فضائيّات التبشير والفتنة وخطرها على جماهير الأمة

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 06/04/2021 - 9:41ص

في زمن العولمة وفي ظل التقدم التكنولوجي في عالم تقنية التواصل والاتصال تبرز في الواقع المعاش الكثير من المخاطر التي صارت تهدد المجتمعات من نواحٍ عديدة ولا سيّما الخطر الداهم الذي يصيب الأمة في مقتل، وهو خطر الفضائيّات على وجه الخصوص، ذلك لأنه ومع تعدد وسائل الإعلام يظل التلفزيون من أهم وسائل الاتصال الجماهيري، وأكثر الأجهزة الإعلامية تأثيراً في عقول الناس وأفكارهم، يستوي في ذلك الصَّغير والكبير، الغني والفقير، المتعلم والجاهل. وتظل هذه الوسيلة الإعلامية هي الأكثر انتشاراً في أوساط الناس، والأكثر قرباً منهم، والأكثر تأثيراً في سلوكهم واتجاهاتهم.

وفي الوقت الذي لا ننكر أنها تؤدّي دوراً مهمًّا وبارزاً في حياة الأفراد والمجتمعات، غير أن هناك الكثير من المخاطر الكبيرة التي لا تخفى على أحد، والتي من أهمها خطر تضليل الأمة، وتزييف وعي الجماهير، وهو الأمر الذي نجد آثاره الخطيرة التي صارت تؤتي ثمارها في واقعنا المعاش في جوانب كثيرة ومتعددة، سنتناول جانبين منها في السطور التالية.

القنوات الفضائية وبرامج التبشير والإلحاد:

ما إن بدأ البث الفضائي حتى ظهرت قنوات تبشّر بالإلحاد والأفكار الهدّامة كالأحمدية والبهائية وغيرها. كما وأنها ظهرت في الآونة الأخيرة جملة من القنوات الفضائية التبشيرية التي تبشر بالمسيحية، بعد أن كانت مثل تلك القنوات غير مسموح بها في السابق في الأقمار الصناعية العربية (عرب سات ونايل سات)، وصارت هذه القنوات تبث برامجها التبشيرية الداعية إلى الإلحاد والتبشير بالنصرانية، وبث الشبهات فيما يتعلّق بالإسلام، والكلام في القرآن وفي الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، وفي الذات الإلهيّة بما يحلو لهم، مستخدمة اللغة العربية، ولغات أخرى، هندية، وفارسية، وكردية، وأوردية، وتركية، وغيرها من اللغات المتداولة في قارتي آسيا وإفريقيا وهي المناطق الجغرافية ذات الأكثرية الإسلامية والأقلّية أيضًا،  دون أن تجد هذه القنوات وتلك البرامج أي منع لها من قبل من يقومون بإدارة تلك الأقمار الصناعية أو حتى تهديدها بالإغلاق كما يفعلون مع القنوات الحرة أمثال المسيرة والمنار وغيرها، في الوقت الذي لا نكاد نجد حتى الآن حسب علمنا قنوات أو حتى قناة إسلامية واحدة متخصّصة في رد شبهات وأباطيل قنوات التبشير والإلحاد وفضحها!!

ونتيجة لذلك وجدت تلك القنوات التبشيرية طريقها إلى قلوب الكثير من الجماهير المسلمة في الوطن العربي والعالم، وصار لها متابعون من مختلف فئات المجتمع وشرائحه رجالاً ونساءً، وفي مقدمتهم شريحة الطلاب والشباب،  الأمر الذي ينذر بالخطر على الأجيال المسلمة التي قد تصبح في يوم من الأيّام معتنقة لتلك المذاهب والأديان المنحرفة، لا سيّما في ظل التهافت غير المسبوق الذي نراه من قبل بعض الأنظمة العربية التي سارعت للتطبيع مع اليهود، والتي تسير وفق الأجندات التي تملى عليها من البيت الأبيض الأمريكي، والذي ظهر جليًا في السماح ببناء الكنائس المسيحية، والمعابد البوذية والهندوسيّة، ومنح تراخيص للمراكز والمعاهد التي تخص بعض تلك الجماعات في دول الخليج والجزيرة العربية، وغير بعيد أن يتم تعميمها على بقيّة دول الوطن العربي تحت مسمى احترام الحريات ورعاية الأقليّات.

القنوات الفضائية وموجة التطرّف والإرهاب

قد لا تلقى قنوات التبشير والإلحاد قبولا لدى الأعم الأغلب من المنتمين للإسلام، ومهما تحدّثنا عن خطورة تلك القنوات والبرامج على جماهير الأمّة إلاّ أن هناك نوعًا آخر من القنوات والبرامج الدينية الأشد خطورة، وهي تلك القنوات والبرامج التي تزرع الطائفية، وتبث الأفكار والمعتقدات المتطرفة الهدّامة التي تفرّخ التطرّف والإرهاب، وتزرع الأحقاد والضغائن، وتسبب الفرقة والشتات بين أبناء الأمّة، من خلال نشر الطائفية، وفتاوى التكفير والتفسيق والتبديع، ومثل هذا النوع من الفضائيات تعتبر ولا شك مِن أخطر الوسائل تأثيرًا على جماهير الأمة، نظرًا لسُهولة وصول مثل هذا القنوات إلى قطاعات واسعة من المجتمع، كونها تقدّم الباطل في شكل جذّاب تحت ستار الدين، ولذا فإنها أكثر تأثيرًا في عقول النَّاس ونفوسهم، وفي اتجاهاتهم ومواقفهم التي يتَّخذونها حيال كثير مِن القضايا.

وما من شك أن في المحتوى الديني الذي تقدمه تلك القنوات والبرامج الدينية التضليلية التي تبث عبر الأقمار العربية والأوروبية وغيرها وتصل إلى الملايين من جماهير الأمة على مختلف ألسنتهم وبيئاتهم هو محتوى مزيّف يتزيّن بزي الدين، وهو في أغلبه ذو نزعة طائفية، تشجع على التطرف، وتحرض على التمييز وإثارة الكراهية. حيث نجد المحتوى الديني لتلك القنوات والبرامج يعتمد في الغالب على نشر فتاوى التكفير والتفسيق، ويركّز على القضايا الخلافيّة، ويزرع الطائفيّة، ويؤجج الفتنة، ويبذر بذور الكراهيّة، ويعزّز الإرهاب والتطرف، ويعمل على توجيه بوصلة العداء إلى الداخل الإسلامي تحت مسمّيات مختلفة، وصرف الأنظار عن العدو الحقيقي للأمة المحتل للأرض والمقدسات.

 

المسؤولية في مواجهة التضليل:

مما لا شك فيه أن سلاح القنوات الفضائية والمواقع الدينيّة أكثر تأثيرًا من أي سلاح آخر، هذا السلاح الخطير هو سلاح ذو حدّين كما يُقال، ولكنه اليوم يستخدم خنجرًا مسمومًا في خاصرة الأمة، وصارت أفكارها الهدّامة  تتسلل إلى عقول المسلمين وأفكارهم، وينتشر انتشار الهشيم في أبنائنا وبناتنا، ليمهّد الطريق أمام استعمار من نوع جديد، هو احتلال العقول والأفكار، والتحكّم في التوجّهات والتصرفات والسلوك، دون أن يجد أدنى اهتمام من أحد.

ومن هنا كان لا بد وأن يكون هناك توجّه مسؤول من قبل المعنيين على المستوى الرسمي والشعبي للعمل بما من شأنه إيجاد جبهة إعلامية قويّة تعمل جاهدة على مواجهة هذه البرامج التضليلية وتوعية جماهير الأمة للحذر من تلك الأفكار الهدّامة التي تسوقها قنوات الإعلام التضليلية، وإيجاد وعي جماهيري لتحصين الأمة من مخاطر ومضارّ الإعلام، وعدم الانجرار وراء أفكارها الهدّامة دون وعي ولا بصيرة، وذلك من خلال جملة من الوسائل أهمها ما يلي:

  1. إنشاء وسائل إعلامية مرئية ومسموعة متخصصة في الرد على قنوات التضليل والفتنة ومعالجة القضايا والشبهات التي تبثها تلك القنوات بأسلوب حكيم وواعي.
  2. الاستفادة قدر الإمكان من وسائل الإعلام المرئيّة، وتحسين كفاءتها؛ والعمل على تنمية جاذبيتها أمام القنوات والبرامج التضليلية الهدامة التي تجذب المشاهد نتيجة ضعف الأداء الإعلامي للقنوات الإسلامية المحافظة على الهوية.
  3. الاهتمام بالجانب الفني الإعلامي بكل أشكاله وصوره والتي منها: الشعر، والعمل المسرحي، و الأناشيد الثورية والدينية، والزوامل الشعبية، وغيرها بما من شأنه إيصال الفكرة، وغرس القيم الدينية والوطنية في نفوس الأجيال.
  4. تفعيل المساجد، من خلال خطب الجمعة وإقامة الندوات والمحاضرات والدروس المسجديّة، والتركيز فيها على جانب التربية الإيمانية والمحافظة على الهويّة الدينية والوطنية.
  5. العمل بشكل مستمر ومركّز في طرح القضايا الفكرية والتربوية التي من شأنها تصحيح المفاهيم وتربية الشباب تربية إيمانية.
  6. العمل بشكل مستمر ومركّز على تعريف الجماهير بأعداء الأمة، وفضح خطط الأعداء ومؤامراتهم، وتوجيه الأمة التوجيه الصحيح لمواجهة تلك المؤامرات، والتي منها استخدام سلاح المقاطعة لقنواتهم وبضائعهم.
  7. غرس التربية الجهادية في نفوس الشباب عن طريق فتح المعسكرات التدريبية، والمراكز الصيفية، والنوادي الثقافية والرياضية، وتوجيه طاقات الشباب البدنية والفكرية في الاتجاه الصحيح الذي يخدم قضايا الأمّة ويصب في مصلحتها.
  8. الاهتمام بالثقافة القرآنية، والعمل على ترسيخ وتعزيز هذه الثقافة عبر مختلف الوسائل، وفي مقدمة ذلك المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، ووسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي.
  9. استغلال المناسبات الدينية والوطنية والقوميّة المختلفة بما من شأنه غرس الهويّة، وترسيخ الوعي، وتثبيت الإيمان في نفوس وعقول جماهير الأمة.

 

 

الدلالات: