أن كل جارحة من جوارح الإنسان أمانة لديه، لا يحل له أن يستعملها في معصية الله عز وجل يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}(الإسراء:36)، ويقول تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(غافر:19).
وفي كتاب المناهي للمرتضى بن الهادي عليهما السلام: نهى – أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – أن ينظر الرجل إلى شيء حرمه الله عليه، وأن يديم الرجل النظرة الأولى.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (اتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم) يريد أن الله تعالى كما هو مشاهد لها، فإنه الحاكم فيها، فلا يحتاج فيها إلى بينة تقام، ولا تخفى عليه خافية.
والنظر إلى ما يثير الشهوة من الصور حرام، والإنسان كما هو مسؤول عن اليد أن يبطش بها، والأذن أن يسمع بها، والرجل أن يمشي بها إلى المعصية، وهكذا فهو مسؤول عن نظره، فالله تعالى يقول: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النور:24).
كما أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالغض من أبصارهم قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * ُوقل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}(النور:30).
والآية الكريمة تحمل أمراً إلهياً صريحاً بغض البصر وإقصار الطرف عن كل ما حرمه الله تعالى، لأن النظرة قد تتبعها الخطرة، وتتبع الخطرة الخطوة، وتتبع الخطوة الخطيئة ، كما أنها قد تجر إلى ما هو أكبر من مجرد النظر والمشاهدة ، والمعاصي بعضها يدعو إلى بعض قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(النور:21).
ولأن النظر رائد القلب إلى الشهوة، وبريد الفجور ، والمقدمة للوقوع في السقوط كما قال بعضهم:
كل الحوادث مبدأها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
وغاية هذا التوجيه القرآني أن يحفظ المرء نفسه من الانسياق وراء الشهوات والنزوات التي تَفضي به إلى الوقوع في الفاحشة، ومن ذلك مشاهدة الأفلام الإباحية ؛ إذ تعد من أعظم الأمور فساداً وقد حرمها علماء الإسلام ؛ لما يترتب عليها من المفاسد، كما أن مشاهدة تلك الأفلام تلحق الأذى بالمجتمع ، وتؤدي إلى فساد قلب المؤمن ، وتميت فيه حلاوة الإيمان والحلال، وتدعو إلى التجرؤ على ارتكاب الفواحش والمعاصي والتهاون فيها، فيتوق الشخص إلى تطبيق ما يشاهده في تلك الأفلام الخليعة الإباحية، وتؤثر بشكل كبير على نفسية الشخص الذي يعكف على تلك الأفلام فيصبح كئيباً شارد الذهن، بعيد الفكر، أقرب ما يكون إلى البلاهة، ويخسر توقده وذكاءه في حياته العملية.
كما أن تلك المشاهد فيها اطلاع المرء على أمر حرمه الله تعالى من العورات، وفيها إثارة للغريزة، وإيقاظ للفتنة ، وتطلَّع النفس لفعل الفاحشة ، وقدر روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (العين تزني، والقلب يزني، فزنا العين النظر، وزنا القلب التمني، والفرج يصدِّق ما هنالك أو يكذبه).
قال السيد العلامة الكبير علي بن محمد العجري رضوان الله عليه في فتاواه: قد ورد من أدلة الكتاب والسنة ما هو صريح في تحريم نظر المرأة الأجنبية غير الطفلة والقواعد من النساء لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(النور:30)، ومعناه كف البصر عن النظر إلى ما حرم الله تعالى.
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني عن ربه عز وجل: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه). وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه). إلى أن قال رضوان الله عليه: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل عين باكية يوم القيامة إلا عين غضت عن محارم الله ، وعين سهرت في سبيل الله، وعين خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله). وعن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا الأمانة إذا أؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم) إلى أن قال: وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لتغضن أبصاركم ولتحفظن فروجكم أو ليكسفن الله وجوهكم) ومعنى كسف الوجوه: إذهاب بهائها ونضارتها. وهو بالسين المهملة، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أصاب من امرأة نظرة حراماً ملأ الله عينيه ناراً يوم القيامة) وقال يحيى بن زكريا عليهما السلام: الزنا التمني والنظرة. وقال عيسى عليه السلام: لا يزني فرجك ما غضضت بصرك، وقال أيضاً: إياكم والنظرة فأنها تزرع في القلب الشهوة ، وفي هذا كفاية في الترهيب عن النظر إلى المرأة الأجنبية لأنها تزرع في القلب الشهوة.انتهى.
لذا يجدر بالمسلم أن يحصن نفسه ويتغلب على شهواته بالطاعات والعبادات التي تقربه من الله تعالى ، وليس بالأفعال التي تؤدي به إلى المحرمات المنهي عنها، ويجب عليه أن يتخلص من مشاهدة الصور العارية الفاضحة والأفلام الجنسية الخليعة، وتصفح مواقع الانترنت الإباحية بالعديد من الطرق والوسائل منها:
- توبة الإنسان الواقع في هذه المعصية، وتوجهه إلى الله تعالى بالدعاء أن يعينه على التخلص من المحرمات، وييسر له طرق الهداية والخير ويحرص على الدعاء وقت السحر فإنه أرجى للإجابة.
- الانشغال بالطاعات والعبادات والحرص على ملئ أوقات الفراغ بالأمور النافعة ، وتجنب الجلوس بشكل منفرد.
- الابتعاد عن مرافقة أصحاب السوء.
- التقرب إلى الرفقة الصالحة التي تعين على التقرب إلى الله تعالى .
- مخافة الله ، والحرص على تقواه والابتعاد عما يغضبه.
- الحرص على إضعاف كل ما يدفع إلى تحريك الشهوة وإثارة مكامنها، ابتداء من قود النفس إلى غض البصر عن المحرمات ، ومن ذلك: الامتناع عن مشاهدة الأفلام التي تغضب الله، أو تصفح المواقع التي تبث الرذيلة، وتنشر الفاحشة.
- ومما يعين على ذلك: الحرص على الصحبة الصالحة، وعدم الاستغراق بالتفكير فيما يثير الشهوة، والابتعاد عن الأماكن التي فيها الاختلاط المحرم.
- تقوية صلة العبد بربه وإيمانه به بالعديد من الطرق والوسائل التي منها قراءة القرآن بتدبر وتمعن، والتفكر في آيات الوعد والوعيد ، والحرص على الإكثار من النوافل.
- ومما يساعد في ذلك : العزيمة والإرادة القوية في ترك المحرمات.
- تذكير النفس بالأجر الذي أعده الله تعالى لعباده المؤمنين الصالحين العابدين المنفذين لأوامره ، والمجتنبين لنواهيه.
- إغلاق ومنع كل وسيلة قد تؤدي إلى الوقوع في معصية الله تعالى ، وكل ما يؤدي إلى القنوط من رحمته عز وجل.
وبالأخير نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون على ما وصل إليه حال المسلمين اليوم من ردة في الأخلاق، وانقلاب في المفاهيم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: (لتتعبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن. وفي رواية (لتحذن حذو بني إسرائيل حذو القُذَّة بالقذة، والنعل بالنعل، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).