دور المعهد العالي للقضاء في تأهيل القضاة

نشر بتاريخ: جمعة, 05/07/2019 - 8:14م
 
  • القضاء وأهميته :

القضاء رسالة سامية ومهمة عظيمة وواجب مقدس عهد الحق سبحانه وتعالى به إلى أفضل خلقه وأكرمهم عنده رسله وأنبيائه فأناط بهم إقامة الحق وتحقيق الإنصاف والقسط بين الناس فقال جل شأنه ﴿ يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ..﴾ الآية سورة ص ، كما أمر الله تعالى به خاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال عز من قائل ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ.. ﴾ الآية [سورة المائدة] ، ووجه القائمين على القضاء بين الناس بقوله سبحانه ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ..﴾ الآية سورة النساء  ومن المعلوم أن الحكم بالعدل لن يكون عن جهل أو عدم علم ومعرفة كما لا يكون ممن انحرفت نفسه وغاب عن قلبه وفؤاده الخوف والخشية من الله، كما لا يوجد ممن لا يفقه كيفية التقاضي وإجراءات الترافع وقواعد فصل الخصومات  إذ فاقد الشيء لا يعطيه  ، وإنما يكون العدل أو الحكم بالعدل عن علم ومعرفة واستقامة وورع وخشية وفهم وخبرة ودراية تجتمع في من يتولى القضاء يتمكن بها ومن خلالها من فهم الدعاوى والمنازعات المرفوعة إليه وتكييفها تكييفاً سليماً وتبين وجه الحق فيها ومن ثم إنزال الحكم الشرعي المناسب دونما حيف أو جهل أو انحراف، ليأمن أن يكون من القاضيين الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما في النار والعياذ بالله، ومن ثم نجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن " كما جاء في الخبر المشهور " أوضح له المنهج أو الأساس الذي ينبغي أن يلتزمه في فصله للخصومات التي قد تعرض عليه حتى لا يكون حكمه عن جهل أو هوى فقال له بم تقضي ؟ قال بكتاب الله قال إن لم تجد قال بسنة رسول الله قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيي ولا آلو " إلا أن المنهج أو الأساس قد لا يكون كافياً فالقضاء علم وإجراء ولذا نجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما أرسل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكرم الله وجهه قاضياً إلى اليمن بين له خصوصية القضاء وأنه يقوم على إجراءات وقواعد خاصة بها يتبين وجه الحق فقال له صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله " إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقض حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك وجه القضاء "  ثم دعا له قائلاً اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ، وفي ضوء هذا الإرشاد والتعليم النبوي وجه الإمام علي عليه السلام عهده إلى الاشتر النخعي وكتب عمر بن الخطاب رسالته المشهورة إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما ، فكانتا نبراسين يستضيء بأنوارها من يؤهلون للقضاء على امتداد التاريخ  وهذا يؤكد على ضرورة أن يعد من يؤهلون للقضاء إعداداً خاصاً يتوافق مع جسامة المهمة والأمانة والمسئولية الملقاة على عاتقهم في فصل الخصومات بالإنصاف  وإقامة العدل والحق فيما يعرض بين أيديهم من نزاعات تتعلق بدماء الناس وأموالهم وحقوقهم وفروجهم وأعراضهم .

وإذا كان أعداد وتأهيل القضاة فيما مضى كان يتم عبر حلقات المساجد وزوايا الأربطة وعلى أيدي العلماء والمدارس العلمية فإن الواقع الآن قد تغير ومن ثم دعت الحاجة إلى ضرورة البحث عن وسيلة اخرى يتم بها وفيها إعداد وتأهيل من سيتولون مهمة القضاء فكان التوجه إلى إنشاء المراكز والمعاهد القضائية التي تُعنى بتأهيل القضاة وبناء عقولهم ومعارفهم وصقل خبراتهم ومداركهم  وتدريب مهاراتهم  فكان إنشاء المعهد العالي للقضاء في اليمن في مستهل ثمانينات القرن الماضي وتحديدأً عام 1980 فصدر القانون رقم (16) لسنة 1980م بإنشاء المعهد العالي للقضاء وعليه أصبح المعهد هو المنشأة المختصة دون غيرها بإعداد وتأهيل القضاة ومنذ ذلك التاريخ اضطلع المعهد بدوره إلى حد ما ـ وفي عام 2008م صدر القانون الجديد رقم (34) لسنة 2008م بشأن المعهد العالي للقضاء تم فيه إجراء تعديلات وتحديثات للقانون السابق ونص القانون الجديد على أن من أولوياته وأهدافه :

  • إعداد وتأهيل وتدريب الملتحقين بالمعهد تأهيلاً قضائياً علمياً وعملياً .
  • التأهيل المستمر لأعضاء السلطة القضائية أثناء الخدمة .
  • تأهيل وتدريب أعوان القضاء
  • الاسهام في نشر الثقافة وتعميق الفهم الشرعي والقانوني
  • إجراء الدراسات والأبحاث العلمية النظرية والميدانية الهادفة إلى تطوير القضاء .

وفي ظل ذلك القانون أقرت العديد من اللوائح والأنظمة الداخلية للمعهد والخاصة بنظام القبول في المعهد وإجراءاته ونظام الدراسة والحضور والسلوك والاختبارات والبحوث وغيرها من اللوائح .

  • التأهيل .

يقصد بالتأهيل التعليم والتفهيم والتثقيف والتدريب والتمرين ، والتهيئة ، وإذا كان التأهيل في حد ذاته يشكل صعوبة في أي مجال من المجالات فإنه يغدو أكثر صعوبة وأشد  مشقة وإرهاقاً وحساسية وخطورة حينما يكون المستهدف بالتأهيل من سيعتلون أو يعتلون منصة الحكم والقضاء  ، ذلك أن القاضي هو الملاذ أو المرجع الذي سيؤوب إليه الناس عند احتدام  منازعاتهم وخصوماتهم في أعز ما يملكونه أو يختصون به من دماء وأموال وأعراض، ومن ثم سيبذل كل طرف منهم قصارى جهده في إظهار أنه  المحق وأن خصمه هو المبطل، وسيشتد في خصومته ولدده وسيأتي بما يستطيع من الأدلة والبراهين على صدق دعواه سواء أكان محقاً فيها أم مبطلاً، وحينها لن تكون مهمة القاضي سهلة أبداً ، ولا شك أن مهمة من سيقوم بتأهيل هذا القاضي ستكون أصعب وأصعب ، لأنه يحتاج إلى أن يؤهل القاضي للفصل  في مختلف النزاعات الجنائية والمدنية والتجارية والشخصية والإدارية وبين مختلف الأطراف أكانوا أفراداً أم جماعات أم شركات بل حتى بين الدول فيما قد ينشأ بينها من نزاعات ولذا فإن مهمة تأهيل القضاة  تحتاج إلى الكثير والكثير من الجهود والإمكانيات والعلوم والمعارف والخبرات والمهارات والأساليب والوسائل كما تختلف طبيعة أو منهجية التأهيل في المعهد باختلاف الفئة المقصودة بالتأهيل ويمكن تقسيم تلك الفئات إلى ثلاث مجموعات :

  • الملتحقين بالدراسة في المعهد

وتعني الدارسين أو الطلاب الجدد الذين يتم إلحاقهم بالمعهد

  • أعضاء السلطة القضائية أثناء الخدمة

وتعني القضاة وأعضاء النيابة العاملين في المحاكم والنيابات

  • أعوان القضاة

وتعني مساعدي القضاة من الكتبة والمحضرين وأمناء السر والموثقين والأمناء الشرعيين ومأموري الضبط القضائي والمحامين وغيرهم .

 ولكون الموضوع هو عن دور المعهد في تأهيل القضاة فسنقتصر على بيان تأهيل المجموعتين الأولى والثانية فقط .

 

أولاً : الملتحقين بالدراسة في المعهد

الدراسة في المعهد دراسة تخصصية عليا فهي تخصصية لأنها دراسة متعمقة في موضوعات  شرعية وقانونية وتعتبر دراسة عليا لأنها دراسة أكاديمية تأتي كمرحلة لاحقة على الدراسة الجامعية ومن ثم تخضع  الدراسة في المعهد لضوابط ومعايير وأنظمة أكاديمية خاصة ، بداية بالقبول وشروطه وإجراءاته ومروراً بنظام الدراسة ومدتها ومنهج التأهيل والمقررات والمواد والمناهج الدراسية والمدرسين ونظام الامتحانات والبحوث والتطبيق والتدريب العملي والميداني والامتيازات الممنوحة للدارسين وانتهاء بالتخرج والدرجة العلمية الممنوحة .

  • القبول :

لست بصدد التعرض لمسألة جواز طلب القضاء ، فمن المعلوم أن جماهير العلماء قد أجمعوا على عدم جواز طلب القضاء تبعاً للأدلة الواردة في ذلك ومن ثم سأقتصر على بيان الواقع ، فالقبول في المعهد قاصر على حملة الشهادة الجامعية أي على من حصل على الشهادة الأساسية ثم الثانوية ثم الجامعية وليس كل شهادة جامعية يتم قبول حاملها للالتحاق بالمعهد إذ لا بد أن تكون الشهادة الجامعية في العلوم الشرعية والقانونية معاً ، فمثلاً الشهادات الجامعية الصادرة من كليات التربية أو الطب أو الهندسة أو غيرها من المجالات لا يتم قبولها في المعهد، بل إن الشهادات الصادرة من الجامعات أو الكليات الشرعية فقط أو القانونية فقط غير مقبولة ، إذ لا بد أن تكون الشهادة في العلوم الشرعية والقانونية معاً ، والجدير بالذكر أن القبول في المعهد كان يقتصر على المتخرجين من الجامعات الحكومية فقط دون الجامعات الخاصة إلا أنه بعد صدور القانون الجديد تم قبول المتخرجين من الجامعات الخاصة أيضاً فأثر ذلك إلى حد ما في كفاءة المتخرجين من المعهد  .

  • شروط القبول :

ينبغي أن تتوفر في المتقدم للالتحاق بالمعهد شروط خاصة لعل من أهمها أن يكون المتقدم حاصلاً على الشهادة الجامعية من كلية  معترف بها في مجال الشريعة  الإسلامية والقانون أو الحقوق على أن تكون الشريعة الإسلامية مادة أساسية فيها وأن لا يقل التقدير عن جيد جداً ويجوز عند الضرورة إنقاص تقدير القبول في المعهد إلى جيد بقرار يصدر من مجلس القضاء الأعلى  كما يشترط في المتقدم أن يكون يمنياً حسن السيرة والسلوك لم يصدر بحقه حكم قضائي مخل بالشرف أو الأمانة وغيرها من الشروط الأخرى .

  • إجراءات القبول

ينبغي أن يجتاز المتقدم للدراسة بالمعهد إجراءات ومراحل القبول بنجاح وتتمثل إجراءات أو مراحل القبول إضافة إلى الفحص الطبي للتأكد من خلو المتقدم من الأمراض المعيقة عن العمل القضائي وكذا فحص الحالة الجنائية بامتحانات القبول فيخضع المتقدم لامتحانات تحريرية وشفوية في المواد التي يتم تحديدها وعند نجاحه في الامتحانات التحريرية والشفوية يتم عقد مقابلة شخصية أمام مجلس المعهد لكل متقدم على انفراد ومن ثم يصدر القرار بقبول العدد المحدد وفق قرار مجلس القضاء الأعلى والإمكانيات والطاقة الاستيعابية للمعهد ويعتبر قرار قبول المتقدمين قراراً بتعيينهم في الوظيفة الإدارية العامة  وإلحاقهم بالدراسة في المعهد ، وتجدر الإشارة إلى أنه كان في ظل القانون السابق للمعهد يتم منح الدرجة القضائية للمقبولين فور التحاقهم بالدراسة بالمعهد إلا أن بعضهم كان يتعثر في دراسته أو  يرسب فيتم إحالته للعمل الإداري بدرجته القضائية أما في ظل  قانون المعهد الحالي لا يتم منح الدرجة القضائية للمقبولين إلا بعد تخرجهم وإنهاء دراستهم في المعهد ، ومن رسب منهم يتم إحالته للعمل الإداري وفي اعتقادي أنه ينبغي أن تتضمن إجراءات القبول آلية محددة للبحث عن سلوك المتقدمين والتحري عن سيرتهم وسمعتهم  وبيئاتهم التي نشأوا وتربوا فيها لما لذلك من دور كبير في حسن الاختيار من بين المتقدمين فالبيئة أو المحيط كما يقول المتخصصون لها أثر كبير في تكوين شخصية الفرد وتحديد صفاته وسلوكه وقد جاء في الحديث .. كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .

  • نظام الدراسة

الدراسة في المعهد إلزامية بمعنى أنه يتوجب على الدارسين حضور جميع المحاضرات النظرية والعلمية ومن تغيب منهم بنسبة تتجاوز 30% بعذر أو 15% بدون عذر فإنه يحرم من دخول الامتحانات  ، وتتحدد مدة الدراسة بالمعهد بثلاث سنوات يتم فيها إعداد الطلاب والدارسين عبر التأهيل النظري والتأهيل التطبيقي والعملي على النحو الآتي :

  1. التأهيل النظري .

يتم التأهيل النظري عبر المحاضرات والدروس النظرية التي يلقيها الأساتذة والعلماء والقضاة على الدارسين في العلوم والمعارف الشرعية والقانونية وتماشياً مع متطلبات الدراسة الأكاديمية ورغبة في انتظام وانضباط الدراسة وعدم اختلاطها أو تدخلها فقد تم توزيع مواد الدراسة على السنوات الثلاث وفقاً لما يلي :

  • السنة الأولى مواد الشريعة الإسلامية .

فيتم تخصيص الدراسة والتأهيل في السنة الأولى في مواد وموضوعات متعمقة في الشريعة الإسلامية كالقرآن الكريم وأحكام التجويد وآيات الأحكام وأحاديث الأحكام وأصول الفقه والأحوال الشخصية والمواريث الشرعية والمعاملات الشرعية واللغة العربية (النحو) .

وهذه مواد أساسية إضافة إلى مواد وموضوعات أخرى يتم تدريسها كمتطلبات أو مواد ثقافية كتاريخ القضاء في الإسلام ومدونة السلوك القضائي ومناهج البحث العلمي وغيرها وتجدر الإشارة  إلى أنه بالنسبة للقرآن الكريم لا يتم إلزام الدارسين بحفظه أو حفظ أجزاء منه وذلك تقصير ينبغي تلافيه بأن يلزم الدارسون بحفظ القرآن أو حفظ أجزاء معينة منه .

  • السنة الثانية مواد القانون العام .

وفي هذه المرحلة يتم تأهيل الطلاب والدارسين في مواد وموضوعات متعمقة في القانون العام ـ قانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجزائية، والقانون الإداري، والقانون الدستوري ، والإدارة القضائية، واللغة العربية (النحو)، وهذه مواد أساسية قد يضاف إليها مواد متطلبة أو ثقافية بحسب الاحتياج كالطب الشرعي وغيره .

  • السنة الثالثة مواد القانون الخاص .

في هذه السنة يتم تأهيل الدارسين في موضوعات القانون الخاص والقانون المدني وقانون الإثبات وقانون المرافعات المدنية وقانون التنفيذ والقانون التجاري والقانون الدولي الخاص وقواعد إصدار وصياغة وتسبيب الأحكام  واللغة العربية (نحو-صرف) ، إلى جانب هذه المواد الأساسية هناك مواد متطلبة أو ثقافية مثل علم المنطق القضائي وعلم النفس القضائي وغيرها .

ومن المعلوم أن أغلب القوانين في اليمن هي قوانين مستمدة ومقننة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية باستثناء بعض المواد أو القوانين التي ينبغي إعادة تقنينها بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية وللعلم أنه يتم اعتماد موضوعات ومقررات المناهج الدراسية للسنوات الثلاث من قبل المجلس العلمي للمعهد وتقرر من مجلس المعهد وتعتمد من مجلس القضاء الأعلى في بداية كل عام دراسي .

  1.  التأهيل التطبيقي والتدريب العملي .

إعداد وتأهيل الدارسين بالمعهد لا يقتصر على الجانب النظري فقط بل يشمل أيضاً الجانب التطبيقي والتدريب العملي ، وطبيعة عمل القاضي تختلف عن عمل المفتي أو المدرس ذلك أن عمل المفتي أو المدرس يقتصر على بيان حكم الشرع وشرح العلوم وتوضيحها أما عمل القاضي فإنه يتجاوز فهم الأحكام واستيعابها إلى تطبيقها وتنفيذها أو إنزالها على الخصومات والنزاعات التي بين يديه ومن ثم ينبغي أن يؤهل إلى جانب التأهيل النظري تأهيلاً عملياً من الناحية الفنية والمهنية بما يمكنه  من اكتساب الخبرات والمهارات العملية التي تؤهله لاعتلاء منصة الحكم والتعامل مع المتخاصمين والتمرن على كيفية استجلاء وجه الحقيقة وتقدير الأدلة وإدارة جلسات المحاكمة وتسبيب وصياغة الأحكام وإجراءات تنفيذ الأحكام والإشكاليات أو المعوقات المصاحبة ولذا يتم عقد دروس عملية تمثل الجانب التطبيقي للمحاضرات النظرية التي يتلقاها  الدارسون في كل مرحلة فيخصص لأغلب المواد والمحاضرات النظرية دروس ومحاضرات تطبيقية يتعلم فيها الدارس كيف يطبق عملياً ما تلقاه نظرياً فإلى جانب الأستاذ أو المحاضر النظري هناك قاضٍ من قضاة المحكمة العليا أو محاكم الاستئناف يتولى مهمة التأهيل التطبيقي من خلال تقسيم الدارسين  إلى عدة مجموعات تقوم كل مجموعة بإعداد مشروع حكم أو دراسة قضية ومن ثم عرضها ومناقشتها تحت إشراف القاضي لاستجلاء أوجه النقص أو القصور وتصحيحها وقد يقوم بعض القضاة بعقد محاكمات صورية يقوم فيها الدارسون بأداء أدوار هيئة الحكم والادعاء والترافع والخصوم والمتهمين إلا أن بعض القضاة قد يعيد تكرار الدروس النظرية ومن لا يستفيد الدارسون من جهوده وخبرته وإلى جانب الدروس التطبيقية يتم تخصيص شهرين في كل عام دراسي يوزع فيها الدارسون على المحاكم والنيابات يتدربون فيها ميدانياً ويتعرفون فيها على أقسام المحاكم والنيابات وسجلاتها وأعمالها كما يتم تدريبهم على حضور المحاكمات والقيام بإجراءات التحقيق وإدارة الجلسات وإعداد مشاريع الأحكام ويخضعون للتقييم والإشراف المباشر من رؤساء المحاكم والنيابات التي يتدربون فيها.

وإن كانت  فترة الشهرين غير كافية لتحقيق الفائدة المنشودة كما وإن الدراسة النظرية تغلب على التأهيل العملي والتطبيقي نظراً لكون القانون الحالي للمعهد قد ركز على الجانب الأكاديمي أكثر من الجانب الفني والعملي .

  • إعداد البحوث العلمية

إلى جانب التأهيل النظري والتطبيق العملي والتدريب الميداني يتم تأهيل الدارسين على كيفية البحث والاطلاع والرجوع إلى الموسوعات والتواصل مع مكتبة المعهد وغيرها من المكتبات من خلال إلزامهم بإعداد البحوث العلمية والدراسات الميدانية فيكلف  كل دارس بإعداد بحث علمي في كل عام يتوافق مع طبيعة دراسته في ذلك العام ففي السنة الأولى يعد الدارس بحثاً في موضوع من موضوعات الشريعة الإسلامية وفي السنة الثانية يعد بحثاً في مفرادات القانون العام وفي السنة الثالثة يعد بحثاً في موضوعات القانون الخاص .

وكل بحث يقوم الدارس بإعداده يكون خاضعاً لإشراف أحد الأساتذة أو الدكاترة الأكاديميين كما يخضع كل بحث في كل عام للتقييم والمناقشة من قبل لجنة تتكون من الأستاذ المشرف إضافة إلى أستاذ آخر مناقش فتقوم اللجنة بتقييم كل بحث وإعطاء صاحبة الدرجة المستحقة .

  • هيئة التدريس

نظراً لكون الدراسة في المعهد في جانب منها دراسة نظرية وفي جانبها الآخر دراسة تطبيقية عملية ولكون مواد الدراسة بعضها شرعي وبعضها قانوني كما أنها تشتمل على جوانب أخرى لها علاقة بعمل القضاء فإن هيئة أعضاء التدريس بالمعهد تتكون من عدد من العلماء وأساتذة الجامعات ممن قد أمضوا مدة لا تقل عن خمس سنوات في مجال التدريس كما تتكون من القضاة الذين لا تقل درجتهم القضائية عن قاضِ استئناف كما تشتمل على أساتذة في علم النفس وفي علم الطب الشرعي  وغيرها من المجالات التي تحتاجها عملية التأهيل في المعهد .

  • التقييم والامتحانات

يخضع الدارس خلال سنوات دراسته في المعهد للتقييم أكان ذلك من الناحية المسلكية فيما قد يرتكبه من مخالفات لأنظمة ولوائح السلوك إذ أنه إذا حصل الدارس على أقل من سبعين درجة في السلوك فإنه يفصل من الدراسة، أما من الناحية العلمية فيتم في نهاية فترة الدراسة النظرية من كل عام إجراء امتحانات تحريرية وشفوية في جميع المواد التي درست ــ باستثناء المواد الثقافية ـ وتخصص مائة درجة لكل مادة في الامتحان التحريري ومثلها للامتحان الشفوي وتتحدد الدرجة الأدنى للنجاح في كل مادة بسبعين درجة فمن يحصل على أقل من سبعين درجة في كل مادة يعد راسباً ومن ثم يعيد امتحان تلك المادة في الدور الثاني كما أن فترة التدريب الميداني في المحاكم تخضع أيضاً للتقييم  من قبل رئيس المحكمة أو النيابة التي يتدرب فيها الدارس حيث يقوم رئيس المحكمة أو النيابة بتقييم كل متدرب على انفراد والرفع بذلك إلى إدارة المعهد لمعرفة مدى انضباطه وتفاعله واستيعابه وإلى جانب ذلك التقييم يخضع المتدربون في نهاية فترة التدريب لامتحان تحريري للوقوف على نتائج ما تلقوه واستفادوه من التدريب في المحاكم ، وتقدم أن البحوث التي يعدها الدارسون تخضع أيضاً للتقييم من لجنة مختصة .

  • الامتيازات الممنوحة للدارسين .

بعتبر الدارسون في المعهد موظفين عموميين ومن ثم يحصل كل دارس على راتب شهري لا يقل عن سبعين ألف ريال كما يقوم المعهد بتوفير الكتب والمناهج الدراسية لكل طالب إضافة إلى توفير الزي (الروب) والحقائب  كما يتم منح كل طالب في كل عام بدل بحث وبدل تنقل (مواصلات) عند النزول إلى المحاكم والنيابات علاوة على توفير السكن الداخلي للكثير من الدارسين القادمين من المناطق والمحافظات البعيدة بحسب إمكانيات المعهد والطاقة الاستيعابية للسكن الداخلي .

  • التخرج

بانتهاء مدة الدراسة وإكمال الدارسين للمقررات النظرية والعملية والبحث واجتياز الامتحانات التحريرية والشفوية بنجاح يمنح الدارس شهادة الماجستير في العلوم القانونية والقضائية وتعطى له شهادة بذلك مع كشف تفصيلي ببيان الدرجات التي حصل عليها خلال مدة دراسته للسنوات الثلاث ثم ترفع كشوفات المتخرجين مع ملفاتهم إلى مجلس القضاء الأعلى تمهيداً لإصدار قرار بمنحهم الدرجة القضائية وتوزيعهم على المحاكم والنيابات حسب الاحتياج وتجدر الإشارة إلى أنه قد بلغ عدد المتخرجين منذ افتتاح المعهد إلى يومنا هذا ما يقارب 1159 متخرجاً

ومع هذا ما تزال العديد من المحاكم والنيابات تعاني من نقص في القضاة وأعضاء النيابة نظراً لكثرة القضايا الواردة إليها .

ثانياً : تأهيل القضاة أثناء الخدمة

يقصد بتأهيل القضاة أثناء الخدمة قيام المعهد بالتنسيق مع الجهات المختصة في السلطة القضائية لعقد دورات وندوات تأهيلية وورش عمل وحلقات نقاش للقضاة العاملين في المحاكم والنيابات ، ذلك أن انكباب القاضي وانشغاله بالقضايا والخصومات وتوالي التطورات والمستجدات من حوله قد تحول دون تمكنه من البحث والاطلاع المستمر كما أنه قد تحدث تعديلات في بعض القوانين وقد ينقل القاضي من عمل لآخر  أو يرقى من درجة إلى أعلى منها وقد يواجه القاضي مشكلات ومعضلات في القضايا المرفوعة إليه فلا يجد لها حلاً في معلوماته أو في المراجع والقوانين التي بين يديه كل هذا يقتضي أن يتم تأهيل القضاة بشكل دائم ومستمر من خلال الدورات والندوات وورش العمل واللقاءات التي يشرف عليها قضاة أعلى درجة وأكثر خبرة وتجربة ومعرفة فتتلاقى العقول والقرائح  وتتكامل العلوم والمعارف وتتبادل الخبرات والتجارب وتتجدد الحيوية والنشاط بما يساعد على ارتقاء  القضاة في علومهم ومعارفهم ومفاهيهم وخبراتهم وعليه فقد نظم المعهد الكثير من الدورات والندوات واللقاءات في مختلف الجوانب والموضوعات القانونية والقضائية ـ وأن كانت ما تزال دون المستوى المطلوب نظراً لقلة الامكانيات كما قد يحدث أن تتكرر الدورات لذات القضاة فنجد مثلاً أنه قد يشترك قاضي في أكثر من دورة في حين أن غيره من القضاة قد لا يشترك فيها ومن ثم لا بد من تحري الجهات المختصة أكثر في حسن التنسيق والتوزيع والمشاركة بحيث تشمل أكبر عدد ممكن من القضاة من مختلف المناطق والمحافظات كما أن أغلب تلك الدورات اختيارية تخضع لتجاوب القضاة ورغباتهم ولذا ينبغي أن يكون حضور تلك الدورات إلزامياً على القضاة حرصاً على الارتقاء بمستواهم وأن يكون ذلك الحضور والمشاركة شرطاً في منح القضاة أية ترقية او ترفيع .

وختاماً ـ في اعتقادي ـ أن عملية التأهيل سواء تأهيل الدارسين أو القضاة العاملين ـ ينبغي أن تشتمل على جانب هام وخطير ألا وهو الجانب الروحي والديني بحيث ينمي في نفوس الدارسين والقضاة بشكل دائم  ومستمر الخوف والخشية من الله سبحانه وإحياء الرقابة الذاتية وترسيخ الورع والتقوى والفضيلة في نفوسهم واستشعار عظم الأمانة والمسئولية المناطة بأعناق من سيعيلون أو يعتلون منصة الحكم والقضاء .

ذلك أن القاضي  مهما أوتي من علم وفهم وخبرة ، إذا ما تجرد من رقابة ضميره وغفل عن الخوف والخشية من خالقه وانقطعت أو ضعفت صلته بالله ، لم يأمن الوقوع في الحيف الجور والانسياق وراء الأهواء والشهوات والخور أمام الأطماع والمغريات لأنه قد سلب أنوار الله وهدايته وتوفيقه وتسديده وصدق الله حيث يقول ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾ بل قد يسخر ذلك القاضي علمه وفهمه للظلم والتحايل وتلبيس الحق بالباطل ونصرة الظالمين على المظلومين فيغدو هاتكاً للشريعة لا حارساً لها هادماً للحقوق لا مقيماً لها ، عابثاً بالعدالة والإنصاف وحينها من ينتصف للعدل من رجال العدل إلا القوي العدل ولله در القائل

إذا خان الأمين وشاهداه
فويل ثم ويل ثم ويل

 

 

وقاض الأرض داهن في القضاء
لقاضي الأرض من قاضي السماء