دور المرأة التربوي الـجهادي

نشر بتاريخ: أربعاء, 21/12/2016 - 8:49م

المرآة المؤمنة الصالحة ينعكس إيمانها وصلاحها على من حولها ابتداء من أسرتها وانتقالا إلى أولادها عندما تكون أما وصولاً إلى الأمة الإسلامية كجزء من الجسد المؤمن وركن من أركان الوجود البشري وأثر المرآة في الحياة التربوية وحضورها في مجال تقويم الأجيال وتعديل السلوك لا يخفى على عقلاء الأمة وحكماءها وما تقوم به من تربية صالحة إيمانية للأجيال يقوم مقام الجهاد في سبيل الله ويعدل ثواب المجاهدين كما تؤكد الروايات ويشهد الواقع فعندما أتت امْرَأَةٌ- إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْك ، يَا رَسُولَ اللَّهِ : رَبُّ الرِّجَالِ وَرَبُّ النِّسَاءِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَآدَمُ أَبُو الرِّجَالِ وَأَبُو النِّسَاءِ ، وَحَوَّاء أُمُّ الرِّجَالِ وَأُمُّ النِّسَاءِ ، وَبَعَثَكَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، فَالرِّجَالُ إِذَا خَرَجُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلُوا فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، وَإِذَا خَرَجُوا فَلَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَنَحْنُ نَخْدُمُهُمْ وَنحْبِسُ أَنْفُسَنَا عَلَيْهِمْ ، فَمَاذَا لَنَا مِنَ الْأَجْرِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: ( أَقْرِئِي النِّسَاءَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُولِي لَهُنَّ: إِنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ تَعْدِلُ مَا هُنَالِكَ ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ تَفْعَلُهُ. فالمرأة الصالحة تحفظ زوجها في غيبته وترعى أولاده وتحفظ أسراره وتقوي عزيمته وتشاركه جهاده بالدعاء والتضرع والمناجاة وبتربية الأولاد التربية الصالحة الإيمانية الجهادية التي تحصنهم من التأثر بتلك الثقافات والعقائد التي تحولهم إلى كسالى ومتواكلين وخانعين وقيام المرأة بهذا الدور التربوي لايقل شأنا عن دور المجاهد في سبيل الله وكما قال رسول الله بأن طاعة المرأة للزوج تعدل ذلك.

 . فلكلٍ من الذكر والأنثى دور ومهمة ووظيفة وقد وعد الله كلا من يقوم بدوره ومسؤوليته وعمله الصالح بالحياة المباركة في الدنيا وجزيل الثواب في الأخرى قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)) وقد كُرِم وشُرف الذكر والأنثى بخطاب القرآن لهما وتكليفه لكل واحد منهما بالتكاليف الإلهية التي ترتقي بالجنسين ارتقاء روحيا وفكريا ونفسيا وتجعل منهما طاقة قوية في واقع الأمة بحيث يسهم كل منهما في النهوض بواقع الأمة وتخليصها من تسلط الفراعنة وهيمنة الطغاة وشر المفسدين في الأرض والتحرك في هذا المجال واجب على النساء والرجال انطلاقا من الشعور بالواجب والاستيعاب لجوهر التكليف والخطاب القرآني والتزاما بحقيقة العبودية التي تشد كل واحد منهما لبذل الجهد في تغيير الواقع الذي ترزح تحته الأمة .

فالمرأة الصالحة الموقنة باليوم الآخر تتحرك استجابة لله وحبا له وطلبا لمرضاته وطمعا في الفوز بجنته والنجاة من ناره ويتملك تحركها عمق الإخلاص والعبودية لله حتى يكون سعيها سعيا إيمانيا ينبذ ويرفض حالة الاستعباد لغير الله عزوجل، ومن نماذج النساء الصالحات اللاتي سجلن حضورا بارزا في صفحات السيرة والتاريخ وسطرن أروع مواقف البطولة والتربية والجهاد السيدة آسيا زوجة فرعون الطاغية التي آمنت بالله وقدرته وعظيم ملكوته، فأيقنت بعجز ومحدودية وضعف أكبر طاغية على وجه الأرض فرعون، الذي  استخف قومه فادعى الربوبية واستعبد قومه لنفسه وأحكم قبضته على كل جوانب حياتهم فاستذلهم واسترذلهم بجنده وبصلفه وتجبره وطغيانه فما كان من آسيا إلا أن تحركت وواجهت فرعون وكان أملها وهدفها وغاية مقصدها ومنتهى املها أن قالت : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) [التحريم : 11] فبهذا الموقف وبهذا التحرك أعلنت آسيا لفرعون وقومه هوانه وذله ، فزلزلت أركان عرشه ووضعت أمام قومه حقائق واضحة لماهية وغاية موقفها وتحركها وثباتها وصمودها في وجه فرعون المتأله على ربها رب العالمين فسطر الله تعالى موقفها الجهادي وجعلها مضربا للمثل والقدوة للمؤمنين والمؤمنات في كل القرون حتى يرث الله الأرض ومن عليها كقامة تربوية ومنارة جهادية

وفي الرسالة الخاتمة كانت أم المؤمنين خديجة عليها السلام من منطلق التعبد والتقرب إلى الله قد بذلت نفسها وكل مالها بذلاً عملياً وواقعياً لإحقاق الحق وإقامة العدل وإزهاق الباطل وإعلاء كلمة الله وتبليغ رسالة الإسلام.

وبمثل موقف وتضحيات ودور خديجة عليها السلام نشأت بضعة رسول الله فاطمة عليها السلام، ونشأت عقيلة بني هاشم زينب عليها السلام التي تشبعت وارتوت بأخلاق أهل البيت وحملة روحية الإمام علي والزهراء والحسن والحسين  وجسدت قيم آل بيت النبوة وانطلقت في سبيل الله مجابهة فجور وفسق وطغيان يزيد وعلمت العالم مبادئ وقيم وأهداف وعدالة ثورة الإمام الحسين عليه السلام ضد الظلم والطغيان والطغاة المتلبسين باسم الإسلام محركة في الأمة الإسلامية عزيمة وصموداً لاجتثاث قوى الضلال والإضلال والفساد والإفساد.

فقد صنعت عليها السلام من الأوجاع والمآساة نصراً وعزة وقوة إذ كان موقفها وصمودها وثباتها ومواجهتها ومقاومتها على الرغم من كل آلامها وأوجاعها وأحزانها دليلاً على معرفتها العميقة بالله عزوجل وإيمانها الراسخ به وعزتها المستمدة منه عزوجل ومن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كشفت حقيقة يزيد وصرخت في وجهه وشهدت على جرائمه وأسمعت الأمة مظلومية أهل البيت وما لاقوه فرعون عصره يزيد بن معاوية جرائم وما ارتكب من آثام عظام أراد من خلالها اجتثاث شأفة الإسلام باجتثاث أولياء الله وأعلام هداه، وقد حفظت وأوضحت لكل الأجيال جيلاً بعد جيل ثورة الإمام الحسين كمشروع إيماني نهضوي لإصلاح الأمة.

إن المرأة المؤمنة المربية الصابرة المجاهدة بوعيها، بإيمانها من أهم الركائز الأساسية في إذكاء الثورات الإيمانية وفي استلهام الدروس والعبر، بل كانت هي العنصر الأهم الذي يبني الأوطان ويصنع المجاهدين الصناديد ويعلي كلمة الله وينصر دينه ويشكل عامل قلق واضطراب وخلخلة للظالمين.

ومن هذه الثورات الإيمانية التي كان للمرأة دورها الجهادي التربوي ثورة الإمام زيد التي كانت المرأة المؤمنة حاضرة بقوة حاملة لقيم ومبادئ وأهداف وأسس ومنطلقات الثورة والثائرين دعمة وباذلة ومضحية فقد عرفت ثورة الإمام نماذج من النساء المؤمنات اللائي تحملن المسئولية ونهضن بها؛ حيث بذلن ثمناً باهضاً من أرواحهن.. وتعرضن لأسوأ أنواع التعذيب والتنكيل وقضين من شدة التعذيب والتنكيل.

واليوم ونحن في هذه المرحلة الخطيرة جداً على أمة الإسلام وعلى الإسلام نفسه نجد نساء أهل اليمن المؤمنات الصابرات المجاهدات في مقام العبودية لله الواحد القهار والمتعلقات بدينه يقدمن فلذات أكبادهن وقرة أعينهن قرابين من أجل المستضعفين نجدهن كذلك يتحركن لمواجهة عدوان تحالف الشر أمريكا وإسرائيل وأدواتهما سعيا للقضاء على الفساد الثاني لبني إسرائيل بكل وعي ومسئولية وثبات وقوة ارتباط بالله عزوجل ويقين مطلق وثقة عميقة بنصر الله عزوجل، لقد بذلن في سبيل الله عزوجل المال وفلذات الأكباد واحداً تلو الآخر، وما كان منهن بعد استشهاد فلذات أكبادهن إلا حالة الفرح والحزن، فالفرح والاستبشار والشكر لله عزوجل أن اصطفى أبناءهن بالشهادة، والحزن لما يعتقدن من تقصير فيما يبذلن من مواقف إيمانية عملية للقضاء على فساد الملوك المترفين من آل سعود ومكر بني صهيون، مقاومات لطواغيت وفراعنة هذا العصر، مؤديات بذلك لواجبات واستحقاقات بنود بيعة العقبة الثانية بقوة إيمان ويقين مطلق بالله عزوجل، وحمل لأسس ومنطلقات ثورات أئمة آل البيت عليهم السلام ضد الطغيان والطغاة وضد نكوص أمة الإسلام على أعقابها، كل ذلك استجابة لقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾[التوبة:71].