الحلقة الثانية من موضوع (الصلاة ذكر الله الأكبر ) الحديث عن مقدمات الصلاة والأجواء التي على المؤمن أن يعيشها وهو يستعد للقاء ربه والوقوف بين يديه وسنستعرض في هذه الحلقة موضوع (الوضــوء) أو بعض منه...
يتجه العبد بعد سماعه للنداء الإلهي (الأذان) الذي أعلن دخول وقت الصلاة إلى الوضوء الخطوة التالية وهو في طريقه للقاء ربه ( إلى الوضوء)،
تلك العبادة التي تعد أعظم عناوين الطهارة التي أمر بها الحق جل وعلا عباده المؤمنين وجعلها مرتبطة بحياتهم في أوقات مختلفة من ليلهم ونهارهم، وأراد لهم بفضله وكرمه أن يصلوا من خلالها إلى مقام التحقق بها قبل أن يتشرفوا بلقائه والوقوف بين يديه والثناء عليه وهم على عتبات ساحة قدسه.
تلك الطهارة التي ارتبطت بكل ما هو عظيم عند الله جلّ و علا حيث اختص بها كلامه وبيته الحرام وأنبياءه وملائكته وأصفياءه.. والتي سبق وأن أفردنا لها فصلاً خاصاً في كتاب ( الصلاة ذكرالله الأكبر) حاولنا من خلاله الوصول إلى كنهها وجوهرها وتناولنا فيه معانيها المتعددة ودلالاتها المختلفة وتساءلنا عن سر ومعنى الطهارة التي اختص بها عباده في الوضوء وأراد لهم الوصول إليها حتى جعلها من مقدمات الصلاة وشرطاً من شروط قبولها وصحتها.
ولقد حان الوقت لنعيش نحن العبيد أجواء الوضوء ومقاماته العبادية بكل معاني الطهارة التي يتضمنها أو ارتبطت به، ونعمل على استكشاف بعض أسراره الإلهية والربانيةومعانيه السماوية ونحن في طريقنا نحو ذكر الله الأكبر.
***
فمن الوضاءة (الحسن والجمال) جاء الوضوء ومنها جاء المعنى الحسي الذي يضفي على أعضاء الوضوء ذلك البهاء النوراني وذلك النور القدسي الذي يتلألأ ويتجلى في وجه المتوضئ ضياء يلتفت إليه كل من نظر إليه و رآه.
ومن الطهارة التي أراد الحق جل وعلا أن نتحلى بها ونصل إلى أرقى منازلها ودرجاتها جاءت الوضاءة في ظاهرها الصوري المادي الذي لا نعرف عنه إلا القليل، أما مظاهرها وآثارها الباطنية التي تنفذ إلى جوهر الإنسان ومعدنه في كل صورها المعنوية فإن الحديث عنها متروك لأهلها الذين سعوا في تطهير أنفسهم قبل لقاء ربهم وتذوقوا حقيقتها بما استودع الله فيها من أسراره ٠٠
أما نحن ولكي لا نحرم من إدراك بعض أسرار الوضوء فسنمضي في خطوات التأمل فيه كعادتنا خطوة خطوة، وسنحاول استكشاف تفاصيل معاني الطهارة فيه ونعمل على إدراك بعض أسرارهاالإلهية ودلالاتها الربانية.
وقبل ذلك سوف نضع مجموعة من الأسئلة التي نأمل أن تكون هادية لنا ونحن نحاول سبر أغوار هذه العبادة الإلهية وُمعينة لنا على إبراز معانيها التي طالما غابت عنا ولم نلتفت إليها أو نتوجه بأنظارنا نحوها والتي قد لا تخطر على بالنا ونحن نؤدي هذه الفريضة (الوضوء) كل يوم خمس مرات، وهي العبادة العملية التي تشغل جزءاً من أوقاتنا وتتطلب الحركة والعمل ونقوم فيها بغسل مجموعة من الأعضاء المحددة باستخدام الماء المحدد وبطريقة معينة وبترتيب لا يتغير، وبقصد الاستعداد والتطهر والتهيؤ لمقابلة الحق جل وعلا امتثالاً لأمره.
****
ومع ذلك لا نسأل ونحن في حالة الوضوء المتكرر لماذا جعل الله الماء (هذا المخلوق القدسي) أداة التطهر؟ وكيف يقوم بذلك؟ وما علاقة التطهر به من النجاسات (غسل الفرجين) حتى جعل الحق جل وعلا في كتابه الكريم منزلة ودرجة من يتطهر بالحجارة ويتبعها بالتطهر بالماء في دائرة محبته وفي منزلة من يحب (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
ثم لماذا غسل الوجه في الوضوء؟ وهل من دلالة ومعنى لذلك الاختيار؟ ولماذا هو في المقدمة؟ وما الحكمة من غسل اليدين إلى المرفقين بعد الوجه؟ ثم مسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين؟
ولماذا هذه الأعضاء من جسم الإنسان بالتحديد الداخلة في هذه العبادة؟ وما رمزية اختيارها؟ وهل لها علاقة مباشرة بالثناء على الله؟ وهل لها علاقة بأعمال الإنسان ودوره في الدنيا وأعمال الخير والشر فيها؟ وما علاقة الحواس الخمس التي هي جزء من أعضاء الوضوء والتي يتلقى الإنسان عن طريقها المعرفة والعلم وتعتبر أساس إيمانه وعمله معاً بالوضوء؟
وهل لتلك الأعضاء أهمية ودور في أعمال وأفعال الصلاة وأذكارها؟ ولماذا تلك الأعضاء هي التي ستشهد يوم القيامة على الإنسان وتنطق بأفعاله وأقواله؟ وهي في نفس الوقت التي تتساقط منها الذنوب عند غسلها مع كل قطرة ماء تنزل منها؟ وكيف يتم تطهير باطن الإنسان مع تطهير جوارحه؟
ولماذا كان للوضوء تلك الهيبة والمنزلة عند سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسن عليه السلام؟ ويضع له تلك المكانة قبل مقابلته للعلي العظيم والوفود عليه؟
وأخيراً هل مراد الحق جل وعلا من الوضوء تهيئة عبده وتطهير باطنه وظاهره حتى يكون أهلاً للوقوف بين يديه ومناجاته وتسبيحه والركوع له والسجود في حضرته؟ وكيف ننظر نحن إليه؟
مـع المعنـى الإلهــي
في البداية لابد وأن يستحضر المتوجه للثناء على خالقه ومالك أمره معنى الطهارة بمفهومها الإلهي التي سوف يدخل رحابها من بوابة الوضوء، ويعلم في قرارة نفسه أن الحق جل وعلا قد اختص بالطهارة كل ما هو عظيم عنده من كلامه جل وعلا إلى بيته الحرام إلى أنبيائه وملائكته وخاتم رسله وأهل بيته وأصفيائه..
وأن الوضوء بكيفيته المشروعة المحددة هو الذي يدخله في عموم وعداد من طهرهم الله بإرادته ويجعله مهيئاً لمخاطبته ومناجاته والثناء عليه والوقوف بين يديه، وأنه بعد الدخول في دائرة الطهارة والمتحققين بها قد أصبح على عتبات الولوج إلى ساحة قدسه وعلى وشك الاصطفاف مع بقية خلقه والاندماج معهم في حلقات التسبيح والحمد الكوني الذي تعيشه السماوات ومن فيها والأرض ومن عليها..
وأن كل خطوة من خطوات الوضوء هي أعلى درجات الامتثال والعبودية ومظهر من مظاهر العبادة والتذلل، ومنزلة من منازل الصفاء والترقي والإحسان.. ونقلة في سماء الحسن والجمال الإلهيين.
وأن الوضوء هو التقاء بين أكرم مخلوق في الوجود تجلت فيه الحياة وإبداع صنع الخالق وبين أقدس مخلوق جعله الله أصل الحياة وأداة التطهر فيها، وبالتقائهما في الوضوء يتطهر الإنسان ويتكرم الماء في عملية مشتركة دعا إليها الحق جل وعلا وأمر بها.
****
يبدأ الوضوء بأخذ المسلم غرفات من الماء يغسل بها يديه ثلاث مرات بعد أن ينوي بقلبه ودون أن يتلفظ بلسانه فيقول: « اللهم إني نويت بوضوئي هذا لما شئت به من الصلاة»، أو يحدد صلاة محددة بعينها، وهو بهذه الكلمات التي ينطق بها قلبه وتصدقها جميع جوارحه يحدد الغاية والهدف من الوضوء بكيفيته المشروعة ليدخل بعدها في هذه العبادة العملية وهو على إدراك تام لماذا يقوم بغسل تلك الأعضاء من جسده بذلك الماء الطاهر.
ويتبع تلك النية بقوله بلسانه: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم» مع أول غرفة من الماء يغسل بها يديه.
هذه الألفاظ التي تخرج من فمه تنقل المتوضئ إلى حالة الاستعاذة بالله السميع العليم وهو في أول مراحل الوضوء وخطواته ليعلن من خلالها انحيازه لخالقه ولجوءه إليه واستمداد العون منه في كل لحظات وضوئه الذي هو قادم عليه، من الشيطان الرجيم رمز الخروج على الله، الملعون بخروجه، وليؤكد في نفس اللحظة أنه يبدأ وضوءه ببسم الله الرحمن الرحيم.
الوجــــه
لاشك أن وراء الاختيار الإلهي من رب العالمين لأعضاء الوضوء حكماً وأسراراً لا يمكن الإحاطة بها أو الوصول إلى كنهها، وأن المنافع الظاهرة والباطنة التي لا يحدها زمن أو تحجزها مادة هي أيضاً لا تحصى ولا يمكننا إدراكها، وعندما نقف مع أول أعضاء الوضوء وهو الوجه (الجارحة) الذي يتم تعريفه بأنه «الجزء من الحيوان الذي فيه الفم والأنف والعينان»، ويقال عنه بأنه أشرف أجزاء الإنسان وأرفعها منزلة من جميع الجوانب التي يمكن ذكرها ومقارنتها مع باقي تلك الأجزاء، ولا غرابة أن يكون اسمه قد جاء من وجه ووجيه (أي ذا شرف ومنزلة)، وحمل معنى الجهة والوجهة التي يُتوجه إليها ومن التوجيه «الأمر الصادر»، ومعاني لغوية عديدة سوف نحاول ذكرها والإشارة إليها.
ويكفي أن نعرف أن أول أعضاء الوضوء الذي أمرنا الله بغسله وتطهيره بالماء هو أجمل ما في الإنسان بل به يدرك الجمال وعلى أساسه يقاس وفيه يظهر جلال التكوين وإبداع الخالق وحسن التقويم، ومن أجزائه وفيه الفم والأنف والعينان أهم مصادر جماله وجمال الإنسان التي إليها ينسب الحسن والجمال وبها يذكر ويتغنى.. وأن تطهيره والأمر بغسله هو تأكيد على استمرار تشريف الخلق الرباني له في المنزلة والإبداع والمكانة ودليل على استمرار الحمد والاعتراف من المخلوق لربه على اختصاصه بنعمة الجمال والحسن الإلهيين.
وأن الوجه في إحدى دلالاته اللغوية يدل على ذات الإنسان ويعبر عنه ويرمز إليه فقد قال تعالى في سورة البقرة (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ) [البقرة:112]، والاستسلام والامتثال والانقياد يكون من ذات الإنسان وليس من جارحته (الوجه)، وهناك آيات عديدة تعبر عن ذات الإنسان بوجهه، وكأن الحق جل وعلا بأمره لنا بغسل الوجه يرمز إلى غسل كل أجزاء الجسم الظاهرة والباطنة عن طريق غسل هذا الجزء الذي تظهر فيه وتجتمع كل مميزات وخصائص الإنسان بجسده وروحه وعقله وقلبه.
كما أن الوجه يعني في إحدى دلالاته اللغوية الأخرى (الحقيقة)، وأن تطهير الوجه وغسله هو تطهير لحقيقة الإنسان، ولما يحمله من معانيها وكنهها الإيماني والعقائدي والأخلاقي، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا) [المائدة:108] أي على حقيقتها.
تلك الحقيقة التي يصل إليها العقل والقلب وتظهر في كثير من الأحيان في صفحات الوجه وتعابيره وفي أفعاله وأقواله، ألم يقل الحق تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) [البقرة:144]، كناية عن التفكر والحيرة التي مردها القلب والعقل، وقال في آية أخرى: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً) [الأنعام:79]، أي مخلصاً، والإخلاص محله القلب، وقال تعالى: (وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ) [طه:111]، أي استسلمت وخضعت، وحقيقة الاستسلام والخضوع في القلب، وقال تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران: 20].
وهكذا فنحن نعرف أن ما يكنه القلب من معانٍ وقيم ومشاعر وإيمان لا تظهر ولا يتم التعبير عنها إلا من خلال الوجه الذي تبدو فيه معاني الحب والرحمة والشفقة ونقيضها من معاني الكراهية والحقد والبغضاء، وفيه تظهر سمات الإيمان ونور الحسنة والرضا والاطمئنان والإخلاص وعلى صفحاته يظهر الكبر والغرور والصلف والسخرية والازدراء والاحتقار وكذا الذلة والخضوع والمسكنة، وفي الوجه ذاته تظهر معاني الأوبة والتوبة والإنابة والندامة والخشوع والاعتذار.. الخ.
وكل هذه المعاني والأفكار والقيم أصلها ومحلها ومصدرها قلب الإنسان الغائب خلف صدره، ولا يتم التعبير عنها كما أسلفنا في أي جارحة من جوارح الإنسان أو في جزء من أجزاء جسمه إلا في الوجه، وكأن الوجه هو مرآة القلب وشاشته وصدى مشاعره وتقلبات أحواله والمعبر الحقيقي عن أوضاعه المختلفة وأعماله ووظائفه واختصاصاته، وأمر الحق جل وعلا لنا بغسل الوجه وتطهيره كل يوم خمس مرات قبل الوقوف بين يديه ومقابلته والثناء عليه هو غسل للقلب بكل ما يحمله من معاني وحقائق وتطهيرٌ له ولما نتج عليه من أوقات الليل والنهار المختلفة وما بين كل صلاة وصلاة.
****
ومن خصائص الوجه أول أعضاء الوضوء التي يمكن الإشارة إليها إضافة لما سبق اجتماع مجموعة من الحواس فيه، وهي (اللسان والأنف والعينان) المسئولة عن علوم الإنسان ومعارفه، والتي على أساس تلك المعرفة تتشكل كثير من أعماله وأفعاله وممارساته، ويكفي أن نشير إليها بإيجاز:
فاللسان بما وضع الله فيه من حلمات التذوق هو الذي به وبواسطته يتنعم الإنسان بنعمة الذوق والاستمتاع بالأطعمة وعن طريقه يدخل إلى جوف الإنسان كل لقمة أو شربة من حلال أو حرام، ويعرف به الطيب منها واللذيذ من الفاسد والخبيث، وبهذا اللسان ينطق ويتميز عن بقية الحيوانات ويعبر عن ما يكن ويشعر به ويؤمن، وبهذا اللسان يشهد لله بالوحدانية ويسبح له ويحمده ويستغفره، وبه أيضاً يكذب ويكفر وينم ويغتاب ويلعن ويسب وينافق، ويشهد بالزور ويداهن، وينتهك أعراض المؤمنين ويفشي أسرارهم ويؤلب عليهم..
في حين أن الأنف هو المسئول عن نقل معارف الإنسان وعلومه المتصلة بالروائح على اختلاف أنواعها وتشتت مصادرها ويمتلك القدرة على التمييز بينها وبواسطته يستمتع الإنسان بجمال الروائح والعطور ويسعد ويتلذذ بروائح الأطعمة بجميع أصنافها وعن طريقه يعرف الإنسان خصائص كثير من الأشياء عبر روائحها، وعن طريقه يدخل الهواء النقي إلى جسمه الذي يعد أساس حياته ومصدر طاقته.
بينما العينان تشكلان أهم الحواس بعد السمع في مصدر المعلومات والمعارف فبهما يرى كل شيء في الوجود ويعرف بهما أشكال الأشياء وألوانها وهيئاتها ومظاهر جمالها وآثار منافعها وطرق حياتها وكل ما يتصل بها، وفي العينين يتركز جمال الوجه وجاذبيته ودرجة حسنه وبهما يعرف ذمامته وقبحه، وفيهما يتضح نباهة الإنسان ودرجة ذكائه ومدى غبائه وبلادته وصدقه وكذبه، وعن طريقهما يعرف الإنسان جمال الخالق في إبداع خلقه ويرى انتشار آياته في سمائه وأرضه ويعرف خالقه من حكيم صنعه ودقة خلقه وتدبير مكونات الوجود مع شدة اختلافها وتباين خصائصها.
وقبل أن نختم الحديث عن الوجه -الذي لم نكن نتوقع التوسع في خصائصه إلى هذا الحد- لابد وأن نشير باختصار شديد إلى بعض المعاني التي لم نتناولها أو نذكرها، وأولها مكانة وأهمية الوجه في الصلاة ودوره فيها، حيث نجد أن الوجه في هذه العبادة الإلهية العظيمة والذكر الأكبر هو أساس الذكر والأفعال فيها، فبه نقف ونتوجه ونقابل المولى عز وجل، وبه نخاطبه ونناجيه وبه نركع له ونسجد بين يديه بل إن تأملنا هو أساس الركوع والسجود وإليه ينسب.
****
وإن الوجه الذي له كل تلك الأهمية في قوام الإنسان وخلقه وله ذلك الدور في الصلاة هو نفسه الذي يحدد مصيره في الآخرة يقول الحق تعالى في كتابه الكريم: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وَجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [آل عمران:106،107]، وقال تعالى: (وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ، ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ، تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ، أَوْلَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ) [عبس:38-42].
وإن الحواس فيه المسئولة عن كثير من معارف الإنسان وأعماله سوف تشهد على كل أعماله الدنيوية في الآخرة بما فيها الأعمال التي كانت مسئولة عنها وجاءت عن طريقها يوم تشهد عليهم ألسنتهم.. وأعينهم.. الخ.
وكل ما ذكرناه من معانٍ في الصفحات الماضية عن الوجه القصد منها إدراك الحكمة الإلهية من وراء تطهيره وغسله وجعله في مقدمة أعضاء الوضوء لعلنا نستشعر ونستحضر بعضها فتدخل الهيبة والوجل إلى نفوسنا وقلوبنا ونحن نقوم بغسله وتطهيره ثلاث مرات في كل وضوء ومع كل صلاة.