حكمة الصيام وآدابة

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 07/07/2015 - 5:16م

الصيام عبادة سنوية يؤديها المسلم ، ولا شك أن وراء كل عبادة حكمة ربانية ومقصد إلهي، والمسلمون  في أنحاء المعمورة في موسم العبادة السنوية وهي صيام شهر مضان من اللائق بهم أن يطلعوا على الحكمة الربانية من هذه العبادة وعلى الآداب التي ينبغي التزامها لتكون هذه العبادة مقبولة عند الله تعالى ، يستحق من قام بها كما أمر الله وافر الأجر والثواب كما وعد الله تعالى، كما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : (قال الله تبارك وتعالى: كل حسنة عملها ابن آدم أجزي به عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلاَّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به).  وقال صلوات الله عليه :(الصَّلاةُ قُربانُ كلِّ تقيٍّ، والْحَجُّ جهادُ كلِّ ضعيفٍ، ولكلِّ شيء زكَاة، وزكَاةُ البدن الصِّيامُ وجهادُ المرأة حُسنُ التبعُّل).

ولا شك أن المسلم لا يستطيع أن يطلع على الحكمة من أي عبادة إلا من خلال كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إما تصريحا أو استنباطا، وإلا كان قوله تخميناً ورجماً بالغيب ،فعن الحكمة من فريضة الصيام يقول ربنا تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

فالآية واضحة بأن التقوى هي لب المقصد الشرعي من فريضة الصيام ،وهي -أي التقوى- كذلك مقصد إلهي لكثير من العبادات ،يقول ربنا جل وعلا في الأضاحي : {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}.

والتقوى معنى جامع وبناء متكامل لا يتم للمؤمن أن يكون من أهل التقوى إلا بأداء العبادات كلها على أكمل وجه ،ليكون من المتقين الذي مدحهم الله تعالى في آي كثيرة من كتاب الله وذكر مالهم من الدرجات والمقامات عند الله ، فالصيام باب عظيم من أبواب التقوى الكثيرة ،وليس باباً وحيداً ولذلك قال الله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

ومما لا شك فيه أن التقوى لا تتجزأ ولن يكتب للصائم أن يكون من المتقين إلا إذا حرص على دخول بقية أبواب التقوى التي منها ما دخوله على سبيل الوجوب كالفرائض ومنها ما دخوله على سبيل الندب والاستحباب كالمندوب والمسنونات .

إلا أن الصائم بقيامه بهذه العبادة على أكمل وجه قد أتى باباً عظيماً من أبواب التقوى ؛لأن الصيام له خصوصيات لا توجد في غيره من العبادات ، منها أن الصائم في عبادة طول يومه حتى ولو كان نائما ، أو منشغلا بقضاء بعض حوائجه الدنيوية لأن هذه العبادة الصيام ملازمة لجسده طوال يومه ، ومن خصوصيات الصيام أن الله قد أغل عن الصائم أعدائه من شياطين الجن ،فكان التكليف أقل مشقة وصلاح النفس أيسر مطلوب ، فالصلاة وهي من أعظم العبادات لم يتكفل الله تعالى بحبس شياطين الجن عن الوسوسة للمصلي ؛بل إن المصلي بسبب ذلك يلاقي المشقة الكبيرة في مدافعة وساوس الشيطان أثناء الصلاة .

ومن الحكم التي لا تخفى من عبادة الصيام ،هو شعور الصائم بما يعانيه الفقراء والمساكين من متاعب قلة الطعام الشراب ،وهذا درس عملي فهناك كثير من الآيات والأحاديث التي تحث على إطعام الفقراء والمساكين ؛إلا أن الصيام درس عملي يشعر معه الصائم بما يعانيه الفقراء والمساكين ؛ليكون أكثر التزاماً بما يمليه عليه دينه تجاه هذه الشريحة من إخوته المسلمين .

لا سيما في هذه الظروف العصيبة ،التي يتعرض فيه شعبنا لعدوان ظالم ،حيث وسع هذا العدوان من شريحة الفقراء بما دمر وأخرب من المساكن ،وما عطل من أسباب الحياة بسبب الحصار الجائر .

ومن حكم الصيام التي يمكن أخذها ،هو المعرفة أكثر بنعمة الله تعالى في الطعام والشراب ،فحين يجوع ويعطش المؤمن في صومه حتى يأتي وقت الفطر عندها يعرف معنى آخر لنعمة الطعام والشراب التي كان يراها في الأيام العادية أمراً عاديا ،فأصبح لنعمة الطعام والشراب مع الصيام مذاقاً آخر ، لا يشعر به إلا من كان من الصائمين .

ولا يكفي الصائم أن يمتنع عن الأكل والشراب والجماع حتى يكون صائماً مقبولاً صومه؛ بل لا بد أن يلتزم آداباً إيمانية رمضانية ،يكون صومه معها مقبولا عند ربه ؛ليحصل على الجائزة الثمينة التي وعد الله به الصائمين ، وسنذكر من آداب الصيام ما يلي :ـ

1ـ حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة وأذية المؤمنين يقول النبي صلى الله عليه وآله «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه ولا شرابه» .

2ـ الصبر وتحمل الأذى الذي قد يتعرض له الصائم يقول صلى الله عليه وآله وسلم (( إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ ، فَإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ : إنِّي صَائِمٌ ))

3ـ الاهتمام بقراءة القرآن ؛لأننا في شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.

4ـ قيام الليل وإحياؤه بالعبادة ولو إحياء جزء منه كالثلث الأخير، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يحُثُّ على قيام رمضان ، ويُرَغِّبُ حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم(من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فيحط فيه الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عزوجل).

وروي أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله تعالى فرض صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).

5ـ عدم الاهتمام بتحصيل صنوف الأطعمة والأشربة ،فرمضان شهر تربية وتهذيب للنفس وليس شهر إشباع شهوات النفس في المآكل والمشارب ، لا سيما في عامنا هذا حيث يوجد الكثير من الفقراء والنازحين الذين فقدوا مساكنهم ومعايشهم بسبب العدوان السعودي الأمريكي الظالم على اليمن ،فمن كان لديه فضل طعام وشراب ،فالأحق أن يمنحه هؤلاء المحتاجين ،الذين سيعانون ويكابدون في صومهم لتوفير القوت الضروري ،وربما الكثير لا يجد ما يصوم عليه من الطعام وما يفطر به ، وهذه الأيام هي الأحق أن يطبق فيها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : (من فطر صائماً كان له كعتق رقبة ومغفرة لذنوبه ودخول الجنة..)  وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من فطر صائماً على طعام أو شراب من حلال، صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان، وصلى عليه جبريل صلى الله عليه ليلة القدر) .

6ـ قيام أصحاب الوظائف العامة بمهامهم في خدمة إخوانهم المسلمين في وظائفهم وعدم تعطيل منافع المسلمين بذريعة الصيام ،فإن تعطيل حاجات المسلمين ومنافعهم فيه إثم عظيم في عدم القيام بالمسؤولية والأمانة التي تحملها الموظف في الولاية المنوطة به ،حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي عليكم راع ، وهو مسؤول عن رعيته).

 7ـ التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في عبادة الاعتكاف، وبالأخص اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، فإنها عبادة عظيمة الأجر ،ولذا فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ أوجب الله الصوم ما ترك الاعتكاف إلا سنة واحدة سافر فيها وفي السنة المقبلة إعتكف صلوات الله عليه عشرين يوما ،وفي فضل الاعتكاف يقول صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام زيد عليه السلام : (من اعتكف العشر الأواخر من رمضان كان عدل حجتين وعمرتين).

وفي العشر الأواخر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فمن أقام العشر الأواخر من رمضان فقد فاز بثواب وأجر إحياء ليلة القدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان).

8ـ ومن الآداب التي ينبغي مراعاتها تعجيل الفطور عند دخول وقت المغرب وتأخير السحور إلى آخر جزء من الليل حيث ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك من أخلاق الأنبياء .

اللهم أعنا على صيام رمضان وحسن قيامه ،وإذا كان لك يا الله في كل ليلة من لياليه رقاب يعتقها عفوك أو يهبها صفحك فاجعل رقابنا من تلك الرقاب واجعلنا لشهرنا من خير أهل وأصحاب بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين .

الدلالات: