العلامة المجتهد المجاهد محمد بن محمد المطاع شخصية يمنية ارتوت من معدن الحكمة وتشبعت بروح الايمان وتسلحت بقوة الوعي الاصيل وارتشفت من مدرسة الإمام زيد والهادي وارتقت في مراتب الكمال والفضيلة ، واقتحمت ميدان السياسة وواجهت الأقلام الحاقدة على أهل اليمن عموما وعلى أهل البيت خصوصا كان ومايزال ذلك العالم الشجاع وصاحب المواقف المشرفة والمعبرة عن الحق والمستضعفين في وجه الظلمة والمفسدين والمترفين،ستعرفون هذه القامة والهامة أكثر من خلال هذا الحوار الذي تشرفت مجلة الاعتصام باللقاء معه..
السؤال الأول: هلا تكرمتم بنبذه تاريخيه عن حياتكم العلميه ؟
(خلاصة السيرة الذاتية)
الجواب: حياتي بدأتها بالقراءة الأولية في ماكان يسمى ب(المكتب) في قريتي التي ولدت فيها بسنحان، وكانت ولادتي في سنة 1346 هجرية في قريتي دار عمر بوادي الفروات، وهذه القرية تحتضنها مع بقية القرى المجاورة مدينة (ذي جِرَة) الأثرية، وهي لا تبعد عن هجرة دبر التي قصدها الشافعي رحمه الله بقوله:
"لا بد من صنعاء وإن طال السفر *** ونقصد القاضي إلى هجرة دبر " ،
والقاضي العلامة الذي قصده الشافعي هو إبراهيم إسحاق. وبعد دراستي الأولية ساعدت والدي في الزراعه حتى بلغت العشرين من عمري، ثم دخلت دار العلوم ودرست فيها بهمّة ونشاط على مشائخي يرحمهم الله، ومنهم العلامة: العزي البهلولي، والعلامة الصفي البهلولي، والعلامة الجمالي الدبب، والعلامة الفخري الرقيحي، والعلامة العزي محمد فضة، والعلامة العزي ثامر، والعلامة عبدالعزيز إبراهيم، والعلامة العزي محمد إسماعيل العمراني، وغيرهم، وقد انتقلوا إلى رحمة الله ولم يبق منهم إلا العزي العمراني، ثم تَعيّنت متمرسا ثلاث سنوات في الاستئناف ، ثم حاكماً على قضاء الجوف، ثم حاكماً في حُبيش، ثم قمتُ بالمصالحة بين الملكيين والجمهوريين وحرّرتُ وثيقة في نجران وقّع عليها أكثر من سبعين شخصاً من علاة القوم وقدمتها إلى المرحوم أحمد الشامي ليقدمها إلى الملك فيصل رحمه الله، وبعد أنْ تمّت المصالحة دخلت البرلمان، كنت فيه رئيس لجنة تقنين أحكام الشريعة في البرلمان، ثم كنت مقرراً لهيئة تقنين أحكام الشريعة خارج المجلس والذي كان فيها القاضي الحجي، والوالد عبدالقادر بن عبدالله، والقاضي حسين السياغي، والقاضي محمد الصباحي، وغيرهم، وتَعيّنت أيضاً عضواً في المحكمة العليا، وفي كل هذه الفترة كنت أكتب بما أراه نافعاً للأمة وبما يبرئ ذمتي عند الله ، وها أنا قد بلغت من العمر عتيا، وأسال الله أن يكون مصيري مقبولاً عنده، وقد عانيت في هذا التوجه الكثير من المعاناة.
السؤال الثاني : كيف كان الوضع الفكري في اليمن قبل دخول الوهابية إليها؟
الجواب: كان الفكر إصلاحياً ووحدوياً لكل فئات الشعب اليمني ، كان الفكر الزيدي والفكر الشافعي يسيران جنبا إلى جنب بأخوة وانسجام، وكانا مثالين يُحتذا بهما إذ هما شربا من معين صافٍ واحد هو الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع والقياس ، وكان الشعب اليمني كله كما وصفه رسول الإسلام صلى الله عليه وعلى آله يحمل الإيمان والحكمة والفقه ، لا يوجد شئٌ مما يعانيه الشعب اليوم بعد دخول الوهابية.
السؤال الثالث : هلا وضّحتم الصورة الحقيقية للوهابية ؟
الجواب : الوهابية قد كشفها الواقع ، ما دخلت شعباً إلا أفسدته ، وهي مذهب غريب ولا أستطيع أن أقول عنها مذهب، هي فكر غريب ، ولعلكم سمعتم قرار العلماء في الشيشان أخيراً إذْ أخرجوا الوهابية من المذاهب، وأنا أقول: لولا المال السعودي لكانت محصورة في السعودية وفي الدرعيّة بالذات، لكن المال نقلها إلى أقطار العالم الإسلامي والعربي ومنها اليمن؛ إذْ كان بعض المهاجرين البسطاء السذّج هاجروا الى المملكة ووجدوا في البعض منهم أوعيةً صالحةً للوهابية وأغدقوا عليهم المال وألزموهم ببناء مساجد في اليمن لتكون تحت نفوذهم ، وبنوا لهم مراكز ضخمة لا تستطيع على بنائها إلا دولة ، وهنا انتشر المذهب الوهابي لا سيما في إب وتعز وفي الأماكن التي حاولت التقرب من السعودية لأجل المال.
السؤال الرابع : ما جوابكم على من يتهمون علماء الزيدية بالرافضة والمجوس والضلال والوثنية وهل يجوز أن يرمى بهذه التهم أي مسلم؟
الجواب : أقول: عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين من يتهم أُناساً لو أن الدين في الثريا لمدّوا أيديهم إليه، وهم ممّن يصدق عليهم قوله تعالى " والذي يرمون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا" قاتل الله من كان رافضياً، وقاتل الله مرتين من اتهم الزيدية بالرفض، إلا إذا كانوا يعتقدون بأن حب أهل البيت رفضٌ فسوف نملي عليهم الرسالة التي بعثها المرحوم سلطان بن عبدالعزيز وسيعرفون أين موقعهم منها؟ وأين هم مما جاء في هذه الرسالة المنصفة ؟ والحقيقة الناس أعداء ما جهلوا ، ولو درسوا المذهب الزيدي بإنصاف لدخلوا إليه جماعات وأفراداً وتراجعوا عن اتهامهم، إذ هو مذهب منفتح؛ لأنه اغترف من المعين الصافي ورؤوسه علماء عظام ، وزيد بن علي عليه السلام أشهر من نار على علم ، لكن مع الأسف هم متأثرون بمعاوية ويزيد وابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وتركوا مَنْ هُمُ النجوم، من هم الأمان في الأرض؛ وهم آل البيت ، تركوهم حقداً ونصباً وبغضاً، ثكلتهم أمهاتهم هم الخاسرون ، ولو تملي عليهم ماهو نص شرعيٌ في كتب السنة الصحاح التي هم مؤمنون بها «إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسكتم به لنْ تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» إذا أمليت عليهم الحديث هذا تشتق رؤوسهم ويقولون: نحن نريد أن نحكم، ونحن نقول لهم: احكموا لا نعارض بشرط واحد وهو أن تعدلوا بين الناس وأن تخافوا الله ولا تتعصبوا ولا تتعنصروا، أما أنْ تحكموا وتقتلوا الناس كما تفعل السعودية اليوم فإنه لا يجوز قبولكم لا بالعقل ولا بالشرع.
السؤال الخامس : لماذا غُيِّبتْ شخصية الإمام زيد بن علي في الجامعات والمدارس؟
الجواب : أنت لم تسمعهم حين يصلون على الرسول كيف تتلعثم ألسنتهم ، النصب والحقد والتعصب مرض قاتل ، وأنا شخصيا أكره التطرف والغلو والتكفيريين والنصب من أيِّ جهةٍ كانت، إذْ أن الوسطية والدعوة إلى توحيد الأمة هو ما يجب أنْ يكون عليه الناس وبالأخص المدارس والجامعات والمنابر، وقاتل الله من يسعى في تفريق الأمة الإسلامية وهو يعلم أن أعداء الإسلام متربصون وقائمون فوق رؤوسهم ليل نهار.
السؤال السادس : برأيكم من هو الحاكم المؤهل لقيادة الأمة؟
الجواب : وجهة نظري اختيار الحاكم الصالح ، الذي يُصَلّح أن يكون قدوة ذا علم، ونزاهة، وورع، وكفاءة، وعدل، وذا خوفٍ من الله، أما أن يعتلي حاكم قاتل يعبث بأموال المسلمين كما يفعل سلمان اليوم، أو حاكم يخلس الشعب ويذبحه من الوريد إلى الوريد ويريد أنْ يحكم فهذا لا يجوز القبول به، ويجب أن يكون كُلَّ مسؤول في الدولة نزيهاً وكفؤاً ومنصفاً، وهذا لا ينطبق على اليمن فحسب وإنما على العالمين الإسلامي والعربي، وأقولها بوضوح: إن الانهيار الذي أصاب العالمين العربي والإسلامي هو خضوع الشعوب للحكام الفاسدين؛ إذْ هولاء الحكام الفاسدون هم ما تريده أمريكا وتريده إسرائيل ، وحين قرّر اليمنيون أنْ يكون حاكمهم من اختيارهم لا من اختيار أمريكا وإسرائيل قامت الدنيا ولم تقعد، وشُنّ على اليمن حربٌ ضروس لهذا السبب ، والانتخابات وإن كان ظاهرها الرحمة لو أنها تتم بالطريقة السليمة وخالية من الغش ولها شروط في المنتخب كيف يجب أن يكون؛ لكانت خطوة متقدمة ، لكن مع الأسف يدخلها الغش ويدخلها التزوير ويدخلها المال العام لشراء الضمائر فتفسد ويفسد الحكم ويجعل الحاكم المستبد يستولي على الجيش والإعلام والمال تحت سلطته ، وإذا بالشعوب كالأغنام تتبعه، وهنا كما يقول المثل اليمني: " كمل الفليحي " ([1]).
السؤال السابع : لماذا صارت القضية الأولى والمركزية للمسلمين «فلسطين» منسية ؟
الجواب : أما ترى يا ولد خااااالد التهافت على إسرائيل ؟ أما رأيت بعينك وسمعت بأذنك التهافت على إسرائيل؟! أما سمعت «نتن ياهو» وهو يتبجح وينتشي ويقول: إنه لم يشهد في حياته مثلما شهد في هذه الفترة من تأييدٍ لإسرائيل من العرب ؟! وأنت تقول لي يا ولد خالد: لماذا نسيت القضية؟!.. هاهم المهرولون إلى إسرائيل الذين لا خلاق لهم ولا قيم ولا دين سيكونون جنباً إلى جنب معها، وقد تكون أول رصاصة في صدر الفلسطينيين رصاصة عربية، وقد يدنسوا الأقصى بأقدامهم مثل الإسرائيليين سواء بسواء طالما وهم في صفهم .
القضية الفلسطينية لا يحررها إلا رجال عظام رجال كبار ، ولا يحرر الأقصى إلّا من هم في مستوى الإسلام شجاعة ومروءة وأخلاقاً وديانة وقيما وحياء، أما أشباه الرجال فلا تتحدث عنهم يا ولد خالد.
السؤال الثامن : كيف كانت زيارتكم للعلامة فضل الله في لبنان ؟
الجواب : كانت زيارة للتعارف، وناقشنا معه المذهب الزيدي وأثنى على الإمام زيد بن علي عليه السلام ثناء عاطرا ، وتوسع في الثناء عليه ، وناقشنا وحدة اليمن ، وكان مع توحيد اليمن قولا وفعلا ، والرجل عظيم ومخلص ومتواضع ومعتدل ، ما أقربه إلى سيد المقاومة السيد حسن نصر الله الذي له الشكر والاحترام والتقدير -لا مني شخصياً فقط- وإنما من اليمن ومن المجاهدين ومن الجبهات ومن العلماء، وممّن يشبهه في التوجه الولد الحر الثائر المجاهد السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي.
السؤال التاسع : ماهي الأسباب الحقيقية للعدوان السعودي الأمريكي في اليمن من وجهة نظركم؟
الجواب : هذا السؤال يوجه إلى حكام السعودية، أما نحن فقد كانت حربها على اليمن مفاجأة إذْ لم يصدر من اليمن حتى إشارة بالإصبع عليها لكن والله أعلم أنّ الأسباب كثيرة ومصدرها أمريكا وإسرائيل، منها توجه اليمن بقيادة الولد الشاب عبدالملك الحوثي نحو التحرر من التبعية، وأن يكون قرار اليمن يمنياً مائة في المائة، وحكام السعودية الحاليون قد ارتموا في قبضة أمريكا وإسرائيل وهما لم ولن يكونا راضيين عن أي حاكم يخرج من قبضتهما .
أضفْ إلى ذلك أنّ الشعب اليمني شعبٌ مسلح وشجاع، وقد خوّفوا السعودية من هذا الشعب مع أنّ هذا الشعب لم يكنّ للسعودية أي شر لا في الماضي ولا في الحاضر، إذْ أنّ الشعب السعودي صديق وجار، واليمن يعتبر الدرع الواقي للسعودية لكن ما تقول للمدبرين الجفاة الغلاظ البدو؟
السؤال العاشر : ماهو الواجب الشرعي والوطني أمام هذا العدوان الشرس على الشعب اليمني؟
الجواب : الواجب هو التصدي بكل الإمكانيات من كُلٌّ اليمنيين كلٌّ في مجال اختصاصه، المقاتلون الأبطال يتوجهون إلى الجبهات ، وأصحاب المال يدعمونهم بالسلاح و الإمكانيات ، والجيش الذي هو المسؤول الأول عن حماية الوطن وسيادته يتوجه إلى الجبهات ويعرف أن أكثر ميزانية الدولة على مدى الأعوام الماضية والحاضرة في بطنه وأن عليه واجباً أكثر من غيره، وأن الرتب العسكرية والنياشين والأوسمة التي على صدره إنما هي لمثل هذا اليوم، لا أن يعلقها في صدره ويجلس في البيوت حرامٌ عليه حرام، والعدو يقطع الشعب أوصالاً وقطعة قطعة، وعلى المشائخ واجبٌ كبير وعليهم أنْ يحشدوا الأمة ويكونوا في المقدمة، أما مشائخ ينتظرون الاعتماد والعلاوات والسيارات وهم في بيوتهم فحرام عليهم ذلك والشعب يُقتل رجاله ونساءه وأطفاله. فمن لم يتحرك بعد اليوم فمتى سيتحرك؟! وعلى العلماء أن يكونوا في مقدمة الصفوف في التوجيه والإرشاد، وعليهم أنْ يحملوا السلاح أيضاً، والإعلاميون يعتبرون أنفسهم أنهم الجبهة المهمة في الحرب، وبلاش فلسفة وانتقادات وهم مثل العجائز حول الطاولات ، وحتى النساء المجاهدات المؤمنات إذا رأين رجالهن قاعدين يأخذن سلاحهم ويتوجهن إلى الجبهات لمعالجة الجرحى، ويسلمن مفاتيح المطابخ لهم يدخلوا.. يعجنوا.. ويضربوا الحلبة ويغسلوا الصحون بدالهن، هذا ما يجب في هذه الحرب الظالمة لا سيما وقد اشترك فيها اليهود والنصارى والمنافقون والمرتزقة المحليون الذين أثبتوا أنهم أسقط من اليهود والنصارى؛ إذْ هم يحاربون أهلهم في اليمن ويقفون في صف اليهود والنصارى والمنافقين وهذا عيب أسود كما يقال.
السؤال الحادي عشر : ماهي رسالتكم لعلماء السوء الذين شرعنوا للعدوان؟
الجواب : أقول لهم: سوَّد الله وجوهكم، أين هو علمكم؟ تشرّعون لليهود والنصارى والمنافقين لقتل إخوانكم المسلمين المؤمنين الموحدين ؟! ثكلتكم أمهاتكم.
ما أظن إلا أنّ سوء التوفيق قد أحاط بكم وقد أضلكم الله على علم " ومن يضلل الله فلا هادي له " ، " ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور " وإلا ما هي مبرراتكم ؟ أتقولون بلا حياء ولا خجل إن التحالف الذي قتل أطفالكم ونساءكم ونسف الحياة عن بكرة أبيها في اليمن بأن هذا التحالف إسلامي مائة في المائة !! يا سبحان الله !! وأن هذا التحالف هدية من الله لليمن ؟ كيف ستقابلون أرحم الراحمين بدقنكم هذه المطولة؟؟ يا للفضيحة ويا للخزي ويا للعار.
السؤال الثاني عشر : ما رأيكم في صمت العالم تجاه هذا العدوان؟
الجواب : أين هو هذا العالم يا ولد خالد ؟ هذا عالم مادي، عالم مَصْلِحِي يتبع مصلحة نفسه، لا تصدق أن هناك منظمات حقوق الإنسان، وأنّ هناك مجلس أمن ينظر في مشاكل الأمة، ولا جامعة عربية، ولا منظمة العالم الإسلامي، كلهم بعد المادة، وكلهم «قمشتهم» أمريكا وإسرائيل بالمال السعودي ، وجعلت السعودية ومن تحالف معها من العرب مخلب شر، وفي الحقيقة لن يفلت قاتل أو محرض أو مشارك في القتل أو راضٍ من عقاب الله .
التحية والإجلال والإكبار والتعظيم للمقاتلين في الجبهات، وهم الأحق بأنْ يتربعوا على رؤوس اليمنيين ، سائلين الله الشفاء العاجل لجرحاهم ، واللعنة و خيبة الأمل على المتقاعسين عن الجهاد وعن الدعم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ونعم الحكم الله، وهو أحكم الحاكمين.
([1]) أحد الأمثال الشعبية المتداولة باليمن ويضرب به المثل للإشارة إلى اكتمال الشيء وانتهائه.
لتحميل الحوار الكترونيا عليكم ضغط المرفقات