المؤامرة الأخطر

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 06/10/2015 - 6:49م

من تابع ويتابع مجريات ووقائع العدوان العسكري الهمجي الجبان والغاشم على اليمن أرضاً وإنساناً منذ بدأ في الـ 26 من شهر مارس الماضي لاشك أنه قد لا حظ أن ما ارتكبته وترتكبه أطراف مثلث الشر السعودي - الأمريكي - الصهيوني (وهي الأطراف الرئيسة في العدوان) من جرائم ومجازر وحشية بشعة بحق أبناء يمن الحكمة والإيمان في مختلف المدن اليمنية لا تختلف عن الجرائم والمجازر الوحشية البشعة التي ارتكبتها صواريخ طائرات الكيان الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وبحق أبناء الشعب اللبناني في مدن وقرى لبنان وضاحية بيروت الجنوبية...

ومن خلال مشاهد الخراب والدمار التي خلفتها صواريخ طائرات العدوان خصوصاً في مدن وقرى محافظة صعدة الأبية الصامدة لم يعد أي من المتابعين للمشهد اليمني يفرق بين ما تتعرض له اليمن وما تعرضت له فلسطين ، وما تعرضت له لبنان .. وبرزت العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة العدوان والأطراف المشاركة فيه .. كما برزت علامات الاستفهام كذلك حول الأسلحة المستخدمة في قصف بعض الأهداف ومنها على وجه الخصوص منطقة فج عطان وجبل نقم في أمانة العاصمة ومديريات محافظة صعدة..

ومن خلال ما تناقلته العديد من وسائل الإعلام نجد أن هناك ما يشبه الإجماع في أوساط الخبراء العسكريين بأن الصاروخ الذي استهدف منطقة فج عطان في العاصمة صنعاء وتسبب في استشهاد العشرات وجرح المئات من المواطنين وتدمير المئات من المساكن والمرافق الحيوية والمحلات التجارية هو سلاح غير تقليدي يحتوي على مادة اليورانيوم المستنفد..

وهذا النوع من الصواريخ لا تمتلكه سوى الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وهو غير متوفر لدى  الكثير من جيوش العالم باعتباره من الصواريخ المحرم استخدامها دولياً نظراً لقوته التدميرية الهائلة وتأثيره غير العادي على البشر..

واستخدام هذا الصاروخ خلال العدوان العسكري السعودي الهمجي والجبان والغاشم في القصف يعني أن  الولايات المتحدة شريكة بشكل مباشر في سفك دماء اليمنيين ولم يقتصر دورها فقط كما ادعت وتدعي على الدعم اللوجستي والاستخباري للعدوان السعودي على اليمن أرضاً وإنساناً..

كما أن استخدام هذا الصاروخ يؤكد صحة الأنباء التي تحدثت عن مشاركة الكيان الصهيوني في التحالف الذي قاده نظام آل سعود للاعتداء على الشعب اليمني وقتل أبنائه وتدمير مقدراته.. ويؤكد كذلك ما تردد على لسان عدد من المحللين من أن الطائرة التي قامت بالإغارة على منطقة فج عطان هي طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي وأن الصاروخ المدمر الذي قامت بإلقائه هو من الصواريخ التي قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد الكيان الصهيوني بها خلال العدوان الصهيوني على لبنان في يوليو تموز 2006م وتم استخدام بعضها في قصف عدد من المناطق اللبنانية..

أما الطائرة التي قامت بقصف جبل نقم في العاصمة صنعاء بالقنبلة النيترونية وهي أيضاً من الأسلحة المحرمة دولياً فقد أكدت عدد من المصادر ومنها بعض الصحف والمواقع الأمريكية أنها طائرة إسرائيلية تم طلاؤها بشعار سلاح الجو السعودي..

وفي حين أن نظام آل سعود قد تحاشى في بداية عدوانه الغاشم على اليمن الحديث عن مشاركة الكيان الصهيوني فيما سمي بالتحالف إلا أن صحيفة هاآرتس الصهيونية كشفت النقاب منذ بداية العدوان عن مشاركة سبع طائرات إسرائيلية متطورة من طراز إف-16 ، وإف -18 في الغارات الجوية على اليمن..

وفي إطار الحديث عن مشاركة الكيان الصهيوني في العدوان على اليمن أشار عدد من الكتاب والصحفيين إلى أن هذه المشاركة تأتي في سياق متصل مع أحداث سبقت هذا العدوان ، فما من عدوان تعرضت له أي دولة عربية إلا وكان عدواناً صهيونياً - سعودياً مشتركاً بدءا ً من احتلال فلسطين وقيام كيان الاحتلال الصهيوني عام 1948م وحتى اليوم ..

ومن بين الوثائق التاريخية التي تثبت هذه الحقيقة وتؤكدها تلك الوثيقة التي كتبها الملك عبدالعزيز آل سعود بخط يده ونصت على : (أنا السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعود أقر وأعترف ألف مرة للسير برسى كوكس مندوب بريطانيا العظمى .. لا مانع عندي من أن أعطي فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصبح الساعة).. وهي وثيقة نشرت صورة لها في عدد من الكتب والمراجع التاريخية التي تتناول القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني لفلسطين..

وكان الملك عبدالعزيز في مقدمة من وقفوا إلى جانب كيان الاحتلال وقدموا له كل أشكال الدعم والمساندة عبر الكثير من الطرق الملتوية ومن خلال الدوائر الصهيونية ودوائر الاستخبارات البريطانية التي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع الملك عبدالعزيز..

وليس سراً أيضاً أن نظام آل سعود كان في مقدمة الأنظمة التي ناصبت الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر العداء بسبب مواقفه الصريحة والمعلنة من الاحتلال الصهيوني ووقوفه في وجه هذا الاحتلال.. ولم تكن مواقف النظام السعودي تجاه عبدالناصر تختلف في شيء عن مواقف الكيان الصهيوني.. كما كان نظام آل سعود في مقدمة الأنظمة التي قدمت كل أشكال الدعم والمساندة لكيان الاحتلال الصهيوني خلال عدوان الخامس من يونيو عام 1967م.

إن مثل هذه المعطيات تشير بوضوح إلى أن العدوان الذي تعرضت وتتعرض له اليمن هو عدوان أمريكي - إسرائيلي  بامتياز تقوده جارة السوء السعودية التي أثبتت تطورات الأحداث في اليمن وسوريا والعراق بصفة خاصة وفي المنطقة بصفة عامة أن نظامها العميل يمثل خنجراً مسموماً في خاصرة الأمة العربية والإسلامية مثل مثل الخنجر الإسرائيلي المسموم..

ومن خلال ما كشفت عنه تطورات العدوان أصبح واضحاً أمام الجميع مستوى العلاقات بين نظام آل سعود والكيان الصهيوني أكثر من أي وقت مضى.. كما أصبح واضحاً أن هذا العدوان وما يجري في سوريا والعراق وليبيا يصب في خانة خدمة الأهداف الصهيونية ، وفي مقدمة هذه الأهداف تصفية القضية الفلسطينية في مؤامرة هي الأخطر منذ صدور قرار الأمم المتحدة (181)..

وفي هذا الصدد نجد من المفيد تقديم أهم وأبرز الأحداث والتطورات المرتبطة بالصراع العربي - الصهيوني بصورة مختصرة وفي سطور قليلة بحيث يُسهل على القارئ معرفة الحقيقة واكتشاف المؤامرات التي حاكتها ولاتزال تُحيكها الدوائر الصهيو- أمريكية ضد الأمة العربية والإسلامية باستخدام كل الطرق والوسائل ومن أهمها حملات الخداع والتضليل الإعلامي وتزييف الوعي وقلب الحقائق ..

 لقد كان قرار تقسيم فلسطين الذي اتخذته الأمم المتحدة في الاجتماع الذي عقدته في الـ 29 من نوفمبر عام 47م في سان فرانسيسكو هو أبشع تلك المؤامرات وأعظمها شؤما وأشدها فتكاً .. فمنذ ذلك التاريخ أصبح الكيان الصهيوني أمراً واقعاً .. ومنذ ذلك التاريخ عملت الدوائر الاستعمارية وتعمل جاهدة بكل الطرق والوسائل على أن تنسى الأجيال أن هذا الكيان المًسمى ( إسرائيل) هو الدولة الوحيدة على خارطة العالم التي وجدت بقرار من الأمم المتحدة .. وبعد أن اتخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة ذلك القرار المشئوم الذي مثل الحدث الأهم والأبرز على صعيد الصراع العربي - الصهيوني أخفقت في إيجاد وسيلة لتنفيذه لتعطي بهذا الفرصة للحركة الصهيونية للانتفاع بعدم وجود وسيلة لتنفيذ القرار عبر القيام بشن حرب إرهابية عدوانية ضد أبناء الشعب الفلسطيني متذرعة بأسباب ملفقة ومختلفة كالدفاع عن النفس .. وأعلنت بريطانيا عزمها الانسحاب من فلسطين 1948م لتطلق اليد للمحتلين الصهاينة لارتكاب المذابح بحق الفلسطينيين .. وإزاء ذلك لم تجد الدول العربية بديلاً للدخول إلى فلسطين لحماية سكانها من بطش الصهاينة وعندها تدخل مجلس الأمن الدولي وأرسل في الـ20 من مايو 1948م السويدي ( الكونت فولكه بيرنادوت ) للقيام بدور الوسيط .. وقد تمكن من عقد هدنة لمدة أربعة أسابيع .. وفي الـ17 من سبتمبر قام الإرهابيون الصهاينة باغتيال ( بيرنادوت) الوسيط الدولي خلال تواجده في الجزء الذي يحتله الصهاينة من مدينة القدس .. وتم إطلاق سراح القتلة بعد محاكمة وهمية ، وفُتحت الأبواب أمام العصابات الصهيونية للقيام بأعمال الغزو والنهب والسلب وارتكاب أبشع المذابح التي كان من أشهرها مذبحة دير ياسين ..

وكان جميع الذين حكموا الكيان الصهيوني بعد قيامه أعضاء في تلك العصابات .. وهي ثلاث عصابات أقامتها الحركة الصهيونية هي :

1- قوة فدائية هي جيش البالماخ ..

2- عصابة مسلحة أطلق عليها اسم شتيرن ..

3- قوة انتحارية تدميرية أطلق عليها اسم أرغون ...

وذلك باختصار شديد هو الدور الذي قامت به الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي . ومن خلال قراءة تحليليه سريعة يمكن استنتاج أن الأمم المتحدة التي أوجدت الكيان الصهيوني هي نفسها التي أتاحت لهذا الكيان الفرصة تلو الفرصة للقيام بشن الحروب واحتلال الأراضي وارتكاب المجازر .. ومن المفارقات العجيبة أن الكيان الصهيوني وهو الدولة الوحيدة في العالم التي أقيمت بناء على قرار من الأمم المتحدة هو في نفس الوقت الدولة الوحيدة التي لاتحترم قرارات الأمم المتحدة ولا تقوم بتنفيذها دون أن تحرك الأمم المتحدة ساكناً أو تتخذ ضد هذا الكيان أي إجراء ...

ومن الأحداث والتطورات التي تستحق الوقوف أمامها وقراءتها أيضا :

- بعد حرب 1948م التي انتهت - كما سبقت الإشارة - بفتح الأبواب أمام العصابات الصهيونية للقيام بأعمال الغزو والنهب والسلب وارتكاب أبشع المذابح والمجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني اجتمع بعض أعيان الضفة الغربية في مدينة أريحا وقرروا دعوة شرقي الأردن إلى ضم المنطقة ...

- وفي الـ12 من ديسمبر 1948م وافق مجلس الأمة الأردني على تلبية تلك الدعوة ... وتم في الـ7 من مايو 1949 م تعديل الحكومة الأردنية ودخول 3 من أبناء فلسطين في عضويتها ...

- وفي الـ11 من ابريل 1950م أجريت انتخابات نيابيه في الضفتين الغربية والشرقية على أن يمثل الضفة الغربية عشرون نائباً ومثلهم الضفة الشرقية ...

- في الـ15 من مايو 1950م اجتمعت اللجنة السياسة لجامعة الدول العربية بناءً على طلب الحكومة المصرية .. وفي ذلك الاجتماع قررت اللجنة فصل الأردن من الجامعة العربية لإخلاله بميثاق الجامعة ، إلا أن العراق تقدم بصيغة لتفادي القرار وإنهاء فصل الأردن وإبعاده من الجامعة وجاء في الصيغة العراقية :

( إن ما قامت به الحكومة الأردنية من توحيد ضفتي الأردن كان لضرورة الدفاع عن المنطقة بأجمعها ولأسباب اقتصادية وسياسية وقومية تتصل بها مباشرة ، ومع ذلك فالحكومة الأردنية تعلن بأن هذا التوحيد سوف لايؤثر بوجه من الوجوه في التسوية النهاية للقضية الفلسطينية )

وقد أيد هذه الصيغة الأردن ولبنان ...

- في الـ15 من يونيو 1950م عادت اللجنة السياسة لجامعة الدول العربية للاجتماع لحسم الخلاف وتوصلت إلى صيغة جاء فيها :

 ( لما كانت الدول العربية قد أعلنت استمساكها بعروبة فلسطين واستقلالها وسلامة إقليمها تحقيقاً لرغبات سكانها الشرعيين ورفضت حلاً يقوم على اساس تجزئتها فان المملكة الأردنية الهاشمية تعلن بأن ضم الجزء الفلسطيني إليها إنما هو إجراء اقتضته الضرورات العملية وأنها تحتفظ بهذا الجزء وديعة تحت يدها على أن يكون تابعاً للتسوية النهائية لقضية فلسطين ) ..

- في الـ 23 من يوليو 1952م قامت الثورة المصرية ضد حكم الملك فاروق بزعامة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهو أحد الضباط الذين شاركوا في حرب 1948م .. وقد تولى الرئاسة بعد قيام الثورة اللواء محمد نجيب حتى عام 1954م حيث تولى عبدالناصر الرئاسة في ذلك العام وأولى القضية الفلسطينية جل اهتمامه .. وكان عبدالناصر يرى أن القضية الفلسطينية هي من جوهر ولُب الصراع العربي - الصهيوني ، ونظر إلى هذا الصراع على انه صراع وجود وليس صراع حدود وأن ما اُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة ...

وقد ركز عبدالناصر على قضية الوحدة العربية باعتبارها السلاح الأمضى في مواجهة خطر الاستعمار والتوسع والعدوان الصهيوني .. و كان يرى أن ( الحل الوحيد هو في تماسك العرب وتضامنهم الجماعي ) .. وأن على العرب أن يجعلوا من أنفسهم أقوياء قادرين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ، وعلى الأخص في المقام الأول عسكرياً لحصر الخطر الاستعماري الإسرائيلي ..

وقد عمل عبدالناصر جاهداً على إيجاد مقاومة فلسطينية مسلحة تكون بمثابة رأس حربة في المواجهة مع المحتلين الصهاينة وتحرير فلسطين من رجس الاحتلال ..

وكانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه قيام منظمة التحرير الفلسطينية حيث صدر عن مؤتمر القمه العربي الذي عُقد في يونيو 1964م بيان جاء فيه :

( الموافقة على إنشاء الكيان الفلسطيني وقيام منظمة التحرير الفلسطينية بدون أي تحفظ من جانب أية دولة عربية)

 - كانت المملكة العربية السعودية قد تحفظت في بداية المناقشات ..

- وفي الـ 5 من يونيو 1967م قام الكيان الصهيوني بشن حربه العدوانية التي عُرفت بحرب الأيام الستة ، والتي انتهت باحتلال سينا ومرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة ... وبعد تلك الحرب العدوانية دخل الصراع العربي منعطفاً جديداً.

ومن خلال قراءة تحليلة سريعة يمكن استنتاج أنه ومنذ ديسمبر 1948 م أي بعد عدة شهور من قيام الكيان الصهيوني وانتهاء حرب 1948م كان يراد تصفية القضية الفلسطينية إلا أن مواقف بعض الدول العربية وفي مقدمتها مصر خصوصاً بعد قيام ثورة الـ23 من يوليو 1952م وتولي الزعيم جمال عبدالناصر قيادة مصر عام 1954م وبالتالي قيادة الأمة العربية حال ذلك  دون تصفية القضية - ..

وبعد وفاة عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970 وتولي الرئيس أنور السادات حكم مصر بدأت المؤامرات على القضية الفلسطينية بهدف تصفيتها وكان من أبرز تلك المؤامرات ما سمي بمعاهدات السلام بين مصر والكيان الصهيوني..

ومنذ ذلك الوقت ظلت الدوائر الصهيونية من خلال الإدارات الأمريكية المتعاقبة والأنظمة العربية المرتبطة بها وفي مقدمتها نظام آل سعود على تنفيذ تلك المؤامرات التي وصلت إلى حد تدمير اليمن وسوريا والعراق وليبيا كما شاهد ويشاهد أبناء الأمة العربية والإسلامية عبر الشاشات مما لم يعد خافياً على أحد سواء على صعيد تدمير البنى التحتية أو على صعيد جرائم القتل وحصد أرواح الملايين من أبناء هذه البلدان..