الامتدادات والتحولات المعاصرة للمواقف التاريخية تجاه ثورة الإمام زيد (ع)

نشر بتاريخ: أربعاء, 11/12/2019 - 8:59م

هناك مسلمة لا يمكن التشكيك فيها باتفاق جميع المسلمين، وبديهية ومعلومة من الدين بالضرورة، وهي أن الإسلام جاء ليرسي دعائم العدل ويقيم القسط بين الناس يقول الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ولا يمكن لأيّ مسلم أن يقول أن الإسلام جاء متناقضاً حيث يأمر بإزالة الظلم وببسط العدل وإقامة القسط بين الناس، والحكم بما أنزل الله وصرح بأن عهد الله لا يناله الظالمون وأن الله لا يحب الظالمين وتوعدهم بالعذاب الأليم والمهين في الآخرة،  ثم يقول في نفس الوقت أن الإسلام أمر بطاعتهم إذا وصلوا إلى حكم الأمة بالظلم وحكموا به، وأنه يعترف بهم رسمياً كأمر واقع، وقدّم لهم الضمانات ليستمروا في ظلمهم وبغيهم وطغيانهم بإعطائهم الحصانة من المساءلة والمحاسبة القضائية والشعبية، وقدّم لهم التطمينات بأن لا يقلقوا من الخروج والثورة عليهم بإصدار قرار يمنع وينهى ويُحرّم ذلك، بل وقدّم لهم الدعاية المطلوبة بين الناس بأن طاعتهم واجبة ومن طاعة الله وأنها فريضة كالصلاة والصيام، وأن من خرج عليهم فقد خرج عن الإسلام، وأن من لا يمسي غير مبايع لهم ولا معتقد بولايتهم ومات فقد مات ميتة جاهلية.

ولا يمكن أيضاً لقائل أن يقول أن الإسلام لم يُقدم رؤية واستراتيجية و حلولاً لإصلاح الاختلالات داخل الأمة، بدءاً من اختلال العملية السياسية باستئثار الظالمين واستحواذهم عليها، وهو الذي ينهى عن مجرد الميول النفسية للظالمين حيث يقول الله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) وهو الذي قدّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفريضة ورؤية فعالة واستراتيجية لإصلاح الوضع بإصلاح الظالم وإن لم فبتنحيته سلمياً وإن لم فبإسقاطه عسكريا وثورياً  لإعادة الأمور إلى نصابها والمياه إلى مجاريها - كما يُقال - ليحل العدل محل الظلم يقول الله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ويقول: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

وإسقاط الظالم يستلزم نصب بديل عنه حاكم عادل، ولا يمكن لمسلم أن يقول أن في الإسلام قصور سياسي وخلل دستوري أو  أنه ترك الأمة في حالة شغور وفراغ من ولاية الأمر  مهما قدّم من فلسفات بحصر العملية السياسية في الأمة في أشخاص معدودين أغلبهم لم يمارس السياسة كحاكم عادل أو معارضة لظالم ثم يترك الأمة في حالة فراغ وشغور سياسي لأكثر من ألف سنة حتى اليوم، لأن آخر هؤلاء المعدودين غائب ولا يعرفه ولا يعرف مكانه ولم يلتق به أحد من المسلمين، وما على المسلمين إلا انتظار الفرج بظهوره حسب رؤية مذهب الاثنا عشرية.، فلا يمكن أن تكون رؤية الإسلام السياسية بهذا الشكل غير منطقية ولا واقعية ولا عملية حيث لا يمكن تجاهل رؤيته العملية والواقعية والمنطقية والتي تتمحور في الأساس بالعمل لتحقيق العدل بنصب الحاكم العادل الذي يحمل المسؤولية على عاتقه، لأن تكليف الناس هو في تغيير واقعهم  بموالاة الأفضل بينهم ونصرته بالوقوف ضد الظالم في عصرهم، والذي يترتب على ذلك المستقبل، وليس العكس أن يرهنوا واقعهم بالمستقبل الذي لن يصلوا إليه، وليس عليهم تكليف فيه لأنهم لن يكونوا موجودين.

المحور الأول: التحولات المعاصرة في المواقف التاريخية والفكرية من ثورة الإمام زيد (ع)

قام الإمام زيد (ع) بثورته المباركة والتي أيده فيها فضلاء وعلماء وفقهاء وقراء وصلحاء الأمة في زمانه، ومن أبرز هؤلاء ابن أخيه جعفر الصادق (ع) والذي أجاب على من سأله، إن زيد بن علي فينا يبايع أفترى لنا أن نبايعه، فقال لهم: (نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا)[1] ومنهم أبو حنيفة النعمان إمام المذهب الحنفي حيث قال لما أتاه رسولا الإمام زيد عليه السلام: هو والله صاحب الحق، وهو أعلم من نعرف في هذا الزمان، فاقرئاه مني السلام، وأخبراه أن مرضا يمنعني من الخروج معه، وأرسل بثلاثين ألف درهم لإعانته على الجهاد، وقال: والله لئن شفيت لأخرجن معه[2]، وقال بعد استشهاد الإمام زيد (ع): ضاهى خروجه خروج رسول الله يوم بدر[3].

كما لا يخفى تأييد مالك بن أنس إمام المذهب المالكي لخط الثورات على الظلمة وذلك بفتواه الشهيره بالخروج مع الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية وأجاب على من سأله: أن في أعناقهم بيعة لأبي جعفر المنصور (الخليفة العباسي): إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين[4]، والإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية هو الذي قال عن ثورة الإمام زيد (ع): (أما والله لقد أحيا زيد بن علي ما دثر من سنن المرسلين، وأقام عمود الدين إذ اعوجّ، ولن نقتبس إلا من نوره، وزيد إمام الأئمة)[5]

الموقف المضاد لثورة الإمام زيد (ع) والامتداد والتحول المعاصر فيه

الموقف المضاد لثورة الإمام زيد (ع) هو موقف الظلمة ومن يدور في فلكهم من علماء ووجهاء وغيرهم من عامة الناس، وهو موقف سابق لثورة الإمام زيد (ع) ولعصره وإنما كان يُمثلّ امتداداً لذلك الموقف الذي جُوبِه به الإمام الحسين عليه السلام وكانت من نتائجه واقعة كربلاء، وكان مبتدأ هذا الموقف من زمن معاوية بن ابي سفيان الذي تمرد على الخليفة الشرعي الرسمي وبإجماع الأمة أمير المؤمني نعلي بن ابي طالب (ع) وبعد استشهاد الإمام علي (ع) استمر هذا التمرد في خلافة الإمام الحسن (ع) والذي اضطر (ع) للمصالحة لتحول كثير من جيشه إلى مرتزقة اشتراهم معاوية، وكان الصلح في حد ذاته إضافة مهمة في تعرية معاوية حيث لم يفِ معاوية ببنود الصلح[6] واستولى على ولاية أمر الأمة بالغلبة وجمع حوله من علماء السوء وضعفة النفوس وصاغوا له شرعية دينية وحصانة مطلقة باختلاق أحاديث عن طاعة ولي الأمر الظالم ووجوب طاعته وحرمة الخروج عليه[7] وأصبحت فكراً شائعاً في أوساط الأمة.

هذا الموقف هو عبارة عن صناعة شرعية دينية للظالم وشرعنة للواقع السيء، ورغم سوء هذا الموقف والفكر المنبثق منه فهو أيضاً غير مبدأي بمعنى أن أصحابه لا يلتزمون به بل يتعاملون معه بمطاطية حيث يصلون إلى نقطة الترقب في حال نشوب صراع كبير بين الظالم الرسمي مع ظالم آخر يطمع للسلطة ونتيجة الصراع هي من تحدد الموقف فإذا انتصر الطامح للسلطة فسيصبح أتوماتيكياً  شرعياً رسمياً يجب طاعته ويحرم معارضته، وإن هُزم فهو ملعون وصاحب فتنة وخارج عن الجماعة بخروجه على الحاكم الظالم الشرعي الواجبة طاعته المحرمة معارضته والخروج عليه  فهو موقف فتنة وسفك دماء وهمجي وقانون غاب على عكس دعاوى أنه موقف لتجنب ذلك.

التحول العملي المعاصر في هذا الموقف التاريخي      

لقد قامت عدة ثورات وانقلابات في التاريخ الإسلامي المعاصر وأغلب هذه الثورات في بيئة أصحاب فكر حرمة الخروج والثورة على الظالم، وحين تقوم ثورة هنا أو هناك فإن المفكرين والعلماء والمشائخ المتبنين لهذا الفكر والمعتقدين له يلجئون إلى التكفير لأنه لا يجوز الخروج إلا إذا رأوا كفراً ولذلك كفروا الحكام وأنظمتهم.

وجزء منهم كفروا الخارجين والثائرين عليهم.

ومنهم من يحرم الخروج على الحاكم الفلاني في الدولة الفلانية ويحرض على الخروج على حاكم آخر في دولة أخرى

 ومنهم من يحرض على الحاكم الفلاني ثم إذا سقط وتولى زمام الأمور حاكم أسوأ منه يحرم الثورة من جديد

فتكون الثورة حيناً جائزة وواجبة وحيناً محرمة تحريماً مغلظاً حسب الأهواء وبقدر العطايا والرغبة والرهبة.

والشواهد على ذلك كثيرة وأقربها هي ما أُطلق عليها ثورات الريع العربي التي اجتاحت العالم العربي ومع ذلك فقيام تلك الثورات من حيث المبدأ شاهد واعتراف في نفس الوقت بصوابية ثورة الإمام زيد (ع)، وفوضوية هذه الثورات واختراقها من أجهزة مخابرات عالمية وسوء وسائلها ومناشدة الثوار للدول الكبرى بالتدخل وضبايبة أهدافها وكارثية نتائجها شاهد آخر على صوابية ثورة الإمام زيد من حيث الأسباب والدوافع والأهداف والمعطيات والعوامل والأبعاد والوسائل والقيم والوعي والبصيرة والنتائج الاستراتيجية، وافتقاد هذه الثورات لثورة الإمام زيد (ع) كنموذج أوقع هذه الثورات ألعوبة بيد السياسات الدولية وانتهى بها المطاف كخدمة مجانية للأعداء وضاعفت المعاناة وزادت من الظلم، وكانت توجه إعلامياً ويندفع  الناس فيها كقطيع الأغنام مع الموجه بدون وعي ولا بصيرة.

الموقف السلبي تجاه ثورة الإمام زيد (ع) والامتداد والتحول المعاصر فيه

وثقت كتب السير والتاريخ موقف سلبي واجهه الإمام زيد (ع) ممن كانوا لا يقرون للظلمة بشرعية ولكنهم في نفس الوقت خذلوا الإمام زيد (ع) بدعوى أنه ليس الإمام، وأن الإمام هو أخيه محمد الباقر، والذي أوصى بالإمامة لابنه جعفر الصادق، وأنتج هذا الموقف فكراً ممتداً في الأمة حتى اليوم، وهو موقف جديد في ذلك العصر، ومبتدأ هذا الموقف نكث قوم من الشيعة لبيعة الإمام زيد (ع) وفارقوه ، وقالوا: سبق الإمام، وكانوا يزعمون أن محمد  الباقر أخا الإمام زيد (ع) هو الإمام، وكان قد توفي يومئذ، وكان ابنه جعفر الصادق حياً، فقالوا: جعفر بن محمد إمامنا اليوم بعد أبيه، وهو أحق بالأمر بعد أبيه ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة[8].

وكانت طائفة منهم قبل خروج الإمام زيد (ع) مروا إلى جعفر بن محمد بن علي، فقالوا له: إن زيد بن علي فينا يبايع أفترى لنا أن نبايعه، فقال لهم: نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا، فجاءوا فكتموا ما أمرهم به)[9]. 

وهذا الموقف هو ما دفع الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية بالقول : (العَلَم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي)[10]

هذا الموقف السلبي التاريخي أنتج فيما بعد فكراً سياسياً قائم على السلبية من الثورات يسحب شرعية الظالمين نظرياً ويقف ضد من يسحبها عملياً، بمبرر أن شرعية ولاية أمر الأمة  محصورة باثني عشر إماماً معصوماً منصوصاً عليه بالاسم، فلا يحق لأحد أن يتولى أمرها، ولا يجوز الثورة على الحاكم الظالم إلا بالتنسيق وأخذ الإذن والمباركة من الإمام الشرعي المعصوم المنصوص عليه، وبشرط تسليم ولاية الأمر بعد النصر لهذا الإمام، وإذا لم يتحقق ذلك فالخارج مع الإمام زيد (ع) أو مع أي ثائر محق هالك والمتخلف عنه ناجٍ، وفي حال تحقق فالخارج معه والمتخلف سواء، ولأن آخر الأئمة الإمام الثاني عشر والذي يعتبره هذا الفكر (المهدي المنتظر) المولود سنة 255هـ والذي استلم إمامة الأمة بعد وفاة ابيه وعمره خمس سنوات وكان محتجباً عن الناس وغائباً لا يتواصل مع الناس  إلا عبر  أربعة أشخاص فقط ومنذ وفاة الشخص الرابع عام 328هـ ما زال هذا الإمام غائباً حتى اليوم أي أكثر من ألف سنة فلا يحق لأحد ادعاء ولاية الأمر لا من الصالحين ولا من الطالحين وما على المسلمين إلا الانتظار حتى يظهر في المستقبل ويأتي الله بالفرج على يديه، وأي راية قبل ظهوره باطلة وغير شرعية حسب رؤية أصحاب هذا الفكر.

 التحول العملي والفكري المعاصر في هذا الموقف التاريخي     

حصل تحول إيجابي واستراتيجي في الموقف السلبي من الثورات وفي عقيدة الانتظار للمهدي المنتظر الغائب حسب رؤية الشيعة الاثنا عشرية ، وعاد كثير من معتقديها إلى حضن الثورة والجهاد والقيام بالمسؤولية بقيام الثورة الإسلامية في إيران، وانتصارها بقيادة مرجعها الإمام الخميني رحمه الله الذي توصل إلى نظرية ولاية الفقيه، وما ترتب على انتصار الثورة من ظهور حزب الله في لبنان كمقاومة إسلامية وكقوة جهادية أصبحت فخراً وذخراً لكل الأمة الإسلامية.

ومضمون ولاية الفقيه أنها تعاملت مع الواقع، وأعطت الفقيه العالم المجتهد على مذهب الاثنا عشرية ولاية على الأمة كنيابة عن المهدي المنتظر الحي الغائب لبناء دولة قوية عادلة يستلمها المهدي حال ظهوره، ويُطلق على الولي الفقيه كالخميني والخامنئي نائب الإمام المهدي، وخرجوا عملياً عن الحصر في الاثني عشر وأصبح لهم إمامان جديدان الإمام الخميني والإمام الخامنئي.

طبعاً ليس كل الشيعة الاثني عشرية يؤمنون بهذا التحول بولاية الفقيه لكن جزء كبير منهم كذلك، وهذه التحول الإيجابي هو في حد ذاته اعتراف بقصور فكري خذل الثورات التي قام بها أهل البيت (ع) على منهج الإمام زيد (ع)، ومن ناحية أخرى هو اعتراف غير مباشر بخطأ استراتيجي تاريخي وعقائدي كلّف الأمة الكثير ودفعت ثمناً باهضاً لذلك عبر تاريخها.

ومع هذا التحول الإيجابي نحو خط الثورة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخروج على الظالم ما زال هناك فجوة ثورية وجهادية في فكر وتاريخ الاثنا عشرية حيث يرجعون إلى عاشوراء الإمام الحسين (ع) كمنطلق للثورة والجهاد، وبعضاً منهم يعود باستحياء إلى ثورة الإمام زيد (ع) معتبراً الإمام زيد (ع) قائداً عسكرياً تحت قيادة وولاية جعفر الصادق.

وهنا ننقل نصاً للشهيد القائد حول هذا الموضوع حيث يقول: (حتى الإثنا عشرية هم محرجين مما تجلى لنا أنهم محرجين في مسألة أئمة معدودين، جعلوهم أئمة الكون بكله، ثم رأوا في الأخير أن المسألة كانت غير طبيعية، وعندما ظهر الإمام الخميني وطرح نظرية [ولاية الفقيه] كان كثير منهم يقاومها.

ماذا حصل؟. من آمنوا بالمسألة ولا يزال في ذهنيتهم الإثنا عشر وضعيتهم محرجة، فماذا قالوا؟.  عمدوا إلى الجانب الزيدي المجاهد فقالوا: [هذا كان هو الجناح العسكري للأئمة]. من أجل ماذا؟. من أجل أن يبرهنوا على أن أولئك الأئمة كانوا رجال ثورة وجهاد، ورجال يعملون على إقامة حكومة إسلامية. ألم يبحثون عن الزيدية فقالوا هم كانوا الجناح العسكري للحركة الرسالية، فكان [زيد] هو القائد العسكري للإمام جعفر الصادق، فكان هو عبارة عن شخص على رأس معسكر، وجيش يخرج تحت قيادة جعفر الصادق وهكذا على هذا النحو. من أجل ماذا؟. من أجل أن يحاولوا أن يلبسوا أئمة معينين لباس آلة الحرب. فيقولوا أنهم كانوا أئمة عظماء كانوا يقاومون الظلم، هم كانوا يعملون لإقامة حكومات إسلامية، هم كانوا أئمة يلبسون آلة الحرب، وين‍زلون إلى ميادين القتال.

مع أن المنطق السائد هو أنهم أئمة عباد زهاد، ليس هناك أي كلام حول هذا الجانب الجهادي، جانب إقامة حكومة إسلامية من عند زين العابدين إلى عند المهدي المنتظر [عجل الله فرجه]!، كما يقولون هم أنه قد ولد. إذاً فهناك من أئمتهم تسعة لا يستطيعون أن يتحدثوا عنهم أنهم قاموا بحركة جهادية، وعندما لا حظوا أنه لا بد من ذلك حاولوا أن يضفوا عليهم صبغة الحركة الجهادية. إذاً أليسوا في حاجة أن يلبسوا أئمتهم دروع الحرب وقد تحولوا إلى رفات؟)[11]

وما تجدر الإشارة إليه أن الإمام الخميني رحمه الله في تأصيله لولاية الفقيه وهو تأصيل للثورة من أجل إقامة الحكومة الإسلامية رغم الموانع الفكرية الاثنا عشرية استند في محاضراته في هذا الصدد في كتاب معروف ومشهور بالحكومة الإسلامية[12] إلى رسالة الإمام زيد (ع) إلى علماء الأمة ولكنه أسند النصوص التي استشهد بها وخصوصاً المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الإمام علي (ع) برواية الإمام الحسين (ع)  ونصوص أخرى إلى الإمام الحسين (ع) حسب المصدر الذي نقل منه.

وفي رده على إشكال أن أي راية قبل راية المهدي باطلة حسب التراث الاثنا عشري فقد وضح بالقول: فلنفرض جدلاً أن ثمة أحاديث من هذا القبيل أَوَيعني ذلك أن التكليف قد سقط عنا، أليس خلاف ضروريات الإسلام والقرآن أن ندعو إلى ارتكاب المعاصي حتى يأتينا صاحب الأمر. لكن لأجل أي شيء يأتي صاحب الأمر، يأتي لنشر العدل وإرساء حكم الله والقضاء على الفساد)[13]

وهذا الرد هو في الحقيقة رد على أكثر من ألف سنة من تاريخ الأمة والذي قام بهذه الضرورات ضرورات الإسلام والقرآن بالخروج على الظالم وإقامة حكومة عادلة هو ما قام به عبر التاريخ أئمة أهل البيت الثائرين المجاهدين والذي فتح هذا الخط الإمام زيد (ع) منذ وقت مبكر بعد أن كاد يُغلق بعد كربلاء.

وبهذا الفهم لضروريات الإسلام والقرآن قامت دول وحكومات إسلامية عادلة في تاريخ إيران الإسلامي فمن دولة الداعي الكبير الحسن بن زيد  إلى دولة الإمام الناصر الأطروش وحكومته والذي انتزع مناطق كثيرة من الوثنية والمجوسية إلى الإسلام وما أعقبها من دول.

 

[1] تاريخ الطبري

[2] المصابيح في السيرة، لأبي العباس الحسني

[3] المصدر السابق

[4] مقاتل الطالبيين

[5] تيسير المطالب في أمالي ابي طالب

[6] نصت بنود الصلح على أن يحكم معاوية بكتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الراشدين وأن ليس لمعاوية أن يعهد لأحد بعده وأن يكون ألأمر بعد وفاته شورى بين المسلمين، وأن الناس في جميع المناطق آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم وبالخصوص أهل البيت (ع) وشيعة الإمام علي (ع) وأن على معاوية عهد الله وميثاقه أن يغتال الإمام الحسن (ع) والإمام الحسين (ع) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي

[7] لم يكن لهذه الأحاديث أي أثر يُذكر في تمرد معاوية على الإمام علي (ع) ولم تظهر إلا في خلافة معاوية لتثبيت ملكه العضوض وهذا دليل إضافي على اختلاقها.  

[8] تاريخ الطبري

[9] المصدر السابق

[10] تيسير المطالب في أمالي أبي طالب

[11] دروس من هدي القرآن: سورة آل عمران، الدرس الأول

[12] هي مجموعة من المحاضرات التي ألقاها الإمام الخميني رحمه الله على طلاب العلوم الدينية في النجف الأشرف بالعراق سنة 1389هـ الموافق 1964م 

[13] جزء من مقطع فيديو لمحاضرة للإمام الخميني رحمه الله في حسينية منشور في النت على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=t5uYRXeDcFE

الدلالات: