فتمسك كل فريق من المسلمين بشخصية من بعده باعتبارها خليفته وتناسوه وهو الأصل وتناسوا قوله: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} وتجاهلوا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} وقوله سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امتداد وخاتم الأنبياء والمرسلين بمعنى أنه على ملة إبراهيم التي يدعي اليهود والنصارى أنهم عليها وأنهم امتداده وأنه امتداد موسى وعيسى وداوود وسليمان وكل أنبياء بني إسرائيل قال تعالى: {مَا كَـــــانَ إِبْـــرَاهِـــــيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} وقوله سبحانه: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ورسول الله صلى الله عليه وآله هو من اتبع ملة إبراهيم عليه السلام: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فهذه هي المعرفة الحقيقية القرآنية لرسول الله المعرفة الواسعة العالمية والإنسانية وهي التعريف الذي ينبغي علينا أن نشيعها بين الناس وأن نصحح النظرة المشوهة إليه التي عمل على تشويهها واختلاقها الصهاينة والتكفيريون وساهم فيها المنغلقون والمتحجرون والتقليديون من المسلمين وعلى رأسهم الملوك والأمراء والزعماء والعلماء الفاسدون.

 

الدلالات: