إنه (المشهدُ بثمن الدم)، تختزل العبارة قيمة الدور التوثيقي التاريخي المحوري للإعلام الحربي وجنوده كشهود على مرحلة تاريخية قد تكون الأخطر في تاريخ اليمن الحديث، وعلى المدى المنظور بالإمكان إضفاء صفة (أقدس مهمة إعلامية) تؤدى في خضم معركة اليمنيين المقدسة ضد العدوان الكوني عليهم.
حفظ التاريخ من عقدة التحريف
بالإضافة إلى الدور الأساسي للإعلام الحربي المواكب لمعركة التحرر الوطني من عشرات الجبهات كرافعة إعلامية لبطولات الجيش واللجان الشعبية فإنه، وهو الأهم، الجهة الرئيسية الوحيدة تقريبًا التي تحفظ التاريخ من عقدة التحريف التي تحدث عادة عقب محطات تاريخية كبرى، وهي مهمةٌ يمارسها جندي الإعلام الحربي من مترسه المتقدم في الجبهة الإعلامية، الجبهةُ التي تخوض معركة لاتقل شراسة وقداسة عن المعارك الميدانية والبطولات التي يجترحها أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات.
من موقع رأس حربة الجبهة الإعلامية تصدّى مجاهدو الإعلام الحربي لأكبر عملية تضليل ومخادعة للوعي المحلي والعالمي شنها العدو بواسطة أضخم ماكنة إعلامية تمهيدًا للعدوان على اليمن ومواكبةً لفصوله الاجرامية، وقد سجّل ثلةٌ من شباب الإعلام الحربي المجاهد سلسلةَ نجاحاتٍ باهرة ألحقت الهزيمة -بدرجة العار- بكلِ وسائل إعلام العدوان الضخمة والحديثة المتطورة وبمن يقف خلفها ويديرها من منظري الحرب الناعمة وخبراء الدعاية و الإعلام وعلم النفس. ولعلنا نتذكر جميعاً أول مشهد عرضه الإعلام الحربي لمجاهدٍ من اللجان الشعبية في الحد الشمالي على تخوم نجران وهو يرتجزُ رافعاً بندقيته وفي خلفه مدرعةٌ أمريكية محترقة ويردد عبارته الشهيرة: (هذا هو اليمني ) التي أضحت أيقونة في قاموس مفردات معركتنا المقدسة؛ لقد نجح مشهد واحد لمجاهد يمني من وسط خط النار في أقصى نقطة التحام من جبهة الحدود في إفشال وإفساد أكثر من شهرين من حفلات إعلام العدوان وزحوفاته الإعلامية المركّزة والمتواصلة، وفي ذروة نشوة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، أسكت ذلك المشهد الخالد نعيق إعلام العدو المتحصّن بكذبة الشرعية والمتدثر بيافطة العروبة وسواها من اللافتات الإنسانية والشعارات القومية، مما تبين لاحقاً وبفعل ضربات المشاهد الساخنة والملحقات الاخبارية والحلقات الميدانية خواؤها وخوارها.
تصويب الوعي العالمي
لقد خاض الإعلام الحربي حربه المقدسة بجيش من الفتية المؤمنين بربهم المخلصين لقضيتهم والمنتصرين لشعبهم، وانخرطوا كبقية إخوتهم في مختلف الأقسام والجبهات برصيد لا محدود من الإيمان بالله والتوكل عليه، فتمظهرت من عدساتهم بواكيرُ الصمود اليمني في أبسط وأبيَن صورها، ففي الوقت الذي كان العدوان بجناحيه الدبلوماسي والإعلامي يمارس أوسع عملية تشويه للحقائق وتزوير للوقائع استجلاباً للتعاطف الدولي وشراءً للمواقف، بدأ الإعلام الحربي ببضع صور و مشاهد جبهاوية جهادية في ترميم و تصويب الوعي العالمي بتقديم جانباً مهماً من الحقيقة اليمنية المغيّبة عن العالم، ما مكّنه من لفت أنظارِ المتغافلين وإثارة شكوك المقتنعين بكذبة العدوان وشعاراته، وصولاً إلى اختراق العزلة المفروضة والحصار المضروب على كثير مما يدور في اليمن سواء على الصعيد الإنساني أو على صعيد الجبهات والمعارك وانتهاء بخلق وتكوين رأي عالمي واع ومدرك لأبعاد الصراع وحيثياته وأسبابه، وبالتالي متعاطف ومساند للشعب اليمني.
على سبيل الذكر لا الحصر ، فبينما ظلت كثير من الجرائم التي يرتكبها العدوان الأمريكي السعودي على اليمن مجردَ تهم غير مثبتة، قدّم الإعلام الحربي أدلةً قطعيةً لها من قبيل الأسلحة المحرّمة دولياً التي استمرأ العدوان استخدامها بكثافة في الجبهات بل وحتى في المدن والقرى الآهلة بالسكان، ركونا الى أحكامه الحصار الإعلامي من جانب وإسكاته الصوت الإنساني من جانب آخر، وعلى نحو غير مسبوق كماً ونوعاً مازال إرشيف الإعلام الحربي يزخر بمئات المشاهد والصور لأنواع القنابل والصواريخ المجرّمة في القانون الدولي والعرف الإنساني، والمعدة لتقديمها بين يدي العدالة الدولية الغائبة.
ماهم إلا كراتين "خدمة جليلة للإنسانية"
لقد أثبت الإعلام الحربي أن تلك الآلية المدرعة التي عمل الإعلام الغربي والأمريكي على تضخيمها وتهويلها في بروباغندا الإعلام والتسويق، مجرد حديد يعطبها رصاصة مجاهد يمني في الإيمان مكين، إن تلك المصفحة المدججة بالسلاح والتي كادت تكون آلهة العصر وصنم الرأسمالية المعبود خوفاً من أمريكا وخشية سطوتها، قضت ولاعة ورصاصةُ اليمني عليها وأحالتها دخانا محطمة الوهم المصطنع المحيط بالإمبريالية ومقدمة -عبر نافذة الإعلام الحربي- خدمة جليلة للإنسانية بإعادة تصحيح نظرتها لذاتها تحقيقاً لقداسة وجودها وتحريراً لوعيها بدورها الإنساني الحضاري المستقل، وهو جانب جدير بالتأمل والتعمق إنصافاً للإعلام الحربي وشهدائه الكرام، وتذكيرا بحساسية وريادة دوره في الصراع الحضاري القائم.
في العام الأول من العدوان ومع ضغط العمليات العسكرية وزخم المعارك المتصاعدة وتواصل الاشتباك وامتداده على عشرات الجبهات من الحدود الشمالية وحتى الجنوب أضحت كاميرا جندي الإعلام الحربي أخشى ما يخشاه العدوان من بين كل الأسلحة اليمنية المتواضعة، إذ أنه وقبل كل الأسلحة استطاع الإعلام الحربي النيل من غرور وعنجهية العدوان بدءا من الوكلاء وصولا الى الأصلاء، والذين حاولوا بإصرار التستر على هزائمهم مكابرةَ الإعتراف بالهزيمة و"النزول من الشجرة؛ إلا أن فرسان الإعلام الجهادي نجحوا وببصمة صوت تسابيحهم -ابتداء بذكر الله وانتهاءً بالصرخة- نجحوا في وضع أوراق ثمينة في يد القيادة الثورية والسياسية وعلى طاولة المفاوض اليمني، وهو أمر يغفل عنه الكثيرون.
صدق المشروع والقضية
بعيداً عن بعض نماذج الإعلام العسكري التي ربما تتباهى بتقديم مواد التنكيل بالجثث والتبجح بجرائم الإبادة والاستقواء على المدنيين لإظهار عناصر القوة والتسلط والتجبر لترهيب الخصوم بأي كيفية، قدم الإعلام الحربي اليمني النموذج الإنساني والأخلاقي بأبهى صوره، وهو يواكب معركة المستضعفين الحفاة بأسلحتهم التقليدية البسيطة مع جيوش وجحافل المعتدين المدججين بأحدث وأفتك أسلحة عرفها الإنسان، مختصرين بذلك مشهد ثبات أصحاب القضية والإنتصار للمظلومية ولو بالحجارة والبندقية مقابل أفتك الأسلحة.
على المنظور الإنساني والأخلاقي والديني لم توثق عدسات الإعلام الحربي معركة تحرر واستقلال فقط، بل ومعركة قيم وأخلاق لن تجدها حتى في أشهر روايات الحرب والسلام، مقدمةً المشروع القرآني الذي ينتمي إليه أبطال المشهد وهم يحمون خصومهم الأسرى خشية أن يتخطفهم الطيران الذي أنهى للتو عقد صداقته معهم عقب وقوعهم في الأسر، وهم يرحبون بالأسرى بعبارات وأفعال التطمين والعناية وتقاسم الأكل والماء والدواء بإنسانية وأخلاق قل نظيرها وبصورة مؤثرة قد لا تستوعبها سيناريوهات الدراما الواقعية والتمثيلية.
هذا المشروع ببساطة وتواضع وإيمان وأخلاق المجاهدين مع بعضهم البعض ومع خصومهم يوحي للمراقب -أياً كان- بخلفيات انطلاقة المجاهدين وقضيتهم المحقة والعادلة وصدق مشروعهم القرآني، ما يراكم رصيداً أخلاقياً ينعكس مزيداً من الإقبال في الداخل والخارج للتعرف على مشروع تفوق ميدانياً ونظرياً وثقافياً وأخلاقياً على حلف هو الأغنى والأكثر والأقوى كماً ونوعاً بكل ما يحمله من أرقام تقزمت أمام مشروع جعل من الحجارة أرقاماً تهوي إليه القلوب، وتروي ظمأ أرواح عطشى لذلك الهدف من وجودها لتثمر حياة عزيزة كريمة أرادها الله تعالى لعباده المؤمنين.