في عصرنا تبوأ الإعلام المكان الأهم والأكثر تأثيراً في المجتمع دينيا وفكريا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا تغلّب على السياسة وتحكّم بها ، فاق القوة العسكرية وانتصر عليها وتحكم في قراراتها ومعاركها وحدد مصيرها، اخترق المجتمعات المغلقة ورفع شعوبا وسحق أخرى إذا أُحسِنَ التعامل معه والتحكم فيه وامتلاك أدواته فهو السلاح الفتاك، وإذا أهمل وهُمِّشَ وعبث العاجزون به فهو الثغرة الأوسع لمرور واجتياح مؤامرات وأجندات الأعداء، ونحن هنا في اليمن نحن أحرار ورواد وأبناء الثورة المباركة التي خضنا غمارها لنحرر البلد من وصاية جيران السوء واستكبارهم (المستعمر السري حسب وصف البردوني) نحن أحد أعمدة محور المقاومة للاحتلال والاستكبار الصهيوأمريكي.
الطامحون إلى تحقيق الانتصارات الكبرى لاستحقاق السيادة والكرامة وتحرير أراضينا المحتلة وعلى رأسها أرض فلسطين الحبيبة، ونحن خارجون من احتلال سعودي وهابي سياسي فكري ثقافي اقتصادي اجتماعي استهدف تدمير كل مجالات تميزنا واستقلالنا وقيمنا العربية الأصيلة.
ماهي امكانيات الاعلام للمساهمة في تنفيذ اهداف ثورتنا المباركة
قبل استعراض امكانيات الاعلام في معالجة بؤر ومنابع الضعف والمرض التي ورثناها من نظام العمالة الساقط يفترض أن نشخّص هذا الواقع الذي نسعى لتصحيحه ومعالجة اختلالاته عبر القرون الماضية التي كان اليمني مثالا ونموذجا للدين والاخلاق والقيم والصدق والأمانة حيثما حل وارتحل حتى أصبحت هذه المثل والقيم وسماً يرتبط بأبناء اليمن فنشروا الإسلام في شرق اسيا بأخلاق وصدق وأمانة اليمني الملتزم ولم نحتاج إلى سيوف ودماء وثارات ما سُمِّي بفتوحات ملوك بني أمية وبني العباس التي سُحقت بالسلاح الذي استقوت به، فكيف استطاع الأعداء اختراق مدامكنا العقدية والفكرية والثقافية حتى أصبحنا نعاير في بلاد الاغتراب بحوادث النصب التي تورط فيها يمنيون وحتى أصبحت المشاكل والخلافات والنزاعات البينية تستهلك أغلب طاقتنا وجهودنا وثرواتنا.
تعاقب علينا الاحتلال المصري المباشر حتى عام ١٩٧٠م، ثم الاحتلال السعودي السري منذ مؤتمر المصالحة في الطائف واستمر تأثير المسلسلات والأفلام والصحف المصرية الهابطة في الاستئثار بكامل مساحتنا الإعلامية إلى فترة انتشار البث المباشر عبر الأقمار الصناعية ومن هذا الفكر دخلت أفكار وثقافات وممارسات وسلوكيات لا يعرفها أبناء اليمن الملتزمين كما رافق ذلك سريان غزو مذهبي ثقافي فكري قيمي سعودي عبر المناهج الدراسية والمعاهد العلمية واستحواذ مندوبي الوهابية على منبر الجمعة والأوقاف والجامعة ومنابر الثقافة والإعلام وبأموال النفط المدنسة روجت الأفكار ونشرت ودعمت سياسياً وعسكرياً وبدعم مخابراتي سعودي وغربي أنشئت الجماعات التكفيرية المتطرفة لتدمير اليمن وكل بلاد العرب والمسلمين وتم استثمارهم فعلا في تدمير سوريا والعراق وافغانستان.
وداخلياً أنظمة العمالة التي يتحكم السفير السعودي في كل تصرفاتها وقراراتها قامت باستهداف إضعاف وتدمير كل مقومات قوتنا واستقلالنا وتميزنا فنهبت موارد البلد وأرسلتها إلى منتجعات العالم لتستثمرها لمنفعتها الشخصية والأسرية ولو استثمرتها داخل البلد لحققت مشاريع قومية كبرى كان بإمكانها أن تغير واقع البلد وأضعفت التعليم وهمشته ودمرت الاقتصاد وفرغته من مقوماته، دمرت الصحة والزراعة والصناعة والرعي وكل مقومات المجتمع واستهدفت تدمير القيم والاخلاق والاعراف نفخت ولمعت ودعمت واستعملت مسحوقي المجتمع ذوي الاخلاق السيئة والهابطة بغرض تعميم ونشر سلوكياتهم السوقية والممقوتة في المعسكرات وكل وحدات الشرطة والجيش واستهدفت سحق الشخصيات والكرامة والعزة والانفة اليمنية عبر ممارسات وسلوكيات نفسية شيطانية وعبر نشر الفاظ خادشة وساقطة ومدمرة، ونشرت ثقافات وممارسات إدارية مسمومة وملغمة تستهدف تعطيل العمل الحكومي وإفساده وكل العاملين فيه حتى اصبحت الوحدات الحكومية معطلة عديمة المنفعة والجدوى ان لم تكن بؤرة من بؤر الفساد ونهب المال العام والخاص.
ونحن ورثنا كل هذا الدمار والعفن ونحتاج ونسعى لمعالجته وتصحيح الواقع
نحتاج لكشف الواقع المزري تفصيلا وفي كل المجالات نحتاج لاظهار مكامن الفساد والتلوث والتعطيل والاضعاف، نحتاج لإظهار خطأ وانحراف السلوكيات والممارسات التي اعتادها الناس وأصبحت متغلغلة في الوعي الاجتماعي وأصبحت ثقافات مغلوطة يتدافعون للدفاع عنها والحفاظ عليها.
وذلك عبر إيضاح أثارها وعقوباتها للمتلوثين بها وللمجتمع، نحتاج لنشر وترويج وتيسير وتقريب الثقافات الملتزمة المترجمة للإسلام السمح الوسطي الذي اعتنقه وحافظ عليه اليمنيون عبر القرون، نحتاج لمحاصرة ونقد وكشف الأفكار المتطرفة التي موّلتها ونشرتها أموال النفط الدخيلة على المجتمع، نحتاج لنشر ثقافات التسامح والتعايش والرحمة التي ورثناها عن آبائنا وقدواتنا وأعلامنا المستبصرين،
نحتاج لنشر الثقافات والسلوكيات الصحية الزراعية الصناعية الانتاجية التعليمية الثقافية الإعلامية الصحيحة والقوية والنافعة في الدنيا والآخرة فسلوكياتنا السيئة هي نتاج ثقافات وسلوكيات خاطئة استوردها مدعي الثقافة من مجاهل الشرق والغرب وهي رافقت الانفتاح الفوضوي غير الواعي على تجارات ومنتجات العالم وتحتاج دراسات وبحوث متخصصة تمهيدا للتنظيف والتصحيح وإقرار الصحيح والصحي منها ورفض وإلغاء الضار والمدمر
وكذلك سلوكياتنا وممارساتنا الإدارية والمالية والقانونية تحتاج لتشخيص وتحليل بغرض إلغاء وترك الخاطئ والمدمر والسلبي واعتماد الايجابي النافع أو استجلابه وإقراره وسلوكياتنا الاجتماعية التي تغيرت وتبدلت في العقود الماضية لتصبح كمالية ترفية متكاسلة عديمة المنفعة والانتاج يجب كشف سلبيتها وانحرافها واثارها الكارثية لنعود لسلوكياتنا العريقة سلوكيات العمل والانتاج والابداع والتعب والعرق والاجتهاد في المزرعة والحقل والمعمل والورشة والمكتب، نحتاج لإعادة تقديس قيم وسلوكيات العمل والإنتاج واحترامها والرفع من شأنها وشأن المشتغلين بها عوضا عن تقديس المطربين والرقاصين وأبطال الألعاب الذين اخترعتهم الحضارة الغربية لإلهاء الشعوب وتخديرهم وإضاعة اوقاتهم (كما أوضح أرسطوا عن الحضارة اليونانية القديمة).
نعم يمكن للإعلام أن يكون حامل ومنفذ وناشر ومصحح كل هذه الثقافات المغلوطة واستبدالها بثقافات وسلوكيات وممارسات صحيحة وقوية ومشرفة فقط إذا أحسنا وأجدنا وابدعنا في استخدام هذا الفن والعلم والسلاح ونعم بإمكاننا فعل ذلك بعون الله وكرمه وتوفيقه وبحسن الاختيار.