مسؤوليتنا نحو أسر الشهداء

نشر بتاريخ: أربعاء, 11/05/2016 - 9:07م

مما لا شك فيه أن الجهاد في سبيل الله ليس مجرد القتال في ساحات الشرف والبطولة بل هو منظومة متكاملة لا يقوم طرف منها إلا بالطرف الآخر فالله سبحانه عندما أمر بالجهاد في سبيل الله طرحه كمنظومة متكاملة تبدأ بالدعوة إلى الخير ثم بالأمر بالمعروف ثم النهي عن المنكر باليد واللسان والمال والموقف كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة الصف : 12] فقدّم الله الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس ليدل على أنه لا يستقيم الجهاد بالنفس ما لم يكن هنالك جهاد بالمال و بكافة الطرق والأساليب. ولهذا سمى الله ترك الإنفاق في سبيله إلقاء بالنفس إلى التهلكة كما قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة البقرة : 195] فجعل ترك الإنفاق في سبيل الله هو عين الإلقاء بالنفس إلى التهلكة. فإذا كان المسارعون إلى الخيرات من المؤمنين قد سارعوا إلى بذل أنفسهم و أرواحهم رخيصة من أجل إعلاء كلمة الله و من أجل أن ينعم المجتمع بالأمن والاستقرار والسلام والرخاء والتقدم و العدالة والعزة والكرامة و أحبوا أن يفارقوا أهليهم وأولادهم و بيوتهم و يذهبوا ليقدموا أرواحهم رخيصة في حب الله و حب رسوله و حب الجهاد في سبيله لأنهم استشعروا مسئوليتهم و تلوا قول الحق جل وعلى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة : 24] فقدموا حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله و حب الدفاع عن المستضعفين و رد عدوان المعتدين على كل ما يملكونه في هذه الحياة. فإذا كانوا قد خرجوا و تركوا أولادهم و أهليهم و من يعولونه ليس لهم حافظ إلا الله وليس لهم معيل ولا رازق إلا الله خرجوا وتركوهم و هم يعلمون أنهم كانوا بالكاد يستطيعون الكفاح لتأمين لقمة العيش لهم و توفير احتياجاتهم الضرورية بأنفسهم و لكنهم لبوا نداء الواجب ونداء الله و رسوله الذي لا يدعونا إلا لما فيه الخير والسعادة لنا ولأمتنا كما قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة اﻷنفال : 25] فاستجابوا لله ورسوله لكي يحيون ويحيون أمتهم و مجتمعهم و ليتقوا فتنة لن تصيب الذين ظلموا خاصة بل ستمتد لتشمل الظالم والمظلوم ذهبوا ليدافعوا عني و عنك و عن أولادي وأولادك و عن أهلي وأهلك و عن وطني و طنك و عن عزتي وكرامتي و عزتك و كرامتك ذهبوا لكي ننعم جميعاً بالأمن والاستقرار و العزة والكرامة. فيا ترى ما هو واجبنا نحن تجاه أسر هؤلاء المجاهدين وأولادهم و من كانوا يعولونهم الذين ليس لهم إلا الله سبحانه وإخوتهم من المؤمنين الذين لا يتفضلون عليهم عندما يمدون لهم يد العون والمساعدة بل هم يقومون بجزء بسيط من واجبهم الجهادي هم لا يتفضلون على هذه الأسر أن قدموا لها عوناً بل هم يردون بعض الدَّين الذي في أعناقهم لأولئك الأبطال الذين فدوهم و فدوا الدين والوطن بأرواحهم و دمائهم فهل ندرك نحن ما هو واجبنا تجاه أسر الشهداء الذين أصبحوا أيتاماً وأرامل فضلاً عن كونهم من ضحوا رجالاً ونساء من أجلنا..

 الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يدلنا على أهمية هذا العمل وهذه المسئولية عندما يقول:(من جهّز غازياً أو خلفه في أهله كان له مثل أجره) فأنت بكفالتك لأسرة شهيد أو مجاهد يكون لك من الأجر مثل ما لذلك المجاهد و هذا فضل عظيم من الله أن يجعل لنا باباً لنيل أجر المجاهدين حتى وإن منعنا عن الجهاد واللحاق بالجبهات مانع فلا يفوتنا أجر المجاهدين الذين جعلهم الله مع الأنبياء والصديقين في قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} [سورة النساء : 69] و دل سبحانه على عظيم فضلهم بقوله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة النساء] و بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(ما اغبّرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرّم الله جسمه على النار) فإذا قمنا بهذا الدور العظيم في رعاية أسر الشهداء والمجاهدين فإننا نكون قد قمنا بجانب كبير من الجوانب التي يتم بها الجهاد و يكتمل بها الصمود والثبات من الشعب والمجاهدين و تجسّد روح الأخوة الإيمانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض و تجعلهم كالجسد الواحد و هنا يتجسد التكامل بين المؤمنين و يتقبل الله عملهم و يمنحهم النصر و الظفر والتأييد على عدوهم و رحم الله شهداءنا الأبرار و شفى جرحانا وأهلك عدوَّنا و بارك وأصلح و حفظ كل من اهتم بأسر المجاهدين أو أسر الشهداء..