فضل شهر رمضان ؟؟

السؤال

هلا حدثتمونا – سيدي – عن فرصة شهر رمضان التي بتضييعها يكون الخسران المبين !

 


 

الإجابة: 

الجواب وبالله التوفيق: 
الحمد لله الذي سبّلنا في سبلِ إحسانه لنسلكها بمنه إلى رضوانه ، ونشكره جلّ وعلا تعظيماً لشأنه واعترافاً بجزيل إنعامه وامتنانه ، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى خير سبيل ، والمؤيد بالوحي والتنزيل ، دعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ففتح الله به آذاناً صماً ، وأعيناً عمياً ، وقلوباً غلفاً ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين ، وإخوانه من النبيين والمرسلين ، وعلى الملائكة المطهرين ، وعلى زوجاته أمهات المؤمنين، وعلى الصحابة الراشدين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعدُ ؛ فإن فضل الله على عباده كبير ، وكرمه سبحانه جسيم ، ونعماءه – سبحانه وتعالى – لا تعدّ ولا تحصى ، ومن المعلوم أنّ الناس جميعهم في أمس الحاجة إلى ربهم ؛ فلا قوام لهم إلا به ، ولا بقاء لهم إلا به ، ولا وجود لهم لولاه سبحانه وتعالى ، فهو الموجد وهو المنعم وهو المتفضل وهو المعطي وهو المانح وهو المسدي لجميع النعم لعباده ، ومع ذلك فإن الزلات كثيرة ، والذنوب كبيرة ، والأخطاء خطيرة من أكثر العباد ، وكلها تستوجب العذاب الأليم والعقاب العظيم، ومع ذلك فإنه سبحانه لم يعاجل العباد بذنوبهم ، ولم يقطع عليهم طريق العودة إليه.
ومن كرمه – سبحانه – أن جعل باب التوبة مفتوحاً في كل الأيام ، وخصّ شهراً من شهور السنة بمزيد من الفضل والمغفرة والرضوان ، وسماه نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم – "شهر التوبة" ألَا وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، شهرٌ قام فيه النبي صلى الله عليه وآله قائلاً: «شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار» ومخبراً بقوله: «أتاكم شهر رمضان ؛ شهر بركة وخير ، يغشيكم الله فيه الرحمة ، ويحط فيه الخطايا ، ويستجيب فيه الدعاء ، ويباهي الله بكم الملائكة ، وينظر فيه إلى تنافسكم ، فأروا الله من أنفسكم خيراً ، فإن الشقي كل الشقي من حُرِمَ رحمةَ الله عزّ وجلّ» أمالي المرشد بالله.
نفحة من النفحات الإلهية التي يتكرم الله تعالى فيها على عباده ، ويمنّ بها عليهم ، نفحة من أدركها ارتفعت به إلى أعلى الدرجات العلا ، نفحة قال عنها النبي ملفتاً أنظار أمته إليها : «إن لربكم في أيام دهركم نفحات ، ألا فتعرّضوا لها فلعلّ أحدكم أن تصيبه نفحة منها لا يشقى بعدها أبداً».
فينبغي بل يجب على الإنسان أن يغتنم مثل هذه الفرصة الثمينة ، التي يكون بها تكفير السيئات ، والتجاوز عن الخطيئات التي تحول بينه وبين رحمة الله ، وتقف مانعاً دون دخول الجنة والنجاة من النار، وماذا يريد العبد بعد كل هذا الكرم والجود من الواحد الأحد الملك المعبود.
ومما فضل به هذا الشهر أن جعل نوم الصائم فيه عبادة ، وصمته تسبيحاً ، وعمله مضاعفاً ، ودعاءه مستجاباً ، وذنبه مغفوراً ، وجعل فيه ليلةً من قامها فكأنما قام ألف شهرٍ لا ألف ليلة ، وكتب له بقيامها قيام ألف شهر ، وقُدِّر له فيها ما قدر لأمثاله ممن قامها وأحياها بالعبادة ؛ من الخير والبر وسعة الرزق والعافية وغير ذلك من أنواع البركة.
فعلى العبد أن يغتنم فرصة كهذه قد لا تعوض ؛ يصحح فيها ما بينه وبين الله ، ويتزود منها لبقية عمره بالتقوى والعزيمة القوية في حق الله ، فهذا سرٌّ من أسرار فرض الصيام ، لأنه عبارة عن محطة يتزود العبد فيها بالقوة والنشاط والعزيمة والجد والاجتهاد، ويغسل فيها ما عساه قد تراكم على قلبه من درن الأوزار والذنوب ، التي لو تركت لأتت على القلب فأماتته تماماً ، ومن كرم الله أن جعل الفرصة فيه سانحة لكل إنسان ، وعرض فيه من المغريات التي تدعو الناس إلى اغتنامها ؛ فالنافلة فيه بفريضة ، والفريضة فيه بسبعين كما ورد على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم . فلذلك لا يجوز التفريط فيه والاستخفاف به ولا انتهاك حرمته ، بل الواجب تعظيم حرمته وإجلال قدره ، كيف وقد ورد في شأنه أنه مكفر للذنوب ، إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر» ، وورد فيه وفي القرآن الذي أنزل فيه قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعباد يوم القيامة ؛ يقول الصيام : ربِّ إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : ربِّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان» رواه أحمد والطبري .
وقد قال تعالى : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾[البقرة:185].
فمن كان مقيماً غير مسافر ولا مريض وجب عليه صيامه ، وصيامه هو الامتناع عن الأكل والشرب والنكاح في نهاره ، ولكي يكون الصيام مقبولاً ذا فاعلية وأثر وأجر كبير ، فلا بد معه من التورع عما نهى الله سبحانه وتعالى عنه من الخنا وقول الزور والظلم والفجور وانتهاك المحرمات ، وإلا فلا فائدة في ترك الطعام والشراب، ولا ثواب ولا أجر، وقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «من لم يدعْ الخنا والكذب فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه» .. وورد ؛ «رُبَّ صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش».. فلا أجر ولا ثواب لمن لم يكفّ جوارحه عن المحرمات ، وليس له من الصيام إلا الجوع والعطش كما ورد في الحديث آنفاً ، ثم إن الغرض من فرض الصيام – إضافةً إلى ما تقدم – هو تهذيب الأخلاق ، وتطويع الجوارح في طاعة الله ، وتقوية عزيمة الإنسان حتى يمكنه أن يقف صامداً قوياً أمام المغريات بكل أشكالها ، وصيامُ رمضان علاج أخلاقي لو أحسن الناس استعماله .. فكلّ من يشكو قسوة قلبه ، وشكاسة أخلاقه وشراسة طباعه ، فعليه أن يحسن تناول هذا العلاج في شهر رمضان ، ويحسن استغلاله بحمْل نفسه ولو كرهاً على الجد والاجتهاد ، وإرغام النفس فيه ، وحملها على عبادة الله وطول المكث في المسجد ، وقراءة القرآن والتأمل والتدبر لآياته ، والصبر على ألم الجوع والعطش ، فإذا مضى الشهر والمرء على ذلك ، استقام أمره في سائر سنته ، ولانت طباعه، وحَسُنَتْ أخلاقه ، وأحاطه الله بلطفه ، ووفقه لما يحب ويرضى ، أما من لم يتعامل ويتعاطى مع هذه المنحة الإلهية كما يجب فقد ضل ضلالاً بعيداً ، وخسر خسراناً مبيناً، وكل يوم يأتي عليه مما يستقبل من عمره وهو أكثر عرضة للشيطان ، وأبعدُ عن ساحة رحمة الرحمن ، وكان أحرى بالطرد من رحمة الله.
ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المشهور بحديث العتبات : «لما رقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع وهو يقول : آمين .. ثلاث مرات عند كل عتبة يرتقيها ثم إنه أخبر صحابته رضوان الله عليهم فقال : جاءني جبريل وقال يا محمد من أدرك والديه أو أحدهما فلم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين، ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فأبعده الله قل آمين فقلت آمين ، ومن أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقلت آمين».
وكان الإمام زين العابدين – رحمه الله – يدعو كل يوم في شهر رمضان فيقول : (اللهم هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن هدى ً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان ، وهذا شهر الصيام ، وهذا شهر القيام ، وهذا شهر الإنابة ، وهذا شهر التوبة ، وهذا شهر المغفرة والرحمة ، وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة ، وهذا شهرٌ فيه ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، اللهم فصلّ على محمد وآل محمد ، وأعنّي على صيامه وقيامه ، وسلمه لي وسلمني فيه، وتسلمه مني، وأعني عليه بأفضل عونك ، ووفقني فيه لطاعتك وطاعة رسولك وأوليائك، صلواتك اللهم عليهم ، وفرِّغني فيه لعبادتك ودعائك وتلاوة كتابك ، وأعظم لي فيه البركة وأحرز لي فيه التوبة ، وأحسن لي فيه العافية، وأصح فيه بدني ، وأوسع لي في رزقي ، واكفني فيه ما أهمني، واستجب فيه دعائي ، وبلغني فيه أملي ورجائي ، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد وأذهب عني فيه النعاس والكسل والسآمة والفترة والقسوة والغفلة ..) إلى آخر دعائه عليه السلام.
وفقنا الله لما يحب ويرضى وجعلنا ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً.

الدلالات: