ليس خافياً على كل من تابع الأحداث وتطوراتها طوال السنوات الأربع الماضية أن الرئيس الأمريكي –الساقط- "دونالد ترامب" كرّس جهده ونفسه ووقته منذ تسلم مهامه كرئيس للولايات المتحدة في يناير 2017م للعمل على كل ما من شأنه تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل وتمهيد الطريق أمام كيان الاحتلال الصهيوني لتولي قيادة المنطقة بدون منازع أو منافس.
وكانت أولى الخطوات العملية التي قام بها "ترامب" في هذا الاتجاه تصـريحه الشهير عقب استقباله لرئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" في البيت الأبيض في............2017م بأنه من غير المسموح في عهده بأن تظل العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني في الإطار السري وإنما يجب أن تنتقل إلى العلن .. كما صرح أيضاً بأن حل القضية الفلسطينية أو ما يسمى "الصراح الفلسطيني- الإسرائيلي" على قاعدة ما عُرف بحل الدولتين أي الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية لم يعد مقبولاً معلناً بأنه سيطرح حلاً جديداً أطلق عليه "صفقة" وهي الصفقة التي عُرفت في التداول الإعلامي بـ"صفقة القرن".
وفي سبيل تمرير صفقته لم يدخر "ترامب" جهداً في معاقبة كل من عارضها ووقف ضدها مستخدماً على هذا الصعيد مختلف أشكال العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية بما في ذلك الإرهاب المتمثل في جرائم الاغتيالات بشكل مُعلن.
ومن أبرز الخطوات التي أقدم عليها "ترامب" في هذا الصدد ولم يسبق أن أقدم عليها من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين قيامه بنقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس في تحدٍ صارخ وسافر لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ... وقيامه بإصدار الأوامر وفقاً لاعترافه باغتيال القائدين "قاسم سليماني" و"أبو مهدي المهندس" ورفاقهم عبر غارة جوية قرب مطار بغداد..
وكذا قيامه باستخدام سلاح التجويع ضد شعوب إيران لبنان وسوريا واليمن عبر الحصار الخانق والعقوبات الاقتصادية الظالمة التي تتنافى مع أبسط القيم الأخلاقية والإنسانية وتتعارض مع القوانين والمواثيق والأعراف الدولية وخرقاً فاضحاً وصارخاً وسافراً لها..
إضافة إلى قيامه بتزويد النظامين السعودي والإماراتي بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر والقنابل الفتاكة التي يتم استخدامها في قتل الشعب اليمني وتدمير مقدراته وبُناه التحتية رغم معارضة الكونجرس الأمريكي لما يقوم به ومطالبته بوقف بيع الأسلحة لهذين النظامين المجرمين ووقف مشاركته في الحرب العدوانية الظالمة على اليمن وسحب القوات الأمريكية التي تشارك بشكل مباشر فيها..
وفي خطوات غير مسبوقة تولى "ترامب" شخصياً الإعلان عن تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وكل من دويلة الإمارات ومشيخة البحرين وحكم العسكر في السودان والنظام المغربي..
وبدا واضحاً أمام جميع المراقبين السياسيين أن كل ما قام به وأقدم عليه "ترامب" كان الهدف الأبرز منه يتمثل في كسب ود الصهاينة والتقرب منهم والحصول بالتالي على دعمهم له في الانتخابات الرئاسية بما يمكنه من الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للولايات المتحدة لفترة ثانية.
وبدا واضحاً أيضاً أن "ترامب" يتحضر في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية لمواصلة خطواته الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية والسير قدماً في تنفيذ مشروع ما يُعرف بالشرق الأوسط الجديد الذي بشرت بولادته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كونداليزا رايس" إبان العدوان الصهيوني على لبنان في يوليو – تموز 2006م.
