حوار مع العلامة الدكتور: علي عضابي كبير نائب رئيس كلية العلوم الشرعية عضو دار الإفتاء بمحافظة الحديدة

نشر بتاريخ: سبت, 08/09/2018 - 6:16م

تتشرف مجلة الاعتصام في عددها الحادي والعشرين باستضافة العلامة الدكتور: علي عضابي كبير نائب رئيس كلية العلوم الشرعية عضو دار الإفتاء بمحافظة الحديدة فأهلا وسهلا به في هذا الحوار.

* المحور العلمي والفكري

س1-متى بدأ العلامة عضابي مشواره العلمي؟ وأين تلقى العلم الشرعي؟  ومن هم أبرز العلماء الذين تتلمذ عندهم؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد:

فقد درست في المدرسة الحكومية إلى الإعدادية وفي الأثناء درست بعضاً من القرآن الكريم على يد الشيخ إبراهيم المرحومي المصري إمام وخطيب الجامع الكبير بمدينة ميدي ثم التحقت بجامعة دار العلوم الشرعية بالحديدة فدرست بها الثانوية والجامعة على يد مشائخها الكرام الذين كان لهم أبرز الأثر في حياتنا العلمية لاسيما شيخنا وشيخ مشائخنا الشيخ العلامة محمد بن علي مرعي حفظه الله ورضي عنه وقد تخرجت من الجامعة بدرجة ليسانس في العلوم الشرعية وحالياً أحضر الماجستير في التفسير وعلوم القرآن.

ولي بعض البحوث والمؤلفات أغلبها في التفسير وعلوم القرآن ومنها كتاب في الفقه بعنوان (النيابة في الحج) تناولت فيه مسائل الحج والعمرة عن الغير وأحكام الاستئجار للحج والعمرة والزيارة على المذاهب الأربعة والمذهب الزيدي وهو مطبوع ومتداول قامت بطباعته ونشره سنة 2015م دار الكتب العلمية بيروت.

وأهم الكتب التي كان لها الفضل في تنمية الملكة العلمية والفقهية لدي هي كتب متون العلوم الشرعية كمتن الآجرومية، والرحبية، وأبي شجاع، وغيرها، وأما تنمية الناحية الفكرية فيعود الفضل فيها إلى كتب اللغة العربية وكتب الفق المقارن كسبل السلام، والتفسير المقارن، كتفاسير آيات الأحكام، وغيرها، وهي بفضل الله مستوعبة ضمن منهج جامعة دار العلوم الشرعية أضف إلى ذلك كتب التفسير العقلي كتفسير (تأويلات أهل السنة) للإمام الماتريدي الحنفي رحمه الله.


س2-هلا تكرمتم بتعريف القارئ بأهم الخصائص والمميزات للمذهب الشافعي وعلاقته بالتصوف؟ وهل التصوف مقصور على الشافعية؟

أعتقد أن أهم خصائص المذهب الشافعي ومميزاته هو الإمام الشافعي نفسه فلقد أسس هذا الإمام مذهباً قام على تدوين أصوله وفروعه وتحرير مسائله بنفسه بطريقة علمية غير مسبوقة.

ليس هذا فحسب بل كان يقوم رضي الله عنه على خدمة تلك المدونات والمؤلفات بنفسه تصحيحاً وضبطاً حتى قال الربيع بن سليمان –رحمه الله- قرأت كتاب الرسالة المصرية على الشافعي نيفاً وثلاثين مرة، فما من مرة إلا كان يصححه.

بل كان رضي الله عنه يناقش الأقوال التي دونها مناقشة الخصوم ويحاكمها إلى غيرها ويعرضها على الأدلة فإن بدى له ضعف بعضها أو بطلانه رجع عنه بلا أية حرج وقد اشتهر عنه رجوعه عن مذهب بأكمله ويكفي هذا دليلاً على عدم تعصبه لرأيه ومذهبه رضي الله عنه.

أي أنه رضي الله عنه هو مؤسس المذهب وهو أول وأفضل من خدم هذا المذهب بينما لم تتوفر هذه الميزة لكثير من أئمة مذاهب الفقه الإسلامي الأخرى رضي الله عن الجميع.

أما علاقة المذهب الشافعي بالتصوف فمردَّها إلى الإمام  الشافعي نفسه فقد كان إماماً في الزهد والأخلاق والتواضع والمحبة والمعرفة وهذه هي أصول التصوف وكلامه في ذم الدنيا والزهد مشهور وقد انعكس هذا الاتجاه على اتباعه فاشتغلوا بهذا الفن وألفوا فيه المطولات والمختصرات وجعله البعض منهم باباً من أبواب الفقه الشافعي ويكفي دليلاً على ارتباط هذا الفن بالمذهب الشافعي الإمام الغزالي الذي يعد علماً من أعلام المذهب الشافعي كما هو علم من أعلام التصوف والتصوف بمعناه العام والخاص ليس مقصوراً على مذهب بعينه لا المذهب الشافعي ولا غيره.


س3: كيف يمكن لعلماء وخطباء اليمن عموما المحافظة على روح التعايش والتسامح لا سيما علماء الشافعية والزيدية المعروفين عبر حقب التاريخ بالتعايش الفريد؟

دعني هنا أولاً أن أبين شيئاً مهماً هو أن الأصل في التعايش إنما يقوم في الأساس على الروابط الاجتماعية لا الروابط الفكرية، وليتضح المعنى نضرب مثالاً:

فلو أخذت مثلاً مسيحياً من وسط مجتمع مسلم تربطه بهم روابط مجتمعية ليعيش في مجتمع مسيحي لطلب منك أن ترده إلى مجتمعه المسلم الذي تربطه بهم روابط اجتماعية.

هذا هو الأساس في التعايش والمواطنة، وأول من أصَّل لهذا الأساس هو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ عندما قال في الوثيقة التي وضعها لأهل المدينة: «وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، وفي بعض الروايات أمة من المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وفي رواية وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.

فعندما يجعل الرسول المؤمنين مع يهود المدينة أمة واحدة فلا شك أنه يقصد أنهم مجتمع واحد على أساس الروابط المجتمعية وليس الفكرية بدليل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «لليهود دينهم وللمسلمين دينهم»، وقد راعى القرآن الكريم هذا المبدأ عندما قال: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة: 8]، وقد صوب الطبري رحمه الله أنها عامة وغير منسوخة، فقال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزوجل عم بقوله: ﴿الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾  جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضاً دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ، فإذا كان هذا بين أبناء الملتين فما بالك بأبناء الملة الواحدة.

لذلك يجب على علماء وخطباء المسلمين عموماً أن يلتقطوا مثل هذه التوجيهات لبث روح التعايش والتسامح والقبول بالآخر بين أبناء الإسلام، ولنا في اليمن تجربة فريدة فقد ضرب علماء المذهب الشافعي والمذهب الزيدي أروع الأمثلة على التعايش والتسامح والقبول بالآخر فلقد كانت العلاقة بين أتباع المذهبين الزيدي والشافعي وفي مختلف العصور تقوم على أساس الاحترام والمودة والتعايش والإخاء التي وحدت بين أبناء المذهبين المذكورين أرضاً وإنساناً، وعكست هذه العلاقة المتميزة لوحة فريدة أظهرت سماحة الإسلام وجسدت تعاليمه الصافية، كما برهنت على فقه أهل اليمن في دينهم وعلى كمال حكمتهم ونضج عقولهم فلم يسجل في تأريخ اليمن نشوب حرب بينهم على أساس مذهبي أو طائفي، يقول الرحالة الدنماركي نيبور: إن العلاقة بين الشافعية الزيدية في اليمن تقوم على المحبة والاحترام والإخاء، فأتباع المذهبين في اليمن يصلي بعضهم خلف بعض، ومساجدهم لا تختص بطائفة دون أخرى، بينما لا يصلي أتباع المذاهب الشيعية والسنية في بلدان أخرى إلا خلف أئمتهم ومن طوائفهم وفي مساجدهم الخاصة بهم فأتباع المذهبين في اليمن يتعايشون بصورة ممتازة ويتزاوجون فيما بينهم بينما تغلب القطيعة على العلاقة بين الطوائف الإسلامية والصراعات المذهبية والطائفية في بلدان كثيرة غير اليمن.

ما ذكره هذا المؤرخ ليس بمستغرب على مجتمع لم يكتف علماؤه ببث روح التعايش بين أتباعهم بل جسدوه بأنفسهم: فتلقى بعضهم العلم على بعض وتتلمذ بعضهم على بعض ورحل بعضهم للسماع من بعض وترجم بعضهم لبعض واثنى بعضهم على على بعض وتبرك بعضهم بالأخذ على بعض ودرس بعضهم في مدارس بعض ولا تزال هذه سنتهم إلى اليوم وإذا شاهد ما بينهم من التآخي والتآلف ظننت أن قول الله تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾[الحجر: 47]، قد نزلت فيهم، فعلى علماء وخطباء المذهبين اليوم أن يسيروا على ما خطه لهم أسلافهم وأن يحافظوا على هذه الروح وأن يتصدوا لكل من يحاول أن يفرق جمعهم.


س4: اتسمت شخصية الإمام الشافعي ومدرسته بالحب الصريح والمثالي لأهل البيت حتى اتهم بالرفض فما الأسباب أو المبررات التي لأجلها صرح الإمام الشافعي بحبه وولائه لأهل البيت؟ وعلى مستوى يمننا الحبيب هل ترون لتهمة الرفض والغلو -التي يرمون بها- وجودا؟

اشتهر الإمام الشافعي بحبه لآل البيت وموالاته لهم وهذا ليس حكراً عليه رضي الله عنه بل كل الأئمة الأعلام كانوا على هذا النهج وقال بعض العلماء: لم يتهم الإمام الشافعي بالتشيع فحسب ولكن الإمام أحمد أيضاً اتهم به وذلك لحبه الشديد لآل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ وعترته الطاهرة ولمحبته للإمام علي كرم الله وجهه ولأنه أورد في فضائله في المسند مالم يذكر عن صحابي.

والرفض والغلو المذموم لا وجود له في اليمن فإذا اتهمتم أنتم بالرفض أو اتهمنا نحن بالغو فيسعنا ما وسع هؤلاء الأئمة حيث لم يمنعهم ذلك من قول ما يرونه حقاً وقد ذهب تراث المتعصبين المتهمين لهم بالرفض والغلو وبقي تراثهم ينفع الناس كما قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾[الرعد: 17].

وأما أهم الأسباب التي دفعت بالشافعي وغيره للتصريح بهذه المحبة فهو الاقتداء بكتاب الله ونبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ فالآيات صرحت بذلك والأحاديث كذلك وقد انعكس هذا المنهج على اتباع المدرسة الشافعية فظهرت لهم أقوال ومؤلفات تشبه أقوال ومؤلفات إمامهم.


س5: ما الأسباب التي أدت إلى أن يتوسع الوباء الوهابي في اليمن على حساب المدرستين الشافعية والزيدية؟

تعد النعرات المذهبية والطائفية من أخطر الآفات التي تهدد وحدة الأمم وأمنها واستقرارها وهي في تزايد وتجدد مستمر تمثلت في السابق في البعض من اتباع مذاهب الفقه والعقائد الدينية وهي اليوم تتمثل في البعض من اتباع الحركات الإسلامية.

والحل لهذه النعرات هو القرآن بشرطه وشرطه التدبر يقول تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾[النساء: 82]، فإذا كان التدبر شرط لمعرفة القرآن نفسه فهو شرط لكل معرفة من معارف القرآن.

والتدبر نفسه له شرط أيضاً وشرطه سلامة القلوب من الانغلاق الفكري أو المذهبي يقول تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد: 24]، فهنا يجعل الله شرط الاستفادة من تدبر القرآن سلامة القلوب من الأضغان فالمعرفة الصحيحة شرطها تدبر القرآن والتدبر الصحيح شرطه سلامة القلوب من الأضغان ولذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفت فقوموا عنه» وأما القراءة بلا تدبر فهي قراءة لا خير كما يقول الإمام علي عليه السلام: «ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه، الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر معها» فإذا صحت كل تلك الوسائل جاءت النتائج على أحسن ما يتمناه المسلم كما يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾[ص: 29]، وبهذا يظهر أن تدبر القرآن بشرطه هو الحل لإذابة النعرات الطائفية وتجفيف منابعها يقول تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾[آل عمران: 103]، يقول القرطبي –رحمه الله-: قوله تعالى: (ولا تفرفقوا) يعني في دينكم .. وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع، فإن ذلك ليس اختلافاً إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع، وأما حكم مسائل الاجتهاد فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع، وما زالت الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متآلفون، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ «اختلاف أمتي رحمة» وإنما منع الله اختلافاً هو سبب الفساد، وبهذا فإننا نخلص إلى المعادلة التالية: إذا حضر التدبر غاب التدابر، وإذا غاب التدبر حضر التدابر.

ونقول: إن الغاية من الرجوع إلى القرآن بتدبر هي اكتشاف وحدة المصدر وليس توحيد الرأي كما قد يتوهم البعض فيظن أن الرجوع إلى القرآن يوحد الرأي –وهذا ما لا سبيل إليه- فيغرق في النزاع ولو فهمنا هذا المراد لتوحدنا ذلك لأن وحدة المصدر أهم وهي ممكنة ومتيسرة.

فإن اكتشف أن الآخر إنما يصدر فيما يرى من آراء عن نفس المصدر الذي تصدر أنت عنه ينهي النزاع لأنه يضفي على سائر الآراء الصبغة الشرعية التي يتوجب بسببها احترام كل ما ينتجه ذلك المصدر من نتائج شريطة أن تكون مضبوطة بضوابط العلم والمعرفة.

ولتعلم هنا أن رفضك للقول السيء في نظرك بعد معرفتك لاحتمال النص له أسوأ.


س6: كيف يمكن أن تكون العبادات ولاسيما الحج بوابة لإحياء قيم للوحدة الإسلامية؟

لا يوجد عبادة من العبادات الإسلامية إلا وفيها مظهر من مظاهر وحدة الأمة الإسلامية يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء: 92]، ففي الآية إشارة واضحة إلى أن العبادات الإسلامية كلها تشتمل على ما يدعو ويؤكد على وحدة هذه الأمة والظاهرن أن هذه المظاهر تختلف من عبادة إلى أخرى فالشهادتان مظهر لوحدة الشعار والصلاة مظهر لوحدة الصف والزكاة مظهر لوحدة المجتمع والصيام مظهر لوحدة المصير وأما الحج فهو مظهر لوحدة المشاعر والشعائر تلغي بحضرته كل المسافات والألوان واللغات.

وقد أمر الله سبحانه وتعالى باستثمار هذه الوحدة والحفاظ عليها ونهى عن الإخلال بها جملة وتفصيلا عندما قال: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾[المؤمنون:52]، وأكد على ذلك صراحة في الحج عندما قال: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾[البقرة: 197].


*المحور السياسي والعدوان على اليمن؟

س7:لا يخفاكم أن رد الشعب اليمني على قصف الطائرات واستهداف الأبرياء الآمنين من قبل النظام السعودي جاء بعد أربعين يوميا وعدوانية هذا النظام اليوم وصلت إلى الحديدة والساحل الغربي فما هو التكليف الشرعي على المعتدى عليهم أمام هذا العدوان وما يمارسه من مجازر ويرتكبه من جرائم بحق الشعب اليمني عموما وأبناء الساحل خصوصا وما رسالتكم للغزاة؟

بالنسبة للحرب على اليمن فالسعودية والإمارات هي الفئة الباغية لأن الله تعالى يقول: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الحجرات: 9]، فالقرآن ليس خصماً لأحد وإنما هو حكم عدل بين الجميع وهذه الآية تبين لنا مسألة من أعقد المسائل بكل وضوح وإنصاف فالفقرة الأولى من الآية: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ لم تحدد من هي الفئة الباغية تجاهلت الأسباب تماماً ولم تحكم حتى على الفئة البادئة بالبغي بل نظرت إليهم بعين السواء وهذا هو شأن المصلحين بين الناس ثم قالت: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ أمرت بالإصلاح بينهما بالعدل وفق كتاب الله ثم قالت: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى﴾ يقول: فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله له وعليه وتعدت ما جعل الله عدلاً بين خلقه وأجابت الله الأخرى منهما ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ يقول: فقاتلوا التي تعتدي، وتأبى الإجابة إلى حكم الله، وهنا نفهم أن الفئة الباغية هي التي رفضت الصلح أو نقضته بعد قبول وهذا بالفعل ما قامت به السعودية والإمارات، فبينما كان الصلح جارياً بين أطراف النزاع اليمني برعاية جمال بن عمر تدخلت السعودية ونقضت الصلح فهي ومن تحالف معها هم الفئة الباغية على اليمن.

ثم قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ وهذا دليل آخر على بغي السعودية على اليمن فالآية تسند مهمة قتال الفئة الباغية إلى الفئة المصلحة ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ والسعودية يومها لم تكن طرفاً في الصلح الأخير بين اليمنيين.

وننبه هنا إلى أن الله تعالى لم يحكم بالبغي على إحدى الفئتين المتقاتلتين بالبغي إلا بعد الصلح علماً أنه يعلم سبحانه الفئة البادئة أو المتسببة في الحرب كل ذلك ليعلمنا التروي في الحكم وعدم إلصاق هذه التهمة بطرف إلا بيقين ويقينها نقض الصلح.

وعليه فإن رسالتنا لدول العدوان أن الشعب اليمني خير وأبقى لهم من الغرب وأمريكا وإسرائيل فالله قد حذرنا من هذه الدول ومن مكرهم وخداعهم وأطماعهم الاستعمارية للمنطقة ولا تزال آثار الاستعمار ماثلة للعيان.

ورسالتي لأبناء اليمن عموماً والساحل الغربي خصوصاً أن واجبكم الديني والأخلاقي والوطني أن تقفوا في وجه هذا العدوان بكل قوة لما فيه مصلحة الأمتين العربية والإسلامية بما في ذلك دول تحالف العدوان.

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فما كان للحال أن يصل إلى ما هو عليه اليوم لولا تخاذل الأمة وما كان للأمة أن تصل إلى هذا المستوى من التخاذل لولا تهاون العلماء يقول تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾[فاطر: 24]، ونذر هذه الأمة بعد أنبيائها هم العلماء.

والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

الدلالات: