صراع من أجل الحق نماذج نسائية خالدة

نشر بتاريخ: سبت, 12/09/2015 - 5:02م
الكاتب: 

كتب عن المرأة الكثير، ولكن لأمر غير مفهوم ولسبب غير مبرر إطلاقاً، سكت المؤلفون جميعاً عن الكتابة عنها خلال معايشتها للأنبياء والرسل، أماً، وزوجة، وابنة، وأختاً، محببةً، مؤيدةً معارضة.

ولعل هذا السكوت اكتفاءً بما كتبوا عنها في حياة نبي بذاته، لنلقي مزيداً من الضوء على إمكاناتها، وقدراتها، وحقيقة جوهرها بعيداً عن الإطار الضيق والخانق المشوه لرسالتها، والظالم لها، ولذا يحلو لأصحاب هذا السكوت ترديد مقولة فارغة تقول: بأن المرأة مخلوق ضعيف، أو أنها الجنس الناعم واللطيف، مع أن عطاء المرأة وهي في ظلال الأنبياء يعني عطاءها الطبيعي التلقائي في جو مشحون بالخوارق والمعجزات، وحيث تسقط الأقنعة والزيف والتمثيل والادعاء، ومجردة من كل التخاريف، وهذا ما نجده في سورة التحريم في قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين، وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين﴾[التحريم:10].

وحسب هذه المرأة أن تدخل التاريخ بهذا المطلب الجريء والشجاع، حسبها كذلك أن تتبرأ من أفعال فرعون، وأن تطلب من ربها الخلاص والمثوبة، أنها نموذج رائع للمرأة حينما تكون تحت إمرة شرير جبار، فلقد كتمت وأخفت إيمانها بالله وبنبوة كليم الله وموسى عليه السلام حتى لا ينالها شره ولا يصل إليها بطشه وخسرانه، منتظرة في ذلك الفرصة السانحة للخلاص، لقد حاربت المنكر قدر الاستطاعة، حاربته بقلبها، وحاربته بلسان ضراعتها.

فسبحان الله، من تكون هذه المرأة الصالحة المؤمنة، إنها آسية بنت مزاحم زوجة فرعون الطاغية الذي ادعى الربوبية والجبروت. استطاعت السيدة آسية أن ترفض طغيان زوجها فرعون؟ لأنه يتعارض مع العدل المنشود، العدل الإلهي الذي يؤكد أن كل إنسان مسؤول عن عمله وحده، وأنه ﴿لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾؟ فسبحان القادر. فرعون صاحب الجبروت والبطش والسلطان يقف أمام زوجته صاغراً لا يستطيع ردها عن قرارها وسلبها حريتها، إنها بحق امرأة عظيمة وقدوة لكل امرأة تبحث عن العظمة.

وهكذا استطاعت المرأة برجاحة عقلها وايمانها والتزامها بمنظومة القيم الأخلاقية الفاضلة أن تصنع تاريخها الجهادي المقاوم لكل عوامل البطش والطغيان، وأن تسهم جنباً الى جنب مع رفيق دربها الرجل في بناء المجتمع ومقاومة الفساد بدلاً من الاستكانة لعوامل الضعف والانهزامية والتردد.

وللمرأة حضورها التاريخي الفاعل في رحاب حركات التجديد والمقاومة والدعوة جهاداً ودراسة وتعليماً، فهي نصف المجتمع ودورها الريادي لا يقل شأناً عما يقدمه الرجل، فهي المدرسة التي تتخرج من رحابها الأجيال الفاعلة، ولا تخلو حضارة من حضارات المجتمع البشري الا وللمرأة دور بارز في انشائها والمحافظة عليها قديماً وحديثاً .

وهل في تاريخنا الاسلامي صورة أجمل من صورة أم المؤمنين (خديجة). هذه الطاهرة المؤمنة التي آمنت بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما كذبه الناس، ونصرته عندما خذله الناس، ووقفت إلى جانبه صلبة قوية حتى ماتت في نهاية أظلم مراحل حياته، وبداية نصر الله إياه، عندما كان قد تخطى كل المصاعب وبدأ اتصاله باليثربيين، وفتحت أمامه طرق الفتح المؤزر بإذن الله.

وإذا كانت هذه مكانة المرأة في حياة الرسول الأعظم فكيف نجعل لها مكاناً أقل منه في حياتنا؟ وأين نحن منه صلى الله عليه وآله وسلم؟ إننا نشكو من متاعب مجتمعنا وننسى دائماً أنه مجتمع صنعه الرجال وملأوه بالأخطار والعقد، واقتسموه على حد سواء بما في ذلك المرأة. فقسم يبيع ويشترى بها وكأنما هي سلعة تجارية، أما القسم الثاني فيدخرها ويحتفظ بها لنفسه ولمصلحته الخاصة، وكأنه يخاف عليها من التلف.

ومع كل ذلك نرى أن المرأة في الإسلام قد حضيت بأحسن مكانة يمكن أن تحصل عليها امرأة في أي زمان ومكان.

ولمسنا كم اهتم القرآن بالمرأة اهتماماً كبيراً وهي التي كانت قبل الإسلام مهملة في معظم المجتمعات القديمة ولم يرتفع صوتاً واحداً يدافع عن المرأة في تلك المجتمعات أو يطالب برفع الظلم عنها.

وجاء القرآن الكريم فاهتم بها ذلك الاهتمام الكبير الذي لم تحض بمثله من قبل، فقد ذكرها في كثير من السور حتى جعل إحدى السور باسم (النساء) وأخرى باسم (مريم)، وسوَّى بين الرجل والمرأة في العقاب والثواب، وأعطاها الكثير من الحقوق كما سبق.

ومن مدرسة الإسلام المحمدي تخرجت سمية أم عمار بن ياسر، وفاطمة بنت محمد، وزينب بنت علي، وسكينة بنت الحسين، وغيرهن كثير، فهل آن الأوان لنفسح للمرأة المجال حتى تسهم بعطاءاتها في نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة، وبناء المجتمع والنهوض به فهي مدرسة للأجيال تصنع الرجال وتدفع بهم إلى ميادين الكفاح والعمل، وهذا لا يعني بحال من الأحوال الدعوة إلى التحرر من كل قيد أو شرط وإنما يعني السماح لها بالمشاركة في بناء المجتمع جنباً إلى جنب مع رفيق دربها الرجل فالنساء كما قيل شقائق الرجال.