الجواب وبالله التوفيق: يقول الله سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، بهذه الآيات فرض الله سبحانه وتعالى صوم شهر رمضان على المؤمنين فهو خطاب تكليفي عام موجه إلى كل المسلمين في كل زمان ومكان ، وعندما فرض الله سبحانه صوم شهر رمضان بَيَّنَ بدء الصوم ونهايته يومياً فقال تعالى ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ حيث جعل سبحانه وتعالى في هذه الآية الليل وقتاً للأكل والشرب واتصال الزوجين ، وجعل النهار وقتاً للصيام ، وبيّن أحكام الزمانين (الليل والنهار) وغَايَرَ بينهما بفواصل ينتهي إليها كل منهما وحدد النهار المفروض صومه وهو من طلوع الفجر الصادق إلى دخول الليل ، ورمضان شهر قمري له بدء وغاية قمرية وفقاً للحديث : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأتموا ثلاثين يوماً » ، واذا كان الصوم موقوتاً هكذا بالشهر وباليوم وكان الخطاب بفرضه موجهاً إلى المسلمين أياً كانت مواقعهم على أرض الله دون تفرقة، وجب على الجميع صومه متى وجدت فيهم شروطه التي بيّنها الله سبحانه وتعالى في آيات الصوم وأوضحها رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ .
ولمّا ظهر مؤخراً أن على الأرض جهات يطول فيه النهار حتى لا يكون ليلها الا جزءً يسيراً ، ويطول الليل نصف العام بينما يستمر النهار النصف الآخر ، وجهات أخرى على العكس من ذلك ، وجهات لا تغرب فيها الشمس طيلة شهر رمضان أو لا تطلع عليها الشمس طيلة شهر رمضان .
لمّا ظهر هذا اختلف العلماء في مواقيت العبادات في تلك البلاد وهل تتوقف على وجود العلامات الشرعية أو يقدّر ويحسب لها .
وبعد البحث والاطلاع وإعمال الأدلة وجدنا أن هناك قسمين:
القسم الأول: البلاد التي لا تغرب فيها الشمس طيلة شهر رمضان، أو لا تطلع عليها الشمس طيلة شهر رمضان .
القسم الثاني: البلاد التي تغرب فيها الشمس ولو لأقل من ساعة في شهر رمضان.
ومما هو مقرر في الشرع كما تقدم أن الصيام يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لقوله تعالى ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ﴾ وهذه مواقيت ثابتة بنص القرآن والسنة الصحيحة أثبتت حكماً شرعياً وهو وجوب الإمساك عن جميع المفطرات بتوقيت من المشرع.
وبناء على ما تقدم فإننا نبني من حكم القسمين السابقين في تلك البلدان كما يلي: -
فأما القسم الأول: وهي البلاد التي لا تغرب الشمس فيها أو لا تشرق فإن الواجب على أهلها ومن كان فيها من المسلمين أن يصلوا الصلوات الخمس في كل 24 ساعة وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان وعليهم أن يقدّروا لصيامهم ويحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار.
وأما القسم الثاني: وهي البلاد التي تغرب الشمس فيها ويطلع الفجر فلم يختلف علماء المسلمين في وجوب صيام أهل تلك البلد من طلوع الفجر، ولكن حصل خلاف من بعض العلماء في وقت الإفطار على قولين:-
القول الأول: وهو الراجح إيجاب الإمساك من طلوع الفجر إلى دخول الليل، فطالما وجد ليل ونهار وتمايز الليل عن النهار فلا عبرة بعدد ساعات النهار ولا الليل ، ويجب الالتزام بوقت الصيام الشرعي الوارد في النصوص .
فإن عجز الشخص عن الصيام لطول اليوم مع بذل الطاقة والوسع أو لمرض أو سفر أو لعذر شرعي آخر جاز له أن يفطر ولا إثم عليه، ويقضي في الأيام المعتدلة التي يسهل عليه صيامها لقوله تعالى ﴿فَعِدَةٌ مِن أَيَامٍ ...﴾ وهذا للمريض والمسافر ويقاس عليهما من لم يستطع الصيام لطول اليوم بجامع المشقة بين المقيس والمقيس عليه، لأن الله تعالى قد قال ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، وقال ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾، وقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وقال ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، وقال (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ، وقال الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ «اذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وهذا هو الراجح لما تقدم ، وترجيحنا لهذا القول لما يلي:-
أن أوقات العبادات كالصيام والصلاة قد حدها المشرع وهو الحكيم الخبير العالم، فما دام النهار يتمايز عن الليل، فقد وجب اتباع النص ولا تجوز المخالفة له.
أن هذا القول لا يصادم مقاصد الشريعة وإنما يوافقها من جهة الاتباع والطاعة.
لا يمكن تخصيص الحكم الشرعي لبقعة جغرافية في الأرض دون أخرى .
أما القول الثاني: الذي يَعتَمِدُ في الإفطار على أوقات مكة المكرمة فيؤخذ أطول ما يصل إليه ليل مكة ونهارها شتاءً أو صيفاً فيطبق على أهل تلك البلاد النائية في الصوم ، وهذا لم يقم عليه دليل واضح ولا برهان راجح فيما نعلم .. والله تعالى أعلم.