وهنا نجد من المهم والمفيد التذكير بأن الوزيرة الأمريكية أعلنت خلال زيارتها لبيروت حينذاك بأن مخاض الشرق الأوسط الجديد قد بدأ – أي مع بداية العدوان- وجاء ذلك الإعلان بالتوازي مع إعلان عدد من المسئولين الصهاينة بأن هدف العدوان هو سحق حزب الله ... وجرى استخدام هذا المصطلح –مصطلح سحق- على نطاق واسع ومتكرر في تصريحات المسئولين الصهاينة التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام الدولية الأمر الذي ظهر معه بوضوح أن العدوان كان مبيتاً وأن الإعداد له قد تم مسبقاً في إطار التحضير لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.
كما ظهر بوضوح أيضاً أن حضور وزيرة الخارجية الأمريكية إلى بيروت وتصريحها الشهير إضافة إلى استخدام مصطلح –سحق- وتداوله بتلك الصورة لا يعني سوى أن الولايات المتحدة قد رمت بثقلها وثقل أدواتها في المنطقة خلف العدوان.
وكانت السعودية التي صرح وزير خارجيتها سعود الفيصل بأن قيام حزب الله بعملية أسر الجنديين الإسرائيليين مغامرة في محاولة مكشوفة ومفضوحة لتبرير العدوان الصهيوني على لبنان، كانت السعودية هي الدولة العربية التي لعبت الدور الأبرز في دعم العدوان من وراء ستار بطرق مختلفة وبدفع مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما كشفت عنه الحقائق التي طفت في السطح بعد العدوان..
وعند بدء العدوان لم يكن معظم المراقبين والمحليين السياسيين يتوقعون أنه سينهي إلى الفشل الذريع وأن هزيمة الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا وعملائها في المنطقة هي النتيجة التي سيسفر عنها العدوان في النهاية رغم شراسته ووحشيته ورغم كل ما حشده العدو الصهيوني من عديد وعتاد على الصعيد العسكري وحشدته أمريكا وصهاينة العرب والعجم على الصُعد السياسية والاقتصادية والإعلامية.. وبعد أكثر من 14 عاماً على تلك الهزيمة المدوية وغير المتوقعة للعدو الصهيوني وانتصار المقاومة الإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله الذي كان سحقه على رأس أهداف العدوان.
هاهي تطورات الأحداث ومستجداتها تؤكد أن مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه وبشرت به "كونداليزا رايس" عام 2006م قد دخل موسوعة غينيس كأطول مخاض في تاريخ البشرية من حيث الفترة الزمنية المتواصلة حتى اليوم بدون ولادة ... وهي ولادة لن تتم بفضل الله وبفضل رجاله المؤمنين الصادقين المخلصين وتضحياتهم الكبيرة في سبيل الله وصمودهم الأسطوري في وجه العدوان الأمريكي - الصهيوني ومواجهته وإفشال مشاريعه ومخططاته ..
كما تؤكد تطورات الأحداث ومستجداتها أن محور الشر الأمريكي – الصهيوني منذ 2006م وعلى مدى السنوات الماضية يسير من فشل إلى فشل على صعيد تحقيق أهدافه وعلى رأسها هدفه المتمثل في إعادة رسم خارطة المنطقة وإقامة ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد".
وفي المقابل فإن نصر تموز 2006م قد أثمر تشكل محور موحد في مواجهة محور الشر الأمريكي- الصهيوني هو محور المقاومة بعد أن بدا واضحاً أن هزيمة الكيان الصهيوني المدوية جعل الولايات المتحدة الأمريكية تغير خططها وتستخدم عملائها وإدارتها في المنطقة وعلى رأسها أنظمة الحكم في السعودية والإمارات وقطر والبحرين والتنظيمات الإرهابية التكفيرية بمختلف أسمائها ومُسمياتها في تنضير خططها الجديدة.. وهو ما ظهر بوضوح في العدوان على سوريا الذي بدأ عام 2011م والعدوان على اليمن الذي بدأ عام 2015م وهما العدوانان اللذان سقطت خلالهما الأقنعة عن تلك الأنظمة والتنظيمات أكثر من أي وقت مضى وظهر الجميع باعتبارهم رأس الحربة في العدوانين.
ومع مرور الوقت فقد أظهرت تطورات الأحداث أن العدوان على سوريا وبعده العدوان على اليمن هما امتداد للعدوان على لبنان "عدوان تموز 2006م" وأنه في مقدمة الأهداف التي يسعى محور الشر الأمريكي-الصهيوني إلى تحقيقها من ورائهما تقسم سوريا وتقسيم اليمن إلى كيانات وكانتونات على أسس عرقية وطائفية ومذهبية تسهل السيطرة عليها ونهب ثرواتها في إطار تنفيذ المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة وإعادة رسم خارطتها وإقامة الشـرق الأوسط الجديد الذي أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كونداليزا رايس" عند بدء عدوان تموز 2006م عن بدء مخاض ولادته...
وبعد أكثر من 9 أعوام من بدء العدوان المتواصل على سوريا وأكثر من 5 أعوام من بدء العدوان المتواصل على اليمن هاهي تطورات الأحداث تشير بوضوح إلى أن محور الشر الأمريكي – الصهيوني ونتيجة فشله في تحقيق أهدافه قد اتجه إلى التغطية على هذا الفشل عبر إعلان تطبيع العلاقات بين أنظمة الحكم العميلة وبين الكيان الصهيوني بدءاً من النظامين الإماراتي والبحريني واختيار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يوم الـ13 من أغسطس 2020م ليعلن عن اتفاق التطبيع بين النظام الإماراتي والكيان الصهيوني بالتزامن مع الذكرى الـ14 لنصر تموز، ويوم الـ11 من سبتمبر ليعلن عن اتفاق التطبيع بين النظام البحريني والكيان الصهيوني وهو اليوم الذي يصادف مرور 19 عاماً على تفجير برجي التجارة في نيويورك هو اختيار لا شك أنه يحمل الكثير من الدلالات ولم يكن اختياراً بريئاً.
وعلى الرغم من أن إعلان التطبيع بين هذين النظامين العميلين هو بمثابة تحصيل حاصل باعتبار أن العلاقات بينهما وبين الكيان الصهيوني قائمة بالفعل إلا أن الإعلان الرسمي عنه ومن جانب الرئيس الأمريكي نفسه يسهم إلى حدٍ كبير في إسقاط القناع الأخير عن وجهيهما القبيح ليظهرا على حقيقتهما أمام الشعبين الإماراتي والبحريني بشكل خاص وشعوب الأمة العربية والإسلامية بشكل عام.
وهذا هو أحد المستجدات التي تدل على أن محور الشر الأمريكي-الصهيوني يعيش حالة من التخبط والإرباك نتيجة فشله المتراكم في تحقيق أهدافه منذ عدوان تموز 2006م حتى اليوم .. كما تدل في جانب منها على أن هذا المحور الشرير ورغم حالة التخبط والإرباك التي يعيشها يواصل محاولاته دون توقف عبر تغيير الأساليب والخطط التي يسعى من خلالها إلى تحقيق الأهداف التي فشل طوال السنوات الماضية في تحقيقها.. وما بين انتصار المقاومة الإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله في أغسطس 2006م على كيان العدو الصهيوني وإعلان "ترامب" عن تطبيع العلاقات بين النظام الإماراتي العميل وكيان العدو في أغسطس 2020م حدثت الكثير من التطورات على صعيد سعي محور الشر الأمريكي-الصهيوني باتجاه تحقيق أهدافه العدوانية الشريرة.
الـ13 من أغسطس
كما سبقت الإشارة فإن اختيار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ليوم الـ13 من أغسطس للإعلان عن اتفاق التطبيع بين دويلة الإمارات وكيان العدو الصهيوني لم يكن بريئاً وإنما كان اختياراً مقصوداً ربما يأتي على رأس أهدافه –كما نعتقد- تسجيل انتصار وهمي للكيان الصهيوني في الذكرى الـ14 لهزيمته على يد المقاومة الإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله وهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وهي الهزيمة المتمثلة في إجهاض مخططها الذي أعلنت عنه وبشرت به وزيرة خارجيتها حينذاك "كونداليزا رايس" .. أي أن "ترامب" و"نتنياهو" أرادا من وراء اختيار هذا اليوم تحويل يوم الهزيمة إلى يوم انتصار تاريخي كما وصفه "ترامب" وروجت له ماكينة الإعلام الصهيونية وإن كان في الحقيقة انتصار وهمي.
لكن الرد على هذه الخطوة البائسة لم يتأخر حيث جاء بطريقة أو بأخرى على لسان قائد انتصار تموز سماحة السيد "حسن نصر الله" في الكلمة التي ألقاها مساء الجمعة الـ14 من أغسطس 2020م أي بعد يوم واحد من إعلان "ترامب" فقد أكد قائد المقاومة وقائد الانتصار في كلمته أن آثار الهزيمة العسكرية والنفسية التي لحقت بالكيان الصهيوني قبل 14 عاماً ما زالت حاضرة في هذا الكيان..
وقال السيد "نصر الله": «كان لحرب تموز نتائج إستراتيجية كبرى عسكرياً وأمنياً وثقافياً في معركة الفهم والوعي والإرادة» مضيفاً: «النتيجة الأولى لحرب تموز كانت إفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كانت تديره أمريكا».
لقد حاول "ترامب" و"نتنياهو" من خلال اختيار يوم الـ13 من أغسطس للإعلان عن خطوة التطبيع الخيانية بين الإمارات وكيان العدو الصهيوني أن يجعلا من هذا اليوم يوماً يشهد مناسبة يتم عبر تضخيمها التغطية على هزيمة "واشنطن" و"تل ابيب" في الـ13 من أغسطس 2006م بينما الحقيقة الماثلة للعيان في الواقع المعاش تتلخص في أن إعلان "ترامب" يُعد في حد ذاته تعبيراً عن حالة الفشل والعجز التي تسيطر عليه وعلى صديقه "نتنياهو" والتي جعلتهما يبحثا عن أي إنجاز أياً كان ومهما كان حجمه للخروج من هذه الحالة المستفحلة لديهما جراء الهزائم المتلاحقة التي انعكست على الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ومثلت تهديداً حقيقياً على مستقبل "ترامب" و"نتنياهو" السياسي.. وبدا واضحاً أمام جميع المراقبين والمحللين السياسيين أن أحد الأهداف الرئيسية التي سعى "ترامب" و"نتنياهو" إلى تحقيقها من وراء إعلان اتفاق التطبيع بين الإمارات وكيان العدو استخدامه كورقة انتخابية من جانب "ترامب" الذي وصلت شعبيته إلى الحضيض، وكذا استخدامه من جانب "نتنياهو" لتفادي المأزق الذي يعيشه بعد 4 جولات انتخابية لم يتمكن حزبه "الليكود" خلالها من الحصول على المقاعد التي تمكنه من تشكيل الحكومة، كما لم يتمكن من التوافق مع التكتلات والأحزاب الأخرى على تشكيل ائتلاف حكومي، إضافة إلى قضايا الفساد التي تلاحقه..
ومما يؤكد أن اختيار يوم الـ13 من أغسطس لم يكن بريئاً أو عبثياً لإعلان الاتفاق أنه جاء قبل أكثر من شهر على توقيعه في الـ15 من سبتمبر وبطريقة لفتت انتباه الكثيرين حيث خرج "ترامب" ليعلن أن الاتفاق تم عبر تلقيه اتصالين هاتفيين من رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو" وولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد" وصدر بيان ثلاثي أمريكي-إسرائيلي-إماراتي مشترك تضمن الإعلان عن «اتفاق الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وصاحب السمو الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في اتصال هاتفي جرى اليوم – الخميس 13 أغسطس- على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة».. وذلك بحسب ما جاء في نص البيان الثلاثي المشترك الذي تضمن أيضاً الإشارة إلى أن «اتفاقية التطبيع هذه صاغها رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" بوساطة أمريكية وكجزء من الاتفاق قرر "نتنياهو" تأجيل تطبيق السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وغور الأردن»..
وهذا يكفي في حد ذاته للدلالة على أن ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي لدويلة الإمارات "محمد بن زايد" لم يكن سوى أداة بيد "ترامب" وأنه لم يتدخل في صياغة الاتفاق الذي أعلنه الرئيس الأمريكي وتضمنه البيان الثلاثي المشترك ولم يكن يعرف شيئاً عن موعد إعلانه ومغزى هذا الموعد وإنما سار معصوب العينين خلف "ترامب" و"نتنياهو"..
ومن أبرز الشواهد الحية على هذا خروج بعض المسئولين الإماراتيين ووسائل الإعلام والأبواق الدعائية الإماراتية الرخيصة عقب إعلان "ترامب" للحديث عن ما وصفوه بنجاح الإمارات في إيقاف قرار حكومة الاحتلال الصهيوني القاضي بضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن إلى كيان الاحتلال وذلك على الرغم من أن ما جاء في البيان المشترك ينص بوضوح على أن «"نتنياهو" قرر كجزء من الاتفاق –أي اتفاق التطبيع- تأجيل تطبيق السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وغور الأردن».
والحقيقة أن التأجيل لا يرتبط بهذا الاتفاق بأي شكل من الأشكال وإنما كان سابقاً له حيث كان "نتنياهو" قد أعلن تأجيل تنفيذ قرار الضم أكثر من مرة كان آخرها في الـ26 من مايو 2020م حينما أعلن أن تنفيذ القرار قد تأجل إلى الأول من يوليو من نفس العام، أي قبل إعلان "ترامب" عن اتفاق التطبيع بأكثر من شهر... ووجد نفسه عاجزاً عن التنفيذ في الموعد الذي حدده مبرراً ذلك بالضغوط الأمريكية الأوروبية؛ الأمر الذي يعني بوضوح أن التأجيل لا يمت بصلة إلى اتفاق التطبيع.. ليس هذا فحسب بل أن "نتنياهو" خرج بنفسه يوم إعلان التطبيع لينفي صحة ما ردده المسئولون الإماراتيون ووسائل إعلامهم وأبواقهم الدعائية وليؤكد أن خطة الضم لا زالت قائمة ولم يتم إيقافها أو إلغائها وإنما تم تأجيلها لأسباب ليس بينها إعلان التطبيع مع الإمارات وأعلن "نتنياهو" عزمه المضي في تنفيذ الخطة ليوجه بهذا صفعة لبعض المسئولين الإماراتيين وعلى رأسهم "محمد بن زايد" الذين بلعوا ألسنتهم وتوقفوا عن الحديث حول هذا الموضوع كما توقفت وسائل إعلامهم وأبواقهم الدعائية الرخيصة عن الترويج له لتبرر خطوتهم الخيانية التي مثلت طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة التي تعد قضية العرب والمسلمين الأولى والمركزية.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الموقف الفلسطيني الموحد تجاه رفضه صفقة "ترامب" «صفقة القرن» ورفض خطوة التطبيع الخيانية الإماراتية، وهو الموقف الذي تجلى بصورة أوضح من أي وقت مضى في اجتماع بيروت –رام الله لقادة الفصائل الفلسطينية، أن هذا الموقف الموحد قد أصاب الثنائي "ترامب" "نتنياهو" بالإرباك نظراً لإدراكهما بأنه لا قيمة حقيقة لخطوات التطبيع الخيانية بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العميلة التي بدأت بالخطوة الخيانية الإماراتية في ظل الرفض الفلسطيني الموحد لصفقة العار "صفقة ترامب" التي كان يُراد منها تصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ كامل وفتح الباب واسعاً أمام الدول العربية قاطبة لإقامة العلاقات مع العدو الصهيوني تحت يافطة ما تسمى "صفقة القرن".
جامعة الشرق الأوسط!!!
ليس من قبيل الصدفة أن تنبري بعض أبواق النظام الإماراتي العميل في أعقاب الخطوة الخيانية التي أقدم عليها هذا النظام بالتوقيع على اتفاق التطبيع من العدو الصهيوني للحديث عن ضم كيان الاحتلال إلى جامعة الدول العربية وتغيير اسم الجامعة إلى جامعة الشرق الأوسط بدلاً من الجامعة العربية.. فمثل هذا الحديث الذي بدا عبر تغريدة نشـرها قائد شرطة دبي السابق المدعو "ضاحي خلفان" لاشك أنه جاء بإيعاز من حاكم دويلة الإمارات الفعلي المدعو محمد بن زايد كخطوة مدروسة وممنهجة على طريق تهيئة الرأي العام العربي للقبول بكيان الاحتلال الصهيوني جزءاً من المنطقة ودولة من دولها مثلها مثل أي دولة عضو في جامعة الدول العربية ... لكن لأنها دولة غير عربية وإنما عبرية فإن ضمها إلى الجامعة يتطلب تغيير اسم الجامعة اسم جديد هو كما طرح ضاحي خلفان جامعة الشرق الأوسط.. وهذا الاسم أو هذه التسمية الجديدة يأتي أو تأتي دون شك في إطار تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وإيجاد تجمع بديل للجامعة العربية يضم في عضويته الدول التي انخرطت في الخيانة والعمالة والتبعية وهرولت نحو التطبيع مع كيان العدو الصهيوني إضافة إلى دول المنطقة غير الأعضاء في الجامعة مثل أثيوبيا وأرتيريا ... وهذا التجمع الجديد سيقوده ويتزعمه الكيان الصهيوني ليس فقط كتجمع سياسي وإنما أيضاً تجمع عسكري واقتصادي يسيطر الكيان الصهيوني من خلاله سيطرة كاملة على ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد ويصبح بالتالي القوة العظمى في المنطقة وهو الهدف الأول والأبرز من أهداف المشروع الصهيو-أمريكي التي سعت الولايات المتحدة الأمريكية والدوائر الصهيونية إلى الوصول إلى تحقيقه منذ إعلان قيام كيان الاحتلال عام 1948م بموجب قرار صدر عن الأمم المتحدة في سابقة لم يشهد لها العالم مثيلاً ... ووفقاً للمعطيات المماثلة للعيان فإن من أبرز أهداف التجمع الجديد المزمع إقامته على أنقاض جامعة الدول العربية إقامة تحالف سياسي –عسكري – اقتصادي يتولى مهمة شن الحرب السياسية والعسكرية والاقتصادية ضد الأنظمة الحرة الرافضة للهيمنة الصهيو-أمريكية على المنطقة وشعوبها ومقدراتها وضد حركات وفصائل وأحزاب المقاومة... وهي الحرب التي بدأت بالفعل قبل ظهور التجمع الجديد وخروجه إلى الوجود من خلال الحروب العدوانية الظالمة بأشكالها العسكرية والاقتصادية والسياسية وحتى الإعلامية التي تعرضت ولا زالت تتعرض لها كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وحركات وفصائل وأحزاب المقاومة وفي مقدمتها حزب الله اللبناني وحركتا حماس والجهاد الفلسطينيتان.. ولم يعد خافياً على أحد أن هذه الحروب تقودها جميعاً الولايات المتحدة الأمريكية وتشارك فيها بشكل مباشر وغير مباشر بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني وأنظمة التبعية والخيانة والعمالة في المنطقة وهي ذات الأنظمة التي أسقطت الأقنعة عن وجوهها بشكل أكثر وضوحاً الحرب العدوانية الظالمة على اليمن وعلى رأسها أنظمة الحكم السعودية والإماراتية والبحرينية والسودانية والمغربية والأردنية والمصرية.. وهي الأنظمة التي ربما ستكون النواة الأولى للتجمع المزمع إقامته تحت اسم "جامعة الشرق الأوسط" أو تحت اسم "ناتو الشرق الأوسط" أو أي اسم آخر.
وعلى الرغم من أن هذه الأنظمة ومعها كيان العدو الصهيوني تستطيع إقامة تجمعها الجديد وضم من تريد إليه وتحت أي اسم أو مسمى تختار إلا أنها لما يبدو من خلال التسريبات تسعى نحو القضاء على الجامعة العربية وإقامة تجمعها على أنقاضها وذلك على الرغم من أن الجامعة قد تحولت وفقاً للعديد من المراقبين وحتى المواطنين العرب العاديين في الآونة الأخيرة إلى "جامعة عبرية" من خلال مواقفها المعلنة تجاه القضايا الساخنة التي شهدتها وتشهدها الساحة العربية ... وكان آخر هذه المواقف موقفها من خطوات التطبيع الخيانية مع العدو الصهيوني حيث رفضت الجامعة العربية مشروع قرار تقدمت به السلطة الوطنية الفلسطينية خلال الاجتماع الذي عقدته الجامعة في الـ9 من سبتمبر الماضي على مستوى وزراء الخارجية يتضمن إدانة التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني.
وفي حال قام الكيان الصهيوني وأنظمة الخيانة والعمالة والتبعية بإنشاء التجمع الجديد على أنقاض الجامعة العربية وانضمت إليه بعض دول المنطقة فإن من المتوقع أن تقوم الدول المستهدفة في المقابل بإنشاء تجمع خاص بها لمواجهة الأخطار المحدقة بها من جانب التجمع الجديد.. وبالتأكيد فإن تجمع الدول المستهدفة لن تقتصر على دول محور المقاومة وإنما من المتوقع أن تنضم إليه دول أخرى مثل باكستان وماليزيا وغيرهما من دول المنطقة التي ترفض الهيمنة الصهيو-أمريكية والسيطرة على قرارها الوطني الحر المستقل كما ترفض التبعية لواشنطن والتحول إلى أدوات لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها وخدمة مصالحها على حساب مصالح شعوبها.
وباختصار فإن المنطقة ستكون أمام قيام تكتلين سياسيين - عسكريين – اقتصاديين متنافسين أو بعبارة أخرى أمام محورين، الأول: هو المحور الصهيو-أمريكي، والثاني: هو المحور المقاوم للمحور الأول..
ومن أبرز أهداف المحور الأول إقامة الشرق الأوسط الجديد عبر إعادة رسم خارطة المنطقة بالطريقة التي تُمكن الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون من السيطرة على ثروات المنطقة ونهبها واحتلال جزرها وموانئها وسواحلها وتجزئ وتقسيم دولها إلى كيانات صغيرة وكانتونات هشة متصارعة ومتقاتلة فيما بينها تحت عناوين طائفية ومذهبية ومناطقية في مقابل تقوية الكيان الصهيوني ليصبح القوة العسكرية والاقتصادية العظمى في المنطقة باعتباره رأس حربة الإمبريالية وذراعها الطولى التي من خلالها تقوم بتنفيذ مخططاتها وتبسط هيمنتها على أنظمة الحكم فيها وتصادر قرارتها المستقلة وسيادتها بشكل كامل..
أما المحور الثاني فيأتي على رأس أهداف الدفاع عن الدول المنطوية في إطار هذا المحور وحريتها وسيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها والوقوف صفاً واحدا ًفي وجه مخططات المحور الأول وإفشال أهدافه التي سبقت الإشارة فيما سبق إلى أبرزها.
والحقيقة أن المحور الأول موجود على أرض الواقع منذ عقود ويعمل بشكل مستمر من أجل تحقيق أهدافه إلا أن الكيان الصهيوني كان الظاهر على السطح بينما كانت بقية أطرافه غير ظاهرة في العلن حتى جاء الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ليعلن بعد توليه الرئاسة أنه لم يعد مقبولاً أن تظل العلاقات بينها وبين كيان الاحتلال سرية وإنما يجب أن تنتقل إلى العلن..
ومع اقتراب ولايته الرئاسية من نهايتها وبالتحديد في الـ13 من أغسطس تولى شخصياً الإعلان عن التطبيع بين كيان العدو الصهيوني والإمارات وبعدها أعلن عن التطبيع بين الكيان والبحرين في الـ11 من سبتمبر ثم أعلن في الـ عن التطبيع بين الكيان والسودان وفي الـ من ديسمبر أعلن عن التطبيع بين الكيان والمغرب.
وبعد خطوات التطبيع فإن الخطوة المتوقعة القادمة أن تنضوي أطراف هذا المحور في إطار التجمع الذي بدأت التسريبات الإعلامية تتحدث عنه كما سبقت الإشارة.
أما المحور الثاني – محور المقاومة .. فقد بدأت ملامحه في الأفق تظهر شيئاً فشيئاً مع قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقديم الدعم لحركات وفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين وبالتحديد حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية –حماس- وبعدها الوقوف إلى جانب العراق وسوريا واليمن في مواجهة الحروب العدوانية الظالمة التي تعرضت ولا زالت تتعرض لها الدول الثلاث..
وفي الكلمة التي ألقاها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد في الـ8 من يناير 2020م دعا إلى ضرورة أن يتوحد أبناء الأمة وأن يتعاونوا بكل ما يعنيه التعاون على كل المستويات في التصدي للهجمة الأمريكية والصهيونية..
وقال: «إذا كان للآخرين أن يتوحدوا على باطلهم وأن يتعاونوا في ظلمهم لأبناء هذه الأمة وأن يتكاتفوا في مؤامراتهم علينا كمستضعفين فإن لنا كمستضعفين ومظلومين ومسلمين أن نتوحد ونتعاون وتتظافر جهودنا في دفع هذا الشر الذي يستهدفنا جميعاً وفي التصدي لهذا الخطر الذي يهددنا جميعاً..».
وأضاف السيد عبدالملك الحوثي: «وكما تعاون أولئك في تحالفاتهم الإجرامية والظالمة والاستكبارية والآثمة لظلم أبناء هذه الأمة نتعاون ونتحالف وتتظافر جهودنا وتتوحد مواقفنا إن شاء الله كأحرار في هذه الأمة في التصدي للهجمة الأمريكية والإسرائيلية..».
وكانت هذه المضامين من كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمثابة الإعلان عن مرحلة جديدة في مواجهة المحور الصهيو-أمريكي عنوانها الأبرز توحيد محور المقاومة لتشكل دول المحور مجتمعة تحالفاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً..
وفي هذا الإطار يصبح واضحاً أكثر من أي وقت مضى أن المسألة لن تعود مسألة مواقف سياسية وإعلامية داعمة لهذه الدولة أو تلك أو لحركات وفصائل المقاومة في مواجهتها للهجمة الصهيو-أمريكية أو دعمها بالسلاح والخبرة بطريقة سرية ومن وراء ستار وإنما ستصبح المسألة مسألة تحالف استراتيجي معلن ومكشوف بحيث أن أي عدوان على أي دولة من دول هذا المحور سيكون بمثابة عدوان عليها جميعاً وبالتالي فإنها ستكون معنية بالرد عليه مواجهته مجتمعة حتى لا يتمكن المحور الصهيو-أمريكي من مواصلة سياسة تجزئة المعركة والاستفراد بدول محور المقاومة واحدة تلو أخرى كما حدث طوال العقود الماضية .. وهذا جوهر الدعوة التي أطلقها السيد عبر الملك الحوثي في كلمته بمناسبة الذكرى السنوية في الـ8 من يناير 2020م.
وهي الدعوة التي جدد التأكيد عليها أيضاً في الكلمة التي ألقاها في ذات المناسبة في الـ من يناير 2021م.
وقد لقيت هذه الدعوة تجاوباً كبيراً من جانب قادة دول محور المقاومة وقادة حركات وفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، وبدأت بالفعل التحركات الهادفة إلى ترجمتها على الصعيد العملي من خلال بحث السبل الكفيلة بقطع الطريق على المحور الصهيو-أمريكي تجزئة المعركة والانتقال بالتالي إلى مرحلة مواجهة بشكل موحد بحيث تكون أي معركة قادمة معه في المستقبل معركة واحدة تخوضها أطراف محور المقاومة مجتمعة في مختلف الجبهات في وقت واحد..
وهذا هو الخيار الأصوب والأنجع الذي تفرضه طبيعة المواجهة مع محور الشر الأمريكي-الصهيوني الذي يواصل حروبه العدوانية الظالمة التي تستهدف أمتنا العربية والإسلامية وبلدانها واحدة تلو أخرى بدون استثناء..