عندما يتوافق الإعلام مع المعتقدات السليمة

نشر بتاريخ: اثنين, 22/03/2021 - 9:41ص
الكاتب: 

 

‏قبل منتصف الثورة الشعبية 2011 ضمن " الربيع العربي " قفز إلى المشهد الاعلامي في اليمن وتحديدا في العاصمة صنعاء حملة تحريضية ضد أنصار الله ممن يفترض أنهم شركاء الثورة  ( التجمع اليمني للاصلاح ) ( إخوان اليمن ) عنوانها الرئيسي ( جرائم الحوثيين في عاهم حجة ودماج صعدة ) جددت مطابع الاصلاح توزيع كتاب متادول ، يحمل غلافة " الحوثيون " الظاهرة الحوثية دراسة شاملة " يتضمن الكتاب في الجزء الاخير منه دعوة واضحة وصريحة إلى حمل السلاح وقتالهم !!

مرحلة العدوان الداخلي المدعوم إقليميا

لقد فهم من هذه الحملة أنها مقدمة مسبقة لإبعاد أنصار الله من المشهد السياسي بقوة السلاح وأن من سيقوم بذلك هي الدولة (الإصلاحية التي ستلي سقوط علي عبد الله صالح) وان هذه الحرب مدفوعة التكلفة من المملكة السعودية .

كانت هذه الحرب قد بدات بالفعل وكان إعلام السعودية الرسمي وغير الرسمي الممولة من الرياض بالاضافة إلى إعلام الإصلاح المسموع والمقروء والمرئي ، وبصورة سريعة دخل الإعلام الرسمي المصري، طبعا في عهد الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي  وعدد غير محدود من القنوات التابعة لهم ، كل هذا الإعلام يدعو للتحشيد وتجميع مقاتلين ونقلهم إلى محيط صعدة ومديريات حجة ، عاهم وكشر ، في الوقت الذي كانت تصاغ فيه المبادرة الخليجية لترتيب فترة انتقالية يتحاصص فيها حزب صالح والإصلاح وهذا ماتم مع نهاية 2012 بداية 2013م.

هذه الحملة الإعلامية والعسكرية ، هي بداية العدوان على اليمن ، فالتوجه السائد هو إخلاء الساحة من كل القوى الوطنية التي ترفض التدخلات الخارجية والوصاية الخليجية السعودية على اليمن ، قبل أن تتحول إلى الأمور إلى ثورة أطاحت بهذه القوى جميعها .

لقد كان العنوان الرئيسي لإعلام الثورة الجديدة هو إسقاط التدخل الخارجي ، وإيقاف استهداف اليمن عبر جرة إلى التقسيم ، وبناء اليمن الجديد وتحقيق الاستقلال وتمكين اليمنيين في الحكم بعيداً عن التدخلات الخارجية الواضحة والتي لا تحتاج إلى تدليل .

 لقد تغلب إعلام الثورة سريعاً وأطاح بمنظومة متكاملة من إعلام الطرف الآخر ولامس قلوب المواطنين وتوافق مع معتقداتهم السليمة ، وكان ذلك واحد من أسباب نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014م.

لا يمكن فصل العدوان الذي أعقب الثورة عن تلك المرحلة ، وبالتالي لا يمكن فصل التمهيد الإعلامي لدول العدوان وأدواته الداخلية عن تلك أيضا .

ولذلك : قبل الدخول إلى المرحلة الثانية من العدوان والذي بدأ قبل منتصف 2015م لا بد من التأكيد على أن إعلام العدوان فشل للأسباب التالية: 

  ـ أنه تحريضي يدعو لاستباحة دماء الطرف الآخر باستخدام اللغة المذهبية والطائفية ، ولذلك لم يستجب له سوى العناصر المنظمة وليس العامة

ـ أنه متناقض مع مشاهدات الناس وانطباعهم الذي تكون منذ سنوات عن أنصار الله إذ أن غالبية الشعب اليمني لم يكن ينظر إلى حروب صالح في صعدة باعتبارها حروب وطنية ، بل حروب مدفوعة سعودياً وأمريكياً.

ـ السبب  قبل الأخير أن أنصار الله امتلكوا إعلاماً سريعاً وتعاون معهم الكثير من الاعلاميين الوطنيين والكتاب والصحفيين بعد ان تم الفرز السياسي وبدات تتكون مراكز قوى ناشئة

ـ أما السبب الجوهري في هزيمة إعلام الطرف الآخر ان الحركة العلمائية والقبلية خطفت الأنظار ووجه العامة فتكونت قوة شعبية حافظت على بقاء الثورة ومكتسباتها.

الأمر البارز وأنا لا أسميه سبباً لأنه أعلى من ذلك ، هو بروز شخصية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كقائد جماهيري صادق ووطني وحكيم وشجاع ، وأعتقد أن ذلك أسقط كبريات الحملات الإعلامية بمختلف وسائلها.

مرحلة العدوان العسكري أو العدوان الدولي والإقليمي.

على الرغم من أن دول العدوان صدمت بأحداث الثورة السريعة وسقوط أدواتها بصورة غير مفهومة لهم حتى الآن ولذلك لا يزالون يتخبطون في قرءآتها ، إلا أن السعودية صدقت تقييمها ووثقت من التقارير الاستخباراتية ومعها أيضا الولايات المتحدة الأمريكية ، رمت بثقلها في حرب عدوانية على اليمن مبنية على تقدير يقول التالي :

ـ سيحصل سقوط عسكري لأنصار الله والقبائل المتحالفة معهم لمجرد استهداف مراكز القوى العسكرية ودعم أدواتها بريا للعودة إلى صنعاء وصولا إلى صعدة ، وهي الأهم

ـ ستتحكم الرياض بالحكم في اليمن وستضع هادي باعتباره ممثل عنها وليس رئيسا كامل الصلاحية ، إذ أن إعادته إلى كرسي الحكم بقوات عسكرية سعودية وإماراتية وبدعم أمريكي لا يمكن مقارنته برئيس منتخب أو توافقي .

هذا التقدير لم يجعل الرياض وواشنطن وأدواتهم المحلية يهتمون كثيرا بوضع دعاية إعلامية تستقطب اليمنيين ، فموضوع إعادة الشرعية لعبدربه منصور هادي لا تصلح أن تكون دعاية إعلامية يمكن الاستقطاب بها أو التأثير على الرأي العام المحلي ، بل كانت شماعة تخاطب بها المجتمع الدولي والرأي العام الخارجي .

عندما وجدت السعودية وتحالف العدوان عجزا في الشهور الأولى وكسرت الصدمة الأولى أمام صمود اليمن واليمنيين، أَحْدَثَ ذلك تحولا كبيرا ليس في الداخل بل أيضا في الخارج، فالمشهد الذي نقل للتظاهرات الواسعة في باب اليمن في اليوم الأول من العدوان رفضا للعدوان استدعى حتى الرأي العام العالمي ، لقد كانت هذه التظاهرة الصلبة هي التي حددت مسار الإعلام الوطني والجهاد الإعلامي في مواجهة تحالف العدوان ، الحملة تلقائيا تحددت الدفاع الوطني ضد عدوان خارجي يستهدف اليمن، أن أي دعاية لن تصمد أمام إعلام وطني يرفع هذا العدوان.

عندما وجدت السعودية أن شعار حملتها الإعلامية لا يمكن أن تستقطب عنصراً واحداً فليس هناك من هو مستعد للذهاب للقتال من أجل إعادة عبد ربه منصور هادي ، وهذا الأخير لا يحظى بشعبية أحدٍ ولم يكن على رأس قوى سياسية في البلاد بطولها وعرضها ، ولهذا ذهبت السعودية إلى دعاية أكثر سوءا عندما عنونت أن حملتها العسكرية من أجل إعادة اليمن إلى الحضن العربي ومواجهة إيران!!

لقد توضح أن العدو يفقد الدعامة الإعلامية الصحيحة والواضحة وأن قنواته ووسائله بكل تسمياتها سيذهب إلى مزيد من التخبط  وعدم الاقناع والتناقض وعدم الوضوح والفراغ الكبير ، وبالتالي لن ينجح.

وفي المقابل الإعلام الوطني والجهد الاعلامي قائم على دعامات ثابتة وراسخة ، الأولى الدفاع الوطني ضد عدوان خارجي يستهدف اليمن ، وثانيا كشف جرائم العدوان التي بدأت تتضاخم وفي كل محافظة ، ومن هنا كانت القضية الوطنية والمظلومية هي الإعلام الوطني وهي التي تؤثر وتتابع بشكل كبير وواسع وتغلبت على عشرات القنوات والمؤسسات الإعلامية التي يملكها الطرف الآخر.

الإعلام الحربي الوطني والكذب الإعلامي السعودي

في الحروب ، الصورة هي التي تنقل المشهد، ولكن المصور الإعلامي يحتاج إلى قوة عسكرية تصنع الانتصار لكي ينقله، هذه الثنائية ، هي التي خطفت المشاهد المحلي والعربي والدولي، فما حصل في اليمن من انجاز عسكري لاحقته الكاميرا في جبهات الحدود مع السعودية أو في جبهات مختلفة من الصعب التفوق عليه ، بينما كان الطرف الآخر لا يستطيع أن يجاري الإعلام الوطني، ذلك أن قوته في الجو وفي الطائرات والمقاتلات الحديثة، وهذه لا تعكس أي شيء، بينما كانت أدواته على الأرض هم الطرف المهزوم باستمرار.

كإعلام مسموع أو مشاهد او مقروء، الجبهة الوطنية مريحة ان تقول كل شيئ ولديك ثقة كبيرة بأن الصورة هي دليل قاطع ، وثانيا : الزمن : لقد مني العدوان بهزيمة ساحقة صنعها لنفسه عندما كان يحدد زمن انتصاره وهو لم يحقق ذلك ، لقد تحول ناطق العدوان السابق واللاحق إلى مادة للتندر في العالم ، إذ أن هذه السنوات الطويلة من الحرب ومن الصمود تجعل المتابع العربي والدولي يسأل عن التحالف أين وصل ، كان إعلام العدوان مضطر أن يكذب لثلاثة أسباب:

السبب الأول لرفع معنويات أنصاره في المعسكرات والجبهات.

السبب الثاني لتضليل الرأي العام العالمي الذي يطرح أسئلة باستمرار عن الزمن وعن الفشل الذي يلاحق السعودية.

السبب الثالث لإخفاء الجرائم التي يقوم بها التحالف ، في حين أن المنظمات الإنسانية والإعلام المحايد كان يكشف العكس وبالتالي يظهر جرائم العدوان.

هذه الأسباب جعلت إعلام العدوان رفيق التضليل وغير مصدق حتى من جمهوره 

بينما كان ذلك يحقق نقاط قوية من المصداقية والمهنية للإعلام الوطني الذي كسب جمهوراً عريضاً وواسعاً من مختلف التوجهات داخلياً وخارجياً.

الحديث يطول عن المعركة الاعلامية لأن مراميها وطرقها متشعبة وتحتاج بحوث عديدة لنقاشيها.

الدلالات: