الربا (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)

نشر بتاريخ: سبت, 05/08/2017 - 9:59ص

لاشك أن أعداء الإسلام المتمثل في الصهيونية العالمية واليهودية الحاقدة مازالت تلقي بشراكها الاحتلالية على الشعوب الإسلامية والعربية لتصطاد حياتها وتكبل دينها وتأسر مبادئها على كافة الأصعدة والاتجاهات .. وما من وسيلة تجاه تحقيق مآربهم الشيطانية إلا وعملوا على تنفيذها بعد إحكام خطتها .. ابتداءً من استعمار الأرض إلى تحوير الفكر وتعطيل الروح إلى التحكم في اقتصاد الأمة .. وقد نبه الله المسلمين إلى ذلك بقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ... } وقوله عز من قائل : {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ..

وإن كانت الأمة الإسلامية قد أدركت خطر أعدائها نتيجة الواقع المر الذي عانته الشعوب الإسلامية من الاحتلال الصارخ لأراضيهم ، وفي مقدمتها : فلسطين حبيسة الجدران الأربعة ، وبالتالي سعت لإنشاء مقاومة مسلحة تواجه به الاحتلال وتخفف به بعضا من معاناتها الجامحة، وبذلك تكون قد حققت النصر في بعض جهاتها ونجحت في طرد المستعمر الاسرائيلي كما حصل في جنوب لبنان على يد حزب الله  .. إلا أنها لم تُجِدْ صناعة مقاومة حقيقية تتكفل بمواجهة الأفكار الخبيثة التي تسللت إلى أذهان الأمة الإسلامية بأريحية مطلقة لتصبح يوما ما من معتقداتهم الحقة ومبادئهم الثابتة ..وما ذاك إلا لغفلتهم أو تغافلهم  أن الاحتلال الفكري يعد من أخطر الاحتلالات على الإطلاق ، لأن المحتل يستطيع من خلال ذلك ان يدير الأنظمة ويسيرها بالريمونت من مكانه ولا يحتاج أن يدخل بجيوشه بغية الاستعمار ليتكبد عناء الحرب وويلات الهزائم .. بل يكفي أن يصنع عقولاً من نفس البلاد المستهدفة تحمل فكره وتجسد مبدأه، وبالتالي هي من ستتكفل بإدارة البلاد تحت مظلته ومن خلال سيطرته .. كما سبق وأن حكمتنا السعودية لعدة اعوام خلت ، حيث سيطرت على مفاصل البلاد وتحكمت  بأنظمتها  دون ان ترسل جندياً واحداً من قِبَلِها ، بل اكتفت بصناعة العقول على وفق منهجيتها المطروحة وكفى .. ومن خلاله عانى اليمنيون خلال الأعوام الماضية شتى انواع المعاناة ، كان آخرها هذا العدوان الظالم والحرب الهمجية التي مازالت تدير رحاها ذبحاً للأبرياء من الأطفال والنساء والكهول والشباب ، وتدميرا للمباني والبنى التحتية ، وحصاراً اقتصاديا خانقاً .. مع صمت رهيب يعم العالم تجاه ذلك كله ..

وفي ذات السياق وإلى جانب الاحتلال الفكري للأمة الإسلامية يظهر احتلال آخر يُعَدُّ اكثر تعقيداً من سابقه ، وهو الاحتلال الاقتصادي .. وذلك من خلال تبديل الانظمة الإسلامية المالية  بأنظمة أخرى رأسمالية  تعتمد على التعامل الربوي لا سواه ..

ويبدو أن الغرب استطاع أن يكبل العالم الإسلامي بقيوده المحكمة ويرميَه في سجونه المظلمة من خلال سيطرته على أهم مفاصله القومية حين فرض عليه نظاماً مالياً قاتلاً " وهو النظام الربوي " .. حتى يظل العالم الإسلامي بلا حراك يضمن نهضته ويساعد على ديمومته .. بل وليبقى عبداً للخارج يستجديهم مساعدة عينية او قرضاً مالياً يزيد من بؤسه وعناءه ..

ومع أن التعامل بالربا من الأمور المجمع على حرمته بين فئات المسلمين لورود الوعيد الشديد بل والمخيف في شأنه ، ومنها قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }  إلا أن المسلمين مازالوا في حيرة من أمرهم حول إمكانية الانتقال إلى الصيرفة الإسلامية بعيداً عن النظام الربوي ، بل كادوا من فرط اليأس أن يصبغوا  النظام الربوي  بصبغة إسلامية  ، بدعوى الضرورة تارة ، وبالتحايل على بعض التعاملات الإسلامية تارة أخرى .

  • خطورة التعامل بالربا :

لاشك  إن التعامل بالربا خطير غاية الخطر على  واقع الأمة من كافة نواحيها المعاشة  .. وكيف لا ، والله سبحانه وتعالى يقف في وجه  الأمة المتعاملة  بالربا من جهتين :

  • من جهة المال .. والذي يتطرق إليه المحق من قِبَلِ الله نتيجة التعامل بالربا كما قال تعالى : {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } ..
  • وكذلك من جهة الإنسان .. والذي يتعرض للحرب من الله كما أوضح عز من قائل في قوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ .... } .. وكلاهما خطر على  حياة الأمة واستقرارها ، لأن الإنسان والمال يعتبرا العصب المحرك لدورة الحياة وضمان استقرارها في حال إذا ما صلحا .. وذلك باعتبار أن الإنسانَ خليفةُ الله في أرضه ، والمالَ  قوامُ معيشة الناس وصلاح حالهم  كما وصفه تعالى في قوله : {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً .... } .. وبالتالي .. فتَعرُّضُ المالِ للمحق ، والإنسانِ للحرب من قِبَلٍ الله يعني اختلال  موازين الحياة بأجمعها: إقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ودينيا .... إلخ  ..وبالتالي هلاك الأمة ، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم : ((لن تزالَ أمتي يُكفُّ عنها مالم تُظهِرْ خِصَالاً : عَمَلاً بالربا.. إلخ )) وكذلك ما روي عن الإمام زيد بن علي "ع" عن أبيه ، عن جده ، عن علي "ع" أنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه ) .. ولعنة رسول الله من لعنة الله ،  {وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } .. وقد تحدث الله تعالى عن نموذج من تلك اللعنات  في معرض حديثه عن الأمم الماضية  الذين  نالوا العقوبات بسبب اكلهم للربا  كقوله تعالى : {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } ..
  • ولم يتوعد الله بالحرب تجاه المتعامل بالربا إلا لأن ضرر مثل هذا التعامل يفوق التصور بالنسبة للفرد والمجتمع .. نذكر بعضاً منها :
  1. التعامل بالربا يؤدي إلى اكتناز الأموال في البنوك .. وذلك أن صاحب المال يقوم بإيداع ماله في إحدى البنوك على فائدة سنوية  بما يضمن بقاء رأس ماله مع أرباح  يجنيها لامحالة .. وبذلك يتوقف الاستثمار في المجالات المختلفة من الزراعة والتجارة والصناعة ونحوها ، فتتعطل الحياة ، وتُشلُّ الأيدي العاملة ، وتزداد البطالة ، ويعم الفقر في أوساط المجتمعات .. وذلك خطر أيما خطر على حياة الامة ، لأنها تُكَدِّسُ الأموال في أناس مخصوصين بينما الأكثرية من الناس يعيشون حياة الفقر .. والله سبحانه وتعالى أراد أن تتوزع ثروة الأمة فيما بينها بطرق مختلفة شرعية  كالتجارة مثلاً وإلا كان أكلاً لأموال الناس بالباطل من قِبَلِ رؤساء المال بما يمثل قتلاً لغيرهم .. كما يظهر في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } ..
  2. سوء توزيع الثروة .. لأنه يسخر العمل لحساب رأس المال، حيث يقوم الإنتاج على عنصرين: العمل والمال، والعمل هو الأساس الأوّل، لأنّه هو الّذي يوجد المال في الأصل، وموجب ذلك أن يتحمّل كل من العنصرين نصيبه من الرّبح والخسارة، فإذا أشركنا صاحب المال في الربح، وجب أن يشترك في الخسارة النّازلة، غير أن الفائدة تهدم هذا البنيان الطّبيعيّ، وتسخّر العمل لحساب رأس المال، لأن المنتج وهو المدين دائماً، يضمن للمرابي رأس ماله، ونصيبه من الربح، دون أن يشارك هذا الأخير في الخسارة النّازلة.. وبالتالي  يتركّز المال على فئتين :

الفئة الأولى: المرابون الّذين يقرضون المال ويربحون دائماً.

الفئة الثانية: الأشخاص الأغنياء المقترضون القادرون على تقديم ضمانات تسديد قروضهم.

وهذا يؤدي إلى تداول المال بين المرابين والأغنياء القادرين على تقديم ضمانات مما يجعل المال متداولاً بين هؤلاء لا غير.. بينما  منهج الإسلام يقوم على توزيع المال بين الناس، وتداوله وحركته بينهم، ولذلك جعل علّة توزيع الفيء – كأحد مصادر المال في الإسلام – على المستحقّين  كيلا يتركز المال في أيدي الأغنياء فقط، بل يتداول بين الناس، كما ورد في قوله تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ..

  1. نظام الفائدة التي تجرها القروض تعيق التنمية الاقتصادية .. وذلك لأن عملية الإقراض بفائدة تتركز على الأشخاص القادرين على تقديم ضمانات تسديد للقروض وفوائدها .. وهذا مما لا يقدر عليه إلا الأغنياء ، وبالتالي يُحجم كثير من العاملين البسطاء من الاقتراض لأجل التجارة ونحوها خوفاً من تفاقم الفائدة عليه بما لا يستطيع قضاءها ، وسواء كان القرض من المصارف التجارية  أو من تاجر أو أيٍ كان ..

إلى جانب ذلك أن التاجر يهمه إرجاع رأس المال حتى لا تضاعفه الفائدة دون التركيز على نجاح المشروع  بما يرجع بالنفع على مجتمعه ، ما يؤدي به الى التلاعب والخيانة والغش وما شابه ذلك ..

  1. الربا سبب من أسباب غلاء الأسعار .. وذلك لأن صاحب المال، إذا استثمر ماله في صناعة أو زراعة أو شراء سلعة ، لا يرضى أن يبيع سلعته أو الشيء الذي أنتجه إلا بربح أكثر من نسبة الربا، وذلك لأنه يفكر بأنه استثمر المال وبذل الجهد  فلا بد أن تكون نسبة الربح أكثر من نسبة الربا، وكلما زادت نسبة الربا غلت الأسعار أكثر منها بكثير.. وهنا يحدث اضطراب في حياة الناس البسطاء حيث لا يتمكنون من شراء حاجاتهم الأساسية بسبب غلاء الأسعار..
  2. الربا يعطل الطاقات البشرية المنتجة، ويُرغِّب في الكسل وإهمال العمل .. والحياة الإنسانية إنما ترقى وتتقدم إذا بذل الجميع طاقاتهم الفكرية والبدنية في التنمية والإعمار، والمرابي الذي يجد المجال رحباً لإنماء ماله بالربا يسهل عليه الكسب الذي يؤمن له العيش، فيألف الكسل، ويمقت العمل، ولا يشتغل بشيء من الحرف والصناعات .. ثم إنَّ تعطيل الربا للطاقات المنتجة لا يتوقف على تعطيل طاقة  المرابي، بل إنّ كثيراً من طاقات العمال ورجال الأعمال قد تقل أو تتوقف، ذلك أن الربا يوقع العمال في مشكلات اقتصادية صعبة، فالذين تصيبهم المصائب في البلاد الرأسمالية لا يجدون إلا المرابي الذي يقرضهم المال بفوائد عالية تعتصر ثمرة أتعابهم، فإذا أحاطت هذه المشكلات بالعمال قللت من إنتاجهم.

- وكم هناك من أضرار فادحة  تصاحب التعامل الربوي .. والتي تجتاح في الأغلب المجتمعات الأدنى من طبقات الأغنياء وهم غالبية البشرية .. ممن لا يجدون مأوى ينقذهم من جشع الأغنياء وطمعهم المتزايد إلا أن يعيشوا على كظة الجوع وألم الفقر ، بعد ان سُدت الطرق امامهم ، فقد استُأثر بالمال ، وأُميتت الوسائل المتاحة للعمل ، وغلت الأسعار ، ويبست الأرض ، وازداد الكرب ، وعم البلاء ... وغيرها مما تجره ويلات الربا ..

فاستحق الأمر أن يقف الله محارباً في وجه المتعاملين بالربا حتى يوقفهم عند حدودهم .. رحمة بالناس ورأفة بحياتهم ..

وها هي الحرب من الله تتجلى للعيان في واقعنا اليوم ، بل هي أكثر وضوحاً وأبين سطوعاً .. فهل آنَ لنا أن نرجع من هذا التعامل الخبيث أم أننا ننتظر واقعاً أشد ، وحياة أنكى .. إذ نلوي الصفحة عن أمره ، ولا نخشى من بطشه وقهره .. وهو تعالى يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

الدلالات: