الهجرة النبوية سرد وقائع وأحداث؟ أم أخذ دروس وعظات؟

نشر بتاريخ: خميس, 21/09/2017 - 5:32م

ما إن تنتهي سنة هجرية وتأتي أخرى إلاَّ ويتذكر المسلمون هجرة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما عانى هو وأصحابه في سبيل نشر الدعوة الإسلامية وإرساء قواعد الدين، ومن المعلوم أن هجرة رسول الله من مكة إلى المدينة لم تكن طلباً للسلامة ولا خوفاً من قريش ولا بحثاً عن الراحة بل كانت بحثاً عن أرض خصبة وأعوان له ليتمكن من نشر دين الله إلى أرض العرب قاطبة ومن ثم إلى جميع الناس ﴿لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾.

واتخاذ الأسباب المؤدية إلى نجاح الهجرة يعد أمراً عظيماً في نجاحها، لذا نجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يهاجر إلَّا وقد هيأ أرضاً قابلة لتعاليم الدين ورجالاً يستعين بهم على تأسيس دولة إسلامية تؤدي ثمارها، ومن سنة الله في عباده أن من هاجر إليه ولأجله فإنه يثيبه على ذلك في الدنيا والآخرة، وقد بين الله تعالى ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه فقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ وما فعله جل وعلا لخليله إبراهيم عندما هاجر إلى ربه وهو أول من سنَّ الهجرة إلى الله قال تعالى: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِين، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِين، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيم﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِين، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِين﴾ وكذا ما امتنَّ الله به على موسى وبني إسرائيل عندما تركوا مصر من فلق البحر لهم، وإهلاك فرعون وجنده، وغير ذلك، وهكذا كل من هاجر إلى الله ولأجل الله فإن الله تعالى سيجازيه على ذلك قال تعالى: ﴿ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾ وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين﴾.

اليوم ما موقع ومفهوم الهجرة لدينا ونحن نعايش الظلمة ونشاهد المعاصي ونسمع الحكم بغير ما أنزل الله ونرى قوة الباطل وأهله وضعف الحق وأعوانه ونعلم الإستهزاء بأهل الدين والتعظيم للفاسقين، عندما ننظر إلى الشرع الحنيف في موضوع الهجرة نجد حديثين صحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأول: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: »لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية« والثاني: قوله: »المهاجر من هجر ما نهى الله عنه« والحديثان في نظري لا تعارض بينهما لإمكان الجمع بينهما، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم »المهاجر من هجر ما نهى الله عنه« محمول على أنه إذا لم يتمكن المسلم من جهاد الباطل والوقوف أمامه ولم يتمكن من التغيير فعليه بالهجرة والابتعاد عن ما نهى الله عنه امتثالاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم »لا يحل لعين ترى الله يعصى حتى تغير أو تنصرف« وللحديث المذكور ويكون بذلك قد نجى بنفسه فقط.

وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم »لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية« فمحمول على أنه عندما يكون المسلم في عداد جماعة مسلمة مصلحة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ساعية إلى إيجاد الخير والصلاح وإقامة الشريعة وإبعاد الظالمين وقمع الكافرين فالواجب عليه حينئذ مناصرة إخوانه والجهاد معهم لكي يتم التعاون على إقامة الدين وإرشاد الناس امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ واقتداء بأنبياء الله ورسله، فهذا عيسى بن مريم يقول: ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ﴾ فيقول الحواريون: ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ﴾ وهذا موسى يقول: ﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي﴾ فيجيب الله عليه : ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ وهذا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقول بعد أن نزل عليه قوله تعالى: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين﴾ »أيكم يواخيني ويوازرني ويكون وليي من بعدي ... الخ «.

هجرتنا اليوم تتمثل في أن نهاجر من طاعة الشيطان وأتباعه إلى الرحمن وطاعته، من المعاصي إلى الطاعات، من الباطل وأعوانه إلى الحق وأنصاره، من الكسل إلى الجد والنشاط في أعمال البر، نهاجر من البقاء مع المبطلين إلى الكون مع المحقين، من الجهل بالله إلى العلم بالله من مداهنة الظالمين إلى معاونة المصلحين المرشدين الناصحين، نهاجر من سخط الله إلى رضوان الله ففروا من الله إلى الله.

إن الغرض من تذكر المسلمين لهجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو اقتباس الدروس والعبر وعرض واقعنا اليوم عليها رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما أُخرج من مكة كان قلبه متعلقاً بحب وطنه وبلده، ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: »لولا أني أخرجت منكِ ما خرجت« فأنزل الله عليه ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قال ابن عباس: لرادك إلى مكة كما أخرجك منها، واليوم نرى من تنكر لوطنه وسعى لتدميره وإهلاك حرثه ونسله وهو يستمتع بذلك، رسولنا عندما عرضت عليه جميع المغريات مقابل ترك مبدئه وعقيدته رفض وصبر على الأذى إلى أن أذن الله له بالنصر، واليوم نرى من يبيع دينه وعقيدته وشعبه مقابل حطام زائل، رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما أراد الهجرة أخذ بالأسباب فهيأ جميع ما تحتاجه الهجرة، واليوم المسلمون يريدون أن ينتصروا على أعداءهم وأن يقيموا دولة إسلامية دستورها القرآن والسنة وهم كسالى في جميع المجالات من صناعتهم، واقتصادهم، وتعلمهم، وتقدمهم، والله تعالى يخاطبهم بقوله: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ﴾ ﴿وَأَعِدُّواْ﴾ فأين العمل؟ وأين الإعداد؟

رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما هاجر ليست هجرته طلباً للراحة بل انتقل إلى عمل دؤوب لأن الدين دين عمل ليس دين السكون والمكث والهدوء، ديننا عنوانه سارعوا، سابقوا، جاهدوا، افعلوا الخيرات .. الخ.

رسولنا عندما هاجر إلى المدينة بنى حكومة إسلامية ونظاماً إسلامياً في ظل ذلك النظام عاش المسلمون عيشة رخاء وسعادة وأمن، واليوم نرى ونسمع من يدعو لأنظمة غربية وشرقية ويطعن في نظام شرعه لنا أحكم الحاكمين، رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما وصل إلى المدينة من أعظم ما قام به إرساء الأخوة وإزالة شعائر الجاهلية ونعرات العصبية، واليوم هناك دعاة للفُرْقة، دعاة للحزبية الممقوتة، ويزعمون أنهم على دين الإسلام، رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما هاجر إلى المدينة فرح الأنصار بقدومه واستبشروا بقدوم المصلح المرشد فأكرموه وآووه وبذلوا له كل غالٍ ورخيص، واليوم بعض المسلمين وللأسف يقفون ضد المصلحين يحاولون إفشالهم يحاربونهم بالقلم واللسان، وإذا قِدم المفسدون استبشروا بقدومهم وأعانوهم على إفسادهم وباطلهم.

هذه بعض الدروس المستفادة من الهجرة النبوية ولله الحمد بدءاً وختماً وصلى الله على محمد وآله. 

الدلالات: