مسيرة الثورة وثورة المسيرة

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 06/10/2015 - 7:44م

بدأت ثورة الـ21 من سبتمبر منذ وقت مبكر حينما وقف الشهيد القائد ليعلن صرخته عالية مدوية محطماً بذلك جدار الصمت الذي كان مخيماً على البلد، ومكسراً أغلال الاضطهاد والقهر، مما شجع  الأخرين على الجرأة والانتقاد اللاذع والحديث عن الفساد بعد أن كان حديث كهذا يعاقب عليه ويحبس بتهمة الإساءة والتشهير لأصحاب الفخامة.

إن هذه الصرخة المدوية كانت الشرارة الأولى ليَخْرُجَ الناس من دائرة الصمت والركود والذل ويخرج المجتمع من حالة اللاموقف إلى مرحلة الموقف.

ولقد كانت - ولازالت - موفقةً وحكيمة عندما وضعت لها هدفاً هو أبعد ما يمكن

أن يرسمه الانسان المسئول والواسع والعميق. هذا الهدف لا يمكن أن يتبدل بالحلول المؤقتة ولا بالترقيعات والتلفيقات ولا باختلاف الأشخاص لقد كان عالمياً بعالمية الإسلام كما أنّ هدف هذه الثورة المبكرة والمباركة كان عاماً وشمولياً لا يضيق بضيق الانتماءات والمذاهب ولا يتقلص بتقلص الجغرافيا كما أنه لا يصطدم مع بقية أطياف المجتمع بل يفتح لهم المجال للمشاركة في نقاط التقاء واتفاق للعمل المشترك في هذا المشروع الكبير والعملاق الذي هو مشروع الأمة كل الأمة.

ولقد شقت هذه الثورة المباركة طريقها رغم قلة الامكانات ورغم الهجمة الشرسة عليها عسكرياً وإعلاميا وسياسياً ورغم كل المحاولات التي كانت تسعى إلى إجهاضها وتثبيط قادتها وأصحابها عن مواصلة المسير فيها.

ورغم كل التضحيات ورغم استشهاد قائدها وخيرة رجالها إلا أن فكر الثورة الذي اعتمد على القرآن واستقى منه أدبياته ووعيه كان قد تجذر وتعمق واختلط بالاتباع اختلاطاً لا يمكن محوه أو فصله فشب أوارها من جديد وانطلقت شرارتها ثانيةً أعظم من ذي قبل.

ولقد كانت في أساسها وكل مراحلها ثورة وعي وفكر وثورة تصحيح للمفاهيم وتوضيح للأخطار، ولولا انها قوبلت عسكرياً واحتاجت إلى الدفاع عن الوجود والبقاء لولا ذلك لوصلت إلى كل الدنيا بدون أي مواجهة تذكر لكن المواجهة فرضت على الناس فرضاً، فكان لا خيار أمام هؤلاء الأحرار إلا ركوب الأسنة للدفاع عن حرية الفكر والمعتقد وعن البقية الباقية، والدفاع من أجل البقاء، لقد فتحت هذه الثورة المباركة الباب بمصراعيه أمام الكُتَّاب والمثقفين والسياسيين ليمارسوا حريتهم في التعبير والنقد والتقويم بعد أن كانوا لا يجرؤون على النبس بكلمة واحده تعكر مزاج السلطة عليهم.

كما فتحت المجال أمام الاعزاء في الجنوب ليحركوا المياه الراكدة ويطالبوا بانصافهم ومعالجة قضيتهم بعد سنوات لم يستوعبوا خلالها الصدمة والكارثة التي عصفت بهم، حتى رأوا هذه الثورة قد قصت لهم الشريط وفتحت لهم الباب أمام ثورة طويلة من أجل نيل الحرية والسيادة والعدالة وحرية التعبير والمواطنة المتساوية .

واستمرت المؤامرات على هذه الثورة يوماً بعد آخر وحرباً بعد أخرى من أجل إخماد جذوتها وإطفاء نورها إلا ان عناية الله سبحانه كانت تجعل النتائج والعواقب في مصلحة ثورة المسيرة لتتواصل مسيرة الثورة (ولله عاقبة الأمور).

وبينما كان الجميع أقطاب النظام السابق  في الإعداد والتحضير لجولة سابعة من العدوان على قوى الثورة وكيانها إذا بأحداث الربيع العربي تقفز على السطح لتأخذ النار بعيداً عن الثورة ولتشهد الثورة مرحلة جديدة ومتقدمة من التصعيد ليتحول الثوار والمستضعفون من ملاحقين ومتخفين في العمل الثوري والثقافي إلى القيام بأعمال جماهيرية ومظاهرات حاشدة في الشوارع وأعمال علنية وتجمعات كبيرة مع بقية أبناء الشعب الذين كسر هؤلاء الثوار القيود أمامهم، وهنا نؤكد على أن شرارة الثورات لم تبدأ من تونس ولكنها بدأت من مران في ثورة سلمية وثقافية وحضارية سلاحها الشعار المعبر والصرخة الهادفة والتي استمرت هكذا حتى جاءت الجيوش للاستئصال والإبادة فكان لابد من الدفاع المقدس.

- ان هذه الثورة هي التي أعادت الى الأذهان ان بإمكان الشعوب عندما تتحرك بوعي صحيح أن تؤثر وتغير وتفعل شيئاً وأن تغير من واقعها السلبي والسيء.

- لقد لخصت الثورة في مطالبها وشعارها أكبر مشاكل الأمة وأعظم عوائق نموها وعزتها وهي الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية التي تقف أكبر عائق أمام أي عز وتقدم للأمة. والذي يعتبر هو سبب الأسباب ووراء كل بلاء وشقاء على هذه الأمة.

وقدمت الحل في طريق المناهضة للمشروع الأمريكي والإسرائيلي والذي يعتبر الحل الكبير والأساسي والواقعي للأمة إذا ما كان التحرك على أساس الثقافة القرآنية التي هي الحكم والفيصل عند اختلاف وجهات النظر. وهي القاسم المشترك بين كل مكونات الأمة وطوائفها وهي المرجعية المتفق عليها والمحفوظة من النقص والخطأ.

وهكذا ومن خلال اعتماد الثقافة القرآنية والمناهضة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة شقت مسيرة الثورة طريقها في ثورة 11 من فبراير2011م إلا أنه وبسبب المؤامرة الخارجية والداخلية التي التفت على ثورة الشعب لم يكتب لهذه الثورة النجاح والاكتمال مما جعل الشعب يعلن من جديد ان الثورة مستمرة حتى ينال شعبنا استقلاله وسيادته واستعادة قراره السياسي والتحرر من الهيمنة الأمريكية السعودية. واستمر الشعب في ثورته والتفت بقية المكونات والتحمت بعد أن سرقت القوى الرجعية مع دول الإقليم ثورة الشعب وحلمه الكبير من خلال المبادرة الخليجية التي أعادت انتاج العملاء وأعادت صناعتهم بما يتناسب مع مصالحها وبصورة أكثر من ذي قبل. وفي خضم ثورة الشعب لم تتوقف فيها المسيرات والمظاهرات ولازالت تجوب الشوارع مطالبة بإعادة الثورة المنهوبة المسروقة وتحقيق كافة مطالب الثورة، إلا أننا فوجئنا كثوار بدخول البلد مرحلة جديدة من الوصاية والهيمنة التي ستجعل من اليمن أثراً بعد عين أو في خبر كان واتضحت فصول المؤامرة التي أريد تمريرها تحت غطاء المبادرة الخليجية من خلال ما تم اتخاذه من خطوات خطيرة تجاه قضايا مصيرية بحجم البلد فكان أول فصل من فصول هذه المؤامرة هي هيكلة الجيش حتى لم يبق منه غير الهيكل بدون روح ولا مضمون، فسعوا إلى وضع كل المعلومات بيد الضباط الأمريكيين عن القوى البشرية ومخازن السلاح وأنواعه وتحت تصرفهم فقاموا بتقسيمه وتفريقه وتشتيته ووضع القيادات الموالية لهم وإقصاء الشرفاء واهانتهم وتحييدهم كما قاموا بتعطيل منظومة الدفاع الجوي كإرهاص حيث استهدفوا باصات الجوية وأسقطوا الطائرات العسكرية بخلل فني، وقاموا باغتيالات الضباط والعسكريين وداسوا عرين الأسد عندما ارتكبوا مجزرة السبعين والعرضي والشرطة وذبحوا الجنود في لحج وحضرموت ولم تقم لهم قائمة غير امتصاص غضب الشعب بلجان تحقيق عقيمة، ولقد كان حزب الإصلاح شريكاً مع هادي في تفكيك الجيش بذريعة الجيش العائلي، مما قدم خدمة جليلة لدول العدوان حيث هيكلوا الجيش وأنهكوه ودمروه علاوة على سحب بطاريات الصواريخ ونقلها مما يدل على أن النية للعدوان كانت مبيتة منذ فترة وبعد هذه المؤامرة جاءت مؤامرة الجرعة والتي وقف لها الشعب بقوة وبسالة ووقف أعداء الوطن والثورة فيما سموه بالاصطفاف الوطني، إلا ان عناية الله شاءت ان تسقط الجرعة وحكومتها وتنتصر الثورة في خطوة متقدمة وانجاز مهم على طريق التحول الثوري.

وجاءت بعدها مؤامرة الأقلمة الذي كان الهدف منها تقسيم اليمن على أساس مناطقي وطائفي يؤدي إلى نشوب صراع داخلي وحروب أهليه مما يمنع قيام دولة قوية وموحدة ومما يؤدي إلى تمزيق اليمن ولقد جاء مشروع الأقلمة كقرار خارجي وليس بناء على طلب شعبي فوقفت الثورة في وجه هذا المشروع الهدام حتى أسقطته بفضل الله سبحانه في اللحظات الأخيرة عندما أمسكت بمهندس الأقلمة أحمد بن مبارك وكان في طريقه لإعلان الأقاليم واعتمادها..

 ولما فشل مشروع الحرب الأهلية المسمى بالأقاليم اتجهت القوى الدولية لطريقة أخرى للحرب الأهلية عندما وجهت هادي وحكومته لتقديم الاستقالة المفاجئة من أجل أن ينشب الاقتتال والصراع الداخلي على من يسد الفراغ السياسي، لم تكن الاستقالة بريئة ولا زهداً وانما كانت مؤامرة ولذلك لم تدم الاستقالة عندما لم تؤت ثمرتها من الصراع الداخلي والانقلات الأمني فسرعان ما عاد إليها هادي بقرار خارجي مثل قرار الاستقالة لينتقل الى عدن ليعد بنفسه الاعداد الفعلي والتنفيذي لمؤامرة حرب جنوبية شمالية أعلن عنها وكان لو تمت سيُعزل الجنوب ويُدعم هادي وفي نفس الوقت سيحاصر الشمال ويضرب في حرب أهليه لا يعلم نهايتها الا الله سبحانه.

ولذلك كان النزول إلى عدن بعد طرد العسكر الشماليين وتغير القيادات الكفؤة وبعد تسليم المعسكرات للدواعش كان نزول الجيش واللجان الشعبية ضرورة مفروضه من أجل إيقاف وإفشال هذا المخطط الإجرامي الرهيب. وخلال هذا كله وقبله وبعده كان العمل جاريا على قدم وساق من أجل تمكين القاعدة والدواعش من اليمن  لنشر الفوضى الخلاقة ليكون للقوى الدولية اللاعبة موطن قدم وذريعة لغزو اليمن واختلاله.

وكانت هذه التحركات تلقى غطاء إعلامياً وسياسياً ودعماً لوجستياً ومادياً لتحركاتها وكانت الأجهزة الأمنيه شبه معطلة عن القيام بواجبها ان لم تكن مخترقة من قبل هذه العناصر الإجرامية وبعلم الجهات العليا وأمام هذه المؤامرة الدولية كانت قوى الثورة حاضرة في الميدان تواجه هذه العناصر بدءاً من كتاف مروراً بحاشد ودماج وأرحب وهمدان وعمران ورداع واب وحتى عدن، في الوقت الذي كان اعلام العملاء والمرتزقة يصورهم بأنهم رجال القبائل تماماً كما  كانت تقول الجزيرة في دواعش الأنبار والموصل بأنهم رجال العشائر ولما فشلت هذه المؤامرات وانتصرت الثورة في الواحد والعشرين من سبتمبر ووضعت مداميك دولة النظام والقانون والسلم والشراكة وأغلقت عهد الوصاية والهيمنة الخارجية واستعادت القرار السياسي وحافظت علي السيادة من الانتهاك وازاحت أكبر عائق أمام قيام الدولة المدنية القوية بإزالة رموز الفساد الذين حولوا الدولة إلى اقطاعية لهم والمتمثلين في أولاد الاحمر وعلي محسن الأحمر كما قامت بتطهير اليمن من العناصر الاستخبارية المسماة قاعدة.

 لما أفشلت الثورة بعون الله كل هذه المؤامرات قامت دول العدوان بإعلان عدوانها وحربها على اليمن من أجل اعادته الى دائرة العمالة والإرتهان ومن أجل الهيمنة على سياسته وسيادته وقراره واقتصاده ومن أجل فرض المؤامرات السابقة التي فشلت من جرعة وأقلمة ودعشنة وغيرها.

إلا أن الثورة كانت مستمرة ولازالت حتى تنتصر على آخر فصول هذه المؤامرات وهو العدوان السعودي الأمريكي كونه صراع إرادات وكما انكسرت إسرائيل بخلفيتها العالمية أمام ثلة من حزب الله وحماس والجهاد فإن انكسار هؤلاء المعتدين الجبناء أمام شعب بأكمله، شعب هو شعب الإيمان والحكمة، أقول إن انكسار المعتدين هو المصير المحتوم بإذن الله وعلى الباغي تدور الدوائر وصدق الله القائل: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

 لقد قدمت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر ثورة من الأخلاق المتمثلة في السلم والشراكة وعدم اجترار الماضي واستدعائه وفتح صفحة جديدة من العمل لأجل الدين والوطن إلا أن كل هذا اعتبر ضعفاً من قبل العملاء كما قدمت حلولاً عملية لأكبر مشاكل الوطن برفض التدخلات الاجنبية والوصاية الخارجية وتطهير اليمن من الدواعش والتكفيرين، كما أزاحت الكابوس الكبير المتمثل في العصابة التي أكلت ثروات اليمن وخيراته وحالت دون قيام دولة قوية ومستقلة ولا تزال الثورة قائمة مستمرة حتى تنتصر على العدوان وتحقق أهدافها بحذافيرها وينال شعبنا عزته واستقلاله ويستفيد من ثرواته وخيراته.

ولله عاقبة الأمور.