رسالة الحج في وحدة المسلمين

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 06/10/2015 - 7:33م

الدين الإسلامي الحنيف لم يكتف بدعوة الناس إلى الوحدة والتحذير من الفرقة والتمزق والشتات بل جعل أكثر الفرائض الشرعية وأركان الدين الإسلامي الحنيف-إن لم تكن كلها-رسائل ودروسا للناس في الوحدة الإسلامية لما للوحدة من أهمية بالغة ومكانة عظيمة في بناء المجتمع الإسلامي وتماسكه والمحافظة عليه.

والمتأمل لأركان الإسلام يجدها حاملة لهذه الرسائل المهمة بداية بكلمة التوحيد التي لابد لكل مسلم ان يقولها ولابد لكل وافد على هذا الدين ان يدخل من خلالها وان يستشعر معانيها وان يلتزم بمضمونها وأن تكون هذه الكلمة هي المظلة للجميع وان يكون الناس تحتها متساوين كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد إلا بما يحمل من إيمان وتقوى كما قال الله في كتابه العزيز: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].

مرورا بفريضة الصلاة وما فيها من الجمعة والجماعات والمساجد ومكانتها وفضل الصلاة فيها وفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد.

وكذلك الصيام والزكاة وما فيهما من الدروس التي تشير إلى الوحدة وإلى التكافل الاجتماعي في أوساط هذه الأمة..

وصولا إلى أعظم درس وأكبر رسالة من الله سبحانه وتعالى إلى المسلمين في إرساء مفهوم التوحد في أوساط الناس وهو الحج إن أعظم سبيل وأوضح طريق وأوسع باب خطه الله ورسمه للمؤمنين من أجل أن يتجسد مفهوم الوحدة في أوساط المسلمين هو الحج في المكان والزمان والكيفيات.

أولا: الاتحاد في الدين: فالذاهبون إلى مكة لأداء مناسك الحج كلهم أهل دين واحد وهم المسلمون الذين حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وطهرهم به وأما غيرهم فقد قال الله فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28].

ثانيا: الاتحاد في الزمان: يقول ربنا سبحانه وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}

ويقول المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الحج عرفة).

ومن خلال ذلك يتضح الحكم الشرعي أن من فاته الحج في هذا الموعد فلا يوجد له وقت قضاء في سائر العام لأداء ما فاته إلا في نفس الموعد من العام القابل مع جماعة المسلمين.

ثالثا: الاتحاد في المكان: في أداء المشاعر والمناسك وفي كل أعمال الحج من أول ركن إلى آخر ركن فمكان الإحرام لكل الحجاج من كل قطر جهة محددة لهم جميعا لا يجوز لأحد منهم أن يتعداه أو يتجاوزه وإن حصل ذلك فيلزم الحجاج فدية على ذلك كأن الحاج يخالف المقصد الشرعي في الوحدة التي يراد لها أن تتجسد.

رابعا: الاتحاد في الشعائر: وحدة الشعائر في هذه الفريضة في ذلك الجمع الكبير في تلك الأرض المباركة له دلالات عظيمة ومعان جليلة يريد ربنا للأمة أن تعيها وتفهمها وتطيعَ الله فيها ألا وهي {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}  [آل عمران: 103]، وقوله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 92]، وأن يبتعدوا عن الفرقة والتمزق التي يريدها لهم الشيطان وأولياؤه وحزبه وقد نبه الله عباده على هذه الإرادة الشيطانية وحذرهم منها بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة : 91].

خامسا: الاتحاد في الهيئة والمظهر عندما يخلع الحجاج لباسهم المعتاد ويتجردوا عن كل مظاهر الزينة ويكونوا جميعا بزي واحد وهيئة واحدة غنيهم وفقيرهم كبيرهم وصغيرهم العبد والحر والعربي والعجمي كلهم على هيئة واحدة هذا المنظر فيه رسالة للناس أن مظاهر الدنيا وزينتها ليس لها أي أهمية ولا قدر ولا وزن عند الله سبحانه وتعالى ولا ينظر إليها ولكن المعيار عنده هي قلوبُ العباد وهي محط نظر الله كما جاء في الأثر (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) فالأعمال والقلوب هي المعيار عند الله سبحانه وتعالى.