اثنا عشر نصيحة للصائم

نشر بتاريخ: سبت, 02/04/2022 - 11:20م

الحمد الله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم و على من سار على نهجه واهتدى بـهديه إلى يوم الدين .. وبعد:- 

فإن نعم الله لا تعد ولا تحصى وأجلُّها نعمةً الإسلامُ وهدايةُ القرآنِ المنـزل على صفوتِهِ من عبادِه أجمعين محمدٍ- صلى الله عليه وآله وسلم- في شهر رمضان ،  وكم من النعم التي نشاهدها ونلمسها ونتقلب فيها ونتمتع من خلالها بما سخره الله لهذا الإنسان في مخلوقاته قال عز وجل : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ في البَرِ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِن الطيبَاتِ وَفَضَلْنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ ؛ فعليك أيها المسلم أن تشكر الله على نعمة الهداية وعلى نعمة الرعاية فهو الذي خلقك ورعاك ورباك ورزقك وهداك وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ، كلفك يسيراً ولم يكلفك عسيراً ؛ قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة:185] ، وقال عز وجل: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾[الأنعام:54]. وقال عز وجل : ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾[الزُّمَر:53]  فسبحانه ما أكرمه وما أكثر إحسانه وفضله وما أوسع رحمته بعباده الضعفاء فلم يعاجلهم بالعقوبة على عصيانهم بل أمهلهم وأعطاهم فرصة كافية حتى يُرَاْجِعوا أنفسهم وفتح لهم أبواب التوبة ورغبهم فيها وأوجب على نفسه الرحمة تفضلاً منه وإحساناً ودعاهم إلى ما يحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة ويسر لهم طرقها ودلهم عليها ؛ فاحمدْ إلهك واعترف بالنعم ، اشكره بطاعته فيما أمر من عبادته فما خلق الله الخلق إلا لعبادته.

 قال عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُون* إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين﴾[الذاريات:56-58] هذا ولما كان الصوم عبادة عظيمة وركناً من أركان الإسلام وأصلاً من الشرائع السماوية أحببت أن أقدم بعض النصائح للصائمين والصائمات لعل الله ينفع بها لأن الله سبحانه لا يقبل من عباده طاعةً إلا إذا كانت على الوجه الذي شرعه الله وبينه لنا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى هذا الأساس ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يتعلم كيف يؤدي ما فرضه الله عليه من صلاة وصيام وزكاة وحج لينال رضى المولى سبحانه وتعالى وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : «الدين النصيحة» نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر  .


النصيحة الأولى

عليك أن تعلم أيها الصائم و أيتها الصائمة أن الله عز وجل فضل شهر رمضان على سائر الشهور وأنزل فيه القرآن هدى للناس وجعل صومه مكفراً للسيئات والذنوب التي تكتسبها طوال العام ووعد الصائمين والصائمات الجزاء الأوفى وهو العتق من النار والفوز بالجنة وكفى بذلك ثواباً و أجرا يقول الله تعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور﴾[آل عمران:185] لأنه شهر الخير والبركة أوله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار النافلة فيه تعدل فريضة فيما سواه الفريضة فيه تعدل سبعين فريضة فيما سواه ، لله في رمضان نفحات ربانية من تعرض لها وجاهد نفسه ونهاها عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وحينئذٍ فلا يجوع و لا يظمأ ، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ، ذاكر الله في رمضان مغفور له ، وسائل الله فيه لا يخيب ، هو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وهو شهر المواساة يزيد الله فيه أرزاق المؤمنين ، إن لله في كل ليلة من رمضان عتقاء يعتقهم من النار عند كل فطر فإذا كان آخر ليلة منه أعتق مثلما أعتق في سائر الشهر وفي الحديث القدسي «كل عمل أبن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».

وإذا كان المولى سبحانه سيتولى جزاء الصائمين والصائمات فإنه سيكون عظيماً؛ قال علي عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إذا كـان يوم القـيامة نادى مـنادٍ أين الظامئة أكبادهم وعزتي وجلالي لأروينَّهم اليوم» قــال : «فيؤتى بالصائمين فتوضع لهم الموائد وإنهم ليأكلون والناس يحاسبون وفي الجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون ، ومن فضل الله على عباده في شهر رمضان أن أبواب الجنة تفتح كلها في أول ليلة من رمضان إلى آخر ليلة منه وتغلق أبواب جهنم كلها في أول ليلة من رمضان لا يفتح منها باب ، وتغل مردة الشياطين لحق رمضان وحرمته ، ويبعث الله منادياً من غروب الشمس إلى طلوع الفجر كل ليلة إلى سماء الدنيا ينادي يا باغي الخير أسرع ويا باغي الشر أقصر هل من مستغفر فيغفر له ؟ هل من تائب فيتاب عليه ؟  ولله عتقاء من النار عند وقت الإفطار في كل ليلة في رمضان».

 سبحان الله ما أكثر فرص الخير التي يسرها ذو الجلال والإكرام في رمضان وقال – صلى الله عليه وآلـه وسـلم  - «للصائم دعوة مستجابة عند فطره».

إن رمضان مسابقة ربانية إلى الخيرات شروطها لا تزيد على الإخلاص لله وحده لا شريك له ، والمجاهدة للنفس والامتثال لأوامر العلي الأعلى وجوائزها كبيرة ومغرية يخوضها ويساهم فيها كل صائم وصائمة ولكن لا ينجح فيها ويفوز بأعلى درجاتها إلا من حالفه توفيق من اللطيف الخبير قال عز وجل : ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين﴾[العنكبوت:69].

والقرآن يتحدث عن الصوم قال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون* أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون* شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون* وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون* أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون﴾[البقرة:183- 187]. 

أشارت هذه الآيات إلى أحكام الصيام والى بعض حكمه وأسراره ، وسنحاول توضيح ما يمكن لنا توضيحه بعون الله وتوفيقه.


النصيحة الثانية

أن تعلم أيها الصائم أن الله سبحانه وتعالى لا يأمر عباده الا بما فيه صلاحهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة فإذا تأملت أيها الصائم قول الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ تجد أن هذه الآيةَ الكريمةَ قد بينت وجه الحكمة من فرضية الصيام علينا وعلى الأمم السابقة ألا وهي التقوى التي يورثها الصومُ لأن الصائمَ يشعرُ وهو يؤدي هذه العبادة بروحانية في داخله ونشاطٍ في أعضائه وجوارحه للعبادة ويشعر أيضاً بصفاءٍ في نفسه وإقبالٍ على ذكر الله وقراءة القرآن.

 وجاء في الحديث «صـوم ثلاثة أيام من كـل شهر يذهـبن وَحَرَ الصدر» أي غشه وإثمه وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآلـه وسلم : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» وهذا إرشاد من طبيب الأطباء محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه تلقى علمَه من الله العالم بما يصلح القلوب التي إذا صلـحت صلح الجسد كله قال صلى الله عليه وآله وسلم : «صوموا تصحوا» فمن صام نور اللَّـهُ قلبَه ورزقه الاستقامةَ والتقوى والحياءَ من الله وإذا حلت التقوى في القلوب حفظتها من السقوط في أَوْحَال الرذيلة إن الصيام تزكيةٌ للنفوس وطهارةٌ للقلوبِ وشفاءٌ لها من أمراض الغفلة ومن القسوة والذنوب المتراكمة عليها طوال العام ولا يشعر بهذا إلا من صام كما أمره رب العالمين ولا يجد لذةَ الطاعة وحلاوةَ العبادة إلا من علم أن الله سبحانه وتعالى أهلٌ لأن يطاع ويشكر على النعمة الغزيرة.

وإذا حلت الهداية قلباً
نشطت للعبادة الأعضاءُ
 ومن رزقه الله الهداية شرح صدره وفتح مسامع قلبه وتلذذ بذكره وظهرت آثار العبادة في سلوكه وجوارحه وجعله في زمرة المتقين ولهذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم «الصيام جُنةٌ من النار». 


النصيحة الثالثة

عليك أيها الصائم أن تتفكر جيداً في قــول الله عز وجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[البقرة:185] لا شك أن لله في ذلك سراً وحكمة كأن الله جعل الصيام تمهيداً وتهيئة واستعداداً لقبول هدية القرآن لأن الصوم جهاد للنفس ومنع لها من الشهوات والملذات من الفجر إلى الغروب وخلال هذه الفترة تسمو الروح وترتفع درجات الإيمان وتخف وطأة القيود المادية التي كانت تعرقل سموا الروح إن الطعام والشراب والشهوات إذا تقلصت أوقاتها استراحت المعدة، وصغت الفكرة وأتيحت الفرصة للعقول أن تفكر وللقلوب أن تخشع وللجوارح أن تنشط في عبادة الله وبذلك يتحصن الصائم من أمراض القلوب ويصبح الصائم حراً طليقاً من أسر الشهوات التي كانت تسيطر على عقلة وقلبه ولم تترك له وقتاً يفكر فيه على أن هذا التأثير الذي يحدثه الصوم في القلوب والجوارح لم ينشأ من تقليل الطعام والشراب فحسب ؛ بل لأنه عبادة تمد القلوب والعقول والجوارح بطاقة إيمانية وقوة ربانية وإشراقات روحانية تجعل القلوب مستعدة لقبول هداية القرآن قـال عز وجل في شأن القرآن : ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء﴾[فُصِّلَت:44] وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾[الإسراء:82].

فهدى القرآن لا يحل الا في قلوب مملؤة بالتقــوى قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين﴾[البقرة:2] وعن أبي ذر رحمة الله عليه قال: قلت يا رسول الله أوصني قال: «عليك بتقوى الله فانه رأس الأمر كله، قلت: زدني يا رسول الله قال عليك بتلاوة القرآن فإنَّه نور لك في الأرض وذخر في السماء» وجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم- أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة-يقول الصيام : «يا رب منعته الطعام والشهوات في النهار فشفعني فيه» ويـقول القرآن : «يا رب منعته النوم بالليل فشـفعني فـيه فيشفـعان» وقال عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم﴾[الشورى:52]  وقال عز وجل : ﴿قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين﴾[يونس:57] وهذا الشهر الكريم هو شهر القرآن وكان جبريل عليه السلام ينـزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن من أول ليلة منه إلى آخره ؛ فعليك أيها الصائم بقراءة القرآن بتأمل وتدبر وترتيل لكي تحظى إن شاء الله يوم القيامة بشفاعة الصوم والقرآن فأكثر من تلاوته ولك بكل حرف تقـرؤه عشر حسنات ، وتفقه في حلاله وحرامه ، و مقاصده ، وسرح بصرك وبصيرتك في رياضه وانتفع بمواعظه واعمل بأوامره ونواهيه وقف عند حدوده وكن من أهله الذين تَلَوْهُ حق تلاوته وأقاموا فرائضه وأخذوا بعزائمه ورخصه وحكَّموه عند الاختلاف ورضوا بحكمه قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن لله أهلين من الناس قالوا من هم يا رسول الله؟ قال : أهل القرآن هم أهل الله وخاصته» واعلم أن مِن تعظيم القرآن تعظيم حملته وطلابه ففيهم الفقير والمكفوف وصاحب الحياء؛ فتفقد أحوالهم وواس فقيرهم واقض حوائجهم وآثر أهل الدين والحياء منهم بالإكرام والعطاء ابتغاء وجه الله وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتابَ الله وعِتْرَتِيْ أهل بيتي فإنَّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض» فإذا أردت النجاة من الهلاك والضلال  فتمسك بالثقلين الكتاب وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعظم ما عظمه الله وحقِّر ما حقَّره الله وجاهد نفسك ولا تتبع الهوى وعند ذلك سترى الحق واضحاً بعون الله وتوفيقه وقل اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يا الله.


النصيحة الرابعة

عليك أيها الصائم أن تعلم أن الله عز وجل أوجب صيام رمضان على كل مكلف صحيح مقيم متى ثبتت رؤية هلال رمضان رؤيته بطريقة سهلة وميسرة وهي الرؤية بعينيك  فإذا رأيت الهلال في ليلة ثلاثين من شــعبان قد غرب بعد غروب الشمس مباشرة فاليوم المستقبل من شهر رمضان أو شهد شاهدان عدلان برؤيته أو تواترت الأخبار بذلك وجب الصوم  لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»، وقـال صـلى الله علـيه وآله وسلم : «الشهر تسعة وعشرون والشهر ثلاثون صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» وعند ذلك جدد العزم على الطاعة واحمد الله الذي عافاك وبلَّغَكَ هذا الشهر الكريم لكي تصوم مع الصائمين وتقوم مع القائمين وتذكر الله مع الذاكرين وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى الهلال قال : «اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربي  وربك الله»([1]) وكان علي عليه السلام إذا رأى هلال رمضان قــال : «اللهم رب رمضان أدخله علينا بسلام وأمن وإيمان وصحة من السقم وفراغ من الشغل عن الصلاة ».


النصيحة الخامسة

عليك أيها الصائم بعد ثبوت رؤية الهلال أن تعلم أن أول ما تبدأ به من أعمال الصوم هو تجديد النية والعزم على طاعة المولى جل وعلا ثم تناول ما تيسر لك من السحور لما في ذلك من الأجر والثواب قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله وملائكته يصلون على المستغفرين بالأسحار وعلى المتسحرين فليتسحر أحدكم ولو بجرعة من ماء فإن فيه بركة».

 وقال رسول الله - صلى الله عليه وآلـه وسـلم - : «استعينوا بطعام السحور على صيام النهار وبقيلولة النهار على قيام الليل» فإذا فرغت من السحور فاحمد الله الذي أطعمك وعافاك بغير حول منك ولا قوة ثم توضأ للصلاة وتنفل ما شاء الله من الصلوات واستحضر في قلبك عظمة الذي أمرك بالصلاة والصيام واجعل ذلك طاعة خالصة لوجه الله قال رب العالمين: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110] ولا تزال تذكر الله وتقرأ القرآن حتى تصلى الفجر كما أمرك الله.


النصيحة السادسة

عليك أيها الصائم أن تعلم أن الصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب والشهوات والملذات من الفجر الى غروب الشمس قال رب العالمين : ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾[البقرة:187].

ومعنا ذلك أن الله قد أباح لك أيها الصائم الأكل والشرب والشهوات والملذات حتى يظهر نور الفجر ويرفع المؤذن أذان الفجر وعند ذلك يحرم عليك ما كان مباحاً بأمرٍ من العلي الأعلى وإذا فرغ المؤذن من  آذانه فادع الله وصل على محمد وآله وقل «اللهم آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد»وادع الله بما شئت من خيري الدنيا والآخرة وبالغ في الدعاء بين الأذان والإقامة فإنه لا يرد ثم صل ركعتين سنة الفجر وبعدها صل فريضة  الفجر بخضوع وخشوع كما أمرك الله  فإذا فرغت من صلاتك فلا تذهب من مصلاك حتى تقرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد وتسبح ثلاثاً وثلاثين وتحمد ثلاثاً وثلاثين وتكبر ثلاثاً وثلاثين وتقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي و يميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير (عشراً) ثم صل على محمد وآله وادع الله بما شئت وأنت موقن بالإجابة.


النصيحة السابعة

عليك أيها الصائم أن تعلم أنه لا حرج بعد ذلك إذا نمت وأرحت جسمك و استعنت بذلك على طاعة الله فمن إكرام الله  للصائم أنه جعل نومه عبادة ونَفَسه تسبيحاً وتغير رائحة فمه أطيب عند الله من ريح المسك وعلى كل حال فالصائم متلبس بعبادة ربه أكثر من اثنتي عشر ساعة فإذا نام فهو في عبادة وإذا سعى في الأرض طلباً للرزق الحلال فهو في عبادة ، وإذا صلى جمع بين عبادة الصلاة والصوم ، وإذا ذكر الله تشبه بالملائكة الذين طعامهم الذكر والتسبيح وإذا قرأ القرآن زاده إيماناً وعليك أيها الصائم أن تحافظ على سلامة هذه العبادة مما يفسدها ويمحق أجرها.

فاحفظ جوارحك من المعاصي التي تجلب سخط الله ، وتأدب بآداب الله قال صلى الله عليه وآله وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فإن سآبه أحد أو شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم» وقال علي عليه السلام : «رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» ولا تزال ممسكاً عن المفطرات متحرزاً عن كل ما يفسد الصوم ذاكراً لله حتى يدخل اللـيل قال تعالى: «ثم أتموا الصيام إلى الليل» أي إلى أن تسمع أذان المغرب وحينئذٍ رفع الله عليك الحضر الذي كان مفروضاً عليك وأحل لك الطعام والشراب والشهوات والملذات الحلال ولا تغفل عن الذكر والدعاء عند الإفطار فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أفطر قال : «اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم » وروى أنــه قال: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» وروي أنه قال: «الحمد الله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت» والسنة تعجيل الإفطار وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يفطر قبل أن يصلي المغرب على رطبات فإن لم يكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن تمرات فعلى حسوات من ماء؛ ثم قم لصلاة المغرب وأنت خاشع ولا تستعجل فإن العجلة من الشيطان فإذا فرغت من الصلاة ومن الأذكار المشروعة بعدها فكل واشرب وتمتع بما أحل الله لك من الطيبات من غير سرف ولا خيلاء وأطعم من قدرتَ على إطعامه من المساكين قال صلى الله عليه وآله وسلم:«من فطر صائماً أو جهَّز غازياً أو حاجاً أو خلفه في أهله بخير كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» وهذا الأجر والثواب لمن أنفق من كسبه الحلال الطيب وتحرى الحلال في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وبعد ذلك بادر إلى صلاة العشاء واحمد الله على نعمه الكثيرة وحافظ على الأذكار بعد كل صلاة واعلم أن لك دعوة مستجابة بعد كل فريضة فلا تضيع هذه الفرصة .


النصيحة الثامنة

عليك أيها الصائم ألا تنسى إخوانك من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام فلا تحرمهم من بِرِّكَ وعطفِك و إحسانك فتصدق عليهم واقضِ حوائجهم وفرج كربتهم وتأس بمن بعثه الله رحمة للعالمين فقد كان أجودَ من الريح المرسلة وكان أجودَ ما يكون في رمضان وكان إذا جاء رمضانُ أعطى كل سائل وأطلق كل أسير وهذا الشهر هو شهر المواساة والبر والإحسان وما عند الله هو خير وأعظم أجراً واليد العلياء خير من اليـد السفلى وإذا أخرجتَ زكاةَ مالك كاملةً طيبةً بها نفسك في هذا الشهر الكريم حفظت مالك من الهلاك وطهرت نفسك من الشح وأرضيت ربك وأدخلت السرور على قلوب أهل الحاجة وضاعف الله لك الأجور وهذا هو التوفيق الذي يفوز به السعداء ويحرمه الأشقياء.

واعلم أيها الصائم أن تعلم أن الله سبحانه قد رخص في الإفطار للمريض  والمسافر تيسيراً منه ورحمة بعباده قال تعالى: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾[البقرة:185] وإذا كان المسافر يجد في نفسه قدرةً على الصيام فالأفضل أن يصوم خصوصاً هذه الأيام التي توفرت فيها وسائل النقل الحديثة المريحة وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أجد فيّ قوةً على الصيام في السفرِ فهل عليّ من جُناحٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هي رخصة من الله فمن أخذ بها فمحسنٌ ومن أحب أن يصومَ فلا جناحَ عليه» ورخص رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - للمرضع والحبلى وصاحب العطـش (مرض السكر) والشيخ الكبير.

ففي مجموع الأمام زيد عليه السلام عن أبيه عن جده علي عليه السلام قال: لما أنزل الله فريضة شهر رمضان أتت رسولَ الله امرأةٌ حبلى فقالت: يا رسول الله إني امرأة حبلى وهذا شهر رمضان مفروض "وهي تخاف على ما في بطنها إن صامت " فـقال لـها رسـول الله صـلى الله علــيـه وآلــه وســلم : «انطلقي فأفطري فإذا أطقت فصومي» وأتته امرأة ترضع فقالت يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض "وهي تخاف إن صامت أن ينقطع لبنها فيهلك ولدها" فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وســـلم: «انطلقي فأفطري فإذا أطـقت فصومـي» وأتاه صاحب العطش فقال يا رسول الله هذا شهر رمضان ولا أصبر عن الماء ساعة وهو يخاف على نفسه إن صام فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «انطلق فأفـطر فإذا أطقـت فصم» وأتاه شيخ كبير يتوكأ بين رجلين فقال يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض ولا أطيق الصيام فقال صلى الله عليه وآله وســـلم : «اذهب فأطعم عن كل يوم مسكيناً» ([2]).

فهؤلاء  هم الذين رخص لهم الشارع في الإفطار وعليهم القضاء متى زال عذرهم إلا الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام فقد رخص له الشارع وأمره أن يطعم عن كل يوم مسكيناً كما في الحديث السابق ومقدار الإطعام وجبتان غداءً وعشاءً أو قيمتهما ويجب على الحائض والنفساء الإفطار وعليهما قضاء الصوم لا الصلاة.

وفي الشفاء روى محمد الباقر بن علي زين العابدين عليهم السلام أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كُنَّ يَرَيْنَ ما تراه النساء فيقضِيْن الصوم لا الصلاة  قال وفاطمة عليها السلام كانت ترى ما ترى النساء فتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.


النصيحة التاسعة

عليك أيها الصائم أن تعلم أنه من أفطر متعمداً في نهار رمضان أسخط ربه وتعدى حدوده ودخـل في زمرة الفسقة والعــصاة قال عز وجل: ﴿وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾[الجن:23] وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة لم يقضه صيام الدهر وإن صامه».

وهذا وعيد شديد وزجر كبير تقشعر له الجلود لأن الجراءة على الله تجلب مقت الله على أصحابها وعليه أن يسارع إلى التوبة والاستغفار ويقضي ما أفطره وقد فاته من الخير والأجر مالا يعوضه صيام الدهر وهذا حكم من أفطر بالأكل والشرب وأما من جامع أهله في نهار رمضان فأثمه أكبر وغضب الله عليه أشد وعليه التوبة والاستغفار وكفارةٌ مغلظة وهي عتق رقبه فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وعليه أيضاً قضاء ما أفطره فحذار حذار أيها المسلم أن يراك الله وأنت تعصيه في رمضان وقد روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه رقى المنبر وقال آمين ثلاثاً فسئل عن ذلـك فـقال: «أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد من أدراك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له أبعده الله قل آمين؟ فقلت : آمين  وقال يا محمد : من ذكرت عنده ولم يصل عليك  أبعده الله قل آمين ؟ فقلت: آمين وقال يا محمد : من أدرك رمضان ولم يغفر له أبعده الله قل يا الله؟ فقلت : يا الله»

جعلنا الله ممن أدرك رمضان فغفر له .


النصيحة العاشرة

عليك أيها الصـائم أن تجتهد في هذا الشهر الكريم في عبادة الله عز وجل وأن تجعل كل حركاتك وسكناتك طاعة لله واحمد الله الذي جعل في العمر فسحةً حتى أدركت رمضان معافاً صحيحاً سليماً من الشواغل ولعلك لا تعيش إلى مثل هذا الشهر فاغتنم الفرصة وشمر للعبادة الخالصة لوجه الله لا يشوبها شيء من حظوظ النفس واعلم أن الله لا ينظر إلى الأشكال والألوان والصور ولكنه ينظر إلى القلوب فإذا كانت معمورة بالتقوى سليمةً طيبة تقبل الحق وترفض الباطل وتحب في الله وتبغض في الله زادها الله هدى ونوراً وضاعف الله لها ثواب الأعمال قال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِير﴾[المُلك:12] واحذر أيها الصائم القائم من آفات الريا والعُجب والغرور يقول تعالى: ﴿فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾[النجم:32] فلا تمن على الله بما تفعله من الطاعة ولا تحقرنَّ عبادة أحد من العباد ولا تحكم لنفسك بالتزكية والنجاة ولو أكثرت الصيام وأطلت القيام فإن الصالحين يعملون كثيراً من الطاعات ويخشون الاّ تقبل منهم كما قال سـبـحـانه: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون﴾[المؤمنون:60] وقد أرشـد المـصـطـفى صلى الله عليه وآله وسلم الصائمين والقائمين حيث قال: «إن الله افترض صيام رمضان وإني سننت للمسلمين قيامه فمن صامه وقامه احتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » وفي روايــة «من قام رمضان أيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم عن ذنبه» وهذا الحديث دليل واضح وصريح على أن ذلك الأجر العظيم لمن قام ليالي رمضان مصلياً أو ذاكراً أو تالياً للقرآن ابتغاء وجه الله ورغبةً في ثوابه وهروباً من عقابه لا يشوبه شيء من أغراض الدنيا ومعلوم أن قيام الليل في رمضان مرغب فيه.

وكان من هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي النوافل في بيته حتى لحق بالرفيق الأعلى وصح عنه أنه كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعةً ثماني ركعات ويوتر بثلاث في رمضان وفي غيره وعن سلمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول «من صلى ثماني ركعات والوتر يداوم عليهنَّ حتى يلقي الله بهن فتح الله له اثنى عشر باباً من الجنة يدخل من أيها شاء» وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب:21] من أراد أن يتقرب إلى الله بالنوافل في رمضان  فليصلها في بيته لا يراه أحد إلا الله وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «يا أبا ذر صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد» وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيت مظلم حيث لا يراه إلا الله عز وجل يطلب بها وجه الله وقال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: «عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته الا المكتوبة»([3]) وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسـلم قال: «صلاة المرءِ في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة»([4]) وعن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيهما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد قال: «ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب إلىَّ من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة»([5]) وبعد هذه الأدلة فلا تلتفت إلى الذين يتجمعون ويتحمسون لصلاة التراويح ويأتون إليها من الأماكن البعيدة وربما يصلي بعضهم الفريضة فرادى ليدرك التراويح في المسجد الذي حدد له ولعل بعضهم يعرفون أن صلاة التراويح بدعة ابتدعها عمر بن الخطاب والحجة قول الله وقول رسول الله وفي الجامع الكــافي لأبي عبد الله العلوي عن عثمان ابن محمد القومسي قال سألت القاسم بن إبراهيم عن القيام في شهر رمضان جماعة فقال:  لا نعرفها وذكر عن علي عليه السلام أنه نهى عن ذلك وفيه أيضاً قال الحسن بن يحيى عليها السلام:- أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن التراويح ليست بسنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا من أمير المؤمنين عليه السلام وأن عليا عليه السلام نهى عنها ؛ على أن التقرب إلى الله بالنوافل يجب ان يكون بعيداً عن الأنظار خالياً عن التوترات والنـزعات التي تعكر أجواء العبادة والخير بحذافيره في هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم نسأل الله أن يجعلنا ممن صام رمضان وقامه إيمانا واحتساباً .


النصيحة الحادية عشرة

عليك أيها الصائم و أيتها الصائمة أن تعلم أن الله فضل رمضان على سائر الشهور وانزل فيه القرآن واختصه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر روى عـن رسول الله صلى الله عليـه وآله وسـلم أنه قال: «إذا كان ليلة القدر أمر الله عز وجل جبريل عليه السلام أن يهبط في كوكبة من الملائكة عليهم السلام إلى الأرض ومعه لواء أخضر فيركز اللواء على ظهر الكعبة وله ستمائة جناح منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر فينشرهما في تلك الليلة فيجاوزان المشرق والمغرب ويبث جبريل عليه السلام الملائكة عليهم السلام في هذه الأمة فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر ويصافحون ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر قال جبريل عليه السلام يا معشر الملائكة الرحيل الرحيل فيقولون يا جبريل ما صنع الله في حوائج المؤمنين ؟ فيقول: إن الله نظر إليهم وعفى عنهم وغفر لهم إلا أربعة: مدمن خمر، وعاق لوالديه ، وقاطع رحمه ، والمشاحن ؛ قيل ما المشاحن يا رسول الله ؟ قال: المصارم».

وقد جاءت الأحاديث الكثيرة أنها في العشر الأواخر من رمضان في الأفراد منها قال صـلى الله عليه وآله وسلم : «التمسوها في العشر الأواخر فإنها في وتر في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو أخر ليلة فمن قامها أيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»وفي رواية «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في وتـر»وفي رواية   «هي في العشر الأواخر منها وهي ليلة طـلقـة لا حـارة و لا باردة تـصـبح الـشمس في يومها ضعيفة»؛ فينبغي لك أيها الصـائم أن تحيي هذه الليالي المباركة بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن أينما كنت في البيت أو في المسجد لعل الله يمن عليك بنفحة من نفحات مغفرته ورضـوانه واسأله العفو والعـافية في الدنيا والآخـرة إنَّه هو الغفور الرحيم.


النصيحة الثانية عشرة

عليك أيها الصائم أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله وعن علي عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف العشر الأواخر من رمضان وأحيى الليل وشد المئزر وبرز من بيته وكان يغتسل كل ليلة بين العشاءين وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من اعتكف العشر الأواخر من رمضان كان يعدل حجتين وعمرتين».

 وعلى كل حال فالاعتكاف فيه أجر عظيم لأنه فرصة ثمينة يحاسب الإنسان فيها نفسه ويعتذر لربه ويشتغل فيها بذكره وقراءة القرآن والصلاة في بيت من بيوت الله بعيداً عن المال والبنين والشهوات ، ومن اعتكف العشر الأواخر ابتغاء وجه الله واتباعاً لهدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقه الله من نار جهنم وكفى بذلك فوزاً، وقد يكتب الله الأجور الكثيرة لمن سعى في قضاء حوائج المسلمين قال صلى الله عليه وآله وســلم: «من مشى في حاجة أخيه المسلم فبالغ فيها قضيت أم لم تـقض كـتب الله له عبادة سنه» وروى «أن مما يوجب المغفرة إدخالك السرور على قلب أخيك المسلم»؛ وقال الحسن بن علي عليه السلام : لأن أقوم مع أخي المسلم في حاجته أحب ألي من اعتكاف شهر.

 وقال ابن عباس رحمه الله : سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من مشى في حاجة أخيــه وبالغ فيها كـان خيراً له من اعتكـاف عشـر سنين ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين»([6]) فطوبى لمن اعتكف ابتغاء وجه الله وتخلق بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نسأل الله أن يجعل هذا الشهر الكريم مرتحلاً بذنوبنا شاهداً لنا بالحسنات لا شاهداً علينا بالسيئات آمين اللهم آمين وأعلم أن قبول الصيام والقيام يظهر أثره في الاستقامة على طاعة الله سبحانه كما كانت في رمضان حتى يأتي أمر الله جل وعلا.

ملاحظة: معظم الأحاديث في هذه النصائح من الاعتصام والشفاء وآمالي أبى طالب والأحكام وبقيتها من كتب الحديث المعروفة.                              

كتبه الراجي عفو ربه
علي بن أحمد الشامي

 

([1]) رواه احمد والترمذي والطبراني والحاكم

([2]) هو في الشفاء والأحكام والجامع الكافي وشرح التجريد.

([3]) رواه مسلم  .

([4]) رواه أبو دواود .

([5]) رواه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة وهناك كتاب التوضيح في صلاة التراويح مطبوع فيه المزيد من الأدلة .

([6]) رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي واللفظ له والحاكم مختصراً.

الدلالات: