أصبح البيع الشبكي في العصر الحاضر أحد أنواع البيع المتداولة ,لا سيما مع تطور وسائل الاتصال الحديثة ,والتي تستخدم بكثرة في مجالات متعددة أبرزها الجوانب الاقتصادية وخصوصاً ما يتعلق بالبيع الشبكي , وهناك جدل واسع حول مشروعية هذا النوع من البيوع ,وقد صدرت مجموعة من الفتاوى حول هذه القضية, وقد اطلعت على بعض من تلك الفتاوى ,فوجدت أن معظم تلك الفتاوى تحرم هذا النوع من المعاملة؛ لأسباب في مجملها أن البيع الشبكي يجعل من السلعة المباعة للمشترك عبارة عن غطاء فقط ,وإنما المقصود هو مبادلة العملة بعملة مثلها وزيادة ,مشتملة تلك المعاملة على علة من علل الربا المحرم كما ذكروا ,وهو بيع العملة بعملة وزيادة ,وسبب آخر يذكرونه أن البيع الشبكي يدخل في باب الغرر المحرم في البيع.
كون المشترك منجذب إلى الانضمام إلى المشتركين في شركة ما من شركات البيع والتسويق الشبكي ,ليس رغبة في السلعة المراد شراؤها, وإنما طلبا للربح الذي يأمل أنه سيحصل عليه من العمل في نظام التسويق الشبكي .
ويعتبرون شراء السلعة المعروضة بواسطة مشترك سابق في الشركة عبارة عن وصلة للدخول في نظام العمولات لشركة التسويق الشبكي وليست السلعة مقصودة لذاتها, وذكروا أيضا من مفاسده أن الربح الكبير يتركز في رأس هرم الشبكة, والطبقة الدنيا ليس لهم من الربح إلا القليل وربما كانوا خاسرين .
وذكروا أن الربح الذي يأخذه المسوقون ليس مقابل جهد لعرض السلعة وإقناع المشتركين بها حتى يكون كالسمسرة المعروفة, وإنما هو لإقناعهم وإدخالهم كمشتركين جدد لغرض تحصيل الربح من وراء هذا العمل الذي ليس من باب البيع, وإنما هو باب التغرير على المشتركين. ويجعلون من هذه العلل والمفاسد سببا لتحريم هذه المعاملة المذكورة (البيع الشبكي ) كونها تدخل في أكل أموال الناس بالباطل من وجه, ومن وجه أنها اشتملت على بعض علل الربا ومنها اشتمالها على الغرر المحرم في البيع.
ومشاركة منا في هذا الموضوع المهم والمتعامل به في كثير من الشركات والمؤسسات العالمية ,في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية ,رأينا أن ندلي بدلونا من منطلق معرفتنا البسيطة في هذا الموضوع ,من باب التحليل و التوضيح وليس من باب الفتوى ,فأنا أعتقد في نفسي أني لست من أهل هذا الشأن ,ومن المهم أن يطلع المفتي على طبيعة مثل هذه المواضيع ؛لتكون فتواه مبنية على معرفة ودراية, فأقول :
لقد اطلعت شخصيا وبصورة مباشرة على شركتين من هذه الشركات والتي لها مشتركون في اليمن .
الأولى: شركة ماليزية لبيع منتجات في مجال المكملات المحسنات الغذائية الطبيعية
والثانية: شركة أمريكية لبيع منتجات إلكترونية ومتنوعة.
ومن خلال اطلاعي على عمل هاتين الشركتين وطريقة بيعهما لمنتجاتهما.
أقول: لا يصح الحكم بتحريم البيع والتسويق الشبكي على الإطلاق ,فالصحيح هو التفصيل فمنها ما هو محرم ,ومنها ما هو حلال ,فتعليل واستدلال من استدل على التحريم على الإطلاق معارض بمثله .
ففي مسألة قول المحرمين إن عمل المشترك في إقناع مشتركين آخرين ليس جهدا وعملا يستحق عليه ربحاً (عمولة) .
فإنا وجدنا العلماء رضوان الله عليهم يُعملون أدلة من الكتاب والسنة في بعض الأبواب قد يراها المطلع بعيدة في الاستدلال, مثل استدلالهم في الشركة العرفية فيما يستحق السعاة فيها ,بقوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) وفي استحقاق الساعي لحصة من المكتسبات بقوله تعالى (لها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) ويستدلون على تساوي السعاة في الحصص في المكتسبات ولو كان جهد أحد الشركاء في الشركة العرفية أكبر بكثير من جهد غيره ,بل ربما جهد أحدهم منعدم فيستدلون بحديث, (إنما كنت رزقت لمواظبة أخيك على المسجد).
ويذكرون بأن الوالدين ينتفعان ببر أولادهما وإهداء ثواب أعمال الخير إلى روحيهما ولو بغير وصية, معللين ذلك بأن الولد من كسب أبيه وملاحظ أنه كسب فيه بعد ,وتلك الأدلة يصح الاستدلال بها على جواز أنواع من البيع والتسويق الشبكي.
فمثل عمل الشركة الماليزية السالفة الذكر الظاهر صحته وجوازه, وقد اطلعنا على اشتراك بعض العلماء فيها والتسويق لها, فودنا أن نظامها هو أنها تبيع لمن أحب الاشتراك في البيع الشبكي معها تبيع له من منتجاتها بما يقارب 20000يمني والمشترك هو الذي يختار المنتج حسب رغبته والسعر الذي يباع له هو أقل من السعر الذي يباع به لغير المشترك ,وبعد هذه العملية تُدخل الشركة هذا المشترك في سجل عملائها العالمي وتمنحه رقما وبطاقة ,وفائدة ذلك أن المشترك كلما اشترى منتجا معينا لبيعه أو لاستخدامه يُحسب له نقاط , كل منتج له نقاط محددة عندهم بحسب سعر المنتج ,ومثل ذلك إذا أقنع مشتركين فيحسب له نقاط على كل مشترك يعمل على إقناعه للاشتراك وشراء منتجات الشركة المذكورة ,ويحسب له نقاط حتى على المشتركين من الطبقة الثانية والثالثة وهكذا إذا كان له سبب في إدخالهم ولو بعيدا,أي كان دخولهم من جهة من أقنعهم.
وهكذا كل مشترك له نقاط على المشتركين تحته لأن له سبب في إقناعهم ولو كان السبب بعيدا ,وفي نهاية كل شهر تحتسب الشركة نقاط كل مشترك عميل وتسلم له مبلغا يسمى عمولة ,يكون قدره على حسب عدد المشتركين الذين تحته وحسب السلع والمنتجات المشتراة ,وتبيع هذه الشركة أيضا منتجاتها لمن لا يرغب في الاشتراك معها بسعر أعلى قليلا من المشترك ,صحيح أن بعض الشركات لا تبيع إلا للمشتركين وهذا العمل قد يكون فيه شبه .
ويصح أن يقال أن البيع الشبكي كما ذكرنا في نظام الشركة الماليزية يشبه بيع الشركات الحصري لوكلائها فهو بيع شبكي هرمي يتركز الربح الأكبر في يد الوكلاء الكبار المباشرين ولا يبقى للوكلاء الصغار إلا القليل من الربح ,وهذه معاملة منتشرة ومعظم التجارات لا تخرج عنها .
فكثير من الشركات العالمية لا تبيع إلا عن طريق وكلائها فيكون لها مثلا وكيل على مستوى دولة بأكملها ,وهذه الوكالة لا يأخذها إلا بمبالغ كبيرة ,وشروط تمليها عليه الشركة المصنعة, ومن تلك الشروط المشهورة أن يبيع الوكيل بالسعر المحدد من قبل الشركة, والشركة تعطيه عمولة على قدر مبيعاته وعلى قدر عدد الوكلاء من تحته ,بحيث تتحكم الشركة المصنعة في سعر منتجاتها على مستوى العالم ولا تسمح لوكيل من وكلائها أن يبيع بالسعر الذي يريد ,ولا تسمح بالبيع إلا عن طريق وكلائها ,ووكلاء وكلائها بالشروط التي تحددها الشركة ,فالشركة المصنعة تعتبر رأس الهرم ووكلائها المباشرين ووكلاء وكلائها يعتبرون بقية الشبكة الهرمية وإلا فما الفرق.
فالمشتركون في التسويق الشبكي على اختلاف طبقاتهم هم بمثابة الوكلاء للشركة المصنعة ,والميزة في التسويق الشبكي على نظام الوكالات أن الوكالة فيه ليست حصرية ,فبإمكان أي فرد أن يكون وكيلا لشركة التسويق الشبكي ,وما ذكره المحرّمون بأن المسوق قد يتعرض لخسران فهذه شأن التجارات أنها معرضة للربح والخسران .
والإشكال في البيع الشبكي هو في العمولة الممنوحة للعميل ماذا يكون تصنيفها, وما هو الوصف الشرعي الذي تأخذه ؟
فيصح أن يقال إنها من باب الإجارة الفاسدة التي يجوز الدخول فيها والتعامل بها, وللشرع حكمه عند الاختلاف والتخاصم وكل قضية لها حلها بحسب تفاصيلها التي ترد لدى قاضي الشرع ,ونفس الإشكال يرد أيضا في البيع عن طريق الوكلاء, فربح الوكيل منحصر في العمولة التي تحتسبه له الشركة أو المصنع الذي هو وكيل له على السلع المباعة عن طريقه أو طريق الوكلاء الصغار الذين تحته .
ومن العلل التي يذكرها المحرمون أنه ربما قضى المسوق وقتا طويلا في إقناع مشتركين ولا يقتنع أحد فيضيع جهده بدون مقابل .
فنقول ومثل ذلك سيحصل في شأن وكلاء الشركات والمصانع الذي تعطي الوكيل عمولة على قدر مبيعاته ,فقد يعرض المنتجات وقتا طويلا في محلات ينفق فيها مبالغ في التجهيز والإيجار وربما لا يستطيع بيع شيء, وربما باع شيئا يسيرا لا يقوم بالنفقات فيتعرض للخسران, والشركة المنتجة لا يحصل عليها شيء من الخسران؛ بل لها الحق أن تسترجع بضاعتها لدى الوكيل وتسوقها في مكان آخر ولدى وكيل آخر من وكلائها ,وما تعطيه بعض الشركات من امتيازات هو شبيه تماما بما تعطيه شركة التسويق الشبكي لمشتركيها (وكلائها ) الأفراد .
وهذا الكلام فيما يخص عمل الشركة الماليزية ومن يعمل مثل عملها من الشركات ,وقد يكون هناك تفاصيل لم أطلع عليها في عمل هذه الشركة فيها شبهة.
وبخصوص العلة التي ذكرها المحرّمون وهي: أن البيع الشبكي عبارة عن تبادل عملة بعملة بزيادة وهي محرمة ؛لأن السلعة عبارة عن غطاء ,فيجاب عنهم ومثل ذلك الصرافة فهي مبادلة عمله بعملة بفارق بين البيع والشراء, وهو جائز بلا خلاف, وإنما يشترط قبض العملتين في مجلس المصارفة, وقد اطلعت على فتوى لأحد مجتهدي العصر بأنه يجوز بيع الأوراق النقدية المهترئة ,بأخرى جديدة من نفس العملة ولو بزيادة ؛وربما أن الأوراق النقدية عنده عرض مثل سائر العروض التي يجوز التبادل فيها, ولو بزيادة لغرض مثل ما ذكر, ويشترط التقابض في المجلس.
وبخصوص شبهة الغرر فالغرر محرم أينما وجد سواء في البيع الشبكي أو البيع المباشر, وهو كثير في البيع المباشر ,فالمحرم هو الغرر اينما وجد وليس جملة البيع الحاصل فيه.
وبشأن النوع الثاني من البيع الشبكي ,وهو مثل عمل الشركة الأخرى الأمريكية ومن يعمل مثل عملها ,فهذه الشركة يدخل فيها المشتركون بنظامين .
الأول :أن يدفع المشترك 130 دولارا ولا يعطى بها منتجات وإنما يمنح بها امتيازات وتخفيضات محددة لمنتجات محددة إذا رغب في الشراء بثمن مستقل عن هذا المبلغ ,ويمنح ربحا في نهاية كل شهر ,ومن تلك الامتيازات التي يزعمون, أنه يحق للمشترك أن يتصل خلال شهر إلى أي دولة في العالم مجانا وعلى مدار 24ساعة ,وهذا العمل محسوب لدى الشركة فهم يعرفون أن معظم المشتركين ليس لهم أقارب أو أصدقاء في الخارج ,وإذا وجد فلا يمكن أن يحصل الاتصال على مدار الساعة؛ بل لا يستغرق إلا بضع دقائق وتنتهي الحاجة إلى الاتصال, فهم المستفيدون بلا شك ,وهم في نفس الوقت يعملون كشركة إعلانات يربطون الإعلان لأي منتج بحصول اتصال للمشترك أو استلام رسالة, فكلما استقبل المشترك اتصالا أو استلم رسالة يظهر على شاشة هاتف المشترك مع كل اتصال أو رسالة مستلمة صورة منتج من منتجات شركة ما قد اتفقت مع هذه الشركة للإعلان عن منتجاتها بهذه الصورة ,فيصبح الإعلان بهذه الصورة إلى جمهور المشتركين بصورة إجبارية, فيدفعهم ذلك إلى الرغبة في الشراء ,فتزعم هذه الشركة أن الربح الذي تدفعه نهاية كل شهر للمشترك هو من ربح هذه الإعلانات, وفي الواقع إنما هو عمل وربح ربوي عن المبلغ الذي دفعه المشترك ولم يأخذ سلعة في مقابله ,ولا أدير هذا المبلغ في عمل تجاري للمشترك فيه غنمه وغرمه؛ بل الربح لديهم أمرا محددا يعرفه المشتركة عند اشتراكه ,ويستطيع أن يحسب بالتحديد ما يأتي له من تلك الشركة في السنة, ويستطيع أن يقاضي تلك الشركة على ذلك, وهذا ليس شأن التجارة ,وإنما شأن البنوك التي تحدد ربحا معلوما على الودائع لديها ,فمثل هذه الشركة تستخدم السيولة المالية من المشتركين للمضاربة بها في صفقات تجارية ربوية لا تخفى على أهل هذا الشأن ,والمضاربات الربوية في البورصات العالمية هي عبارة عن لعبة أرقام معروفة لمن اطلع على نظامها, وهي مدمرة ولا يظهر دمارها إلا عند الأزمات المالية.
والنظام الثاني : في هذه الشركة هو أن يدفع المشترك مبلغ 1600 دولار ويزعمون أنهم سيخصمون للمشترك ما يعادل 400 دولار عند شرائه لمنتجات الشركة, ومبلغ 1200يزعمون أنهم يشترون للمشترك لوحا كبيرا من ألواح توليد الطاقة الكهربائية بالشمس في محطة من المحطات التي تقوم الشركة المذكورة بإنشائها في بعض البلدان حسب زعمهم ,ثم يذكرون أن هذا المشترك سيحصل نهاية كل سنة على ربح هذا اللوح ,وإذا دفع قيمة أكثر من لوح سيحصل على ربح أكثر؛ لكن الربح محددا معروفا للمشترك من عند اشتراكه لا يتجاوز 15% غير قابل للخسران فهذه معاملة ربوية لا شك فيها .
وخلاصة القول أن البيع الشبكي لا ينبغي تحريمه على الإطلاق ولا تجويزه على الإطلاق, بل ينبغي التفصيل كما ذكرنا ,شأنه شأن سائر أنواع البيوع ,فالبيع والشراء جائز على الجملة, ولكن هناك أنواع من المعاملة في البيع والشراء غير جائزة ,وهي معلومة لدى علماء الشرع, وينبغي لمن أراد التجارة أو الدخول في معاملة تجارية أن يتفقه في دينه ,وأن يرجع إلى سؤال أهل الذكر فيما اشتبه عليه ,وننصح أهل التجارات من المسلمين سواء شركات أو أفراد أن يجعلوا لهم هيئات استشارية شرعية من العلماء والمختصين ؛لعرض طرق معاملاتهم التجارية عليها أولا بأول قبل الدخول في معاملة ما, والمراقبة أثناء التنفيذ فقد تكون بعض المعاملات صحيحة وجائزة في مجملها ,وقد تعرُض بعض الجزئيات فيكون الدخول فيها غير جائز, فيتم تصحيح الأمر بطريقة شرعية في حينه عند وجود الرقابة الشرعية, وينبغي على أهل التجارات أن يقتنعوا بالأمر الشرعي فتكون تجارتهم أكثر بركة ونفعا, وفقنا الله إلى الحلال وعصمنا من الحرام بحوله وطوله.