دلالات من خطبة الرسول الأعظم في استقبال شهر رمضان

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 07/07/2015 - 5:18م

تمهيد

الخطبة - بشكل عام - وسيلة هامة من وسائل التبليغ والتعليم، والتذكير وهي أيضاً من الوسائل والأساليب التي اتبعها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم خاصة إذا أراد تبليغ أمر مهم،  ومن تلك الخطب خطبته صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان ، التي بين فيها فضل الصيام وشهر رمضان، ومقاصد الصيام، وعلاقة المسلم بربه وبنبيه وبمجتمعه:

إنها بحق وثيقة نبوية تضمنت ثوابت وقواعد وأسس تربوية، وأخلاقية ، ونفسية أرسى قواعدها وأصلها من (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)..

جو النص

ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الخطبة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك مبيناً لأمته فضل هذا الشهر وفضل الصيام وما يجب على المسلمين فيه وما يستحب وما يحرم..

تحليل الخطبة

وتكاد تنحصر أفكار الخطبة في الآتي:

- فضل شهر رمضان على سائر الشهور.

- وجوب صيام هذا الشهر على الأمة.

- ارتباط هذا الشهر بالقرآن.

- ارتباط هذا الشهر بالقيام.

وتحت هذه الأفكار تندرح الأفكار الآتية:

- ضرورة الاستفادة من هذا الشهر بإحياء ليله بالقيام، وبقراءة القرآن ، والإنفاق في سبيل الله، والتصدق، والتحلي بمكارم الأخلاق..

- جزاء الأعمال الصالحة في هذا الشهر مضاعف.

- أبواب الجنة مفتحة، في هذا الشهر، وأبواب النار مغلقة في هذا الشهر.

- الشياطين في هذا الشهر مغلولة.

- تفضيل هذا الشهر بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

فهذه خلاصة الأفكار التي تضمنتها الخطبة، وبالتأمل فيها سنجد أن الخطبة وثيقة نبوية إذا صح التعبير أصّل فيها الرسول صلوات الله عليه وعلى آله للصيام وأحكامه ، وما ينبغي أن يتحلى به الصائم، من أخلاق وصفات.

ولا يعني هذا أن هذه الصفات تختص بشهر رمضان أو تقتصر على الصائم فحسب، لا ، بل المقصود أنه ينبغي على الصائم الإكثار من الأعمال الصالحة في هذا الشهر والمبالغة في تزكية النفس وتفقد المساكين بالصدقة، والإنفاق في سبيل الله ، وملازمة الذكر ، وقراءة القرآن ، أكثر من غيره من الشهور..

وهذا الترغيب يرجعنا إلى الفكرة الأولى وهي (فضل شهر رمضان على سائر الشهور)، وهذا أمر يدعو إلى التأمل في مسألة التفضيل والأفضلية.

إنها مسألة بحق حريّة بالتأمل، فالمخلوقات هي إما كائن حي من ملائكة  وجن وإنس وغير ذلك من الكائنات الحية.

وإما زمان وإما مكان.

وفي كل نوع من هذه المخلوقات توجد المفاضلة .

فمن الملائكة من فضلهم الله على غيرهم من الملائكة وفي الجن من فضلهم الله على غيرهم..

وفي بني آدم مفاضلة ، فالأنبياء أفضل بني آدم وأفضلهم سيدنا محمد ، وهذا أمر واضح وبيّن،

وبين الأماكن مفاضلة فأفضل البقاع مكة وأحبها إلى الله.

وحتى الأزمنة فاضل الله بينها، فأفضلها شهر رمضان ، فضله على سائر الشهور.

ومن هذا العرض السريع أستطيع القول إن مسألة المفاضلة والأفضلية مبدأها ومنتهاها من الله، بمعنى أن الله خالق الجميع هو سبحانه من يفضل هذا الشهر على غيره، هذا المكان على غيره، وهذا الرسول على غيره ، وليس لأحد سواه الحق في الانتقاد أو القدرة على التغيير وليس له الاعتراض، وإذا كان الأمر كذلك فليس لنا إلا التسليم لأمره سبحانه..

ويُستوحى من هذه الأفضلية ارتباط الشهر بالإكثار من الأعمال الصالحة، ولاسيما قيام ليلة ، وقراءة القرآن بملازمة وتدبر، والإنفاق والصدقة وكأن فضل الزمان يسري إلى أفضلية الأعمال فيه عن غيره ، ويترتب عليه مضاعفة الأجر عن سواه.

وثم جوانب طرقها الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم في الخطبة ترجع إلى العلاقات، و تنظيمها ، ومن خلال الخطبة نجد أن هذا الجانب قد أخذ حيزاً كبيراً من التوجيهات النبوية وهي كالآتي:

- علاقة المرء بربه: وسنجد حول هذا الجانب كلاماً نبوياً راقياً وأسلوباً رفيعاً يدعو فيه العباد إلى الإقبال على الله سبحانه من مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله).

إنه رقى بمستوى العلاقة بين العباد وخالقهم إلى مستوى عالٍ يعجز المرء عن التعبير عنه ، ولو كان التعبير  بأبلغ العبارات ، وأفصح الكلمات ، ويكفي أن أقول هنا مكتفياً باللفظ النبوي (ضيافة الله) وحسب المؤمن كمالاً وكرامة أن يكون ضيفاً ، وقيّوم السموات والأرض هو المضيف سبحانه.

- علاقة المؤمن برسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم : حيث يقول: (ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين).

- علاقة المؤمن بكتابه (القرآن) في قوله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم : (ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور).

- علاقة المؤمن بنفسه : وهي علاقة مبنية على مقصد وجوب المحافظة على النفس، ووجوب وقايتها من العذاب، وذلك في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكوها باستغفاركم ، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم)..

ويرتبط بهذا الجانب من العلاقة ، مبدأ التحلي بمكارم الأخلاق، حيث يقول (ومن حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازاً على الصراط يوم تزل الأقدام).

- علاقة المرء بأهله وذويه (العلاقة الأسرية):

وعنها يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (ومن وصل فيه رحمه وصله الله إليه يوم يلقاه).

- علاقة المرء بالمجتمع من حوله وتحت هذا يندرج الآتي :

- تفقد الأيتام : (ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه).

- تفطير الصائمين: حيث يقول صلوات الله عليه وعلى آله: (من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه).

وإذا ما عدنا إلى نص الخطبة ، ولغتها ، فسنجد اللغة سهلة ، وألفاظها واضحاً ، وأسلوبها راقياً ، وهذا هو أسلوب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، أسلوب راق، ولغة رفيعة، تمتاز بالبلاغة ، وجزالة الألفاظ ، وثم بعض الصور والأخيلة والمحسنات غير المتكلفة ، فمن ذلك تمثيلا لاحصراً:

-أسلوب النداء ، بقوله (أيها الناس) أسلوب إنشائي ، بالنداء، وحذف أداة النداء كناية عن قرب المنادى.

- صيغة الأمر : حيث تكررت صيغة الأمر لغرض الترغيب والتأكيد على أفضلية الشهر، ومضاعفة الأجور فيه.

-التنويع بين الأسلوب الخبري والإنشائي في الخطبة لغض الإيضاح ، وتقرير المعلومة..

كثرة الجمل الشرطية لغرض تثبيت مبدأ الجزاء مقابل العمل:

ومن الصور

الاستعار في قوله (أقبل عليكم شهر الله بالبركة) (أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم).

وأما المحسنات فقد لمسنا منها : السجع في مثل قوله (يحبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعظهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه).

وأخيراً فإن خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان هي بحق وثيقة اشتملت على قوانين أصلت لعبادة الصيام وأرست قواعد المعاملة بين المرء وربه ، وبين العبد ونبيه والقرآن ، وبين العبد ونفسه ، وأرست أسس التعامل بين المجتمع التي أساسها الرحمة والألفة ، والمحبة والتعاون، والاحترام والتحلي بمكارم الأخلاق ، وبمحاسن الصفات..

وهي صفات وأخلاق يجب أن يتحلى بها المؤمن عموماً، وهي في شهر رمضان آكد ذلك لأن شهر رمضان هو مدرسة تزكي النفس، وترتقي بها إلى مستوى عالٍ من الكمال الإيماني..

ومما نلمس في الخطبة العاطفة الجياشة، إنها عاطفة الرحمة النبوية، والحرص منه صلوات الله عليه وعلى آله على أمته، وأن تكون على مستوى عالٍ من العبادة والعلاقة بربها ، وحرصه صلوات الله عليه وعلى آله - على أمته من أن يفوتها هذا الشهر دون استفادة ..

وقبل أن أختم؛ إن شهر رمضان كزمن لا يختلف عن غيره من الشهور بأي فريضة أخرى سوى اختصاصه بالصيام بيد أن هذا الاختصاص جعل منه فرصة لكل مسلم ومسلمة في الاستزادة من الأعمال الصالحة لاختصاصه بالأفضلية ..

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه وقراءة القرآن..

الدلالات: