لا يختلف مسلمان اثنان في قدسية المسجد الأقصى وذلك لكونه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله حيث أسري به من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصـى الشـريف في رحلة إعجازية خارقةٍ لقوانين الزمان والمكان ثم عرج به صلوات الله عليه وعلى آله إلى سدرة المنتهى لتكون هذه الرحلة العجيبة بمثابة التكريم الإلهي لخاتم المرسلين وإمام الأنبياء وصفوة البشرية، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المعجزة في سورة الإسراء حيث قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير﴾[الإسراء:1].
ويلاحظ في الآية الكريمة استخدام لفظة العبودية وهي قوله تعالى: «بعبده» ولم يقل بنبيه وكذلك لم يقل برسوله وذلك لأنَّ كلمة (عبده) تعتبر قمة السمو البشري وهي أرقى كلمة يوصف بها إنسان وحبيبنا محمد صلوات الله عليه وعلى آله قد جسَّدَ العبودية لله في أجلى صورها وأرقى معانيها فاستحق من الله سبحانه وتعالى هذه المعجزة تسلية له وتكريماً له وتشريفاً له وقد أتت هذه المعجزة عقب سنوات مليئة بالشدة والضيق والمعارضة والصد التآمر والمكر من قبل أعداء الحبيب المصطفى وبعد ابتلاءٍ شديد حيث توفي عمه أبو طالب وخديجة في عام سُمِّيَ عام الحزن فكانت هذه الرحلة التكريمية بمثابة البلسم الشافي لروح الحبيب المصطفى وكأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه ورسوله وصفيِّه إنَّ لديك عندنا لزلفى وإن مقامك لا يضاهيه مقامٍ وإنَّ منزلتك لهي المنزلة العليا فَطِبْ نفساً يا محمد وقرَّ عيناً فإنا لن نتركك ولن نخذلك فأنت نور الحق الذي لا يستطيع أحد أن يطفئه وإنما هي سنتنا في هذه الحياة الدنيا أن نبتلي أحباءنا ونمحص أولياءنا وصدق الله العلي العظيم حيث قال في محكم كتابه الكريم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون﴾[الأنعام:112].
إذن فلا غرو أن يبتلي الله سبحانه وتعالى نبيه بأولئك العتاة الطغاة الفراعنة الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة ومن جبروت ومن صلف أن يطفئوا نور الله وأن يطمسوا نور الحق خوفاً على مصالحهم وخوفاً على ذواتهم الشخصية وهكذا هي الحياة صراعٌ شديد وقوي بين الحق والباطل فأهل الباطل يستميتون في إظهار باطلهم وتثبيته وترسيخه في العقول والنفوس ولكن الله سبحانه وتعالى يصطفي للحق رجالاً يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون في سبيله لومة لائم وإنْ كلفهم ذلك أرواحهم وأنفسهم ودماءهم وأموالهم فدماء العزة بالله تسري في عروقهم غير مكترثين بتبجُّح الباطل وتنفُّخ المستكبرين وبزماننا هذا يشهد نموذجاً بارزاً حيًّا لصراعٍ مريرٍ وشرسٍ جداً بين باطلٍ يريد أن يرسِّخ جذوره وأن يهيمن بجبروته وغطرسته وأن يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً يقود هذا الباطل قوى الاستكبار العالمي على رأسهم أمريكا والصهاينة اليهود ويؤازرهم صهاينة العرب وفي مقدمتهم أعراب الخليج كلُّ هؤلاء يريدون فرض واقع جديدٍ على أقصانا ومسرى نبينا محمد صلوات الله عليه وعلى آله ويسعون سعياً حثيثاً ودؤوباً لتهويد القدس وسلخه من هويته الإسلامية وما هرولة الأنظمة الخليجية وغيرها من الأنظمة العربية العميلة لتطبيع العلاقات مع الصهاينة المعتدين إلا أكبر دليلٍ وشاهدٍ على هذه النوايا الدنيئة والخبيثة فالقدس بأقصاه ينادي بأعلى صوته أين أنتم أيها المسلمون أين أنتم أيها العرب أين أنتم أيها الصامتون ماذا دهاكم وماذا حلَّ بكم، ألست مسرى نبيكم وحبيبكم المصطفى؟ ألست جزءاً من مقدساتكم؟ ألا هل من مجيب؟! ألا هل من غيور؟! ألا هل من مدافع؟! ألا هل من مكتئبٍ لحالي؟! ولكن الجواب كما قال الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حياً |
|
ولكن لا حياة لمن تنادي |
يعزُّ علينا يا أقصانا أن تناي ولا يجيبك أحد؛ لأن أعرابنا وأنظمتنا العربية العميلة قد حسمت أمرها وقررت.
ليخرس كل مناضل، وليصمت كل غيور، فنحن قد قررنا العبودية لأعداء الأمة وأعداء الأقصى وأعداء القدس وهيهات منَّا العزة تأبى أمريكا لنا ذلك وكل عملائها وشياطينها ونفوسنا الذليلة تأبى لنا ذلك.