حوار مجلة الاعتصام مع العلامة / حمود عبدالله الأهنومي

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 08/06/2021 - 11:08ص

تتشرف مجلة الاعتصام بأن تكونوا ضيف العدد وتلتمس منكم التوسط في الإجابات وتفادي الإسهاب

المحور العلمي والفكري

س1: متى بدأ العلامة / حمود الأهنومي مشواره العلمي؟ وأين ؟ ومَنْ أبرزُ العلماء الذين درس على أيديهم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

أولا شكرا لمجلة الاعتصام على الاستضافة، وبالنسبة لبداية طلبي للعلم  رسميا فقد كانت في صيف عام 1992م، حيث كنا نسمع بأخبار شيخنا الدكتور العلامة شهيد المنبر المرتضى بن زيد المحطوري، وأنه يقيم حلقات العلم في صنعاء، فهاجرْتُ أنا ومجموعة من الزملاء للالتحاق بالدورة الصيفية في الجامع الكبير ذلك العام، واستمريت هناك طالبا للعلم حتى عام 1996م، وكان أول مشائخي هو شهيد المنبر رضوان الله عليه وبه تأثرت، ومن خلاله تغيرت حياتي تعلقا بالعلم وأهله، وكذلك تعلَّمْتُ على يد شيخنا العلامة المبتلى السيد علي بن أحمد الشامي رحمه الله، وكان له فضل كبير في توجيهي إلى التحصيل والمطالعات الأدبية والتاريخية وتحصيل الوعي السياسي، ومن شيوخي السيد العلامة عبدالكريم اللاحجي حفظه الله، وفي تلاوة القرآن أجازني أبرز مشايخ القرآن آنذاك، وهم الشيخ حسن باصيد، والشيخ محمد حسين عامر رحمهما الله، وكذلك الشيخ يحيى الحليلي حفظه الله، ثم توفَّر مدرِّسون وعلماء في مسقط رأسي في القزعة مديرية المفتاح محافظة حجة، فدرسنا عند السيد العلامة أحمد درهم حورية المؤيدي، ثم سيدنا العلامة محمد علي عيسى الحذيفي، وسيدنا الأستاذ العلامة عبدالله بن محمد الشاذلي حفظهم الله جميعا، ولي عدد كبير من الشيوخ والأساتذة الآخرين لا يتسع المقام لتعدادهم، ولا زلت أتعلم وأكتسب كل يوم شيوخا جددا، وهذا من فضل الله على عبده الفقير إليه.


س2: ما هي أهم العلوم الشرعية والفنون العلمية التي درسْتَها عند العلماء؟

بحمد الله تعلمنا العلوم التي كانت الهجر والمراكز العلمية تدرسها، ومنها أصول الدين، والتجويد، والنحو، والصرف، والبلاغة، والفقه، وأصوله، والحديث، ومصطلحه، ثم تعلمت فيما بعد الثقافة القرآنية، التي جاء بها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.


س3: ما هي العوامل التي أعانتكم على طلب العلم و مثلت رافدا على الاستمرار فيه ؟ وما هي العوامل التي يمكن أن تشكل رافدا لطالب العلم اليوم ويمكن أن تسهم في اندفاع الشباب لطلب العلم؟

أبرز عامل هو توفيق الله وسداده، حيث هدى والدي حفظه الله إلى هذه الطريق، وكان قد ملأ رأسي بالحديث عن العلم وفضل العلماء منذ صغري، وكان هو أحد طلبة العلم في الهجرة العلمية في مدينة المحابشة، وقد تسبَّب انقلاب 26 سبتمبر 1962م في حرمانه من مواصلة طلب العلم، فظل ذلك الحرمان حسرة في قلبه، وظل يحلم أن يعوض ما فاته من طلب العلم في أولاده، فكان يدفعنا إلى ذلك دفعا حثيثا.

بالإضافة إلى الفرصة التي توفَّرَتْ عند قيام شيخنا المحطوري وزملاؤه بإحياء النشاطات العلمية وتسكين طلبة العلوم الشرعية في مركزي البليلي وبدر وغيرهما، ثم لما أسكن الله الرغبة في قلبي نحو العلم ظللت أوطِّنُ نفسي أن أكون طالب علم أينما ذهبت، وكان يغذي تلك الرغبة ما كنت أقرأه من تراجم علماء اليمن وفيها ذكرُ مقروءاتهم فتتصاغر نفسي إليَّ، كيف أني لم أصل إلى مستوى أقلهم علما، وأقلهم مقروءات.

ومن أهم العوامل التي تشجع على طلب العلم والمعرفة.

أولا: وجود بيئة أسرية ومجتمعية تحترم العلم والعلماء، وتعطيهم مهمتهم ووظيفتهم الربانية التي يجب أن يكونوا عليها، وقيام العلماء وطلاب العلم بمسؤولياتهم العلمية والعملية، وتمكين الدولة لهم بفتح مجالات العمل أمامهم، والتوجه الرسمي والشعبي لإحياء دور الهجر والمدارس والمراكز العلمية بالشكل الذي يربط مخرجاتها بما تحتاجه الأمة، وبما يقيم أودها، ويصلح شأنها، ويساهم في إيجاد نهضة علمية مبنية على أساس مشروع القرآن الكريم.

ومن العوامل الهامة تشجيع العلماء وطلاب العلوم ماديا ومعنويا من قبل الدولة، لا سيما واليمن تتميز بأوقاف طائلة وكثيرة لدعم العلماء والمتعلمين، والتاريخ يخبرنا أن الدولة اليمنية أقامت عمود التعليم والتدريس والفكر والثقافة عقودا من الزمن من خلال الأوقاف على المدارس والهجر والعلماء والمتعلمين، والدولة اليوم مطالبة بتنظيف هذه الأوقاف وتحريرها من الباسطين عليها وتحريزها واستعادتها، وتنظيمها، وتسخيرها لدعم الحياة العلمية في اليمن.


س4: ما هي العلوم ذات الأولوية في مرحلتنا الراهنة ومتطلبات واقعنا المعاصر ؟ وكيف يمكن الجمع بين أصالة الأمس ومستجدات أو نوازل اليوم في المدارس والهجر العلمية؟ ومن المسؤول اليوم عن إحياء الدور العلمي وكيف؟

لا غنى للأمة عن العلوم الشرعية، مثلما لا غنى لها عن العلوم التطبيقية والتجريبية والعصرية، كالفيزياء والأحياء والهندسة والطب والعلوم المختلفة، فالأمة بحاجة إلى جميع هذه العلوم، ونحن بحاجة إلى الطبيب الذي يلتزم بالأخلاق والقيم والتصورات الشرعية والقرآنية، كما نحن بحاجة إلى علماء للفتوى والقضاء والتدريس والإرشاد والتبليغ ممَّنْ لديهم سعة أفق، واطلاع واسع على ما تحتاجه الأمة في جميع المجالات، ونحن بحاجة إلى المهندسين والمخترعين الذين يعملون على تطوير قدرات الأمة العسكرية الذين ينطلقون من المبادئ والأخلاق والتصورات القرآنية.

وبالنسبة للعلوم الشرعية لا بد أيضا من تطوير منهجها العلمي التقليدي، ولا بد من إعادة كتابة مقرراتها التدريسية بتحويلها إلى معلومات عملية، تركز على الجانب العملي والتطبيقي فيها، ثم أيضا بتطعيمها بالطرق والأساليب والتقنيات الحديثة مع الحفاظ على أصالتها وجزالتها، بالشكل الذي يلبي احتياج الأمة، والتخلص من الافتراضات العقيمة التي لا مردودَ عمليَّ لها، كما ينبغي إضافة بعض المواد والمقررات الأساسية التي لا بد أن يتعلمها الطالب والتي تجعله متحملا لمسؤوليته، مواكبا لعصره، ملبيا لحاجة مجتمعه من المعارف والتصورات والمفاهيم، وبعض المواد الهامة التي لا ينبغي لطالب علم أن يجهلها، كبعض الحقائق والمعارف في الوعي السياسي، والجغرافيا، والتاريخ وغيرها، وكالمهارات والفنون التي باتت من ضرورات الحياة المعاصرة، كبعض مهارات الحاسب الآلي، ومهارات البحث العلمي، وغير ذلك، كل بقدر حاجته وتخصصه.

والأهم من ذلك كله هو ضرورة إعادة النظر في علاقتنا بالقرآن الكريم، حيث يجب أن يأخذ القرآن الكريم حيزا كبيرا في اهتمامات العلماء وطلاب العلوم أكثر من أي كتاب آخر، ليس بقراءة كتب التفسير فقط، بل بالاهتداء العلمي والعملي من خلاله في تصويب وتوجيه واقع حياتنا العلمية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بما ورد فيه من مضامين وهدى واسترشاد، بتخصيص مساحات واسعة من الوقت للعكوف على القرآن الكريم والاهتداء به.

أعتقد أنه لا يجوز أن يبقى اهتمامنا بالقرآن مثلا أقل من اهتمامنا بكتاب الأزهار؛ لأن كتاب الله هو النور والمنهج والهدى والدليل والمشروع والدستور الذي أمرنا الله بالتحرك والتذكير والإنذار به.

كما أنه بات من الضروري تدريب الطلاب والعلماء على مهارات البحث العلمي في مختلف العلوم، وإنشاء المراكز البحثية، الملحقة بالمدارس والهجر والمراكز العلمية، لتبحث في ما يهدينا الله إليه من مراد واحد غير متعدد في مختلف مجالاتنا الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وفي النوازل والمستجدات.

أما إحياء الدور العلمي فهو مسؤولية الدولة أولا، بالتعاون مع العلماء العاملين والمرشدين الربانيين، ولكن أيضا للمجتمع دور لا يستهان به، وهو يحتاج إلى عملية تنظيم، وتحفيز؛ حيث قد أثبت التاريخ في مرات عديدة أن بإمكان المجتمع أيضا تمويل العملية التعليمية، وخلق البيئة الحاضنة لها، ومن تلك الجهود التعليمية المجتمعية ومراكزها وهجرها تخرَّج أعلام الهدى الربانيون، والقادة المصلحون، والعلماء القضاة والمفتون والخطباء والمرشدون.


س5: ما هي طبيعة العلاقة بين العلم والجهاد أو الإرشاد وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وما هي المسؤوليات الملقاة على عاتق العلماء والمرشدين تجاه التهديدات الفكرية والعسكرية المحدقة باليمن والأمة؟

أتصور أن العلاقة علاقة اتحاد وترابط؛ حيث القرآن الكريم يجعل العمل - وأعظمه الجهاد في سبيل الله - من صفات كل إنسان مؤمن، ولا يفصل بين العلم والعمل البتة، وكثيرة هي تلك الآيات التي حين وصفت المؤمنين وصفتهم بأعمالهم وجهادهم؛ ومنها قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[الحجرات:15]، والعالم الرباني هو العالم العامل المجاهد، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فإذا فرَّط العالم في فريضة الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد فرط في أساسيات الإيمان، التي يجب أن تتوفر حتى عند الناس العاديين من المؤمنين، فضلا عن العلماء، كما أن المجاهد بحاجة إلى العلم، ويجب عليه أن يتعلم الأساسيات وما يحتاج إلى العمل به في الدين، كمعرفة الله المعرفة الصادقة والحيوية التي تنعكس إيجابا في ثقته بالله وفي وجدانه وقيمه وقناعاته ومواقفه ومشروعه، والجهاد بدون العلم النافع يتحول إلى ضرب من التسلط الأعمى، والتخبط في الظلمات والعشوائية.

ومن أوجب الواجبات التي يجب أن يتحرك فيها العلماء وطلاب العلم هو الدعوة إلى سبيل الله، ورد زيغ الزائغين، ومكر الماكرين، وضلال المضلين، وما أكثرها هذه الأيام.


س6: من وجهة نظركم ما هي الأسباب التي تعيق بعض العلماء وطلاب العلم عن مواكبة الأحداث، وتحمل المسؤوليات العملية، ومتابعة المستجدات والاهتمام بأمر المسلمين كما يجب؟

أول سبب هو قصور المنهج التقليدي في مفرداته وموضوعاته عن تغطية تلك الموضوعات؛ حيث لا يوجد فيه الموضوعات التي تبني الشخصية العلمية الجهادية بشكل كامل ومستوعب للمسؤولية العملية، في الوقت الذي لا يُعْطَى القرآن وهديه حقَّه في صناعة وعي الإنسان المؤمن، فمثلا في موضوع الجهاد الذي ذكر في حوالي 600 آية في القرآن الكريم، وأخذ مساحة واسعة فيه، هل يوجد في المنهج التقليدي الذي يدرسه طلاب العلم كتابا واحدا مخصَّصًا للجهاد وأهميته وفضله وصوره ومكاسبه ونتائجه؟ لا يوجد في ما أعلم.

بلى يوجد مثلا كتاب السِّيَر في الفقه، ولكنه وُضِعَ في آخِرِ كُتُبِ الفقه، التي لا يصل إليها إلا قلة قليلة من طلاب العلم، ثم هو ينظم ويقنن أحوال قيادة الأمة، وعلاقتها بالأمة، وبالسلم والحرب، وغير ذلك، ولا يشتمل على ما يخلق توطين النفس على الجهاد، ويربي الأمة وطلاب العلوم عليه، ومثل ذلك كتاب الإمامة في كتب أصول الدين.

وحين قُدِّمَتْ معرفة الله في كتب علم الكلام بطريقة جدلية متخشِّبة نجحت في إيجاد إطارات عامة فقط فضبطت عملية الاعتقاد من حيث الداخل في المسألة والخارج منها، ولكنها كما أظن لم تنجح في كثير من أحوالها في أن توجد معرفة حيوية لله تنعكس بشكل إيجابي على قناعات طالب العلم وقراراته ومواقفه العملية في مسيرته وحياته، وحينها لا يستغرب المرء عندما يجدنا كطلاب علم نتخذ قرارات ومواقف تنم عن خشيتنا لغير الله أكثر من خشيتنا لله.

ثم هناك مفاهيم وثقافات خاطئة، قد تَحُوْلُ دون تَحَرُّكِ البعض، منها أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس إلا في الحالات الفردية، والشخصية، وكأنه لا يوجد فرائض جماعية، وقد يحصُرُ بعضُهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منع الأغاني، أو تغطية الركبة، حتى ظن البعض أن مواجهة أئمة الكفر في هذا العالم مثلا ليس واجبا علينا، وأن الله لن يسألنا عما عملنا في مواجهتهم.

ومن أخطر تلك الثقافات الكابحة والمعيقة تصور البعض أن الأمة عندما تتحرك في مسيرتها العملية لبناء دولة الحق والعدل وإقامة القسط إنما ذلك ضرب من ضروب طلب الدنيا والاغترار بها، وكأن الله تعالى لم يرسل الأنبياء وينزل معهم الكتاب والميزان لإقامة القسط في هذه الأرض، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[الحديد:25].

ثم الحالة التاريخية في الانكفاء الداخلي الذي رافق حدوث انقلاب 26 سبتمبر 1962م، ويأس كثير من العلماء وطلاب العلوم عن القيام بأي تحرك جهادي، ثم حدوث التطور الكبير في مجال التسلح والجانب العسكري، فظن البعض من طلاب العلم أنه لم يعد القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرا ممكنا؛ لفارق القدرة التسليحية الهائلة بين جماعة المؤمنين، وبين أنظمة الكفر والظلم، واشترط بعضهم أن يحصل المؤمنون أولا على نصف مقدَّرات وإمكانات العدو في التسلُّح والدبابات والطائرات والأفراد، ثم يلزمنا التحرك، لكن بحمد الله سقط هذا الوهم الثقافي والفكري والعملي على يد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي إذ أثبت بحركته العملية أنه يكفي أن نُعِدَّ ما نستطيعه، ثم سيتكفل الله بما وراء ذلك من نصر وتمكين؛ قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾[الأنفال:60].

ومن الثقافات المعيقة اعتقاد بعض طلاب العلم والعلماء أنه لا يمكن إقامة مشروع الله في هذه الأرض، وأن العادة أن يتسلط الظالمون ويستولوا على مقادير الأمور، وأن المؤمنين عليهم أن يصبروا حتى يجدوا أجر صبرهم في الدار الآخرة، وكذلك إساءة الظن بالأمة وأبنائها، والاعتقاد أنهم جميعا ليسوا أهل خير، وأنهم ليسوا أهلا لتحمل المسؤولية؛ ولهذا عزف بعض حملة العلم عن التحرك في تكوين الأمة التي أمر الله، وعن المسؤوليات الحيوية الكبرى في هذا الدين، كالكون من أنصار الله، وإقامة الدولة العادلة، والجهاد في سبيل الله، ومقارعة المستكبرين في هذا العالم.

وقد عالج قضية تحمل المسؤولية العملية وإشكالاتها ومآلاتها ونتائجها كلٌّ من الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في معظم ملازمه، وكذلك خصّ سيدي القائد العَلَم عبدالملك بدر الدين الحوثي الحديث عنها في عدد من المحاضرات، ومنها سلسلة محاضرات الهجرة وعاشوراء سنة 1440هـ.


س7: كونكم جمعتم بين العلم الشرعي والأكاديمي : ما هي مآخذكم أو تقييمكم للدراسات الأكاديمية من خلال تجربتكم الأكاديمية؟ وما هي المؤهلات التي يجب أن تتوفر فيمن يرغب بالحصول على شهادة الدكتوراه؟

ج7: المنهج الدراسي الأكاديمي لا يكوِّن الشخصية العلمية المتَّزِنة والشاملة، فمنهجها قاصر قصورا كبيرا بغياب كثير من الموضوعات الحيوية والهامة، بما يترافق مع ذلك من ضعف المدرسين، وتدهور الحالة الأكاديمية، وأنها لا ترتبط عند الكثير من الباحثين والأكاديميين بهدف شريف وكبير، وهو رضوان الله عز وجل، بقدر ما ترتبط بالحصول على الشهادة الأكاديمية التي تعتبر مفتاحا للحصول على الراتب الشهري، والامتياز الأكاديمي.

وأبرز خلل يمكنك ملاحظته أنك تجد مثلا أكاديميا متخصصا في موضوع معين ومحدد في التاريخ الإسلامي، ثم تراه لا يحسن غيره من الموضوعات في التاريخ الإسلامي، دع عنك موضوعات التاريخ القديم أو الحديث أو المعاصر، ودع عنك معرفته بالأساسيات التي يجب أن يحسنها ويجيدها، وأهمها الأساسيات من التصورات الإسلامية والعقائد الصحيحة، والمعارف اللغوية، والفقهية، والقناعات الوجدانية والأخلاقية، والمهارات الحديثة؛ ولهذا تجد كثيرا من الأكاديميين لا يزال يخطئ في رفع الفاعل، أو نصب المفعول، وبعضهم قد يخطئ في بعض القواعد الإملائية، أما المعارف الأساسية التصورية والفقهية والقناعات الأخلاقية فحدث عنها ولا حرج، إلا من رحم ربي.

وبالنسبة للحصول على شهادة الدكتوراه فيجب أن يكون الطالب حاصلا قبل ذلك على شهادة البكالوريوس أو الليسانس، ثم الماجستير، في حقل علمي معين، ثم يذهب للتسجيل في برنامج الدكتوراه، ويكتب رسالته في عنوان محدد ومعين، بإجراءات عديدة ومطولة وبعضها روتيني، يمكن الاستغناء عنه، وتوفير الوقت الكبير الذي يُهْدَر فيه للبحث العلمي.


س8: كيف يمكن الاستغناء عنه، ماذا تقصد بالعبارة الأخيرة؟

أقصد أن هناك نظاما روتينيا يُتَّبَع في الدراسات العليا، يُضَيِّعُ وقت الباحث والطالب وهو يتابع تلك الإجراءات الروتينية، مثل متابعة مجالس الأقسام، والكليات، والدراسات العليا العديدة والمتنوعة، وكل مجلس يحتاج إلى وقت طويل وإلى عدد كبير من الموقعين، وقد يحضر بعضهم، ويغيب البعض الآخر، بحيث يُضَيِّعُ الطالبُ نصفَ وقتِ البحث أو أكثر في متابعة هذه الإجراءات، وكان الأحرى أن يُمَكَّنَ لتوظيف تلك الأوقات في البحث العلمي، ويتم الاستغناء عن تلك الإجراءات الماراثونية الطويلة بإيجاد خدمة جمهور تتابع تلك الرحلة الطويلة لتلك الإجراءات، وآمل من إدارة الجامعات الحالية ووزارة التعليم العالي العمل على ذلك.


س9: ما هي مسؤوليات العلماء وطلاب العلم والنخب الفكرية تجاه الهوية الإيمانية؟

مسؤولية كبيرة، وهذا الموضوع هو الجبهة التي يجب أن يكون العلماء وطلاب العلم والأكاديميون والثقافيون والإعلاميون هم المقاتلين فيها، وأن يكونوا ضباطها، وجنودها؛ حيث الهوية الإيمانية اليمانية هي الهوية الجامعة والحيوية التي تعبر عن حقيقة انتمائنا لأمتنا، ولمشروعنا القرآني الإلهي، وتحفظنا من الضياع والاندثار والغزو الفكري والحروب الناعمة والخشنة، وحين يتحرك العلماء وهذه الفئات في نشر هذه الهوية، وتثبيتها، وترسيخها، وتأصيلها في أوساط المجتمع، فإن ذلك يعزز الارتباط والانتماء الحقيقي للأمة ومشروعها الجامع، ويبني الأمة بناء فكريا سليما، ويعزز أهمية التحرك العملي لنهضتها، ويمنع على الأعداء نشر مخططاتهم واختراق صفوف هذه الأمة، ونخرها من الداخل، ويذيب الشحناء والبغضاء بين فئات وجماعات ومكونات الأمة في اتجاهٍ ومشروعٍ ومسارٍ واحد.

المحور السياسي:


س10: هل السياسة متصلة بالدين أم منفصلة عنه؟ وما هو الدور المنشود من العلماء أمام الانحراف السياسي وتلاعب السياسيين بدين الأمة ودنياها وبعدهم عن هموم الشعوب وتنكرهم لقضايا الأمة المصيرية؟

السياسة الشرعية جزء من الدين الحق، وليست منفصلة عنه، فالسياسة التي تعني إدارة شؤون الأمة، وإقامة القسط، وإنصاف المظلومين، وجهاد الظالمين، ونفي الفساد، ومحاربة الرذائل، ونشر الفضائل، والدفاع عن البلد، وعن مقدراته، وهويته، وردع المستكبرين والظالمين والمعتدين، جزءٌ أصيل من الدين الحق، وهي المسؤوليات التي أخذ الله على الناس المؤمنين أن يقوموا بها، والقرآن بهذا المفهوم هو أكبر وأهم وأعظم كتاب سياسي، والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو أهم شخصية سياسية يجب أن نستفيد من سياساته، وأئمة أهل البيت وثوارهم هم أساتذة السياسة على مر التاريخ.

والعلماء ومن إليهم من الثقافيين والإعلاميين بقيامهم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكلون أحد ضمانات الأمة في نفي الفساد ومحاربة الانحراف واستئصال الباطل، يقفون بالمرصاد لكل المحاولات التي تريد الانحراف بمسيرة الأمة وصلاحها والابتعاد عن همومها وقضاياها، قال الإمام علي عليه السلام: (أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلَا حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ، وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ).

وكنت قد قلت في مقالة: "إن هناك الكثيرَ من الوُعّاظ المُخْلِصين، والذين لا تُنكَر أياديهم البيضاء، يحسِبون أن الدين هو إلقاءُ موعظةٍ أو سماعُها لربطِ قلبِ المؤمن بالخوف من النار، والشوق إلى الجنة، من غيرِ محاولةٍ في الدفع بذلك الارتباط لأن يُفْضِيَ إلى واقعٍ عملي يُعْمِل أحكامَ الإسلام جميعها. وأن يتحدَّث أحدُهم عن خطرِ الانحراف الاجتماعي أو الاقتصادي، أو حتى ما يَحصل بالأمة من استبدادٍ وظلمٍ وانتهاكِ حرمة؛ فهو نوعٌ من الحديث عن السياسة التي لا يخوض فيها إلا الذين لا يَخشون النار، ولا يرجون الجنة"، كما يتصور ذلك البعض.

والحقيقة أن إدارة شؤونِ العامة من الناس، والاضطلاع بها، ليست سياسة بالمعنى المذموم، أي ليست من الموضوعات التي لا علاقة لها بالدين، بل إنها من صميمِ الدين، ومن صميمِ الفكر السياسي لدى أهل البيت عليهم السلام، الذين كان لديهم اهتمام عظيم بالشؤون العامة، والسياسة العادلة، وإحقاق الحق وإبطال الباطل.

الدينُ هو كلُّ ما جاء عن القرآن الكريم، وهو كل ما أمر به الله تعالى، أو نهى عنه، وهو كلُّ تلك المجالات الفكرية والعلمية والثقافية والتعليمية والدعوية والإرشادية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ومن الجناية على الإسلام التي قد تَصِل إلى مرحلةِ الكفرِ حصرُ الإسلام داخلَ المسجد في بعض العبادات والمعاملات الشخصية، وحجبه عن بقية شؤون الحياة، فهل طَرْحُ شؤونِ الأمة، ومواجهةُ الطغاة، والدفاع عن الأوطان سياسةٌ لا يجوز الحديث عنها، أم أنها من أوجبِ واجباتِ الإنسانِ المسلم؟!.

أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا ثوريين وسياسيين من الطراز الرفيع، وقد أخذت السياسة الحيِّزَ الأكبرَ من دعواتهم، وكانت أحوالُ الأمة الفكرية والسياسية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية السببَ الأبرزَ، والعامل الأهم، والغاية الكبرى في إعلان ثوارتهم على الظالمين، وها هو نصُّ دعوة الإمام زيد عليه السلام، يثبت ذلك؛ لقد قال فيه: "أدعوكم إلى كتابِ الله وسنةِ نبيه، وجهادِ الظالمين، والدفعِ عن المستضعفين، وإعطاءِ المحرومين، وقسْمِ هذا الفيء على أهله، وردِّ المظالم، وإقفال المُجمَّرة، ونصرِنا أهلَ البيت على مَن نصَبَ لنا الحرب". وكل هذا سياسة، وهي من السياسة الشرعية.


س11: ما هي مميزات السياسة في الإسلام ومؤهلات السياسي المسلم؟

تعريف السياسة في الإسلام يختلف عن تعريفها في نظريات الحكم الأخرى، فبينما تعرف تلك النظريات المختلفة السياسة بأنها "فنُّ الحكم أو الصراع من أجل السلطة"، "أو فن الوصول إلى السلطة"، يُعَرِّفُها الإسلام بأنها تحمُّلُ الإنسان المؤمن التكليفَ باستخلافه من قبل الله على هذه الأرض، ويشمل ذلك قيادة الأمة، وهدايتها، وتربيتها، وإدارة شؤونها المختلفة، والعمل على نهضتها وعزتها وكرامتها، والقيام بمهمّة القضاء فيها، والدفاع عنها، وحماية أمنها، وحفظ حقوقها الأدبية والإنسانية، وتوجيه شؤون اقتصادها وترشيدها، وحفظ أموال الأمّة وإنماءها، كما تعني الانتصار للمظلوم، والوقوف بوجه الظالم، وغير ذلك، وعليه فكل مؤمن يجب أن يكون سياسيا.

قال الله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، وقال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقّ﴾، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.

وعليه فمن أبرز ما يميز السياسة في الإسلام عنها في النظريات الأخرى أنه يتعلق بقائد الأمة وولي أمرها هداية الناس وتربيتهم أيضا، وإرشادهم إلى ما فيهم صلاحهم في دينهم ودنياهم، ثم أيضا هو ولي أمرهم ليس من أجل أن يقدم لهم الخدمات العامة والمختلفة فقط، بل لكي يقيم شريعة الله في واقعهم التي بها تكون سعادتهم ونهضتهم وعزتهم وكرامتهم، ويعمل المنهج الإلهي في مختلف شؤونهم، وهو المنهج الشامل والكافي والوافي.

وبالتالي فالمؤمن في الإسلام سياسي بالطبع، سواء كان في موقع السلطة، أو خارجها؛ لأنه حين يكون خارج السلطة لا يخرجه ذلك عن أن يكون سياسيا، بل عليه واجبات يجب أن يقوم بها، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، والدفاع عن الأمة، وعن البلد، والنصيحة لله ولرسوله ولولاة الأمر، وحتى المقاومة والثورة على السلطة إذا تجاوزت الحدود، وأصرت على الظلم والعدوان والانحراف.

وأول مؤهلات السياسي في الإسلام كما ترشد إلى ذلك نصوص القرآن الكريم وما صح عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون مؤمنا، تتوفر فيه صفة التقوى، ولديه الضمير الحي، وتتحكم فيه الرقابة الإلهية، ويتصف بالمحبة للرعية، واللطف بهم، وأن يتبع ما أمر الله، وينتهي عما نهى الله، متواضعا، أمينا، ثقة، حفيظا لما استُحْفِظَ من أماناتٍ وأسرارٍ، عليما بما يحتاج إليه في عمله ومهماته، قويا من غير عنف، وليِّنا من غير ضعف، صالحا مصلحا، مجاهدا بماله ونفسه، لا أشِرًا، ولا متكبرًا، ولا بطِرا، ولا فاسدا، ولا مفسدا، ولا ظالما، إلى غير ذلك من الصفات الرائعة، والخلال المحمودة، التي دل على أهميتها العقل والشرع والعرف، وهي صفات ومعايير - لا شك - تساهم في خلق حالة الاطمئنان والاستقرار في المجتمعات، ونشر العدل، والرحمة، وإقامة القسط، وإكساب الأمة العزة والقوة والنهضة والسعادة.        


س12: كيف يمكن أن يكون صوت العلماء هو الصوت المرتفع والمسموع عندما يتحول الصوت السياسي إلى صوت يخدم الأجندات الخارجية وينفذ المؤامرات الأجنبية؟

حينما يتحركون بحركة القرآن، ويُعْمِلون مشروعه في واقع الأمة التي يريد الله أن تكون، وحينما يأخذون مهمتهم الربانية في الدعوة إلى الله، وتبيين الحق، وعدم كتمان شيء منه، ويترافق مع ذلك سعيهم الدائم إلى تأهيل أنفسهم بكل المعارف والعلوم والمهارات التي تساعدهم على القيام بمسؤولياتهم، مع تصحيح النيات، وإخلاص الضمائر لخالقها، والاستعانة بالوسائل والتقنيات والأدوات الحديثة في إيصال صوت العلماء إلى صفوف الأمة وفئاتها، فإن الله عز وجل سيجعل صوتهم عاليا ومسموعا ومؤثرا، وسيهدي الله على أيديهم أمما كثيرة، وخلائق عظيمة.


س13: ساسة القرار وأمراء الحكم في السعودية والإمارات والبحرين اليوم يتبنون سياسات تتصادم مع ثوابت الدين وأصول الإسلام ولعل سياستهم أقرب إلى الارتداد بالتولي لليهود والنصارى فما هي مسؤولية علماء الأمة الإسلامية تجاه هؤلاء الساسة والأمراء وأمام توجههم السياسي الفرعوني؟

هذه الأنظمة الوظيفية التي زرعها الاستعمار في منطقة الخليج ليسوا أصحاب قرار، وليس لديهم مشاريع ذاتية يتحركون لتحقيقها، بل يتحركون كأدوات للأمريكان والصهاينة والغرب الكافر بشكل عام، وتحركهم ضمن مشروع الهيمنة والغطرسة الأمريكية والصهيونية، وولاؤهم المحرَّم شرعا لليهود والنصارى المعتدين المحاربين، بات اليوم في أعلى درجات الوضوح، وقد وصفهم القرآن الكريم بأنهم منافقون، حينما قال: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً﴾، وتحدَّثَتْ آياتُ سورة المائدة عن خط المنافقين هؤلاء حينما يسارعون في موالاة أوليائهم من اليهود والنصارى والاصطفاف معهم، وعن إتيان الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، وأن من صفات هؤلاء القوم أنهم يتولون الله ورسوله والإمام علي بن أبي طالب، وأنه عند ذلك يكون الغلبة والنصر للمؤمنين.

مسؤولية العلماء والمفكرين والمثقفين هو التبيين لهذه الحقائق القرآنية للأمة في المواعظ والندوات والمحاضرات وخطب الجمعة والمؤتمرات، ومن خلال التحرك في الأوساط الشعبية، وفي القنوات والإذاعات والمواقع والصحف الإعلامية، وفي المدارس والجامعات ومراكز البحوث والتنوير؛ لأن الله أوجب على أهل العلم أشد الإيجاب بأن يبينوا ذلك، وإلا فهم ملعونون؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.

ومما يدخل في التبيين أن يرشدوا الناس إلى المشروع العملي لمواجهة هؤلاء العملاء والحكام الظالمين، وأن يكونوا هم في طليعة من يتخذ تلك المواقف العملية لأنهم قدوة يُقْتَدَى بهم، بالانخراط في التحرك النهضوي الذي يُوْرِثُ الأمة كينونتها وعزتها وكرامتها ونهضتها وقوتها، والتحرك ضمن المسيرة العملية الناهضة بالأمة والمدافِعة عنها هو من أبرز المسؤوليات التي تلزم المؤمنين جميعا، وعلى رأسهم العلماء وطلاب العلوم الشرعية.


 العدوان على اليمن

س14: بعد أكثر من ألفي يوم من العدوان على اليمن، وبناء على تحرككم التوعوي والتعبوي في ظل العدوان، كيف استطاع الشعب اليمني أن يصمد هذا الصمود الأسطوري وأن يحقق الانتصارات التاريخية أمام عدوان عالمي تقوده أمريكا؟

هناك عدد من العوامل ساهمت في صناعة هذه الملحمة الأسطورية في الدفاع عن البلد ضد أعتى عدوان عالمي شرس، اجتمع فيه أهل الكتاب يهودا ونصارى مع المنافقين من العرب، وانضوى تحت لوائه أغنى الدول والأنظمة ماليا كدول الخليج، وأقواها عسكريا، وتقنيا، كأمريكا وبعض دول أوروبا، وأكثرها خطورة وخبرة كاليهود الصهاينة، ومع ذلك فقد ثبّت الله عباده المجاهدين المؤمنين في اليمن، وصنع الله على أيديهم معجزة هذا القرن صمودا وثباتا وتنكيلا بالعدو وتطورا في وسائل الدفاع العسكرية بشكلٍ أذهل العالم جميعا.

وأول تلك العوامل وأبرزها وأهمها من وجهة نظري أن الله هيأ لهذه الأمة في هذه المرحلة وليَّه المؤمن، وعبده الصالح، علم الهدى، وقرين القرآن، السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بعلمه الرباني، وحكمته القرآنية، وتوجيهاته المحمدية، وشجاعته العلوية، مع يُمن نقيبة، وكرم أخلاق، وسعة صدر، وحلم وأناة، ومبادرة ومسارعة في الخيرات، ولك أن تتصور لو أن هذا العدوان حدث بدون هذا القائد العالم العلَم الرباني الشجاع والحكيم، ما الذي كان سيحدث؟

ثم ما أودعه الله من سرٍّ عظيم في هذا الشعب اليمني العزيز، وهيَّأه فيه من عظيم الصفات، وكريم النعوت، من شجاعة إيمانية، وحكمة يمانية، حيث تحقق فيه وعد الله بأنه عند مسارعة المنافقين إلى تولي اليهود والنصارى خوفا من دائرتهم يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه كما قال: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وهي الآية التي ذكر كثير من المفسرين وأصحاب أسباب النزول أنها نزلت في أهل اليمن، ونحن اليوم نرى مصداق هذه الآية واضحا، حيث أتى الله بالمجاهدين من كل قرية ومديرية ومحافظة من أبناء هذا الشعب للجهاد في سبيله دفاعا عن البلد والأمة والدين والعرض والكرامة.

بالإضافة إلى انطلاق هذا الشعب لمواجهة الغزاة انطلاقا مما بقي له من هُوِيَّة إيمانية، التي عزَّزَتْها وأعادت وَهَجَها وألَقَها الثقافةُ القرآنية، التي أحيت مفاهيم الجهاد والشهادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجَّهت بوصلة العداء إلى الأعداء الحقيقيين، بحسب توصيف القرآن الكريم، ولولا هذه الهُوِيَّة الإيمانية، والثقافة القرآنية، لفتَّ الأعداءُ من عضُدِ هذا الشعب، ونالوا من كرامته، وبدون شك فقد كان للعلماء والمثقفين والخطباء والتعبويين دورٌ فاعل في تعزيز هذه الثقافة وإحيائها، ونشرها، هذه الثقافة المهمة والحيوية لأبناء هذا الشعب استدعت خبراتهم وتجاربهم التاريخية ومِرَانَهم وتَعَوُّدَهم على القتال والحرب ومواجهة الغزاة والطامعين، وقد سُمِّيَتِ اليمن تاريخيا بـ(مقبرة الغزاة).

ومن المعروف أن اليمنيين الشجعان اقترنوا تاريخيا بمدرسة أهل البيت عليهم السلام، التي من أهم مبادئها الجهاد في سبيل الله، والثورة على الظالمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستبسال، والتضحية، والفداء، ومواجهة الظالمين والكافرين بالنفس والنفيس، وللتاريخ الماضي سلطة فاعلة ومؤثرة في صناعة الحاضر، حين يُسْتَلَهَمُ منه الدروسُ والعِبَر، ومَنْ كان تاريخه كذلك، فلا يُسْتَغْرَبُ منه الجهاد والاستشهاد، فالشيء لا يستغرب في معدنه، وأنت تسمع المجاهدين اليوم وهم يتمثلون في جميع مواقفهم مواقفَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام علي، والإمامين الحسن والحسين، والإمام زيد، والإمام الهادي يحيى بن الحسين عليهم السلام، ويهتفون بشعاراتهم، ويردوون عباراتهم الخالدة، وهذه أعظم عظة وإفادة من التاريخ وسلطته العميقة.

كل هذا وغيره أوجد أمة عزيزة كريمة شجاعة هبّت إلى ميادين الجهاد، فكان منها المرابطون، والشهداء، والجرحى، والأسرى، والمفقودون، وأسرهم، وذووهم، فكانوا من أهم حلقات وعوامل الصمود والثبات والنصر، ومهما نسيت فلن أنسى دور المرأة التي كانت ولا زالت الدينامو المُحَرِّك لهذه القوافل من العطاء، فهناك حركة نسائية جهادية عجيبة، وغير متوقَّعة، ومن دون شك فللمرأة اليمنية دور حيوي في صناعة هذه الملحمة من الصمود والثبات، فهي المدرسة ومصدر الإلهام وينبوع العطاء التي تخرَّج منها، واستفاد، ورَوِيَ المجاهدون، والشهداء، والجرحى.


س15: ما هي المسؤوليات الملقاة على عاتق العلماء والمرشدين تجاه هذا العدوان، وهل يقبل الحياد أو الصمت والتثاقل أو التثبيط أمام هذا العدوان وممارساته الإجرامية ومجازره الوحشية؟

من الأمور الواضحة والبينة عند العلماء وطلاب العلوم أنه في حالة الجهاد الدفاعي، وذلك حين يُعْتَدَى على البلد، أو على جزء منه، أو يراد احتلالُه، أو احتلالُ جزءٍ منه، فإنه يجب على جميع المسلمين النفير إلى الجهاد وجوبا عينيا، ولا يجوز أن يتخلَّفَ عن هذا النفير أحدٌ، لا علماء، ولا متعلمين، ولا عسكريين، ولا مدنيين، ولا شباب ولا شيوخ، وهذه مسألة متَّفَقٌ ومجمَعٌ عليها بين جميع المسلمين، ويوافق عليها حتى غير المسلمين، بل وتشاركنا فيها حتى الحيوانات، فالدفاع فطرة وغريزة فطرها الله وغرزها في جميع الكائنات الحية.

هذه هي أول المسؤوليات.

وبما أن السيد القائد العلم صاحب الاختصاص في توزيع المهمات الجهادية على أفراد المجتمع اليمني، وهو الذي لا يفتأ يُوجِّهُ العلماء والثقافيين ورجال التوعية والتعبية إلى التحرك في هذه الجبهة التعبوية، ونشر المفاهيم الصحيحة، والثقافات البنَّاءة، والدعوة إلى الخير، والتعاون، والتآزر، والتكافل الإنساني، ومواجهة التضليل الثقافي والإعلامي والحروب الناعمة والغزو الفكري، وعليه فإنه يجب التحرك في هذه الجبهة بفاعلية أكبر، وضمن آلية أنفع وأوسع، وبمهارات أنجع.

وأيُّ عالمٍ أو ثقافي أو أكاديمي أو غيرهم لا يُوَجِّهُ جهده ونشاطه نحو مواجهة هذا العدوان عسكريا، وثقافيا، وفكريا، واجتماعيا، فإني أنصحه أن يراجع نفسه، وأن يعيد ترتيب الأمور ضمن سياقاتها الصحيحة، فمن المعلوم قطعا ويقينا وضرورة أن هؤلاء المعتدين علينا هم يهود ونصارى ومنافقون، وأن أمريكا رأس الإرهاب وامبراطورية الشر مشارِكة مشارَكة فعلية في هذه الحرب، وأنها تقودها بنفسها، وكذلك إسرائيل، وبعض دول الغرب الكافر، ضباطهم وكوادرهم موجودون في غرف القيادة والتحكم والسيطرة، وهم أصحاب فكرة هذه الحرب، والعقل المدبر لها، أما المنافقون كالنظام السعودي والإماراتي والمرتزقة اليمنيون فليسوا سوى أدوات تنفيذ، وعليه فالموقف الشرعي اللازم هو مواجهة هؤلاء المعتدين تحت أي ظرف كان، وتحت أية قيادة كانت، علَمًا، أو محتسبا عاما، أو محتسبا خاصا بهذه المهمة الدفاعية، ولا مجال أبدا للحياد في هذه المعركة، والمحايد فيها مخطئ قطعا، ويصدُقُ عليه أنه مخالفٌ لمقْتَضَى ودلالات الأوامر الإلهية والنبوية العديدة التي تُلْزِم جميع المسلمين بوجوب قتال المعتدين والظالمين والكافرين؛ قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾.

أما إذا وصل الحال إلى التثبيط والتعويق فهذه جريمة كبيرة، وخطيئة لا تغتفر، وهنا يجب على الدولة والعلماء والوجهاء والأعيان مواجهةُ التثبيط والتعويق بالحكمة والموعظة الحسنة والنصح والإرشاد، فإن انتهى المثبِّطون وإلا قدِّموا للمحاكمات العادلة، وأُوْقِعَتْ بهم العقوبات الرادعة؛ قال الإمامُ الهادي إلى الحق يحيى بنُ الحسين عليه السلام في الأحكام: "فأما المثبِّطون فالواجب فيهم أن يُحْسَنَ أدَبُهُمْ، فإنِ انتًهَوا وإلا حُبِسُوا في الحُبوس، وشُغِلُوا بها عَنْ تَثْبيطِ المُسْلِمين، عن أكْبَرِ فرضِ ربِّ العالمين، أو يُنْفَوْا من مُدُنِ المسلمين؛ فهذا أهْوَنُ ما يُصْنَعُ بهم، وهُمُ المُثبِّطون المُرْجِفون في المدينة، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾[الأحزاب:60- 62]، فأخبر اللهُ سبحانه أنَّ هذه سنةٌ في الأولين والآخرين، وفي جميع مَنْ كان على ذلك مِنَ المُثَبِّطين، وهذا القولُ مِنَ الله عز وجل خاصٌّ للنبيِّ المصطفى، وعامٌّ لجميعِ أئمةِ الهدى".


س16: أعلن النظام السعودي وصرَّح بأن الهدف مما يسمى بعاصفة الحزم والأمل هو إعادة الشرعية، وإعادة اليمن إلى الحضن السني والعربي ومواجهة النفوذ الإيراني والمد المجوسي، ما تعليقكم على هكذا أهداف؟ وكيف صارت إسرائيل اليهودية المحتلة صديقا وحليفا للتحالف العربي المعتدي على اليمن وأصبحت جمهورية إيران الإسلامية عدوا؟

من المعروف لأقل المتابعين أن تلك عناوين كاذبة طُرِحَتْ عند إعلان الحرب على اليمن، وأي حزم يُرْتَجَى منهم، وحال المناطق التي تخضع لاحتلالهم لا حزم فيها ولا عزم، ولا أمن، ولا استقرار؟ وأي عاصفة أمل وقد قتلوا كل الآمال، وقتلوا وجرحوا مئات الآلاف من النساء والأطفال والشباب والكهول، ودمروا مؤسسات الشعب اليمني، وقصفوا الشجر والحجر، والمدرسة، والمشفى، وصالة العزاء، وصالة الأعراس، ولم يتركوا شيئا إلا قصفوه ودمروه، ما هكذا تعاد الآمال، ولا تعاد الشرعيات المزعومة.

وقد أثبتت الأحداث يوما إثر آخر أن النظامين السعودي والإماراتي هم آخر من يجب أن يتحدث عن الحضن العربي أو الحضن السني، أو الأمن القومي العربي؛ لأنهم صاروا أدوات في يد الصهاينة والأمريكان، ومرتمين في أحضانهم، وباتوا جزءا من المؤامرة اليهودية الصهيونية الأمريكية ضد أمتنا، ووصل بهم الحال إلى السعي الدؤوب لتصفية القضية الفلسطينية، وإلى اعتقال وتعذيب المواطنين الفلسطينيين، الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يحملون همَّ قضيتهم وشعبهم، كما هو الحال مع معتقلي حركة حماس الفلسطينية لدى النظام السعودي.

إن تحالفهم مع إسرائيل وتولِّيَهم لها المحرم شرعا يُظْهِرُ أنهم صاروا أبعدَ ما يكونون عن ادعاءاتهم الفارغة بشأن السنة، وبشأن الإسلام برمته، فهل أصبح الفلسطينيون السنة في الضفة والقطاع والشتات شيعة حتى يتم التآمر عليهم وعلى قضيتهم بهذا الشكل المخزي؟ وهل خرجوا عن دائرة العروبة والإسلام، بينما باتت إسرائيل ذات جماعة وسنة، أو من العرب الأقحاح؟

هذا كلام بات مفضوحا وبينا وواضحا.

لقد عملت أمريكا والصهاينة من وقت مبكر على جرجرة هذه الأنظمة العميلة ومن استطاعوا من الجهات والحركات والشخصيات في التحالف مع عدو الأمة الحقيقي المغتصب لأرضنا ومقدساتنا في فلسطين، والذي يشكل خطورة كبيرة على هذه الأمة، وعلى العالمين جميعا، وكم في القرآن من آيات تحدثنا عن خطورة اليهود وكيدهم ومكرهم وخبثهم، وأنهم هم العدو، لكن لأن هذه الأنظمة لا تمتلك قرارها، ولا مشروع ذاتي لديها، انطلقت تردد كالببغاوات ما تردده أمريكا والصهاينة، من أن العدو الحقيقي هو إيران، وهي الدولة الإسلامية، التي حملت على كاهلها نصرة قضايا الأمة في فلسطين وغيرها، بينما صار اليهود الغاصبون والخبثاء حلفاء وأصدقاء وأولياء.

أعتقد أن الأمور وصلت إلى أوضح المراحل، وأبينها، وأن الحق أسفر لذي عينين، ولم يبق لأحد عذر، ولا لبس.

س17: ما هي المسؤوليات والأنشطة التي يمكن أن يقوم بها العلماء والمرشدون في ظل استمرار العدوان على اليمن ، وتمادي المعتدين في بغيهم وحصارهم؟

أن يقوموا بالمزيد من الجهود، والتوعية، والتبيين، والمرابطة في الجبهات، والنزول الميداني في الساحات، ونشر الثقافات الإيجابية التي تصنع التماسك والصبر والصمود والثبات والوعي، ومواجهة حملات التضليل والمكر والزيف والإغواء والعصبية والتفريق والتمزيق، ومواجهة بعض الدعوات والأطروحات الحمقاء، ومعالجة الإشكالات، وتقديم النصح البنَّاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتلخص ذلك في أمرين: المساهمة في صناعة تماسك وقوة الشعب داخليا، والتصدي بما أمكن من السبل للعدوان بكل صوره وأشكاله خارجيا.


س18: ما رأيكم في وضع إدارة (ترامب) المعتوه لحركة أنصار الله في قوائم الإرهاب؟ وعن ماذا يعبر تهليل ومباركة المنافقين والمرتزقة لهذه الخطوة الأمريكية؟ وكيف تقرأون الخروج الكبير للشعب اليمني رفضا لهذا التصنيف في 25 يناير الماضي؟

ليس مستغربا من إدارة فاشلة وحمقاء ومحاصرة بأزمات داخلية قدّمت للعدو الصهيوني من الخدمات ما لم تقدمه إدارة سابقة، أن تأتي في آخر أيامها السوداء وبعد ما يسمى بـ(غزوة الكابيتول)، التي تورطت فيها، وقد غسلت يدها من الوصول إلى البيت الأبيض، فتضع (أنصار الله) في مزعوم ما يسمى بـ(قائمة الإرهاب).

هذه الخطوة في الحقيقة هي شهادة حسن سيرة وسلوك لأنصار الله بأنهم في المسار الصحيح، وأنهم باتوا يُرْهِبون أعداءَ الله من قوى الاستكبار في هذا العالم، وأنهم باتوا رقماً صعباً في معادلة الصراع العالمي بمستوى أمريكا، وليس بمستوى المرتزقة أو نظامي آل سعود وآل نهيان، ومع ذلك فهي خطوة متوقعة من امبراطوية الشر وأم الإرهاب أمريكا، ولولا أن حركة أنصار الله حركة عابرة للطوائف والمذاهب، وتحظى بامتداد شعبي واسع، وتعبر عن نبض الشعب اليمني، وتحضر في جميع مفاصله وفئاته ومكوناته لكانت أمريكا قد قامت بهذه الخطوة في وقت سابق، لكنها مع ذلك خطوة تُعَبِّر عن يأس أمريكا من تحقيق أي هدف لها في اليمن الذي تعتدي عليه مع أدواتها الإقليمية منذ 2015م، وهي خطوة لن يكون لها أثرٌ عملي سوى أنها ستزيد من معاناة الشعب اليمني وستمعن في حصاره في غذائه ودوائه.

وأما تهليل المرتزقة والمنافقين لهذه الخطوة الأمريكية فأمر طبيعي من قوم تخلَّوا عن جميع القيم الدينية والشرعية والوطنية، وباتوا أدوات رخيصة في يد الأمريكي والصهيوني يحركهم أين ومتى وكيفما يريد، وهو اعتراف منهم أنهم أدوات حقيرة للعدو الأمريكي، وأنهم يفتقدون لأدنى مقومات العزة والشرف، لا سيما ونحن نتذكر في المقابل كيف استنكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه وضع الزنداني في مزعوم (قائمة الإرهاب) بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ورفض تلك الخطوة من أمريكا؛ لأنه كان يعرف خطورة القبول بهذه التصنيفات الأمريكية على بقية المسلمين جميعا.

ومع ذلك فعلى المرتزقة أن لا يعلقوا الآمال الطويلة والعريضة على هذه الخطوة؛ لأن وعد الله بنصر المؤمنين يأتي بعدها مباشرة، حيث الحصار الأمريكي فيما يبدو هو (الدائرة) التي بيد النصارى واليهود (أمريكا وإسرائيل) والتي يدّعي المنافقون والذين في قلوبهم مرض أنهم يخشونها، فأجاب الله عليهم قائلا: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾[المائدة:52].

بالنسبة للشعب اليمني أعتقد أنه قد حسم خياره بالاستمرار في حالة التصدي والمواجهة وخوض المعركة بقوة وجدارة، وهو شعب لا يقبل بالمساومات المخزية، وهو خليقٌ بشرف مواجهة قوى الطاغوت والكفر في هذه الأرض وبالانتصار عليها، وخروجه يوم الاثنين 25 يناير ذلك الخروج الواسع والكبير أوصل رسائل قوية وصارخة إلى العدو بأنه شعب لا يقبل الضيم، ولا يأبه للتهديدات والتصنيفات الأمريكية، وكان خروجه بمثابة استفتاء جديد على استعداده العالي بالاستمرار في المواجهة لقوى الطاغوت وأذنابها مهما كلف الثمن، كما كان بمثابة تفويض للقيادة الثورية والسياسية بالضرب بقوة لكل من تسول له نفسه المساس بأمننا، وكرامتنا، وعزتنا، وسيادتنا، وأن الأمريكان وأذنابهم بهذه الخطوة إنما يطلقون العنان لقواتنا المسلحة وأذرعتها الضاربة ممثلة في القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير والقوة البحرية وغيرها من التشكيلات الجهادية أن تكثف وتشدد ضرباتها باستهداف العدو بدون أية مراعاة لأية وضعيات لا يراعيها الشرع والدين، وما أثق به هو أن شعبنا لا يمكنه القبول بأن يتضور جوعا بينما جيران السوء ومنشآتهم الحيوية وطائراتهم وسفنهم تسرح وتمرح في البر والبحر والجو؛ ولهذا فالتصنيف الأمريكي لا يخدم السلام والأمن الدوليين أولا، وسيعود بأكبر الضرر على أدوات أمريكا في المنطقة بعون الله وقوته ثانيا، ولن يغير شيئا من المعادلات في المنطقة ثالثا.


س19: ما هي الرسالة التي يمكن أن ترسلوها - عبر مجلة الاعتصام – لعلماء السوء الذين برَّروا للعدوان عدوانه وأفتوا بشرعيته وأصدروا البيانات المؤيدة له؟

هؤلاء نقول لهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[البقرة:174]، و نقول لهم أيضا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[آل عمران:77].

القضية الفلسطينية.


س20: كيف يمكن أن يسهم علماء الأمة في إحياء القضية الفلسطينية كقضية دينية وإعادتها إلى موقعها الإسلامي ؟

من أولويات العلماء وطلاب العلم ومن إليهم إعادة الاعتبار للنص القرآني كمشروع حياة ينظم علاقاتنا مع جميع مَنْ في هذا الكون، وبالتالي رسم علاقتنا مع أهل الكتاب ولا سيما اليهود على ضوء ما جاء في القرآن الكريم، ورفض كل ما يخالف ما يرسمه القرآن لنا من منهجية في التعامل مع هؤلاء اليهود الغاصبين، والتخلص من تلك المرويات التراثية التي هي من دسائس أهل الكتاب، والتي يعطي بعضها صكوكَ ملكية لإسرائيل في أرض فلسطين.

ثم يجب التوضيح والتبيين لأهمية القضية الفلسطينية، وأهمية الاهتمام بها، باعتبارها شأنا إسلامياً سنسأل عنه، وباعتبارها مسألة دينية بالدرجة الأولى، وكون المسجد الأقصى من مقدسات المسلمين التي يجب عليهم الدفاع عنها واستردادها.

ويجب أن يتضمن الخطاب العلمائي والديني عموما تبيين خطورة اليهود على العرب والمسلمين خصوصا، وعلى شعوب العالم عموما؛ كونهم يريدون أن نضل السبيل، ويسعون في الأرض فسادا، وأنه إذا تمت طاعة اليهود فإن نتيجة ذلك هو الكفر بعد الإيمان، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾[آل عمران:100]؛ وعليه فمواجهة هذه الفئة ضرورة عالمية، وفريضة إسلامية ودينية، وحاجة ومصلحة عربية.

وإذا كان اليهود البسطاء والسذج الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشكلون تلك الخطورة الكبيرة، بحيث كان يمكنهم أن يردوا المؤمنين كافرين، فكيف بهم وقد تطورت أساليبهم وصاروا أصحاب خبرة تاريخية عمرها ثلاثة ألف سنة، وصاروا اليوم يمسكون بزمام كثير من الأمور السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية على مستوى العالم، ويتدخلون في كثير من القضايا.

س21: ما هي البرامج والأنشطة العلمائية التي ستسهم في مواجهة خطاب التدجين والترويج لتولي اليهود والنصارى وتقضي على حالة اليأس والإحباط تجاه القضية الفلسطينية؟

بالإمكان التحرك في عدد من البرامج والخطط العملية لمواجهة خطاب التدجين ولما هو أبعد من ذلك، وهو بناء وتربية أمة مجاهدة، وجهتها الأولى فلسطين، وطرد اليهود المحتلين، وفي ذات الطريق يتم بناء الأمة في جميع المجالات واستنهاضها في كل المسارات.

وأول البرامج وأهمها هو ما يركز على بناء الوعي القرآني اللازم عن اليهود ونشره، وعن الكيفية الصحيحة في الصراع معهم، وليكن ذلك من خلال برامج ثقافية وإعلامية ودعوية وإرشادية، وعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات المباشرة وغير المباشرة بين علماء الأمة، وإقامة الفعاليات والمهرجانات الشعبية المناصرة.

وقد قدَّم المشروعُ القرآني في اليمن مقترحات عملية وفعالة لنصرة القضية الفلسطينية وبناء الأمة الجهادية، وكسر الجبروت الأمريكي والصهيوني، ومنها تحصين الأمة من خلال الصرخة بالموت لأمريكا وإسرائيل، وسلاح المقاطعة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإعلامية بما يترافق مع ذلك من توعية وتثقيف قرآني لازم، ومنها الخروج يوم القدس العالمي واتخاذه يوما عالميا لنصرة الشعب الفلسطيني.

من الأهمية بمكان إقامة برامج ثقافية وسياسية واقتصادية موحَّدة تظهر الأمة كتلة واحدة في مواجهة اليهود الغاصبين، كتلك الخطابات الموحدة لزعماء جبهة محور المقاومة في العام الماضي، ويجب العمل على توحيد الجبهة القتالية وعدم تجزئة المعركة كما طرح ذلك السيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، واعتبار معركة فلسطين والمسجد الأقصى هي معركة الأمة كل الأمة.

وأخطر شيء يزعج الكيان الصهيوني والأمريكان هو الحث على الجهاد في سبيل الله وتربية الأمة وإعدادها لأن تكون حاضرة في الجهاد في فلسطين في اليوم الذي تلتحم فيه جبهات الأمة الواحدة.

وأهمُّ ذلك كله هو بناءُ الأمة بناءً شاملا وعمليا، ولا سيما في الجانب العسكري، بالاتجاه إلى تصنيع وإعداد الأسلحة الفتاكة، والكافية، كالصواريخ البالستية والمجنحة والسلاح المسير، والتحرك العملي في جميع أقطار المسلمين ضمن برامج موحدة تعنى ببناء وحدات وألوية عسكرية قتالية مستعدة ومُدَرَّبة للقتال في أرض فلسطين جنبا إلى جنب، فالمعركة الفاصلة قادمة لا محالة، والنصر بإذن الله سيكون حليف المسلمين إذا ما تحركوا بحركة القرآن.


س22: ما هي التهديدات والمفاسد المترتبة على التقارب والتصالح مع اليهود من وجهة نظر الإسلام؟

هناك مفاسد كبيرة تترتب على ذلك، وأخطرها الدخول في دائرة السخط الإلهي، ومخالفة الأوامر الإلهية بعدم جواز توليهم، والمسارعة في حبهم ومشاريعهم وأجنداتهم، وهذا أمر يسخط الله، ويُعَرِّضُ صاحبَه للعقوبة في الدنيا والآخرة، ويجعله مُهَيَّئا لأن يُضْرَبَ من قبل الله ومن قبل الأعداء معا، ولهذا يحرص اليهود على أن يوقعوا المسلمين في دائرة السخط؛ لأنهم أعلم الناس بالسنن الإلهية، لأنهم إذا أوقعوهم في دائرة السخط الإلهي أتيح لهم أن ينتصروا عليهم، وإلا فلن يستطيعوا ذلك كما ذكر ذلك الشهيد القائد في ملزمة آل عمران الدرس الأول.

ثم سينتج عن ذلك أنه سوف تذهب عزيمة الجهاد والعداء لهم من نفوس مَنْ يُقِيم معهم علاقات التولي، وتذهب الحمية والأنفة والهوية التي تدفع إلى العمل على طردهم وإخراجهم من أراضينا ومقدساتنا المحتلة، وهذا يعني بقاء المقدسات تحت تدنيسهم وهيمنتهم، وبقاء شعب عربي مسلم وأبي وكريم تحت إهاناتهم وتعذيبهم.

بالإضافة إلى أن من يقيم معهم علاقات التولي لهم فإن معنى ذلك هو المشاركة لهم في كل جرائمهم ضد الفلسطينيين ومقدسات الأمة.

وتحت ما تقدم يدخل تفاصيل ومفاسد ونتائج وكوارث عديدة.


 س23: ما هو الموقف الشرعي من الأنظمة المسارعة في تولي اليهود والساعية لتأسيس تحالف مع الكيان الصهيوني الغاصب؟

الموقف الشرعي هو التعامل مع أولئك على أنهم خونة لله ولرسوله وللمؤمنين، ضلوا السبيل، وبعدوا عن جادة الحق، وأنهم وقعوا في دائرة الخيانة للأمة، وتولوا قوما غضب الله عليهم، واتخذوا أعداء الله أولياء يحبونهم ويلقون المودة إليهم، وجزاء الخونة هو المقاطعة لهم، والاعتراض عليهم، ورفع الصوت بالنكير عليهم، باعتبار أن ما قاموا به منكر يجب إنكاره، ويجب على الشعوب الإسلامية جميعا ولا سيما تلك التي تحكمها هذه الأنظمة أن تتحرك في مواجهتهم وإسقاطهم بالطرق السلمية أو الثورية والجهادية، لأنه لا ولاية لفاسق ولا خائن ولا منافق؛ قال الله تعالى: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[البقرة:124]، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾[هود:113]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ... وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾.