قال الله تعالى في سورة النساء: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً(93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً(94)) صدق الله العظيم.
وقفت رابطة علماء اليمن بقلوب مكلومة على خبر التفجير الانتحاري الذي أودى بحياة العشرات وجرح المئات من أبنائنا الجنود في القوات المسلحة والأمن أثناء استعراضهم العسكري في ميدان السبعين صباح يوم أمس الاثنين الموافق 21/5/2012م. وإننا إذ نعزي أنفسنا وأسر الشهداء وندعو الله بالشفاء العاجل للجرحى، لنؤكد على ضرورة وحدة الصف ولم الشتات وكفكفة الجراح داخل المجتمع اليمني بكافة ألوانه السياسية وأطيافه الاجتماعية باعتبارهم جميعاً المستهدف الأول من هذه العمليات البشعة والجرائم الوحشية، التي لا تخدم سوى أطراف خارجية تقدم نفسها للشعب اليمني -وشعوب المنطقة- كمنقذ ومخلص وحيد، بينما تسعى لبسط نفوذها وتشديد قبضتها على البلاد والعباد، يقول تعالى في سورة آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ(104) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105)).
إن الحادث الإجرامي والإرهابي الجبان إذ يحمل بصمات تنظيم القاعدة إلا أنه يبين بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا التنظيم صنيعة عدو العرب والمسلمين، وأن عناصر هذا التنظيم خارج نطاق الفطر السليمة والمفاهيم الإسلامية التي تحث على التراحم والتكافل والتعاون بين المسلمين الذين يصفهم القرآن الكريم بأنهم (أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِين)، حيث أن أنشطة وعمليات تنظيم القاعدة في البلدان العربية والإسلامية موجهة ضد إخوانهم المسلمين ولا تصبُّ إلا في مصلحة الكيان الصهيوني و"الإدارة الأمريكية" التي تحتل المنطقة وتنهب ثرواتها وتستعبد السكان وتستهين بحياتهم وحقوقهم المكفولة في القوانين والمواثيق الدولية الراسخة في الوجدان الإنساني النبيل، يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوت.. الآية) [النساء:76].
إن تنظيم القاعدة وما يقوم به من عمليات إجرامية بشعة بحق الأبرياء أصبح المبرر الأول للتواجد الأمريكي في المنطقة أمنياً وعسكرياً، وأمسى –ذلك التنظيم- الذريعة المثلى لاحتلال الشعوب العربية ونهبها بأقل التكاليف والجهود إذ تعمل الإدارة الأمريكية على توظيف الأنظمة والحكومات في لعبة ملاحقة عناصر هذا التنظيم دون أن يؤدي هذا التوظيف إلا لمزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات الوطنية وهو ما يبرر للأمريكيين التغلغل الاستخباراتي في الأراضي الوطنية وداخل المؤسسات الرسمية للدولة بأجهزتها المختلفة بما في ذلك الأمن والجيش، وهذا ما يحصل اليوم بوضوح في بلادنا، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ(149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ(150))، ويقول في ذات السورة: (وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120] صدق الله العظيم.
إن علماء اليمن –في هذه الفجيعة البالغة- يقفون إلى جانب جميع الضحايا وأسرهم في المطالبة بإجراء التحقيقات الشفافة والنزيهة لكشف ملابسات الجريمة وهوية الجناة والجهات التي تقف وراءهم والتي سهلت لهم ارتكاب هذه الجريمة النكراء، وإحالتهم جميعاً للقضاء لينالوا جزاءهم الرادع، ولضمان ذلك يتوجب عدم تدخل أي جهة داخلية كانت أو خارجية يمكن أن تجر لنفسها مصلحة أو تدفع عنها ضرراً من خلال السماح بمشاركتها في إجراء التحقيق أو سير العدالة، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران:118].
كما أننا في رابطة العلماء نقف –في ذات الوقت- إلى جانب الشعب اليمني المغدور في سيادته الوطنية وأمنه واستقراره بالتدخلات الخارجية السافرة في شؤوننا الداخلية، وتحليق طائرات التجسس الأجنبية في الأجواء اليمنية، وتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف مفترضة للإدارة الأمريكية بذريعة ما يسمى "محاربة الإرهاب"، كما نرفض رفضاً قاطعاً اعتبار شؤوننا الداخلية في اليمن جزءً من الأمن القومي الأمريكي، وندعو رئيس الجمهورية وحكومة ما يسمى بـ"التوافق الوطني" لاتخاذ كافة التدابير السياسية والأمنية والعسكرية اللازمة والكفيلة بحفظ سيادة البلاد تجاه التدخلات والخروقات الأجنبية السافرة، ونحملهم مسؤولية ما يحصل من عمليات تجسس وضربات جوية داخل الأراضي اليمنية من قبل القوى الأجنبية المتغطرسة إقليمياً ودولياً، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين) [المائدة:57]، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة:1].
ختاماً نسأل الله تعالى أن يوفق أبناء بلد الإيمان والحكمة لتوحيد صفوفهم ومعرفة عدوهم الحقيقي الذي يتربص بنا وببلدنا الدوائر يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ودامت بلادنا قوية بأبنائها عصية على عدوها.
صادر عن رابطة علماء اليمن
صنعاء - الثلاثاء 22 مايو 2012م