بسم الله الرحمن الرحيم
مرت الحروب والمعارك في تأريخ البشرية بمراحل مختلفة تطورت فيها أساليبها ومهاراتها وأدواتها ووسائلها (وبما أن الحرب خدعة) فقد استخدمت الجبهات المتصارعة كل الحيل ووسائل الخداع لهزيمة خصومها ولم تألُ جُهْدَاً ولم تدع وسيلة إلا فعلتها مهما كانت قذرة أو غير جائزة، ويوجد في تاريخ الحروب أربعة أجيال من الحروب مرت عبر التأريخ وحتى يومنا الحاضر.
يحاول »الطابور الخامس« أن يحصن نفسه عبر تمييع مصطلح »حرب الطابور الخامس« والتقليل من شأنها وقد سعى إلى تغيير مفهومها وتعريفها وجعلها كلمة للتنابز بالألقاب والمهاترات.
وفي الحقيقة »الطابور الخامس« كمفهوم عام هو مصطلح متداول في أدبيات العلوم السياسية والإجتماعية نشأ أثناء الحرب الأهلية الأسبانية التي نشبت عام 1936م واستمرت ثلاث سنوات وأول من أطلق هذا التعبير هو الجنرال »أميليو مولا« أحد قادة القوات الوطنية الزاحفة على مدريد، وكانت قواته تتكون من أربعة طوابير من الثوار فقال حينها: »إن هناك طابوراً خامساً يعمل في أوساط المواطنين لجيش الجنرال (فرانكو) ضد الحكومة الجمهورية التي كانت ذات ميول ماركسية يسارية، وبعدها ترسخ هذا المعنى في الاعتماد على الجواسيس والمرجفين ومرددي الشائعات في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
الإنسان الوطني المؤمن المنحاز إلى شعبه وبلده ضد المعتدي عليه لا يستاء ولا يتألم ولا يعتبر نفسه المقصود من هكذا عبارات، بل يفرح ويشارك في إطلاقها على العملاء والمرجفين لأنه يعتبر نفسه جندياً في معركة الوعي ضد هؤلاء المرجفين الذين تعتبر المعركة ضدهم معركة وعي وليست معركة مسلحة، وبالتالي فهو يسعى إلى تعميم حالة الوعي وإلى وضع الضوابط لمعرفة الوفي من الخائن والوطني من العميل، ولماذا يتألم وهو لا يؤيد العدوان ولا يرسل الإحداثيات ولا ينشر الأكاذيب والأراجيف في أوساط المجتمع ولا يبدي حالة من التذمر ولا يحمل الطرف غير المتسبب آثار ونتائج غيره، وبالتالي فهو مطمئن لا يعتقد أن الكلام يستهدفه ولا أن قانون الطوارئ يشكل ضرراً عليه.
أما الذي يؤيد العدوان، أو يرسل الإحداثيات، أو ينشر الأكاذيب والأراجيف، أو يُحِّمل المدافعين على البلد آثار ونتائج المعتدين على البلد، ويحمل المواجهين للحصار إثم المحاصرين ويحمل الساعين لصرف المرتبات مسئولية نقل البنك وعدم صرف الرواتب، فهذا »طابور خامس« وبالتالي يشعر أن الكل يستهدفه وأصابع الإتهام موجهة إليه إنه يستحق التعامل معه بقانون الطوارئ.
ومثل هذا ينطبق عليه المثل العربي: »كاد المسيء أن يقول خذوني« وما قاله الله سبحانه حاكياً عن نفسياتهم: ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ فهم يعتبرون أنهم هم المستهدفون عند كل تحرك وتوعية؟
أما عن قضية المرتبات فجميعنا يطالب بها لكننا كمجتمع وأفراد واعين نعرف المتسبب الحقيقي الذي استلم 200 مليار ريال وقرر نقل البنك المركزي إلى عدن، نحمله مسئولية تأخير صرف المرتبات ومسئولية المعاناة التي سيعيشها الشعب اليمني جراء هذا الحصار وانقطاع المرتبات ونحمل المجتمع الدولي الذي يعترف به ويمده بالسلاح ولا يمد المواطنين بلقمة عيشهم.
معركة الطابور الخامس إحدى أهم معارك الحرب الناعمة وجبهة كبرى من جبهات التضليل التي ينبغي أن تقابلها جبهة الوعي وبقدر تضليل أولئك أو وعي هؤلاء تكون الهزيمة ويكون النصر، لأنها معركة وعي بامتياز معركة هدى وضلال، معركة علم وجهل، وبالتالي فالسلاح الفتاك فيها ليس نيراناً ولا صواريخ وإنما يعتمد على نسبة وكمية الوعي من عدمه.
يهدف عضو الطابور الخامس على مستواه الشخصي إلى حيازة المال والحصول عليه ولو على حساب شعب بأكمله قال صلى الله عليه وآله وسلم: »المال يعسوب المنافقين وعلي يعسوب المؤمنين«.
أما الهدف للعدو من تفعيل الطابور الخامس فيقول البروفسور الأمريكي الهدف من الطابور الخامس هو أن ترغم عدوك على تنفيذ إرادتك وليس بسط النفوذ فقط.
ويقول أيضاً: (إذا فعلت خطة الطابور الخامس جيداً فسيستيقظ عدوك ميتاً).
وهو يهدف أيضاً إلى ضرب الروح المعنوية للأمة والشعب المستهدف.
- كما يهدف الطابور الخامس إلى زعزعة الأمن والاستقرار، قال سبحانه: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾.
- ويهدف إلى كسر إرادة الشعب وفصل الشعب عن القيادة.
- كما يهدف إلى بث الروح الانهزامية في أوساط المجتمع وإلى نشر اليأس والإحباط والقبول بالخضوع والاستسلام وتفضيله على الصمود والمواجهة.
فظيعٌ جهـلُ مـا يجـري |
|
وأفظـعُ منـه أن تـدري |
وهل تدريـن يـا صنعـا |
|
مـن المستعمـر السـرّي |
غــزاة لا أشـاهـدهـم |
|
وسيف الغزو في صـدري |
فقـد يأتـون تبغـاً فــي |
|
سجائـر لونهـا يـغـري |
وفـي صدقـات وحـشـي |
|
يؤنسن وجهـه الصخـري |
وفي أهـداب أنثـى فـي |
|
مناديـل الهـوى القهـري |
وفـي ســروال أسـتـاذ |
|
وتحـت عمامـة المقـري |
وفي أقراص منـع الحمـل |
|
وفـي أنبـوبـة الحـبـر |
وفـي حـريـة الغثـيـان |
|
وفـي عبثـيـة العـمـر |
وفي عَود احتـلال الأمـس |
|
فـي تشكيـلـه العصر |
وفـي قنينـة الوسـكـي |
|
وفـي قـارورة العـطـر |
ويستخفـون فـي جلـدي |
|
وينسلـون مـن شعـري |
وفـوق وجوههـم وجهـي |
|
وتحـت خيولهـم ظهـري |
غـزاة اليـوم كالطاعـون |
|
يخفـى وهـو يستشـري |
يحجـر مـولـد الآتــي |
|
يوشي الحاضـر المـزري |
فظيع جهـل مـا يجـري |
|
وأفظـع منـه أن تـدري |
إلى أن قال:
أمير النّفط نحن يداك |
|
نحن أحدّ أنيابك |
ونحن القادة العطشى |
|
إلى فضلات أكوابك |
ومسئولون في (صنعا) |
|
وفرّاشون في بابك |
ومن دمنا على دمنا |
|
تموقع جيش إرهابك |
لقد جئنا نجرّ الشّعب |
|
في أعتاب أعتابك |
ونأتي كلّما تهوى |
|
نمسّح نعل حجابك |
ونستجديك ألقاباً |
|
نتوجها بألقابك |
فمرنا كيفما شاءت |
|
نوايا ليل سردابك |
نعم يا سيّد الأذناب |
|
إنّا خير أذنابك |
فظيع جهل ما يجري |
|
وأفظع منه أن تدري |
وبعد كل هذا هل يمكننا أن ننكر خطورة »الطابور الخامس« وهو موجود قطعاً ومع هذا يأتي البعض ليدافع عن هذه العصابات وكأنه يريد أن يصور لنا الحال وكأننا في كوريا الشمالية التي حشدت عليها الولايات المتحدة وحاصرتها لعشرات السنين وهاهي اليوم وبعد أن أرعدت وأبرقت نراها تتراجع لأنه لا يوجد في كوريا الشمالية »طابور خامس« ولا من يؤيد العدوان على بلدها ولا من »يحدد الإحداثيات« لمكان تخزين السلاح.
إن خطورة هؤلاء أكثر من خطورة المرتزقة الذين في الرياض ولو ذهبوا إلى الرياض لما استطاعو أن يفعلوا ما يفعلونه اليوم وهم بيننا، فالذين في الرياض لا يمكن أن يقتنع بكلامهم أحد لأنهم خونة في نظر الجميع، أمَّا الذين يعيشون بيننا ومعنا ولكن مواقفهم مع المعتدي الخارجي فهذا لا يظهر إلا لمن يمتلك الوعي وقد يتظاهر بأنه ضد العدوان حتى يطمئن السامع إليه ثم ينفث سمومه ويدسها في العسل، وقد يصور نفسه بأنه مع الوطن ويأتي بكلام معسول ثم سرعان ما يهجم على المدافعين بدمائهم وأرواحهم، وصدق الله القائل: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُون﴾ وقد يلجأون إلى الحلف بالأيمان الفاجرة لكي يصدقهم الناس كما قال سبحانه ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾ .
وخطورة هؤلاء تكمن في أنهم ينخرون البيت اليمني من الداخل وكما يقال في المثل: »ما توقز الحبة إلا من داخل« والكل يعرف لو لم يكن مع الغزاة والمستعمرين عملاء من الداخل لما استطاعوا أن يثبتوا شهراً ولا أن يتقدموا شبراً.
وقد حكم الله عليهم بالأحكام المغلظة وتوعدهم بأن يغري رسوله بطردهم من المدينة وقتلهم وبيّن أن هذا سنة قديمة كما قال سبحانه ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً، سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾.
ومما يزيد خطورتهم هو قلة الوعي لدى المجتمع حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان الصحابة رضي الله عنهم مختلفين بشأن الموقف منهم والحكم عليهم والتعامل معهم فبعضهم كان يحملهم على السلامة، والبعض كان ينخدع بكلامهم ﴿ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾، ﴿يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ حتى نزل العتاب والتوبيخ الإلهي مبيناً لهم أنه لا يجوز لهم أن يختلفوا حول هؤلاء المنافقين الضالين وأنه يجب أن يحذروهم ويقاطعوهم قال سبحانه: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلا﴾.