هنا تبدأ الحكاية مع خلق الإنسان واستخلافه في هذه الأرض والحكمة للخالق جل شأنه في ذلك حينما دار هذا الحوار بين الخالق سبحانه وبين ملائكته: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
لقد نظرت الملائكة إلى هذا المخلوق الجديد المرشح لعمارة الأرض وخلافتها بشيء من الشك والريبة في استطاعته القيام بهذا الدور والتعجب من ماهية الحكمة في خلقه مع أن تكوينه وخصائصه مزيج من الطبائع والاتجاهات والمشاعر والشهوات والقوى العقلانية فرأت أن الإنسان مرتبة وسطى بين الحيوانية والملائكية فبسبب الشهوات والميولات المادية كان ميله إلى طابع الحيوانية وبسبب ما وهبه الله من العقل التمييز بين الحسن والقبيح يرتقي إلى مراتب العلياء بالاتصاف بصفات الكمال ومحاسن الخلال.
ولأن الحكمة اقتضت أن يترك للإنسان حرية الاختيار في سلوك أي الطريقين وتنمية أي الجانبين فقد كان المتوقع والطبيعي أن يكون هنالك من يستجيب لداعي الشهوة والرغبات النفسية فينحدر من مفهوم الإنسانية إلى طبقة الحيوانية والوحشية بل قد ينحدر إلى ما هو أدنى منها: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سبيلا}
وكان من الطبيعي أنه سينتج عن ذلك ظلم بعض البشر لبعض وتعدي القوي على الضعيف والعلو والاستكبار والاستبداد فيحصل الفساد في الأرض وسفك الدماء ونهب الأموال والتعدي على الأعراض والحقوق وهذا ما أدركته الملائكة وتساءلت عن الحكمة في استخلاف الإنسان على هذه الأرض مع كل هذا.
ولكن الخالق جل جلاله كان يعلم من الحكمة الكبيرة في خلق الإنسان حتى وإن كان بهذه التركيبة ما لا تعلمه الملائكة فقال سبحانه لهم: (إني اعلم ما لا تعلمون)
ألا وهي تكريم هذا المخلوق ورفع مكانته كما أخبر عن ذلك خالقه جل شأنه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}
بداية بإحسان خلقه وتركيبه:
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}
ثم بما خلق من أجله وسخره له من كل ما في هذا الكون على عظمه واتساعه
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
وهذا التكريم لا يتم ولا يكتمل إلا بما يهبه الله من الهدى والنور والعلم والمعرفة والقيم والأخلاق التي بها يرتفع الإنسان إلى أعلى المراتب والدرجات
و لهذه الغاية و هذه النتيجة التي أرادها للإنسان وهي التكريم و الرفعة و بما أن الله هو خالقه هو الأعلم بتركيبته و بما يحتاجه من مقومات التكريم والسعادة و الاستقرار و الأمن و الرخاء و الرقي في مسيرته اللامتناهية في حياته منذ استخلافه في الأرض وإلى الأبد.
لذلك كله أتم الله نعمته على هذا الإنسان وأوصل إليه الهدى الذي يوصله إلى المكانة التي خلق من أجلها.
و قد و ضح الخالق جل وعلا الغاية والحكمة العظيمة من خلق الإنسان و أنه لغرض رفعته و تكريمه حتى يصل إلى أعلى مراتب الكمال و بما قد يفوق درجة الملائكة أنفسهم و للإشارة إلى هذه الحالة كان من الله أن وجه أمره لملائكته الكرام بالسجود لآدم أبي البشر لما استودعه بعض هذا الهدى والعلم والمعرفة منبها لملائكته الكرام الذين اعترضوا في بداية الأمر على خلق هذا المخلوق الذي يتقبل بخلقه و تكوينه الانحراف والفساد ليعلمهم الله و يعلم هذا الإنسان انه في حال استوعب هدي الله و ما يعلمه من التعاليم فإنه سيرتقي إلى أن يفوق مقام و منزلة ملائكته المقربين بل و يصل إلى درجة أن يكون أهلا ليأمر ملائكته بالسجود والخضوع والتواضع لهذا المخلوق الغريب: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فاعلن الملائكة عجزهم عن معرفة ما اختص الله به هذا المخلوق الجديد: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
فأمر الله آدم عليه السلام أن يعلمهم بعض ما تعلمه من خالقه جل شأنه ليعرفوا قيمة هذا المخلوق الذي استنكروا خلقه وإيجاده : {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} ثم كان منه سبحانه الأمر المباشر لملائكته بعد تجلي عظمة هذا المخلوق و الحكمة الإلهية في استخلافه على الأرض و هي تكريمه و رفع مقامه لدرجة أن يأمر ملائكته الكرام بالسجود له:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} و قد بدأت نبوءة الملائكة تتحقق في ميل الإنسان إلى الشهوات و خروجه عن المنهج الحق من أول وهلة بدأ الإنسان مهمته و مسيرته الكونية فقام أبو البشر آدم عليه السلام بمخالفة الأمر الإلهي الصريح و أكل من الشجرة التي نهاه خالقه جل وعلى عن أكلها: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}
فاستجاب آدم وحواء لرغبتهما في استطلاع المجهول واغترا بما زينه لهما عدوهما الشيطان الرجيم وصدقا قسمه تأويله لسبب نهي الله لهما عن الأكل من الشجرة {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}
و قد أراد إبليس اللعين أن يبدي لآدم و زوجه ما هما عليه في طبعهما و تركيبهما من عدم الاستقامة على طريق الحق و إظهار الجانب الحيواني في خلقة هذا الإنسان: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}ولكن الخالق جل شأنه الذي أراد تكريم هذا الإنسان أراد أن يستر الجانب السيئ الذي أراد الشيطان إظهاره وإبرازه في هذا الكائن فقال سبحانه {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}
وأخبرهم أنه قد أنزل لهم من الهدى والنور ما يستر الجانب السيئ ويضفي عليهم الهيبة والعظمة وهو لباس التقوى كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}
فكان لابد لهذا المخلوق المتقلب المزاج و الحالات والمختلف التفكير والرغبات مما ينظم له سلوكه و يهذب دواعي الشهوة و الرغبات النفسية لديه ويوجهها لتكون سببا في رفعته و تكريمه و سعادته و تعايش أبنائه و توجيه هذه الميولات التوجيه السليم الذي أراد الله لها حين خلقها في الإنسان فتكون سببا لرفعته و لإسعاده و إسعاد غيره من أبناء جلدته {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
فكان لا بد على مقتضى الحكمة وداعي الرحمة بهذا الإنسان أن ينزل له الله هدى و نورا يهتدي به في مسيرة استخلافه في هذه الأرض:
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
فكان من رحمة الله بهذا الإنسان ومزيد الإكرام له أن يأتيه بهدي يجعله يعيش حياة الأمن والسعادة والاستقرار ويبتعد عن حالة الخوف والحزن والضياع
{فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
فما إن هبط الإنسان إلى هذه الأرض ليقوم بمهمته في عمارة الأرض والاستخلاف فيها على الوجه الأكمل حتى أتم الخالق سبحانه له ما وعده به فأنزل له الهدى والنور وأرسل إليه رسله ليدعوه إلى ما فيه الرفعة و الكرامة و الخير والسعادة له في الحياة عاجلا وآجلا {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}
فجاءت هذه الرسل والأديان التي آخرها وأعظمها دين الإسلام لتنظم حياة الفرد حتى ينشأ إنسانا سويا يكون مصدر خير وسعادة لنفسه ولسائر أبناء جنسه فوجهه الإسلام إلى أن يكون عاملا إيجابيا في عمارة الأرض وبناء الحياة بالقيام بما يقتضيه وضعه من العمل بكل جد وإخلاص: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
فكان أول ما أكد الإسلام عليه من تكريم الإنسان هو احترام و تقديس حياة الإنسان و عدم جواز التعدي عليها و إزهاقها تحت أي مبرر إلا للحفاظ على بقية أبناء جنسه حينما يشكل بقائه تهديدا وخطرا عليهم:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكأنما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأنما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرض لَمُسْرِفون}
وصدق الله إن كثيرا من بني الإنسان بعد هذه البينات لا زالوا مسرفين في التعدي على حياة الإنسان وإزهاقها لمختلف الأسباب وتحت مبررات سخيفة وغير شرعية مع أن الإسلام قد أكد أن دم المؤمن هو أشد قداسة وحرمة من أعظم المقدسات حتى من الكعبة المشرفة كما أخبر عن ذلك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حين قال:(لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم)
وكما كرم الله الإنسان وحرم الاعتداء على حياته فقد حرم انتهاك عرضه فحرم الزنى وحدد الطريقة الصحيحة لتفريغ شهوة الإنسان بحيث تكون سببا في تكوين الأسرة وبقاء النسل وحفظ الأعراض فقال سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}
وقال عز وجل {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
كما جاءت الآيات البينات لتحريم وحرمة مال الغير وعدم جواز التعدي عليه وعن أكل اموال الآخرين بغير حق كما قال تعالى:
{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
و بالأخص المستضعفين من اليتامى و الارامل و نحوهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}
كما وجه إلى أداء الحقوق والأمانات إلى هذا الإنسان {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}
وإلى الوفاء له بالعهود والعقود والاتفاقيات:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود} {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}
بل جاء دين الإنسان باحترام مشاعر الإنسان وعدم جواز جرح مشاعره حتى بمجرد الكلام او الغمز واللمز والسخرية ومخاطبته بما لايحب من الأسماء كما قال تعالى:
{َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
وكذا أكد على حرمة إساءة الظن به أو التدخل في خصوصياته أو ذكره في غيبته بما يكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}
ومن تكريم هذا الدين للإنسان أن أوجب التعامل معه بالاحترام والإحسان بل حتى اختيار الكلام المناسب في مخاطبته وتحديثه ومعاملته وبالأخص حينما يكون والدا أو قريبا او ضعيفا: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}
وكما قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}
هذا هو دين الإسلام وهذا هو تكريمه واحترامه للإنسان وهذه هي القيم الإنسانية التي تقتضيها فطرة الإنسان ويوجبها العقل السليم حتى لو لم توجبها الأديان السماوية وإنما جاءت هذه الأديان لتأكيد هذه الفطرة الإنسانية وهي المقاصد الكلية لجميع الأديان وهي:
الحفاظ على: الدين والنفس والمال والعرض والعقل فمن تسمى وتلبس بالدين وكان دينه ذلك يدعو إلى امتهان الإنسان وسفك دمه والاعتداء على عرضة والتفنن في قتله وتقطيع أوصاله والتمثيل بجثته وإهانته بكل الأوجه والوسائل؛ فهذا الدين المشوه لا يمت إلى دين الإسلام بصلة بل و يتعارض مع الحكمة العامة من خلق الإنسان واستخلافه على هذه الأرض وتكريمه وأمر الملائكة الكرام بالسجود والتعظيم له.
فهذا الإسلام المشوه إنما هو إسلام أمريكي صنعته أيدي الاستخبارات الغربية وتقبلته العقليات الغبية والجاهلة وهو بعيد كل البعد ولا يمثل الإسلام المحمدي الذي جاء رحمة للعالمين {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالمين}