محمدٌ (ص) رحيق النبوة وخلاصة الاصطفاء

نشر بتاريخ: أحد, 11/12/2016 - 7:06م

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم).... صدق الله  العظيم.

في شهر ربيع الأول من كل عام يحتفل المسلمون بميلاد النبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله، خاتمِ النبين والمرسلين والمبعوث رحمةً للعالمين، اللهم فصل على الدليل إليك في الليل الأليل، والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول ، والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل، والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول، وعلى آله الطيبين الأخيار.

وهذا الميلاد هو بداية عهد النور للعقول، وعهد الحرية والكرامة للمستضعفين، وأفول عهد الجهل والتضليل، ونهاية عبادة الأصنام من الأحجار والعجول.

والله بميلاد وبعثة هذا النبي الكريم الأكرم ليعز به الدين على فترةٍ من الرسل، وليخرج الناس من ظلم الجهالات إلى نور العلم وكمال الهدايات، ويختم به رسالته، ويتم به نعمته، ويقيم به الحجة على خلقه.

اختار اللهُ محمدًا صلوات الله عليه وآله هادياً للناس ورسولاً لهم وأصطفاه بحكمته وعنايته، لما كان يحمل هذا المختار من قلبٍ رحيم ونفس زاكية وهمةٍ عالية، وهذا الاختيار لم يكن عشوائياً أو خاضعًا للصدف؛ بل على علم وحكمة، وكذا اختيار الأنبياء والمرسلين من قبله، فاستخلص من أنبيائه صفوةً ذكرهم في القرآن وأستخلص أولي العزم منهم (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب﴾.

واصطفى الله سبحانه وتعالى منهم محمدًا خاتم النبيين وتمام عدة المرسلين، وهو بهذا يعتبر صلوات الله عليه وآله رحيق النبوة؛ وكما ورد عن النبي صلوات الله عليه وآله:" إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فأنا خيار من خيار من خيار." وقال الله تعالى (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ).

وورد عنه أيضًا أنه قال : "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وأول من يدخل الجنة."

لذلك فإن رسول الله يعتبر أيضًا خلاصة الاصطفاء والاجتباء..

قال تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم).

ولما كانت هذه الفترة وهذه الأمة هي الأخيرة وسيكون فيها من الأحداث الجسام والمنعطفات الخطيرة من ظلم وجور واستبدادٍ وعبث وزيف وتحريف اختار الله لهذه المهمة العظيمة رسولاً بهذه المواصفات ثائرًا على عتاة الظلم والمتجبرين والمستبدين ودعاة الجهل والمضلين، فأزاح اللهُ به الظلمات، من عبادة الأوثان وقطيعة الأرحام، وهدم أسس الجهالة وأرسى مبدأ العدالة والمساواة بين عباد الله وقرر معيار التفاضل الذي أتى به الوحي الذي هو التقوى؛ ومطبقاً لتعاليم الله وتوجيهاته في كتابه.. حرفًا بحرف وكلمةً بكلمةً وآيةً بآية.. متقدمًا في جميع ميادين الجهاد والبناء بما أمره الله في كتابه، بلا ضعفٍ ولا توانٍ، ولهذه المبادئ السامية والقيم الربانية، ليس لإقامتها إلا من اختاره الله واصطفاه وأحبه واجتباه.

ولدتَ مبرءًا من كل عيبٍ      كأنك قد ولدتَ كما تشاءُ

المولود مطهرًا من رب العالمين وعلى فطرة الله التي حافظ على نقائها وزكائها حتى بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.. ـ  ولم يلد كما يقول البعض وفي قلبه علقة سوداء أو حظ الشيطان ـ وليست هذه إلا ترهات وتعد إساءةً إلى شخص رسول الله صلوات الله عليه وآله..

وفي دعاء أمير المؤمنين علي عليه السلام في صلاته على رسول الله صلوات الله عليه وآله، ما يدل على عظيم معرفته الكاملة به :

فقال عليه السلام " اللهم داحي المدحوات وداعم المسموكات وجابل القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها ؛ اجعل شرائفَ صلواتك ونواميَ بركاتك، ورأفة تحننك على عبدك ورسولك الخاتم لماسبق والفاتح لما انغلق والمعلن الحق بالحق والدافع لجيشات الأباطيل والدامغ لصولات الأضاليل؛ كما حمل فاضطلع قائمًا بأمرك مستوفزًا في مرضاتك، غير ناكلٍ عن قدم ولا واهٍ في عزمِ، فهو أمينك المأمون وخازن علمك المخزون وبعيثك بالحق وشهيدك على الخلق.

الدلالات: