أهم الأحداث في حجة الرسول الأكرم وعلاقتها بواقع الامة !!!

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 12/09/2017 - 10:08م

كثيرة هي الأحداث والوقائع إلى غُيّبت من تأريخ الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته ومواقفه وجهاده في سبيل الله وللأسف قدمت سيرة الرسول كأرقام وحروب فقط ، الأمر الذي أفقد الأمة مفاصل عزتها وحيويتها وأوصلها إلى ما وصلت إليه من الضياع والذل والهوان تحت أقدام اليهود والنصارى.

ومن هذه الأحداث المهمة حجة الوداع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في العام الثامن من الهجرة التي احتوت على حدثين هامين وبارزين ومفصليين في تأريخ الأمة والرسالة السماوية، وقبل الحديث عنهما هناك عدة أسئلة مهمة حولها منها: لماذا اختار الله لنبيه حجة واحدة في تاريخه ؟ ولماذا كانت في آخر سنواته من الجهاد في سبيل الله ؟ كل ذلك كان لحكمة يريدها الله في سياق ترتيب وإعلان أحداث مهمة لها علاقة بحاضر ومستقبل الأمة وصراعها مع أعداءها بعد وفاة الرسول صلوات الله عليه وآله.

ولأهمية ذلك في الاستمرار بمشروع الرسالة الإلهية إلى آخر أيام الدنيا كان لا بد من ترتيبات كبيرة وضخمة وملفتة في حجة الوداع لتكون معلومة للناس على مدى الأزمان، إذ لو افترضنا أن الرسول حج أكثر من مرة لغرق الناس في تفاصيل تحركاته في كل حجة لكن عندما كانت مرة واحدة سيؤدي ذلك إلى أن ترتسم الأحداث في ذهنية المسلمين وفي ذاكرتهم جيلا بعد جيل هاذان الحدثان سأتطرق إليهما بشكل مختصر كالتالي:

الأول :- يوم البراءة من أعداء الله من اليهود والنصارى إذ أمر الله رسوله الكريم بأن يعلن البراءة من المشركين كتتويج لجهاده طيلة حياته وإعلانها في يوم عرفة قال تعالى {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ } ولم يكن هذا لمجرد الأمر بل كان وراءه رسائل هامة نلاحظها في التوجيه الإلهي من ناحية اختيار الزمان في حجة الوداع وفي يوم عرفة وهو يوم يجتمع فيه المسلمون من كل البلدان الاسلامية وبمختلف لغاتهم على صعيد واحد ولذلك كان التوجيه بأن تكون البراءة علنية على الجميع ليسمعها الكل كما يسمعون الأذان وترتفع كما يرتفع الأذان في كل أنحاء البلاد الإسلامية بحيث لا يبقى عليها خلاف أو شك أبداً.

وفي هذا اليوم المشهود رسالة مفادها أنه لا يستقيم إيمان المرؤ بمحمد ورسالته إلا بالإقتداء به في إعلان البراءة من المشركين {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }.

أما بالنسبة لبعض أهدافها فالبراءة تعني استحضار العداء لليهود والنصارى بشكل مستمر ودائم في كل الأزمنة في تأريخ المسلمين، وهذا يؤدي إلى تحصين الأمة من الثقافات المغلوطة والحذر من تضليل أعداءها، كما أنه يسهم في جعل الأمة تعتمد على نفسها إقتصادياً وسياسياً وفكرياً وإنتاجاً بما يؤهلها أن تكون واقفة على قدميها في مواجهة أعداءها وأن لا يكون أمرها مرتهناً بيد أعداءها يتحكمون فيها كيفما يشاؤون كما هو الحاصل اليوم، كما أن من مقتضيات البراءة الحفاظ على الدين الإسلامي من التحريف والتبديل الذي يسعى إليه الأعداء وقلب مفاهيم الإسلام لخدمتهم وتطويعها في صالحهم باسم الدين كما يعمل الوهابيون اليوم وبالتالي فمفهوم البراءة هو صون للامة وحفاظ عليها وعلى دينها واستقلال قرارها وسيادتها وعزتها وكرامتها.

الثاني:- يوم الولاية لأمير المؤمنين علي عليه السلام والذي جاء بعد يوم البراءة بعشرة أيام فقط وهو يوم لا يقل أهمية عن يوم البراءة، بل يعتبر الشق الثاني المكمل لضمان بقاء رسالة الرسول الأكرم محمد صلوات الله عليه واله وعزة وكرامة أمته، ونجد نفس التوجيه الإلهي في اختيار الزمان والمكان ونفس المناسبة في حجة الوداع حيث أمر الله نبيه بإبلاغ المسلمين بالقيادة الجديدة التي ستخلف النبي بعد وفاته فحرص النبي على جمع المسلمين مرة أخرى في غدير خم في الثامن عشر من ذي الحجة وصعد على أقتاب الإبل ليشاهده ويسمعه المسلمون جميعاً وتكون حجة عليهم ثم قال »من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله «.

في حديث وإشارة واضحة للقيادة الجديدة التي ستخلف النبي وتعتبر إمتداداً لقيادته وهذا يؤدي إلى تحقيق هدف مهم وهو أن تكون الأمة منضبطة في طريق واحد وبقيادة واحدة تؤدي إلى نتيجة مفادها العزة والكرامة والغلبة للامة إذا ما التزمت بهذا الطريق وبهذه القيادة ..

كما إن الولاية مبدأ أساسي يجعل الأمة تقود نفسها بنفسها لأن البديل لولاية الإمام علي عليه السلام سيكون اليهود وهذا ما نلاحظه اليوم حيث يتحكم البيت الأبيض في اختيار الرؤساء وفرضهم على الشعوب كما يجعل منهم مطية لخدمة مشاريع أمريكا وإسرائيل ، أيضاً من غايات هذا المبدأ توحيد الأمة وإبقائها معتصمة بحبل الله تحت قيادة واحدة بعيداً عن الإنقسامات والتشتت الذي يخدم الأعداء، ويعتبر المبدأ سبباً رئيسياً في انتصار الأمة على أعداءها وبدونه لا يمكن النصر أبداً ..

في الواقع نجد مصاديق الحالتين في واقع أمتنا اليوم فعلى سبيل المثال نجد أن ثلاث دول عربية وهي مصر وسوريا والأردن هُزمت في سبعينيات القرن الماضي أمام العدو الإسرائيلي خلال ثلاثة أيام فقط برغم إمكانياتها وعتادها وجيوشها والسبب ليس في قلة الإمكانيات أو الأفراد بل في تخلي الأمة عن مبدأ الولاية المقرون به النصر مصداقاً لقوله تعالى {ومَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وفي نفس الوقت نجد الحالة الأخرى ومصاديقها داخل الأمة حيث انتصر حزب الله وأنصار الله، ومؤخراً الحشد الشعبي ضد أعداء الأمة وأدواتها في المنطقة وهم قلة قليلة؛ لكنها تؤمن بمبدأ الولاية للإمام علي عليه السلام وتعلن البراءة من أعداء الأمة، فعندما تمسكوا بهاذين المبدئين سجلوا انتصارات كبيرة أمام إمكانيات أعداءهم الهائلة لا سيما اليمنيون الذين يواجهون العالم لأكثر من عامين ونصف ويسجلون أروع الإنتصارات التي لم تشهد لها المنطقة مثيل في التأريخ الحاضر.

هذه نماذج كافية لأن تعود الأمة إلى رشدها إذا ما أرادت استعادة عزتها وكرامتها ودينها وتحرير أراضيها واستعادة شرفها فالنصر لن يكون إلا من باب واحد حدده الله بمبدأ الولاية للإمام علي والبراءة من أعداء الأمة، ولذلك نلاحظ كيف أن أعداءنا يعملون على تغييب هذا المبدأ بشكل كبير في أوساط الأمة حتى أصبح الحديث عنه في حاضرنا أمراً غريباً أو شيئاً أسطورياً.